على الرغم من شهرتها بمعايير صارمة تلزم المطورين بتنفيذ المشروعات في مواعيدها، فإن شركة العاصمة الإدارية الجديدة أعلنت الشهر الماضي مد مواعيد التنفيذ مع تسهيلات في سداد قيمة الأراضي المباعة.
هذه التيسيرات الطارئة تعكس وضعًا ضاغطًا يعاني منه مطوري العاصمة، مع ارتفاع معدلات التضخم بقوة، وميلهم لإبرام عقود تسليم طويلة الأمد، الأمر الذي رفع من تكلفة الإنشاءات بقوة وعرض هذه الكيانات لمخاطر التعثر.
التضخم ضد نمط تطوير العاصمة
يتبع المطورون في العاصمة النمط السائد في البيع بالمجمعات السكنية الكبيرة في الوقت الراهن، والمعروف بنظام أوف بلان، الذي تقوم الشركة من خلاله بطرح المشروع للجمهور وهو ما يزال قيد التخطيط، وإبرام عقود بيع مع العملاء لعدة سنوات، بهدف تخفيف عبء السداد في ظل ارتفاع أسعار العقارات.
ويقول مطورون تحدثوا إلى المنصة إن غالبية الوحدات الجاري إنشاؤها تم التعاقد عليها مع العملاء خلال أعوام 2018 و2019 و2020، ويعدُّ سعر بيعها منخفضًا للغاية؛ بالنظر إلى معدلات التضخم شديدة الارتفاع التي تشهدها البلاد منذ بداية 2022.
"المطور الذي بدأ في 2018 في العاصمة، وطرح وحدات سكنية بأسعار تتراوح بين 11 و12 ألف جنيه للمتر، وهو سعر عادل وقتها إذ كانت الدولة تبيع وحداتها بسعر مقارب، ينفذ اليوم الوحدات المباعة بتكلفة تصل إلى 17 ألف جنيه للمتر"، كما يقول بهاء حفظ الله، مدير عام شركة عقار مصر، والتي تمتلك مشروعًا سكنيًا بحي آر 8 بالعاصمة، للمنصة.
ويُشير أحمد مصطفى، رئيس بانوراما جروب، وهي مالكة لمشروع بمنطقة الداون تاون بالعاصمة، إلى أن "عنصرًا واحدًا فقط هو الحديد ارتفعت تكلفته على الشركات من 16 ألف جنيه بداية 2022، إلى نحو 40 ألف جنيه في نهايتها، ويمكن أن نقيس على هذا المنتج العديد من مدخلات البناء".
ويُضيف مصطفى للمنصة أن "الطفرة الأكبر كانت في تكلفة أعمال الإلكتروميكانيك/مستلزمات مرافق المشروعات العقارية، والتي يتم استيرادها من الخارج بالعملة الصعبة، وبالطبع زادت بعد تعويم الجنيه ثلاثة مرات منذ 2022".
وبحسب مصطفى فإن"العديد من المطورين الذين لديهم وحدات لم يتم بيعها، أوقفوا البيع في المشروعات لأسباب تتعلق بغموض موقف التضخم الفترة القادمة، وإلى أي مدى قد ترتفع الأسعار مرة أخرى لتضع أعباء جديدة على كاهل المطورين لاستكمال التنفيذ".
القلق على سمعة العاصمة
تُثير مشكلة التضخم الحالية مخاوف العديد من المطورين من وقوع بعض الشركات في أزمات تعثر ما يُهدد سمعة مشروع العاصمة بأكمله.
"هناك شركات بالفعل مُعرضة لتأخير تسليم الوحدات للعملاء عن الموعد المتوقع، ويُعزى ذلك إلى دخول عدد محدود من الشركات للعاصمة دون أن تدرس المشروعات بشكل جيد، إذ تجاهلت احتمالات الزيادة في التكلفة، وباعت بأسعار منخفضة وتحتاج لأن تنفذ الآن بتكلفة مرتفعة مما أوقعها في أزمة"، حسب مصطفى.
وتشتهر شركة العاصمة بصرامتها في الرقابة على شركات التطوير، فقد وجهت في منتصف 2019، إنذارات بسحب الأراضي من 17 شركة ومؤسسة حصلوا على أراضٍ منها، وتأخروا في التنفيذ لعدم الجدية.
وفي 2018 أعلن أحد مطوري العاصمة الانسحاب من المشروع الموكل له، لكن شركة العاصمة أكدت على أن تلك الواقعة لن تُثنيها عن فرض ضوابط التنفيذ على باقي المطورين.
لكن منذ أزمة جائحة كورونا في 2020، توالت الضغوط على القطاع العقاري، وتعثرت إحدى الشركات في 2021 عن استكمال مشروعها، ما دفع شركة العاصمة للسماح بمد فترة التنفيذ مرتين حتى أغسطس/آب الماضي.
ويُشير أحد المطورين العاملين بمشروع مملوك لتحالف عدد من الشركات الصغيرة في العاصمة، رفض ذكر اسمه، إلى طبيعة المخاطر المحيطة ببعض شركات التطوير في العاصمة في الوقت الراهن، "بسبب دخول عدد من صغار المطورين ليس لديهم الخبرة والكفاءة اللازمة، باعوا مشاريعهم بسعر 9 آلاف جنيه للمتر السكني، و30 ألف جنيه للمتر التجاري والإداري، وبعد مرور عدة سنوات لم يتم تنفيذ المشروعات".
ويضيف المصدر للمنصة "هناك تعليمات شفوية من بعض الجهات المشرفة على العمل بالعاصمة بعدم الإعلان عن مشكلات أو تأخيرات لمشروعات بعينها، حتى لا تتأثر العاصمة بهذا النوع من الدعاية السلبية".
المبادرة الحالية لا تكفي
ويرى مدير عام شركة عقار مصر أن التيسيرات الأخيرة المقدمة من شركة العاصمة لا تكفي لمساندة المطورين في الوقت الراهن.
"المطورون يحتاجون إلى زيادة مدة التنفيذ لكل المشروعات على السواء إلى 5 أو 6 سنوات على الأقل، بدلًا من 4 سنوات، بالإضافة إلى إسقاط فائدة الأقساط على الأراضي خلال فترة الأزمة الاقتصادية التي امتدت نحو عامين، أو على الأقل جزء منها"، يقول بهاء حفظ الله.
ويضيف أن "الأهم من كل ما سبق هو ألا يتم فتح باب البيع لأراضٍ جديد حتى يستكمل المطورون نسبة كبيرة من مشروعاتهم، لأن خلق منافسين جدد سيرفع حجم المعروض مع طلب منخفض، مما سيؤثر سلبًا على شركات التطوير العقاري التي لديها مشروعات قائمة بالفعل".
ويُطالب بهاء حفظ الله الدولة أن تتدخل لتوفير تسهيلات تمويلية لقطاع العقارات، لا سيما وأن البنوك تضع إجراءات مُشددة لمنح قروض للعاملين بالقطاع، وتُصنفه كقطاع عالي المخاطر، بالإضافة لسعر الفائدة المرتفع.
وكان البنك المركزي يدعم فائدة قروض موجهة لقطاع المقاولات، قبل أن يطلب صندوق النقد في 2022، أن يتوقف المركزي عن دعم القروض. وعلى الرغم من تدخل الحكومة هذا العام لتقديم قروضٍ مدعومة للعديد من الأنشطة الاقتصادية تم استبعاد المقاولات من المبادرة الجديدة.
ويرى إسلام خميس، خبير تطوير عقاري، في حديثه للمنصة، أنه يجب عند تقديم التيسيرات للمطورين مراعاة حالة كل شركة على حدة، وفقًا لحجم المشروع الذي تنفذه، والصعوبات التي تواجهها، ونسب التنفيذ.
ويضيف "هناك حاجة لدعم الدولة للمطورين داخل وخارج العاصمة، بمبادرة بنكية بشروط تمويل وفائدة مُخفضة، بهدف تمويل المشروعات التي تواجه تأخرًا أو تعثرًا بسبب الظروف الاقتصادية، شريطة أن يتم التأكد من جدية المطور ومدى استحقاقه للمبادرة".
المستقبل للعاصمة
بالرغم من كل المصاعب السابقة يرى مطورون أن مشروع العاصمة لازال يمتلك الكثير من نقاط القوة التي تجعله مشروعًا عقاريًا واعدًا.
ويقول رئيس بانوراما جروب إنه "مع اكتمال تنمية مدينة القاهرة الجديدة، وصغر المساحة المتاحة في مشروع مستقبل سيتي، لن يكون هناك أي بديل عن العاصمة، خاصة مع اكتمالها وانتقال الحكومة للعمل من هناك بالفعل، وتشغيل خطوط المواصلات وعلى رأسها المونوريل".
لكن مدير عام شركة عقار مصر يرى أن "انتقال الحكومة للعاصمة، ليس له أي تأثير محسوس حتى الآن على المشروع"، معتبرًا أن "العنصر المؤثر فعليًا سيكون حفل افتتاح العاصمة المنتظر، والذي تم تأجيله عدة مرات، يضاف إليه التشغيل الكامل لوسائل المواصلات الحديثة، وهو ما سيدفع العمل بالعاصمة لمستويات أفضل، لتكون البداية الحقيقية للتنمية وانتقال المواطنين لتعمير المدينة".
ويقول محمود جمال، استشاري تسويق، إن هناك مشروعات اقترب موعد تسليمها للعملاء في الداون تاون ومنطقة الأعمال المركزية ومعدلات تنفيذية مرتفعة إلى حد كبير، ومن المتوقع أن يبدأ تسليم بعض المشروعات في "إم يو 23" قريبًا جدًا.
"هذه المؤشرات الإيجابية تزيد من حجم الطلب على الشراء في العاصمة مما يدعم الشركات العاملة بالفعل، ويمنحها ميزة نسبية إذا كانت معدلات التنفيذ جيدة، ولديها وحدات يمكن تسليمها في خلال أشهر معدودة، لأن التسليم لجزء من المشروع يرفع سعر باقي الوحدات غير المباعة بنسب كبيرة"، يُضيف جمال.
تمثل الشهور المقبلة فترة حاسمة بالنسبة للعديد من المطورين، قد تؤدي إلى تعثر بعضهم في استكمال المشروعات نتيجة ارتفاع التكاليف، أو قد يتجاوز البعض الآخر الأزمة بفضل التيسيرات التي تقدمها الدولة.