رئيس الوزراء مصطف مدبولي. الصورة: الصفحة الرسمية لرئاسة الوزراء- فيسبوك

"المبادرة المصرية": الموازنة خالية من حسابات كورونا ومخصصات الصحة أقل من الحد الدستوري

منشور الأربعاء 1 يوليو 2020

كشفت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن موازنة الحكومة للعام المالي المقبل لم تستجب بالقدر الكافي لتحدي وباء كورونا، ولم تستغل الحكومة بها الفرصة للاقتراب من الحد الدستوري الأدنى للإنفاق على الصحة.

وذكر المركز الحقوقي في ورقة تقييم لمشروع الموازنة العامة، بعنوان "رغم الوباء: موازنة الحكومة لعام 2020-2021 خالية من الكورونا، أصدرها اليوم الأربعاء 1 يوليو/ تموز، والموافق تاريخ الإعلان الرسمي المعتاد عن الموازنة السنوية، أن نسبة الإنفاق الدستوري على الصحة في العام المالي الجديد "ثالث أدنى نسبة للإنفاق على الصحة في السنوات السبع الماضية".

قطاعات تعاني

ذكرت المبادرة في مقدمة تقييمها للموازنة الجديدة أن بياناتها، وبشقيها الموارد والمصروفات "لا تعكس حتى الآن الظروف التي طرأت على الاقتصاد المصري بسبب انتشار كورونا، الذي داهم العالم في ديسمبر 2019، بالتزامن مع بدء الحكومة في المرحلة الأولى من دورة إعداد الموازنة العامة، والتي تستمر حتى نهاية مارس 2020".

واستعرضت المبادرة جانبًا من البيان الحكومي التمهيدي بشأن الموازنة، وكذلك ما اتخذته السلطات من خطوات فعلية في الفترة المتزامنة مع ظهور وانتشار كورونا.

وذكرت المبادرة أن "الحكومة قدّمت أكبر حزمة تحفيزية للاقتصاد قبل نشر البيان التمهيدي. وفي 14 مارس/ أذار 2020، أعلن الرئيس تخصيص 100 مليار جنيه لتمويل خطة لمواجهة كورونا وما تتضمنه من إجراءات احترازية، وبعدها أصدر مجلس الوزراء والرئاسة بيانات تؤكد أن هذا المبلغ تم تدبيره من الاحتياطيات العامة المخصصة للتعامل مع الظروف الاستثنائية".

وفقًا للمبادرة المصرية "طرأ على الموازنة العامة خلال العقد الماضي تطور كبير، لكن التغير الأبرز يمكن تلخيصه في جملة واحدة: كل القطاعات تعاني من نقص التمويل بسبب ارتفاع مدفوعات الفوائد والأقساط".

استجابة غير كافية

طرحت الورقة الحقوقية أسئلة بشأن الموازنة والمستجدات التي طرأت عليها، وكان أولها هو "درجة استجابة الحكومة للتعامل مع الجائحة كأهم تحدٍ صحي يواجه الدول حاليًّا".

وقالت المبادرة إن "مخطط رفع الحكومة الإنفاق على الصحة إلى 93.5 مليار جنيه مقارنة بـ73.1 مليار في مخطط العام السابق، بمعدل نمو يبلغ 28%، يختلف كثيرًا عما تعهد به وزير المالية، محمد معيط أمام مجلس النواب برفع الإنفاق على الصحة إلى 258 مليار جنيه".

وأعلن وزير المالية محمد معيط، أمس الثلاثاء، أن "موازنة 2020/2021، ستكون أكبر موازنة عامة للدولة، بقيمة 2.2 تريليون جنيه"، مؤكدًا أنه "تم استيفاء الاستحقاقات الدستورية من أبواب الموازنة المختلفة للإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمي بواقع 682.5 مليار جنيه".

وأكد الوزير "تقديم كل الدعم للقطاع الصحي بتوفير أي اعتمادات إضافية أثناء التنفيذ الفعلي للموازنة، وتلبية الاحتياجات الملحّة والحتمية من الأدوية والمستلزمات الطبية بما يُمَّكن من اتخاذ الإجراءات الاحترازية ضد فيروس كورونا".

لكن الورقة الحقوقية ذكرت أن "بعض المخصصات المرصودة للصحة بغض النظر عن كورونا، تتمثل في 3.33 مليار جنيه للهيئة العامة للرعاية الصحية، بجانب بعض أوجه الإنفاق الأخرى التي لا تظهر في مخصصات الصحة، وهي رفع مخصصات التأمين الصحي والعلاج على نفقة الدولة لتصل مجتمعة إلى 10.6 مليار جنيه، و885 مليون مخصصات دعم التأمين الصحي الشامل لغير القادرين من أصحاب المعاش الضمان الاجتماعي".

وعقّبت المبادرة بذكر أن "مجموع الإجراءات المعلَن عنها لا تزيد على ربع مبلغ الزيادة المخطط لموازنة قطاع الصحة، ومن غير المعلوم فيمَ ينفق باقي المبلغ المخطط".

بحسب الورقة الحقوقية فإن "الحكومة تخطط لزيادة نسبة الإنفاق على الصحة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.37% مقابل 1.19، لكن هذه الزيادة ما زالت أقل من نصف الحد الأدنى الدستوري للإنفاق العام على الصحة، والذي حدده الدستور بـ %3 من الناتج القومي الإجمالي، وهي ثالث أدنى نسبة للإنفاق على الصحة في السنوات السبع الماضية".

وخلصت المبادرة إلى أن "الإنفاق الحكومي على الصحة زاد بحوالي 20 مليار جنيه، إلا أن الموازنة لم تستجب بالقدر الكافي لتحدي جائحة كورونا، كما لم تستغل الحكومة الفرصة للاقتراب من الحد الأدنى الدستوري للإنفاق على الصحة. وأما البيانات المتاحة لا توضح أين يذهب ثلاثة أرباع الزيادة في المخصصات؛ ما لا يتيح المتابعة والتأكد من حسن إنفاق الزيادة على الصحة".

أخطاء الآخرين

ساقت المبادرة في ورقة تقييم الموازنة تجربة البرازيل في التعامل مع كورونا، والتي وصفتها بأنها "من أقل الدول استجابة في مواجهة الوباء؛ وتتصدر حاليًّا المرتبة الثانية حول العالم في عدد الإصابات بسبب تجاهل التعامل مع الجائحة، حيث استقال اثنان من وزراء الصحة اعتراضًا على نقص المخصَّصات وتقاعس الدولة عن إجراءات الوقاية".

وأضافت أن البرازيل أمام ما وقع لجأت ﻹجراءات من بينها "زيادة إنفاق النظام الصحي بواقع 1 تريليون بيزو كولومبي (4 مليارات جنيه مصري)، وتعظيم الاستفادة من أسرّة المستشفيات، والأماكن المخصصة للتشخيص، وتشجيع العلاج عن بُعد عن طريق تطبيق على الهاتف المحمول باسم نجدة كورونا، لتقديم المعلومات والمشورة والإجابة عن الاستفسارات".

تكلفة التدابير

ثاني الأسئلة التي طرحتها المبادرة المصرية كان عن "التدابير التي تخطط لها الحكومة للحد من الآثار الاجتماعية للجائحة والحظر الجزئي. ما هي؟ وكم تبلغ تكلفتها في الموازنة العامة؟"، وهو ما أجابت عنه بعقد مقارنة بين "المأمول والمتوقع ببيانات الموازنة العامة المتاحة".

ذكرت الورقة أن "أعباء الديون تلتهم الموارد العامة، خاصة بند أقساط القروض الذي يعتبر صاحب أكبر معدل زيادة مقارنة بكل القطاعات الأخرى".

في المقابل، وعن كيفية استجابة الدعم المخصص من الحكومة إلى الملايين من المواطنين الذين فقدوا وظائفهم، ذكرت أنه "إجمالًا، تنخفض قيمة بند الدعم وفقًا للتقسيم الحكومي بنسبة 18% في الموازنة الجديدة، لتصل إلى 140.7 مليار جنيه، مقارنة بمبلغ 171.8 في العام المالي الحالي".

وبالمثل، كشفت المبادرة أن "مخصصات الدعم التمويني ستتقلص خلال العام المالي المقبل بمقدار حوالي 3.5 مليار جنيه، بحسب بيانات الموازنة العامة المقدمة إلى مجلس الشعب، بينما تزيد مخصصات الدعم النقدي حوالي نصف مليار جنيه".

عن الدعم، ذكرت ورقة المبادرة أن "الدعم الموجه إلى الصادرات ارتفع إلى 7 مليارات جنيه"، وهو ما وصفته بأنه "اختيار يدعو إلى التساؤل في ظل تفشي جائحة كورونا، حيث ينبغي إعطاء الأولوية إلى الإنتاج المحلي من السلع الغذائية والأدوية والخضر والفاكهة، من أجل إتاحة تلك السلع الأساسية في السوق المحلية بكميات كافية وعدم وجود نقص بها".

وتناولت المبادرة أيضًا مخصصات "المزايا الاجتماعية"، وهي "تحويلات يحصل عليها القطاع العائلي لتغطية الاحتياجات التي يمكن أن تطرأ نتيجة للمخاطر الاجتماعية، مثل المرض والبطالة والتقاعد"، مشيرة إلى أنه "من المُخطط أن تبلغ مخصصاتها 124.1 مليار جنيه مقابل 127.2 مليار العام الحالي".


اقرأ أيضًا| كورونا يطارد الكوافيرات أيضًا: أعمال راكدة وزبونات يتنازلن عن التجمّل


وعلّقت بالقول إن "عام الجائحة من المخطط أن يشهد نقصًا في التحويلات إلى القطاع العائلي في مواجهة المخاطر الاجتماعية"، وأن بند الدعم التمويني "سيستحوذ على النصيب الأكبر من المزايا الاجتماعية، إلا أنه ينخفض عن العام المالي السابق له".

وعقّبت المبادرة "التوفير في بند الدعم التمويني أكبر من الإضافة للدعم النقدي، حيث يزيد العلاج على نفقة الدولة بمقدار مليار جنيه. وكذلك معاشات الضمان الاجتماعي (تكافل وكرامة تشكل الجزء الأكبر منها) بمقدار نصف مليار جنيه".

وتابعت "تبقى معظم بنود المزايا الاجتماعية ضئيلة وهي إما ثابتة أو تقل عن العام الماضي، وينخفض بند احتياطي الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية إلى حوالي الثلث مقارنة بالعام المالي الماضي".

وخلصت الورقة فيما يتعلق بهذه الجزئية إلى أن "الجهات الحكومية تحصل على نصيب الأسد من الدعم الحكومي بواقع 49%، معظمها سداد ديون الحكومة، لصناديق المعاشات. وهي خطوة محمودة وفي الاتجاه الصحيح. ولكن ينبغي أن توضع في باب سداد القروض، لأنها خصم من مديونية الحكومة وليست دعمًا، وبالتأكيد لا تعد إنفاقًا اجتماعيًّا".

وأضافت أن "جزء لا يستهان به من الدعم الحكومي يوجه إلى جهات حكومية غير معروفة في الموازنة العامة، أكثر من 18 مليارًا، وهو مبلغ يقارب مخصصات تكافل وكرامة. بالإضافة إلى احتياطيات تفوق 9 مليارات جنيه، لا يستطيع المواطنون متابعة كيف سيتم إنفاقها خلال العام المقبل، بسبب نقص الشفافية في عرض البيانات".

مخارج وتبريرات

كان السؤال حول "كيفية تبرير الحكومة لعدم التزامها بالنسبة الدستورية للإنفاق على التعليم والصحة والبحث العلمي؟" هو آخر ما طرحته المبادرة في ورقتها، وأشارت إلى أن "الخطاب الحكومي السائد في السنوات الماضية كان يفيد بأنها تلتزم بنسب الإنفاق الدستوري على التعليم والصحة والبحث العلمي، بينما هي لم تصل بالإنفاق العام إلى المستوى اللازم لبلوغ أي من تلك النسب الملزمة دستوريًّا".

وفقًا للمبادرة، استمر هذا الخطاب الحكومي حتى هذا العام، وهو ما استشهدت عليه بما جاء في البيان التمهيدي الحكومي حول الموازنة، ونصّ على أنه "تم استيفاء نسب الاستحقاق الدستوري للصحة بمخصصات بلغت 254.5 مليار جنيه، وبزيادة نسبتها 45% عن مخصصات العام الماضي التي بلغت 78.9 مليار جنيه".

علّق المركز الحقوقي على إعلان الحكومة بالقول إنها "ابتدعت وسيلة لتغطية عدم التزامها بالاستحقاق الدستوري، ووافق عليها مجلس النواب للمرّة الأولى عام 2016-2017. وتتضمن 3 عناصر أولها الإضافة إلى مخصصات الصحة، بضم المستشفيات الجامعية إليها، لكن حينما اكتشفت أن الضم غير كاف للوصول للنسبة الدستورية ضمت الإنفاق على المياه والصرف الصحي أيضًا إلى الصحة، لكنه ظل أقل من النسبة الدستورية".

وأضاف أن ثاني الوسائل تمثّلت في "الخطاب الرسمي، إذ تشير الحكومة إلى أن كل ما ينفق على تحسين جودة الحياة من صرف صحي وشبكات مياه (بما فيها أجور العاملين بهذه القطاعات)، فهو يدخل في الإنفاق على الصحة. لكن مشكلة هذا الخطاب أنه لا يتناول التعليم، ولا البحث العلمي، لأن ما ينطبق على الصحة لا ينطبق عليهما".

أما ثالث وآخر الوسائل، وفقًا للمبادرة، فكان "تقسيم فوائد الدين الحكومي، وهو أكبر أبواب الموازنة العامة، على القطاعات المختلفة، ومنها الصحة، وهو ما يعني أن مخصصات الفوائد تذهب إلى الدائنين، وليس إلى تحسين الخدمات الصحية، أي أنه اقتطاع من الأموال التي تحتاجها التنمية ورفاهية المواطنين، وليست إضافة إليها".


اقرأ أيضًا.. يومياتي مع كورونا| أغلقت عيادتي الخاصة فتراجعت الوزارة عن المكافأة


واختتمت المبادرة المصرية ورقة التقييم بعدد من الاستنتاجات والتوصيات تمثلت في أن "الحكومة حين قررت إنفاق 100 مليار جنيه للحد من الآثار الاجتماعية والاقتصادية لانتشار فيروس كورونا، جاء نصيب القطاع العائلي من هذه الحزمة ضئيلًا أو لا يُذكَر، كما أن هذه الحزمة تتسم بعدم الاستدامة، إذ غابت أي ملامح للتحفيز في خطط وموازنات العام المالي التالي".

وأضافت المبادرة أن الحكومة "لم توجّه الموارد اللازمة لبلوغ أو للاقتراب من الحد الأدنى الدستوري للإنفاق على الصحة، كما أنها تخطط لخفض الدعم التمويني، ولم تخطِّط لتعويضات بطالة إضافية"، لافتة إلى أن "المؤسسات والبنوك الحكومية تحصل على جانب كبير من الدعم، وهناك مجال لدراسة أسباب ذلك وتفادي تكراره وسوء استغلاله".

واختتمت المبادرة بالتأكيد على وجود "حاجة ضرورية إلى إعادة النظر في درجة شفافية ووضوح تقسيمات الموازنة العامة، بحيث تسمح للمواطنين بتتبع الإنفاق الحكومي والتحليل والتقييم المستقل".