الرئيس عبد الفتاح السيسي - صورة من صفحة المتحدث باسم الرئاسة على فيسبوك

نص كلمة السيسي أمام الدورة الـ 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة 22/9/2020

منشور الأربعاء 23 سبتمبر 2020

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد الرئيس،

يطيب لي في البداية أن أتوجه بالشكر إلى السيد تيجاني محمد باندي على جهوده المتميزة كرئيس للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السابقة، متمنيًا لكم التوفيق في إدارة أعمال الدورة الحالية، بحكمة وموضوعية.

السيد الرئيس،

يكتسب عقد الشق رفيع المستوى لدورة الجمعية العامة هذا العام أهمية خاصة. إذ يتواكب مع الذكري الـ 75 لإنشاء الأمم المتحدة، ويتزامن مع ما يتعرض العالم أجمع لجائحة فيروس كورونا المستجد، التي خلفت حتى الآن خسائر بشرية مؤلمة وآثارًا اقتصادية واجتماعية عميقة.

السيد الرئيس،

إن مصر بحكم تاريخها وموقعها، وانتمائها الإفريقي والعربي والإسلامي والمتوسطي، وباعتبارها عضوًا مؤسسًا للأمم المتحدة، لديها رؤيتها إزاء النهج الذي يتعين اتباعه لتحسين أداء وتطوير فاعلية النظام الدولي متعدد الأطراف، مع التركيز بشكل أخص على الأمم المتحدة.

وأود أن أغتنم هذه المناسبة، لكي أستعرض بعض الإجراءات التي تتحري بشكل عملي تحقيق أهدافنا المشتركة في ركائز عمل الأمم المتحدة الثلاث.

المحور الأول، وفيما يتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين، بات من الضروري أن نتبنى جميعًا نهجًا يضمن تنفيذ ما يصدر من قرارات في الأطر متعددة الأطراف، مع إيلاء الأولوية لتطبيق القواعد والمبادئ المستقرة والثابتة في ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وهو ما يستلزم توافر الإرادة السياسية اللازمة لدى الدول، لاحترام وتنفيذ القرارات وتفعيل مهام الأمم المتحدة على صعيدين رئيسيين، أحدهما المتابعة الحثيثة لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، واتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لمساعدة الدول لتنفيذ التزاماتها وبناء قدراتها، مع مراعاة مبدأ الملكية الوطنية. والآخر، العمل على محاسبة الدول التي تتعمد خرق القانون الدولي والقرارات الأممية، وبصفة خاصة قرارات مجلس الأمن.

في هذا السياق، لم يعد من المقبول أن تظل قرارات مجلس الأمن الملزمة في مجال مكافحة الإرهاب، والتي توفر الإطار القانوني اللازم للتصدي لهذا الوباء الفتاك دون تنفيذ فعال، والتزام كامل من جانب بعض الدول، وتظن أنها لن تقع تحت طائلة المحاسبة لأسباب سياسية.

ومن المؤسف أن يستمر المجتمع الدولي في غض الطرف عن دعم حفنة من الدول للإرهابيين، سواء بالمال والسلاح، أو بتوفير الملاذ الآمن والمنابر الإعلامية والسياسية، بل وتسهيل انتقال المقاتلين الإرهابيين إلى مناطق الصراعات، خاصة إلى ليبيا، وسوريا من قبلها.

ويمتد حرص مصر على إرساء السلم والأمن الدوليين، ليشمل تجنيب الشعوب ويلات النزاعات المسلحة من خلال إطلاق عمليات سياسية شاملة، تستند إلى المرجعيات التي تضمنتها قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

فعلى صعيد الأزمة في ليبيا، تتمسك مصر بمسار التسوية السياسية بقيادة الأمم المتحدة، على أساس الاتفاق السياسي الموقع بالصخيرات، ومخرجات مؤتمر برلين، وإعلان القاهرة الذي أطلقه رئيس مجلس النواب وقائد الجيش الوطني الليبيان، والذي يعد مبادرة سياسية مشتركة وشاملة لإنهاء الصراع في ليبيا، ويتضمن خطوات محددة، وجدولًا زمنيًا واضحًا، لاستعادة النظام وإقامة حكومة توافقية، ترقى لتطلعات الشعب الليبي.

إن تداعيات الأزمة لا تقتصر على الداخل الليبي، لكنها تؤثر على أمن دول الجوار والاستقرار الدولي. وإن مصر عازمة على دعم الأشقاء الليبيين لتخليص بلدهم من التنظيمات الإرهابية والميليشيات، ووقف التدخل السافر من بعض الأطراف الإقليمية التي عمدت إلى جلب المقاتلين الأجانب إلى ليبيا، تحقيقًا لأطماع معروفة، وأوهام استعمارية ولى عهدها.

لذلك فقد أعلنا، ونكرر هنا، أن مواصلة القتال وتجاوز الخط الأحمر ممثلًا في خط سرت/ الجفرة، ستتصدى مصر له دفاعًا عن أمنها القومي وسلامة شعبها، كما نجدد الدعوة لكل الأطراف للعودة إلى المسار السياسي، بغية تحقيق السلام والأمن والاستقرار الذي يستحقه شعب ليبيا الشقيق.

وإذا كنا ننشد حقًا تنفيذ القرارات الدولية، وتحقيق السلام والأمن الدائمين في منطقة الشرق الأوسط، فليس أحق بالاهتمام من قضية فلسطين، التي ما زال شعبها يتطلع لأبسط الحقوق الإنسانية، وهو العيش في دولته المستقلة جنبًا إلى جنب مع باقي دول المنطقة.

لقد استنزف الوصول إلى هذا الحق أجيالا، واستنفد العديد من القرارات إلى حد بات يثقل الضمير الإنساني، ولا سبيل للتخلص من هذا العبء، وفتح آفاق السلام والتعاون والعيش المشترك، إلا بتحقيق الطموحات المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، لكي يعم السلام والأمن كل شعوب المنطقة.

إن على المجتمع الدولي تفعيل التزامه بتحقيق السلام، الذي طال انتظاره، والتصدي للإجراءات التي تقتطع الأرض من تحت اقدام الفلسطينيين، وتقوض أسس التسوية وحل الدولتين، التي تبنتها القرارات الدولية وقامت عليها عملية السلام، والتي بادرت إليها مصر سعيًا إلى تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم.

كما بات الحل السياسي الشامل للأزمة السورية أمرًا ملحًا لإطفاء آتون الحرب المشتعلة، وتنفيذ كافة عناصر التسوية السياسية، وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2254 دون اجتزاء أو مماطلة، وبما يحقق وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية، وسلامة مؤسساتها وطموحات شعبها، والقضاء التام على الإرهاب.

وبالمنطق نفسه، فلقد آن الأوان لوقفة حاسمة، تنهي الأزمة في اليمن من خلال تنفيذ مرجعيات تسوية الصراع، طبقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2216 والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وبما يحترم الشرعية ويكفل وحدة اليمن واستقلاله، ووقف استغلال أراضيه لاستهداف دول الجوار، أو لعرقلة حرية الملاحة في مضيق باب المندب.

السيد الرئيس،

وفيما يتعلق بموضوع سد النهضة، أود أن أنقل إليكم تصاعد قلق الأمة المصرية البالغ حيال هذا المشروع، الذي تشيده دولة جارة وصديقة، على نهر وهب الحياة لملايين البشر عبر آلاف السنين.

لقد أمضينا ما يقرب من عقد كامل في مفاوضات مضنية مع أشقائنا في السودان وإثيوبيا، سعيا منا للتوصل إلى اتفاق ينظم عملية ملء وتشغيل السد، ويحقق التوازن المطلوب بين متطلبات التنمية للشعب الإثيوبي الصديق، وبين صون مصالح مصر المائية وضمان حقها في الحياة.

وقد خضنا على مدى العام الجاري جولات متعاقبة من المفاوضات المكثفة، حيث بذلت الحكومة للولايات المتحدة الأمريكية جهودا مقدرة، لتقريب مواقف الدول الثلاث من خلال المحادثات التي رعتها بمعاونة البنك الدولي على مدى عدة أشهر. كما انخرطنا بكل صدق في النقاشات التي جرت بمبادرة من أخي رئيس وزراء السودان، ومن بعدها في الجولات التفاوضية التي دعت إليها جمهورية جنوب إفريقيا، بوصفها الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي. إلا أن تلك الجهود لم تسفر للأسف عن النتائج المرجوة منها.

إن نهر النيل ليس حكرًا لطرف، ومياهه بالنسبة لمصر ضرورة للبقاء، دون انتقاص من حقوق الأشقاء. ولقد أكدت تلبية مجلس الأمن دعوة مصر لعقد جلسة للتشاور حول الموضوع، في 29 من يونيو الماضي خطورة وأهمية هذه القضية، واتصالها المباشر بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين، الأمر الذي يضع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية دفع كافة الأطراف للتوصل إلى الاتفاق المنشود الذي يحقق مصالحنا المشتركة... إلا أنه لا ينبغي أن يمتد أمد التفاوض إلى ما لا نهاية، في محاولة لفرض الأمر الواقع، لأن شعوبنا تتتوق إلى الاستقرار والتنمية، وإلى حقبة جديدة واعدة من التعاون.

السيد الرئيس،

أما بالنسبة للمحور الثاني من محاور عمل الأمم المتحدة، وهو تحقيق التنمية المستدامة، فتؤمن مصر إيمانا راسخا بأن دفع جهود التنمية يعد شرطا أساسيا لتعزيز السلم والأمن الدوليين، ولإقامة نظام عالمي مستقر، وهو أفضل السبل لمنع التطرف والحد من النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية.

ولقد دعمت مصر اعتماد أجندة التنمية المستدامة لعام 2030 واضطلعت بدور محوري لدعم جهود السكرتير العام لإصلاح المنظومة التنموية، إيمانا منها بأهمية تعزيز قدرة المنظمة على تحقيق تلك الأهداف الطموحة.

ولعل الأزمة الطاحنة التي فرضتها جائحة فيروس كورونا المستجد تستوجب توفير الدعم للدول النامية، خاصة الإفريقية، من خلال تقديم حزم تحفيزية لاقتصاداتها، وتخفيف أعباء الديون المتراكمة عليها، والاستفادة من الأدوات المتاحة لدى مؤسسات التمويل الدولية، بما يساهم في خلق بيئة مواتية تساعد تلك الدول على احتواء آثار الجائحة، والتعامل مع المشكلات القائمة كالإرهاب، والهجرة غير المنتظمة، ومعالجة أسباب النزاعات.

السيد الرئيس،

وفيما يتعلق بالمحور الثالث لعمل الأمم المتحدة، تحظى الأجندة الدولية لحقوق الإنسان بأهمية متزايدة لما لها من تأثير مباشر على تعزيز بناء الإنسان، وتحسين مستوى الخدمات المقدمة له، والحفاظ على حقوقه ضمانا لتمتعه بحياة كريمة، وهو ما يعضد في الوقت نفسه استقرار المنظومة الدولية.

فلقد شرعنا في تعزيز مسيرتنا في مجال حقوق الإنسان على كل الأصعدة، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، إيمانا منا بضرورة التكامل بينها، في ظل ما تضمنه الدستور المصري وتعديلاته من مواد تضمن الحقوق والحريات وحقوق الأجيال القادمة، وتنشئ مجلس الشيوخ ودوره في دعم النظام الديمقراطي، وتكفل للمرأة تمثيلا مناسبا في المجالس النيابية، حيث يخصص للمرأة ما لا يقل عن ربع عدد المقاعد بمجلس النواب، فضلا عن تنظيم عمل مؤسسات الدولة وأجهزتها، والفصل بين السلطات وتكريس مبدأ تداول السلطة.

كما تعددت أوجه العمل على تعزيز المواطنة، وتحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، دون تمييز لأي سبب، إلى جانب جهود تمكين المرأة المصرية، ومكافحة مظاهر العنف ضدها بكافة أشكاله، والدعوة لتجديد الخطاب الديني، وتأكيد حرية العقيدة، واضطلاع الدولة ببناء دور العبادة دون تفرقة، فضلا عن تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة، والاستثمار في الشباب، لا سيما من خلال إدماجهم في عملية صنع القرار، وإقامة حوارات مباشرة معهم من خلال منتديات الشباب الدورية، وتنفيذ مبادرات تدريب وتأهيل الشباب للمشاركة الفعالة في العمل العام.

أما على الصعيد الاقتصادي، واتساقا مع المنظور الشامل لرؤية مصر 2030، فالحق أنه لولا الدعم الذي أولاه شعب مصر إلى مؤسسات الدولة، لما كان ممكنا اجتياز المراحل الصعبة والمضنية لبرنامج الإصلاح الهيكلي، والذي كان لنجاحه إسهام كبير في تحصين الاقتصاد، وتحجيم خسائره جراء جائحة فيروس كورونا.

كما أننا من بين عدد قليل من الدول التي استطاعت تحقيق معدلات إيجابية للنمو رغم الجائحة، بالإضافة إلى السيطرة على معدلات التضخم، وتراجع البطالة إلى أدنى مستوياتها منذ 20 عاما، فضلا عن إقامة المشروعات القومية الكبرى، في مجالات البنية الأساسية وتوفير المسكن اللائق والطاقة، إلى جانب صياغة برامج اجتماعية تستهدف من هم أقل دخلا لتوفير الحماية اللازمة لهم، وتخفيف آثار الإصلاحات عليهم، وكذا التركيز على أولوية الرعاية الصحية، باعتبارها حقا رئيسيا من خلال تبني العديد من المبادرات، والبدء في تنفيذ مراحل برنامج التغطية الصحية الشاملة لجميع المواطنين المصريين، وهي كلها الجهود التي تعد إسهاما مباشرا لصون حق المواطن في عيش كريم.

ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أننا، وفي خضم كل ما سبق ودون متاجرة أو ابتزاز، لم نقصر أبدا في أداء واجبنا الإنساني إزاء نحو 6 ملايين مهاجر ولاجئ، ممن اضطروا لمغادرة بلادهم، بسبب الحروب والأزمات السياسية والظروف الاقتصادية الصعبة، وتستضيفهم مصر حاليا على أرضها وبين شعبها، حيث يتمتعون بكافة الخدمات التي تقدمها الدولة للمصريين، دونما أي عون أو دعم يعتد به من شركائنا الدوليين، رغم الأهمية التي يعلقونها على حقوق هؤلاء المهاجرين.

السيد الرئيس،

من الضروري أن نعمل على معالجة مسألة التمثيل الجغرافي العادل في مجلس الأمن، ليكون أكثر تعبيرا عن واقع عالمنا اليوم، وعن موازين القوى الراهنة، والتي تختلف كثيرا عما كانت عليه إبان وقت صياغة المنظومة الدولية.

وتؤكد مصر على أهمية توسيع المجلس في فئتيه الدائمة وغير الدائمة، بما يعزز من مصداقيته ويحقق التمثيل العادل لإفريقيا، لتصحيح الظلم التاريخي الواقع عليها والاستجابة لمطالبها المشروعة، المنصوص عليها في توافق أوزوليني، وإعلان سرت.

السيد الرئيس،

إن مواجهة التحديات الجسيمة الناجمة عن تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، فضلا عن المشكلات الإقليمية والدولية القائمة، تحتم علينا ضرورة إعلاء مبدأ التعاون والتضامن الدولي، لمواجهة تلك التحديات أكثر من أي وقت مضي، وتجنب التناحر والاستقطاب. وإذا كان الأمل يولد من الألم، فلعلنا نجد في الأزمة الراهنة ما يدفعنا لبث روح جديدة في جهودنا الحثيثة لتفعيل العمل الدولي متعدد الأطراف، ودور الأمم المتحدة كقاطرة له.

إن مصر، كعضو مؤسس لهذه المنظمة، وبما لها من إسهام في صناعة الحضارة الإنسانية، منذ فجر التاريخ، لن تدخر جهدا في سبيل تحقيق رؤية التجديد والإصلاح، بناءً على اقتناع راسخ ويقين ثابت، أن الأرض تسع الجميع، طالما كان نبذ الصراعات، وصنع وبناء السلام والتعاون الدولي، هي الأسس الحاكمة للعلاقات بين الدول والشعوب، من أجل تحقيق التنمية والأمن والاستقرار، والرفاهية للأجيال الحالية والقادمة، على حد سواء.

شكرا سيدي الرئيس.  


ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي هذه الكلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عبر الفيديو كونفراس.


خدمة الخطابات الكاملة للسيسي تجدونها في هذا الرابط