محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر

طارق عامر يلاحق شركات الصرافة.. ويشتبك مع ساويرس.. ويُعيد الجنيه الورقي

منشور الاثنين 6 يونيو 2016

"سأخدم بلدى فى منصب محافظ البنك المركزى بكل ما أوتيت من قوة، وهو ما أعمل عليه فى كافة المناصب التى توليتها خلال 10 سنوات من العمل العام". بهذا التصريح استهل طارق عامر منصبه الجديد الذي عُين فيه بقرار جمهوري، لمدة 4 سنوات. عامر الذي جاء إلى منصبه الجديد بعد سنوات من المناصب القيادية في القطاع المصرفي داخل وخارج مصر، عوّل عليه المستثمرون في اتخاذ اجراءات تخفف القيود التي فرضها سلفه هشام رامز على عمليات تداول العملة الصعبة في مكافحته للسوق السوداء. فعلى مدار السبعة شهور الماضية، أصدر عامر قرارات حظيت بتغطية واسعة في وسائل الإعلام المصرية، وكان آخرها، تصريح عامر في 25 مايو الماضي، الذي أعلن فيه عودة الجنيه الورقي للتداول بعد طباعة 500 مليون جنيه فى صورة بنكنوت.

اقرأ أيضا..خفض سعر الجنيه.. مناورة المركزي المصري لعودة الاستثمارات الأجنبية

عودة الجنيه الورقي

مع أول يوم في شهر رمضان، دخل قرار عودة تداول الجنيه الورقي المصري حيز التنفيذ، بإصدار 500 مليون جنيه بنكنوت من فئة الجنيه الورقى والـ50 قرشًا، تحمل توقيع محافظ البنك الحالي طارق عامر. وكان الجنيه المصري اختفى منذ خمس سنوات بعد قرار بطرس غالي، وزير المالية الأسبق، إلغاء العملات الورقية التي لا تزيد فئتها عن الجنيه والاكتفاء بالعملات المعدنية من هذه الفئات، إضافة إلى سحب العملات الورقية الصغيرة تدريجيًا من الأسواق‏ لتلغى في غضون 3 أعوام.

في عدة تصريحات صحفية، أوضح عامر أن قراره جاء لتلبية حاجة السوق المصري إلى 900 مليون جنيه (فكة)، مشيرًا إلى أن البعض يكتنزها من أجل تحقيق مكاسب. وبالتالي فهو يستهدف "ضرب هذه الفئة، بما يحدّ من نشاط جامعى البنكنوت، عبر إصابتهم بخسائر تجبرهم على بيع الفكة".

وكانت الشكاوي من عدم توفر العملات المعدنية وردت إلى وزارة المالية، وحثت الشكاوى الوزير على ضرورة التنسيق مع البنك المركزي بهدف زيادة إنتاج تلك العملات. وبناء عليه، أكد الدكتور محمد السبكي، رئيس مصلحة سك العملة التابعة لوزارة المالية، أن خطة إنتاج العملات يضعها البنك المركزى بالتنسيق مع الحكومة.

وهو ما أكده الدكتور فخري الفقي، مستشار صندوق النقد الدولي سابقًا، لصحيفة القدس العربي قائلًا: "إن أصحاب ورش المفاتيح يعتمدون على معدن الجنيه بعد صهره لتصنيع المفاتيح، التي تباع بما يتراوح بين 5 إلى 10 جنيهات".

وعن بعض المعلومات المتعلقة بإعادة العملة القديمة للتداول في السوق المصري، فإن مصلحة سك العملة نفت إيقاف التداول بالجنية المعدني، قائلة إنها مستمرة في سكه. بدوره، أوضح عامر، أن الطرح الجديد يُشكل مجرد بداية لطرح دفعات أخرى وأن شكل الجنيه الذي سيتم طرحة سيكون بنفس التصميم السابق دون تغيير. وعن تكلفة إنتاجه، قال عامر إن تكلفة طباعة الورقى تصل تقريبًا إلى نصف تكلفة سك العملة المعدنية من الجنيه على الرغم أن فترة صلاحية الجنيه المعدني أطول من نظيره الورقي. ونفى عامر أن يكون البنك المركزي قرر في السابق إيقاف التداول بالجنيه المصرية، موضحا إن "البنك لم يوقف التداول بالجنيه الورقي لكنه أوقف طباعته مرة أخرى خاصة مع وجود الجنيه المعدني كبديل في الأسواق". وعن المخاوف من آثار هذا القرار على حدوث تضخم، نتيجة وفرة العملات النقدية، لا ترتبط بدورة إنتاج رأس المال، قال إسماعيل حسن، محافظ البنك المركزى الأسبق، ورئيس بنك مصر إيران للتنمية، إن عملية إعادة إصدار الجنيه الورقى لا تخلق تضخمًا ولا تعد توسعًا فى طباعة البنكنوت، لأن كل ما يصدر من عملات لا بد أن تقابله أصول لدى البنك المركزى بنفس القدر. وأضاف أن إعادة إصدار العملات الورقية فئتى الجنيه والـ50 قرشًا تهدف إلى تسهيل التعاملات اليومية بين المواطنين فى الأسواق.

تخفيض سعر الجنيه رسميًا

في 21 أكتوبر/تشرين الماضي، أصبح عامر المسؤول الأول عن وضع السياسات النقدية للبلاد. وأصبح التساؤل إذا كان المحافظ الجديد سينتهج سياسات مغايرة وأكثر مرونة مع المستثمرين الذين هاجموا رامز بعد قرار وضع حدًا أقصى للإيداع الدولاري اليومي في البنوك بقيمة 10 آلاف دولار وبحد أقصى 50 ألف دولار شهريًا، معتبرين أن ذلك تسبب في تقليص عمليات الاستيراد مما تسبب في ارتفاع الأسعار.

لذا أصبح من المتوقع أن يقر المحافظ الجديد سياسات نقدية جديدة بشأن تداول الدولار، ومع هذا نفى عامر، في فبراير/شباط، أن يتجه إلى تعويم الجنيه المصري قبل أن يزيد احتياطي النقد الأجنبي إلى مستوى يتراوح بين 25 و30 مليار دولار صعودًا من حجم الاحتياطي الحالي وهو 16.48 مليار دولار. فرد على سؤال في برنامج حواري: "لا على الإطلاق.. حينما يصل الاحتياطى إلى 25 أو 30 مليار دولار نبقى نفكر.. إحنا بنراعي المجتمع".

بعد 3 أشهر من توليه منصبه الجديد، استجاب عامر لأحد مطالب المستثمرين المصريين بشأن رفع القيود على الحد الأقصى للسحب والإيداع بالدولار في البنوك المصرية، وهو من المطالب التى رُفعت في عهد المحافظ السابق. فقرر البنك المركزي المصري إلغاء سقف الإيداع والسحب المصرفي بالعملة الصعبة لمستوردي السلع الأساسية، وذلك بعد يوم من إلغائه للأفراد.

وبحلول 14 مارس/آذار، اتخذ عامر قرارًا انشغلت وسائل الإعلام المصرية بتحليل أبعاده، ألا وهو خفض سعر العملة المحلية  نحو 14% بمقدار  1.12 جنيه مقابل الدولار في أول تخفيض رسمي في عهد المحافظ الجديد.  ليصل سعر بيع الدولار 8.95 جنيه رسميًا في البنوك. وكان آخر عطاءات المركزي للبنوك بسعر 7.73 جنيهات مقابل الدولار.

وفيما انقسم المحللون حول جدوى القرار، ذكر البنك المركزي في بيان رسمي إنه قرر انتهاج سياسة أكثر مرونة فيما يتعلق بسعر الصرف والتى من شأنها علاج التشوهات فى منظومة أسعار الصرف واستعادة تداول النقد الأجنبى داخل الجهاز المصرفى بصورة منتظمة ومستدامة تعكس آليات العرض والطلب، متوقعًا أن تؤدي تلك القرارات إلى مستويات لأسعار الصرف تعكس القوة والقيمة الحقيقية للعملة المحلية في غضون فترة وجيزة.

 

إغلاق شركات الصرافة

فعلى مدار الشهور الماضية، وبخلاف النتائج المرجوة من قرار تخفيض قيمة الجنيه في السوق الرسمي، استمر ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء، حتى تجاوز 11 جنيهًا في بعض الأوقات. وكما ألقى البنك المركزي باللوم على المضاربين بالعملة في السوق المحلي في انخفاض قيمة الجنية، اتجه إلى إغلاق شركات صرفة منذ شهر فبراير الماضي. تحت دعوى التلاعب بالأسعار، بلغ عدد الشركات التى سحب ترخيصها نحو 15 شركة، من أصل 111 شركة صرافة مصرية، منهم 5 شركات في شهري فبراير ومارس.

ويسمح البنك رسميًا لمكاتب الصرافة ببيع الدولار بفارق 15 قرشًا فوق أو دون سعر البيع الرسمي، ولكن عادة ما يتم تجاوز هذا السقف في ظل شح العملة الأجنبية، ليصل الفارق في تداول الدولار بين السوق الرسمي والسوق الموازية نحو اثنين جنيه.

ودافع نائب محافظ البنك المركزي جمال نجم عن قرار شطب وإغلاق شركات الصرافة قائلًا "إنه سليم ولا يتعارض مع القانون، وحق أصيل للبنك المركزى من واقع مقتضيات بنود قانون البنوك، ويتسق مع الدور الرقابى للبنك".

ويعكف البنك حاليًا على إعداد ودراسة تعديلات في قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد 88 لسنة 2003، وسط تأكيدات بتشديد العقوبات على المضاربين والمضاربة على العملة الصعبة، وتجارة الأفراد في الدولار.  

الإطاحة برؤساء البنوك 

حكم القضاء المصري، الأحد الموافق 27 يونيو/حزيران، ببطلان قرار اتخذه عامر في مارس آثار انتقادات الاقتصادين المصريين، وهو ألا تزيد مدة عمل الرؤساء التنفيذيين للبنوك العامة والخاصة في مصر عن تسع سنوات سواء متصلة أو منفصلة. القرار الذي آثار الاقتصادين، لأن تطبيقه يطيح بالعديد من القيادات الحالية، دافع عنه البنك المركزي في بيان قائلًا: "يهدف إلى إعداد صف ثان والدفع بالشباب والصفوف الثانية للأمام وضخ دماء جديدة في شرايين المؤسسات". أما عامر فقال لرويتزر إن القرار يسري على الرئيس التنفيذي الذي يقضي تسع سنوات في منصبه "في نفس البنك"، بما يعنى أنه إذا قضى المسؤول تسع سنوات رئيسًا تنفيذيًا لأي بنك يستطيع بعدها أن يكون رئيسًا تنفيذيًا لأي بنك آخر.

فقضت محكمة القضاء الإداري في مصر بوقف تنفيذ القرار، وهي الدعوي التى رفعها شعبان سيد محمد أحد المساهمين في البنك التجاري الدولي، البنك الخاص يسرى عليه القرار. وكان مصرفيون قالوا لرويترز إن قرار المركزي من شأنه الإطاحة بأكثر من 8 قيادات مصرفية تعمل في مناصب تنفيذية من بينهم هشام عز العرب الرئيس التنفيذي للبنك التجاري الدولي وحسن عبد الله الرئيس التنفيذي للبنك العربي الأفريقي الدولي.

أزمة مع ساويرس

شهد شهر مارس بداية أزمة جديدة - لم تنته بعد - بين عامر وأحد كبار رجال الأعمال المصريين، في إطار ملابسات تعطل توقيع اتفاقية استحواذ مجموعة بلتون المالية القابضة، التى يعتبر ساويرس من كبار مساهميها، على بنك الاستثمار سي. آي كابيتال التابع للبنك التجاري الدولي.

وكانت الهيئة العامة للرقابة المالية أبلغت ساويرس بعدم إصدار قرارها النهائي بالموافقة على الصفقة بسبب مراجعات أمنية. ومن ثم اتجه ساويرس لمهاجمة عامر في مقال في جريدة الأهرام الرسمية، مشيرًا إلى أنه تدخل لإيقاف الصفقة منذ مراحلها الأولى، بدفعه للبنك الأهلى بتقديم عرض منافس، وقال ساويرس إن ذلك يقدم "رسالة سلبية ومؤذية لمناخ الاستثمار مؤداها احذروا أيها المستثمرون إذا أردتم الاستثمار في مصر فستدخل الدولة وتنافسكم بالأموال العامة".

وقال ساويرس إن البنك الأهلى انسحب من العرض، بعد تقدمه بشكوى إلى رئيس الحكومة، ولكن يروي ساويرس أن مسلسل الترصد استمر بعدما انسحب بنك حكومي من إقراضه لتمويل الصفقة، بناء على تعلميات البنك المركزي.

في المقابل، نفى عامر في مقابلة تلفزيونية إصدار تعليمات إلى بنك مصر وهو البنك الحكومي الذي أشار إليه ساويرس، بالامتناع عن تمويل صفقة الاستحواذ، قائلًا: "لا أنا مقولتش كده.. إحنا حطينا قواعد.. قولنا مش هنمنع الاستحواذ.. بس هنخلي في نِسَب.. هنخلي المستثمر ييجي بفلوس". ولكنه في الوقت نفسه شكك في خبرة ساويرس في إدارة البنوك الاستثمارية: "نفسي أعرف المستحوذ إيه خبرته في بنوك الاستثمار؟ إيه القيمة اللي هيضفها في بنوك الاستثمار؟ هل الحكاية حكاية فلوس؟ لأ.. لازم أسأله.. خبرتك إيه".

ويذكر أن البنك المركزي قرر بعد أيام من إعلان استحواذ ساويرس على سي آي كابيتال تعديل قواعد تمويل الاستحواذ على الشركات داخل السوق المحلية من خلال خفض إجمالي التمويل الموجَّه لهذا الغرض إلى 2.5% بدلا من 5% من إجمالي محفظة القروض للبنك الواحد، وألّا يزيد حد تمويل العميل الواحد والأطراف المرتبطة به على 0.5% من إجمالي المحفظة.

وتم تأجيل إتمام الصفقة أكثر من مرة، آخرها الأسبوع الأخير في شهر مايو/آيار لتستمر 15 يوما تبدأ من اليوم الموافق 26 مايو 2016 حتى نهاية يوم عمل 9 يونيو 2016.