أثارت العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بحق قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو ردود أفعال يصب أغلبها في أنها تخدم الجيش السوداني الذي أظهر تفوقًا عسكريًا ضئيلًا خلال الأشهر الماضية، لكنها لا تؤدي إلى وقف الصراع مع احتمالات ارتداداتها على مواقف الدعم السريع من أي جهود سلام مستقبلية، حسب خبراء تحدثت إليهم المنصة.
وأعلنت الولايات المتحدة، الثلاثاء، فرض عقوبات على "حميدتي" ومنعته من السفر إليها، وجمَّدت أي أصول ربما تكون له في الولايات المتحدة، كما وقعت عقوبات على شخص آخر و7 شركات تابعة لهم، متهمة إياهم بارتكاب "إبادة جماعية في السودان".
وقال وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن في بيان إن الدعم السريع والفصائل المتحالفة معها "استمرت في مهاجمة المدنيين، وقتْل رجال وصبية على أساس عرقي، واستهداف نساء وفتيات من جماعات عرقية بعينها عمداً لاغتصابهن وممارسة أشكال أخرى من العنف الجنسي".
بدورها ثمّنت الخارجية السودانية "ما خلصت إليه الحكومة الأمريكية من أن ميليشيا الجنجويد وحلفاءها ارتكبوا جرائم إبادة جماعية في السودان ورحبت بالعقوبات التي فرضتها على قائد الميليشيا محمد حمدان دقلو"، ودعت "بقية الدول لاتخاذ خطوات مماثلة".
أفضلية للجيش
من جانبه، أكد اللواء السابق بالجيش السوداني وخبير إدارة الأزمات بمركز الدراسات الدولية بالسودان، اللواء أمين مجذوب إسماعيل، لـ المنصة أهمية تلك العقوبات كونها تحدد لأول مرة المسؤولية المباشرة للدعم السريع في ارتكاب المخالفات والجرائم والانتهاكات بحق المدنيين، كما أنها حمّلت مسؤولية تعطيل اتفاق جدة ومساعي السلام للعناصر التي يقودها حميدتي، ويمكن القول إنها أعادت الأمور لنصابها الطبيعي.
وحسب البيان الصادر عن بلينكن فإن "حميدتي تجاهل بشكل متعمد الالتزامات بموجب القانون الإنساني الدولي، وإعلان جدة لعام 2023 للالتزام بحماية المدنيين في السودان"، ومدونة قواعد السلوك لعام 2024 التي أنتجتها مبادرة تعزيز الإنقاذ والسلام في السودان.
تتضمن هذه المدونة التزامات بالسماح بمرور الإغاثة الإنسانية دون عوائق ومنع جرائم الحرب مثل العنف الجنسي، التي ارتكبتها الدعم السريع والميليشيات المتحالفة تحت قيادة حميدتي.
وفي الوقت الذي أكد فيه بيان بلينكن على أن "الولايات المتحدة لا تدعم أيًا من جانبي هذه الحرب، ولا تعني هذه الإجراءات ضد حميدتي دعمًا أو تأييدًا للجيش"، لا يشكك مجذوب إسماعيل في منح تلك العقوبات الأمريكية واقعيًا أفضلية للجيش السوداني، بوصفها تعبر عن موقف دولي رافض للانتهاكات التي ارتكبتها الدعم السريع، مؤكدًا أنه "رغم أن البيان الأمريكي لم يعف الجيش بشكل كامل من ارتكاب انتهاكات، فإن العقوبات لم تشمله في إشارة إلى أنه بإمكانه استمرار الضغط العسكري والسياسي على الدعم السريع نحو استعادة الولايات التي سيطر عليها وتسبب في تهجير مواطنيها وارتكاب فظائع بحقهم".
عقوبات معتادة
إلى ذلك، يرى عضو الأمانة العامة لتنسيقية القوى المدنية "تقدم"، كمال بولاد، في تصريحاته لـ المنصة، أن مسألة العقوبات الأمريكية ليست حالة جديدة وحدثت مرات عديدة سواء أثناء الصراع الدائر حاليًا في السودان أو في صراعات سابقة بالسودان أو خارجه، وفي الأغلب لم تسهم في تحقيق العدالة المطلوبة ولم تؤدِ لغلق النزاعات.
ويجزم بولاد أن نتائج العقوبات حتى وإن كانت موقعة على من هم في السلطة أو الأنظمة الجمهورية في إفريقيا، إلا أن المواطنين هم من يدفعون ثمنها لأنها تقود إلى تضييق اقتصادي.
وتابع "لكن في الحالة السودانية الراهنة فمن شأن هذه العقوبات أن تمد في عمر الصراع الدائر دون أن تترك تأثيرًا واضحًا على مجريات الحرب، نظرًا لأن من صدرت بحقهم العقوبات اختاروا طريق الحرب وحملوا أمتعتهم لميادين القتال قاتلين أو مقتولين".
قرار غير عقلاني
أما عضو الوفد التفاوضي للدعم السريع، عز الدين الصافي، فاعتبر على إكس، الثلاثاء، أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ضد حميدتي تمثل عائقًا أمام تحقيق السلام والاستقرار في السودان، وستمتد آثارها إلى تهديد الأمن الإقليمي بأكمله.
ووصف الخطوة بـ"القرار غير العقلاني"، لافتًا إلى أنها تعكس فشل السياسة الخارجية الأمريكية في توجيه السياسة المحلية في الدول التي تتدخل فيها، وأن هذا الفشل يبدو جليًا من خلال الدور الضعيف الذي لعبته واشنطن في الوساطة لإنهاء الحرب الدائرة في السودان، وهو نمط يتكرر في الشرق الأوسط وإفريقيا.
لكن اللواء إسماعيل مجذوب يرى في حديثه لـ المنصة أن عقوبات إدارة بادين تمنح إشارات إلى وجود محاولات أمريكية لتحقيق الاستقرار من خلال تضييق الخناق على الطرف الذي أشعل الصراع، وأن القرارات الأخيرة قبل رحيل هذه الإدارة من شأنه أن يسهل على إدارة ترامب الجديدة أن تمضي على طريق يقود لإنهاء الصراع.
وعدد الجنرال السوداني السابق مجموعة من الأهداف التي دفعت الإدارة الأمريكية لاتخاذ هذا الموقف، في مقدمتها مخاوفها من أن تضع روسيا لنفسها موطئ قدم على ساحل البحر الأحمر بعد تأكيدات السودان بأنه يدرس تفعيل اتفاق بشأن إنشاء قاعدة عسكرية روسية، ومن ثم فمن شأن هذه العقوبات أن تقطع الطريق على موسكو عبر استقطاب الحكومة التي يقودها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
ودفاعًا عن العقوبات أيضًا، أكد أن الولايات المتحدة أنصتت أخيرًا إلى نداءات تسع دول لديها حدود مع السودان وتضررت من الحرب الدائرة بشكل كبير، وفي حال كان التوجه المستقبلي نحو الإدارة الأمريكية المقبلة هو استعادة النفوذ في قلب القارة السمراء فإن وقف حرب السودان يمكن أن يشكل مدخلًا إيجابيًا لذلك باعتباره بوابة شرقية وغربية للقارة.
وتستمر الحرب بين الجيش السوداني بقيادة البرهان، والدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، نائب البرهان سابقًا، منذ أبريل/نيسان 2023، بعد تفجر صراع على السلطة بين قادة الجانبين، ما أدى إلى مقتل أكثر من 25 ألف شخص ونزوح أكثر من 14 مليونًا، وفق تقديرات المنظمات الدولية.
وفي المقابل يرى الأمين السياسي لحزب البعث القومي السوداني كمال بولاد، أن طربق إنهاء القتال يبدأ من خلال الضغط الحقيقي لدفع الطرفين نحو التفاوض وصولًا للتفاهم حول ترتيبات يتفق عليها الجيش والدعم السريع تقود لوقف الحرب، وهو أمر ممكن إذا توفرت الإرادة الإقليمية والدولية.
وتتزامن العقوبات الأمريكية مع تحركات تقودها تركيا لإبرام مصالحة بين السودان والإمارات التي تواجه اتهامات بدعم عناصر الدعم السريع، وقبل أيام أعلن وزير الخارجية السوداني السفير علي يوسف موافقة الحكومة السودانية رسميًا على المبادرة التي يقودها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لإنهاء الأزمة بين السودان ودولة الإمارات.