تصميم أحمد بلال، المنصة
خسر عشرات الصحفيين الفلسطينيين معداتهم واضطروا للعمل بأفل الإمكانيات لإبقاء التغطية مستمرة

في غزة.. تدمير المعدات يهدد بوقف التغطية

منشور الخميس 2 مايو 2024

في ساعة متأخرة من مساء يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عاد المصور الصحفي فراس الشاعر إلى بيته بحثًا عن راحة لم ينلها منذ مشاركته في تغطية العدوان الإسرائيلي على غزة. بعد ساعة واحدة فقط من وصوله قُصف المنزل بالكامل من قِبل جيش الاحتلال، وفي ثوانٍ معدودة تحول بيت عائلته ركامًا في حي السلام بمدينة رفح، ولم ينجْ منه سوى فراس.

فقد الشاب العشريني جميع أفراد عائلته؛ والديه وشقيقتيه وشقيقيه وأبناء شقيقته الثلاثة وخالته، وخسر كل معداته الصحفية؛ الكاميرا والعدسات وكروت الذاكرة واللابتوب والهارد "مكنتش روحت البيت من بداية العدوان وقلت أروح أشوف أهلي وأرتاح شوي، فجأة لقيت حالي تحت الأنقاض وبنطق الشهادة"، يقول فراس لـ المنصة.

كان فراس يوجه كاميرته نحو البيوت المستهدفة، يوثق ويسجل وينشر، لم يكن يتوقع أن تتبدل الأدوار، فيجد نفسه جالسًا تحت الركام يستغيث، مُنتظرًا وصول قوات الدفاع المدني لإنقاذه "صوّرت مشاهد كتيرة زي هيك فيها معاناة قوات الدفاع بسبب قلة إمكانياتها وصعوبة إنقاذ كل الناس، فقلت خلاص عمري انتهى".

فقد فراس وعشرات الصحفيين الفلسطينيين معداتهم خلال عمليات قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تستهدف المباني تارة، وتتصيد الصحفيين وكاميراتهم تارة أخرى.

 92 % من الصحفيين فقدوا معداتهم

أجرينا استطلاع رأي إلكترونيًا شارك فيه 169 صحفيًا وصحفيةً، من المشاركين في تغطية العدوان على قطاع غزة. أوضح الاستطلاع أن 92.5% منهم فقدوا معداتهم الصحفية خلال التغطية.

كاميرا الزميلة مريم أبو دقة

مريم أبو دقة، صحفية حرة تتعاون مع موقع اندبندنت عربية، تعرضت للإصابة في وقائع مختلفة، فقدت خلالها معظم أدواتها.

حينما ذهبت إلى أحد المستشفيات لتصوير الأطفال الخُدج انقلبت من على الدَرج، وفقدت كاميرتها وعدستها، وأثناء هروبها من صوت صواريخ الاحتلال فقدت هاتفها وسيارتها "اللابتوب هو اللي لسه فيه روح، نص شاشته بس اللي تدمرت والنص التاني شغال وبنرقع حالنا ترقيع عشان منوقفش".

الكاميرا.. عدو الاحتلال الأول

حسب استطلاع المنصة، جاءت الكاميرا في المرتبة الأولى من بين المعدات التي فقدها الصحفيون، بعدد أكثر من 80 كاميرا، وتلاها اللابتوب بقرابة 50 جهازًا، ثم أكثر من 35 عدسة، وحوالي 34 موبايل، وأكثر من 25 مايك، وأكثر من 10 شواحن وبطاريات.

جاء تدمير المعدات أيضًا بسبب تدمير مقرات القنوات والمكاتب الصحفية؛ حيث استهدف الاحتلال بنايات تضم مكاتب للصحفيين والمؤسسات الإعلامية منها مقر قناة الجزيرة مباشر الذي جرى تدميره بالكامل "لولا أن الصحفيين، خاصة المصورين، معداتهم معهم، لكنا بحاجة الآن إلى كثير من هذه المعدات"، يقول هشام زقوت مراسل قناة الجزيرة.

يشير زقوت في حديثه لـ المنصة إلى أن خسائر المكتب في  قصف عام 2021 قدّرت وقتها بأكثر من مليون دولار، بينما لم يتمكنوا من حصر خسائر القصف الأخير "لأننا ممنوعون من الوصول لمدينة غزة بسبب استمرار حصارها من قبل الاحتلال".

مساعدات محدودة وقيود كثيرة

لم تستطع نقابة الصحفيين الفلسطينيين توفير معدات بديلة للزملاء في الميدان، واقتصرت إمكاناتها على تقديم شنط إسعافات أولية لعدد كبير منهم، كما قدمت باور بانك ووجبات وخيامًا للزملاء في المستشفيات بعد قصف مؤسساتهم الصحفية، حسب لؤي الغول المدير التنفيذي للنقابة.

"وفرنا خط اتصال مفتوح على موبايلات الصحفيين المنتسبين وغير المنتسبين للنقابة، بالتعاون مع شركات الجوال، بالإضافة إلى شرائح إلكترونية جديدة لتوفير خدمات الإنترنت لمجموعة من الزملاء"، يوضح الغول لـ المنصة، ويشير أيضًا إلى أن المساعدات تضمنت إعانات غذائية ومالية.

نعاني من نقص أدواتنا منذ بدء حصار  القطاع

نقص المعدات اللازمة لعمل الصحفيين هو إحدى سمات الحصار الممتد على القطاع منذ أكثر من 17 سنة، حسب زقوت "نعاني من نقص أدواتنا منذ بدء الحصار الإسرائيلي على القطاع، سواء كانت خاصة بالنقل المباشر كسيارات البث، أو الكاميرات ولوازمها".

 ضاعفت الحرب من حجم المخاطر والتهديدات التي يواجهها الصحفيون. يؤكد منتصر حمدان رئيس لجنة السلامة المهنية بنقابة الصحفيين الفلسطينيين أن استهداف الاحتلال للصحفيين هو سياسة ممنهجة، تجيز قتلهم وملاحقتهم لإسكاتهم ومنعهم من العمل.

"أصبحت شارة PRESS تُشكل خطرًا على صاحبها، والخوذة التي يرتديها لحمايته من الموت تكون سببًا في قتله. شاهدنا ذلك في واقعة اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة في 11 مايو/أيار 2022، على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء تغطيتها لاقتحامه مخيم جنين"، يشير حمدان في حديثه مع المنصة.

في أكتوبر الماضي أطلقت شبكة أريج حملة تحت شعار "حتى تستمر التغطية"، تستهدف شراء معدات للزملاء العاملين في الميدان لمواصلة نقل الحقيقة، وتتضمن موبايلات ولابتوبات وبطاريات وشواحن وكاميرات وعدسات وميكروفونات.

"دربنا تقريبًا 250 صحفيًا وصحفيةً في غزة خلال آخر 5 سنوات، وتوجد علاقات ممتدة على مدار 17 عامًا مع الصحفيين في غزة وفي الوطن العربي"، تقول روان الضامن المديرة العامة لأريج، لـ المنصة "ومنذ بداية الحرب نتابع ما يتعرض له الصحفيون من استهداف وظروف قاسية، سواء قصف منازلهم أو فقد معداتهم".

مساعدة الصحفيين في غزة كانت هدفًا للمؤسسة التي قررت التواصل مع صحفيي الداخل الذين توقفوا عن العمل خلال الحرب، وشراء معداتهم المستعملة لمنحها للزملاء الذين يتحركون في الميدان، كما توضح الضامن "بدأنا حملة للتبرع تهدف لجمع 40 ألف دولار تقريبًا، ونجحنا في مساعدة حوالي 100 صحفي وصحفية".

 غزة خارج التغطية

لا يسمح الاحتلال بوجود سوق رسمية لدى الفلسطينيين لبيع المعدات الصحفية، أو وكلاء رسميين لشركات عالمية في قطاع غزة، حسب الصحفي خالد أبو سلطان، الذي يمتلك متجرًا لبيع الإلكترونيات بالقطاع "وجود وكلاء في غزة معناه إنها بتعترف فينا كدولة فلسطينية، فهم بيرفضوا دخول أي شركة حتى لو صغيرة، ويجبرك كتاجر تاخد المعدات من شركات إسرائيلية".

تواصلت المنصة عبر الإيميل مع شركة سوني الشرق الأوسط وإفريقيا لسؤالها عن وجود وكلاء رسميين لديها داخل غزة. جاء رد الشركة "شركة سوني الشرق الأوسط وإفريقيا تعمل من خلال شبكة موزعين مُعتمدين ضمن منطقتنا المُخصصة فقط. للأسف غزة ليست ضمن مناطق تغطيتنا".

سكرين شوت من رد شركة سوني على مُعدة التحقيق

يوضح أبو سلطان أن إسرائيل كانت تشترط قبل الحرب موافقة وزارة الدفاع وكأنها أسلحة "لا تدخل المعدات غزة إلا بموافقة مسبقة عن طريق إرسال إيميل لوزارة الدفاع، يتضمن أعداد المعدات المطلوبة. وبعد أكثر من شهر أو شهرين تقريبًا يأتي الرد إما بالقبول أو الرفض". لكن الموافقة لا تعني بالضرورة توفير احتياجات الصحفيين كاملة "يوافق مثلًا على 10 أصناف من 20 صنف أنت محتاجهم، وبشروط تقيدك وتتحكم فيك. ومن كل صنف يبعتلك أعداد قليلة جدًا".

السوق السوداء

خلقت قيود الاحتلال سوقًا سوداء لبيع المعدات الصحفية، ازدهرت بعد الحرب الحالية والخسائر المتتالية في المعدات، خاصة مع وقف دخول معدات جديدة للقطاع.

لم يكن الصحفي ياسر قديح يتوقع أن يصل سعر الكاميرا المستعملة إلى ألفي دولار "فقدت كاميرتي وعدستين أثناء التغطية، ولما جيت أشتري غيرهم صدمت من الأسعار".

"قطاع غزة الآن خالٍ من المعدات اللازمة للصحفيين، التي كانت تصل إليهم بصعوبة قبل الحرب عن طريق بعض المحلات الصغيرة، أو التهريب، أو دخولها مع الأفراد القادمين من الخارج".

يوضح أبو سلطان أن جيش الاحتلال قبل الحرب كان يجبر التجار في غزة على شراء المعدات من شركات إسرائيلية، ولكنه منع دخول أي بضائع بعد العدوان "كل شركات الصحافة والقنوات التليفزيونية كانت بتحتاج معدات باستمرار، واللي كان موجود في غزة مكانش بيغطي حتى 5% من احتياجاتها".

الموبايل يتحدى الاحتلال

أصبح الموبايل هو البديل للمعدات الاحترافية، استطاع فراس مواصلة عمله الصحفي بعد أسبوع واحد من قصف منزله، بعدما ساعده زملاؤه على شراء موبايل بديلًا لمعداته التي فقدها في القصف "جمعوا فلوس من بعض واشترولي تليفون. بدأت أصور به وأسجل وأكتب وأبعت، لأن مينفعش نوقف التغطية".

وفقًا للاستطلاعالذي أجرته المنصة اعتمد أكثر من 78.1% من الصحفيين على الموبايل بديلًا للمعدات المحطمة. ورغم ذلك اعتبر نحو 58.7% منهم أن الموبايل غير كافٍ لتغطية الأحداث الجارية، في مقابل 41.3% رأوا أن الموبايل كافٍ لأداء مهامهم اليومية.

 

يرى زقوت أن استخدام الموبايل بديلًا "للأسف لا يُغني عن معدات التصوير، وفي نفس الوقت العمل الصحفي مينفعش يقف".

فقد محمود بسام المصور الصحفي الحر ميكروفونه اللاسلكي أثناء التغطية، ولم يجد له بديلًا بعد قصف المحلات التجارية في القطاع "بستلف من زمايلي مايك أسجل بيه اللقاءات، هعمل إيه؟ أنا حتى معنديش كاميرا أصور بيها ومعتمد على جوالي".

يقول إسماعيل الثوابتة مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، إن الواقع في غزة كارثي، مُشيرًا إلى أن الاحتلال اغتال أكثر من 140 صحفيًا وإعلاميًا، إما أثناء التغطية، أو بعد انتهائهم من التغطية عن طربق قصف منازلهم، ما أسفر أيضًا عن عشرات الإصابات، بالإضافة إلى اعتقال 15 صحفيًا. 

يقدِّر الثوابتة قيمة خسائر قطاع الإعلام منذ بدء الحرب الجارية بنحو 322 مليون دولار، تضمنت تدمير المؤسسات الإعلامية ومقراتها وأدواتها ومستلزماتها من فضائيات وإذاعات ووكالات إخبارية ومراكز إعلامية تدريبية.

رغم ضعف الإمكانات والقيود التي يفرضها الاحتلال، يسطر فراس ومريم وزقوت وعشرات الصحفيين الفلسطينيين أسطورة صمود إنساني ومهني في مواجة آلة الاحتلال الإسرائيلي التي تستهدف أشخاصهم وتتصيد أدواتهم لمنعهم من أداء عملهم، بينما يواصل الصحفيون عملهم بأقل الإمكانات لتبقى التغطية مستمرة.

هذه القصة من ملف  حرية الصحافة في 2024.. حقوق مهددة وأقلام صامدة


في غزة.. تدمير المعدات يهدد بوقف التغطية

سحر عزازى_  نقص المعدات اللازمة لعمل الصحفيين هو إحدى سمات الحصار الممتد على القطاع منذ أكثر من 17 سنة.. ومع الحرب منعت إسرائيل دخول أي معدات جديدة وتوحشت السوق السوداء فلجأ الصحفيون للموبايل.

في السودان.. ظلام إعلامي وصحفيون مشردون

أحمد سليم_  نتيجة الاستهداف الممنهج، نزح أغلب الصحفيين السودانيين بدارفور إلى تشاد وصاروا في معسكرات اللاجئين، بينما نزح الموجودون بالخرطوم والشمال إلى مصر حيث يواجهون تهم الدخول غير الشرعي.

الصحافة المصرية والبحث عن "تنفيسة"

محمد بصل_  ظني أنَّ "التنفيسة" تصلح هدفًا أساسيًا للصحافة المصرية اليوم، لمصلحة المواطن والدولة والمهنة. لكن السبيل إلى التقاط "اللمحات النضيفة" مع المعلومات والتفسيرات، يبقى محفوفًا بالقيود.