النصب التذكاري لضحايا الانفجار، يجاور مفاعل تشرنوبل، بعد أعوام من الكارثة

31 عامًا على كارثة تشرنوبل.. لماذا يتخلى العالم عن المفاعلات النووية ويلجأ لها العرب؟

منشور الأربعاء 26 أبريل 2017

في 26 أبريل/ نيسان، قبل 31 عامًا، تعرضت أوروبا للكارثةُ النووية الأسوأ حتى الآن، بانفجار مفاعل تشرنوبل في أوكرانيا، الذي أسفر عن وفيات، وإصابات بالأمراض استمر حدوثها لأعوام تلت وقوعه.

وعلى الرغم من كارثية الحادث، وما حلّ بعده بـ25 عامًا من كارثة أخرى في اليابان، بانفجار مفاعل فوكوشيما، وظهور اتجاه في أوروبا للتخلي عن المفاعلات النووية، تسير دول عربية وشرق أوسطية باتجاه بناء المفاعلات، وهو ما يلقى قبولًا في الوسط الأكاديمي، رغم ما يحيط بها من مخاطر.

مخاوف أوروبية

لم تتوقف كارثية "تشرنوبل" على وفاة 30 من العاملين فيه على مدار شهر من وقوع الحادث، أو انتشار الإشعاعات النووية لدول مجاورة لأوكرانيا، بل امتدت لتأثيرات صحية قاتلة، نجمت عن التسرب الإشعاعي منه، والذي أصاب مئات الآلاف، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.

 وبحسب دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية، كان السرطان أحد أخطر الأمراض التي أصابت السُكان في محيط الانفجار، بسبب التسرب الإشعاعي من تشرنوبل، وخاصة سرطان الغدة الدرقية، جرّاء تسمم الألبان باليود المُشع.

ولم تكن ذاكرة العالم طوت صفحة المفاعل الأوكراني بعد، حين فوجيء بأخرى عام 2011، لكنها وقعت هذه المرّة في اليابان، بانفجار مفاعل فوكوشيما النووي، في أعقاب تسونامي ضرب البلاد.

وعلى الرغم من أن هذه الكارثة اليابانية، كانت أقل تدميرًا من تشرنوبل، إلا أنها سببت أضرارًا بيئية، بل ودفعت عددًا من الدول الأوروبية لإعلان التخلي عن مفاعلاتها النووية، في خطة تُنجَز خلال العقدين المُقبلين، وأبرزها ألمانيا وسويسرا.

لكن يشكك في صدق نوايا التخلي عن المفاعلات، المدرس المساعد في المركز القومي لبحوث وتكنولوجيا الإشعاع، الدكتور مصطفى شلبي، إذ يقول لـ"المنصّة"، إن مثل هذه الأحاديث "كلام على الورق لتهدئة الرأي العام بعد الكارثة، فالواقع يقول إن اليابان نفسها تعتمد في ثلثي إنتاجها من الطاقة على المفاعلات النووية، وألمانيا يكاد يكون نصف إنتاج طاقتها من المفاعلات"، وهو ما يعني أنها "ضرورة حتمية".

وعلى العكس من الدرب الذي اختارته تلك الدول الأوروبية، تسير الأمور في منطقة الشرق الأوسط، الذي تسعى عدة دول فيه لبناء المفاعلات، استعدادًا لعصر ما بعد جفاف البترول.

خطة مصرية

لعقود، ظلت منطقة الشرق الأوسط، باستثناء إيران وإسرائيل، بلا مفاعلات نووية، حتى قررت عدة دول، خلال العقد الماضي، تبني خططًا لدخول النادي النووي من بابه السلمي.

ووقعت مصر، في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، اتفاقًا مع مؤسسة "روس آتوم" الحكومية الروسية، المتخصصة في بناء المفاعلات النووية، لإنشاء محطة الضبعة النووية.

ويرى "شلبي" في المشروع النووي أهمية كبرى، باعتباره سيخفض نفقات مصر الدولارية الموجهة لاستيراد الوقود الأحفوري، اللازم لتوليد الطاقة، مع ميزة أن المفاعلات النووية "تقتصر تكلفتها المادية المرتفعة على المراحل الأولى لها- الإنشاء والتجهيز - وتمنح طاقة هائلة في مقابل المصادر الأخرى".

ومن المقرر الانتهاء من المشروع النووي المصري- الذي يُموله قرض روسي يُسدد على مدار 35 عامًا- في عام 2020، وفقًا لتصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي، عقب توقيع الاتفاق.

وهذا الجانب- المادي- هو الوحيد بين ما يتعلق بالمفاعل النووي، الذي لاقى انتقادًا من "شلبي"، بقوله "على مستوى التكنولوجيا، كان من الممكن اللجوء للهند أو باكستان. ولو أردنا تكلفة أقل، كان ممكنًا اللجوء للصين، ذات التعاقدات الجيدة مقارنة بالروسية، والتي ستؤدي لدين يمتد لعقود".

ويرد المتحدث الحالي باسم هيئة الطاقة النووية والإشعاعية، الدكتور كريم الأدهم، بقوله في تصريحات لـ"المنصة" إن روسيا "صاحبة تاريخ طويل في المفاعلات النووية، على مستوى التصنيع والتشغيل، ولا غبار عليها"، مشيرًا إلى إمكانية تغطية المحطة النووية لتكاليفها خلال 10 سنوات فقط من تشغيلها.

ومن المقرر لمحطة الضبعة النووية، أن تكون الأولى في تاريخ البلاد التي ستخصص لإنتاج الكهرباء، تحقيقًا لطموح منذ الثمانينات بإقامة محطة نووية، تخلت عنه مصر لفترة طويلة في أعقاب كارثة تشرنوبل.

وبالنسبة لتلك المخاوف التي تخطاها النظام دون الرأي العام، فيرى الرئيس الأسبق لهيئة الأمان النووي، الدكتور كريم الأدهم، أنها بلا داعٍ، ويقول إن من بين مئات المفاعلات العاملة في العالم، لم تقع حوادث إلا في اثنين فقط منها، هما تشرنوبل "غير القابلة للتكرار، لأن نوع المفاعل كان مختلف تمامًا عن الموجود حاليًا"، وفوكوشيما التي كانت نتيجة زلزال وتسونامي "أي ظاهرة ترتبط بطبيعة المنطقة".

وأكد "الأدهم" أن ما تجريه الجهات الدولية البحثية وذات الصلة بالصناعة النووية، بعد أي حادث، تخرج بدروس مستفادة من أجل أجيال مفاعلات جديدة، تتفادى كل أسباب الحوادث، وأن تلك الأجيال المتطورة "تميل إلى نوع من الأمان الذاتي لها".

طموحات شرق أوسطية

كشفت المملكة العربية السعودية، قبل أعوام، خطة طموحة لأن تكون صاحبة 16 مفاعلاً نوويًا بحلول العام 2030، تنتج أكثر من 17 ميجاوات من الكهرباء، وفي سبيل هدفها صارت البلد الذي أقام مدينة علمية للطاقة الذرية والمتجددة.

وبدأت السعودية مساعيها منذ أعوام، بإبرام تعاقدات في المجال النووي، مع دول مختلفة، منها الصين عام 2012، وكوريا الجنوبية التي بينها والسعودية تفاهمات في هذا الشان منذ 2011، بل وما زالت تفاهمات واتفاقيات أخرى تنعقد في عهد العاهل الحالي، ومنها ما أبرم مع روسيا.

وبالمثل تعمل عدة دول حاليًا، منها الأردن، على خطط لإنشاء مفاعلات، وهو ما يلقى تأييدًا من المتحدث الرسمي باسم هيئة الطاقة النووية والإشعاعية، الدكتور كريم الأدهم، بقوله "سيأتي يوم ينضب فيه مخزون الوقود الأحفوري، فضلًا عن أن توليد الطاقة منه، يتم من خلال أسوأ استخداماته – الحرق - الذي يسبب أثر بيئي سلبي. ومع حقيقة كون مصادر الطاقة المائية في الوطن العربي محدودة جدًا؛ فإن الواقع يؤكد حتمية اللجوء للطاقة النووية".

وتعد الإمارات العربية المتحدة، الدولة الوحيدة في المنطقة، التي قاربت على تشغيل أول محطاتها النووية- واحدة من 4 محطات نووية يُفترض إتمامها بحلول عام 2020. وأعلنت في سبتمبر/ أيلول 2016، إنجاز 70% من مفاعل براكة النووي، الذي بدأت العمل بإنشائه منذ 4 أعوام، لتلبية حاجة البلاد من الطاقة الكهربية.

وفي ظل الخوف من المفاعلات، تذهب بعض الآراء إلى تركها لحساب مصادر أخرى للطاقة، طبيعية وأكثر أمانًا ووفيرة في المنطقة، كالشمس والرياح، لكن الدكتور مصطفى شلبي، يفند هذه الآراء بقوله إن للطاقة الشمسية تكلفة ضخمة، كما أنها تستهلك مساحات كبيرة جدًا "ولن توّلد ربع ما سينتجه المفاعل النووي من طاقة"، وفيما يتعلق بمحطات الرياح، فإنها تعمل في فترات محددة، وليس طيلة العام.