تصميم: أحمد بلال- المنصة
يورجن كلوب ومدحت فقوسة

الكوميديا وكرة القدم.. بين فقوسة وكلوب

منشور الخميس 18 يناير 2024

في إحدى الليالي بينما كنت أتصفح السوشيال ميديا ظهر أمامي رجل بدا في السبعين من عمره، يجلس ضيفًا على أحد البرامج الرياضية، ويحكي عن ذكرياته مع كرة القدم حينما كان مدربًا لأحد الفرق المصرية.

لا جديد في ذلك، تعج البرامج الرياضية بمثل هؤلاء، لكن ما أثار انتباهي هو طريقة سرد الرجل الكوميدية لتلك المواقف، وهو ما جعلني أقضي ليالي كاملة على يوتيوب بحثًا عنه وعن حكاياته التي لا تُمل، رغم تكراره لها مرارًا.

إنه الراحل مدحت فقوسة، أحد لاعبي النادي المصري البورسعيدي السابقين، الذي تولى مسؤوليته الفنية مدربًا أكثر من مرة طوال مسيرته التدريبية، وأشرف كذلك على تدريب المنتخب العسكري محققًا معه لقب كأس العالم العسكرية عام 1993.


امتلك فقوسة أسلوبًا ساخرًا في قص حكاويه ربما لم يعد غريبًا على البرامج الرياضية. لكن اللافت أنه يسرد لنا مواقف حدثت بالفعل معه حينما كان مدربًا لهذا الفريق أو ذاك، ليس مجرد سخرية من موقف عابر في أحد البرامج الرياضية كما يحدث الآن.

وهو ما دفعني للبحث في تقاطع الكوميديا مع الرياضة، وكرة القدم بالتحديد.

لوحة المدرب التي تشبه النكتة

للنكتة طابع جنائي كما اعتبرها الكوميديان البريطاني الراحل كين دود، يتلخص هذا الطابع في أسئلة مثل: كيف يمكن تحسين النكتة؟ مثلًا من خلال التوقف عند كلمة معينة، أو تغيير كلمة مكان أخرى، ألا يذكرنا ذلك بشيء؟

تشبه النكتة في طابع كين دود الجنائي لوحة التدريب في غرف الملابس للعديد من الرياضات. في كل من الكوميديا والرياضة يبحث الناس عن المزيج المثالي بين الاستعداد والعفوية، وهما قابلان للقياس، فلا تحتاج إلى صديق أو ناقد ليخبرك أنك كنت رائعًا في أيهما؛ إذا كانت النتيجة تشير إلى تقدمك 2-0 فأنت فائز، أي استعددت جيدًا، وإذا ضحك الجمهور يعني أنك فزت مرةً أخرى.

يتطلب أن تكون رياضيًا الكثير من العمل الشاق، وكثيرًا ما تفوق الأمور الاحتمال. ترهق الضغوط الرياضيين والمدربين، ويمكنها التأثير في جوانب أخرى من حياة ذلك الشخص، أو تسبب مواقف غير مرغوب فيها. 

ربما إن كانت الرياضة تشبه النكتة في طابعها العام، فمن شأن الفكاهة المساعدة في تخفيف هذه الضغوطات، فكيف ذلك؟

لعقود جرى التعامل مع تدريب كرة القدم على أنه وظيفة بدنية بحتة، لا تشمل إلا التدريبات الشاقة والتخطيط وخلافه. لكن خلال العقد الماضي صورته الأبحاث باعتباره نشاطًا مبنيًا على الظرفية والاجتماعية، يشتمل على تفاعلات لا تحصى بين أطراف عدة.

في ورقة بحثية نشرها موقع Research Gate لدراسة مدتها عشرة أشهر تتبعت لاعبي ومدربي نادٍ لكرة القدم في المملكة المتحدة على مدار موسم كامل، أظهرت النتائج الفكاهة كقوة موحِّدة بين أفراد الفريق، كما لعبت دورًا رئيسيًا في تقبل اللاعبين للنقد.

أنسنة اللعبة

على مستوى النخبة في كرة القدم، يريد المدربون إحكام سيطرتهم على لاعبيهم، وهو ما خلق في الوعي الجمعي للمدربين اتفاقًا ضمنيًا مفاده أن شخصية المدرب القوية هي العامل الرئيسي لضمان هذه السيطرة.

لكن مدربي النخبة يخبروننا أن هذه النظرية منقوصة، فمن وجهة نظر الألماني يورجن كلوب لا بد أن يكون هناك بعد إنساني إلى جانب الشخصية القوية، من أجل تقليص المسافة بين المدرب واللاعب.

يقول كلوب إنه لا يتحرج من التحدث مع لاعبيه عن مهاراته في الطبخ، خاصة طهي الدجاج، بل ويعتقد أن هذه الدعابات وسط التدريب كانت أحد العناصر الرئيسية في حقبة ليفربول الذهبية التي حاز فيها الفريق لقب الدوري الإنجليزي بعد غياب 30 عامًا.

التفكيك والتشديد، التخفيف والتضييق مرة أخرى، هي النظرية التي استخدمها يورجن كلوب وغيره من المدربين الذين برعوا في استخدام الفكاهة كمورد مرن في تنظيم الانتباه والتركيز.

الكوميديا كمفتاح وليست كنظرية

عديدة هي المواقف التي طالما سردها مدحت فقوسة عندما كان مدربًا وغلبت عليها روح الدعابة، سواء مع لاعبيه أو مساعديه. لا يخجل الرجل من تحدثه عن تناول حبوب هلوسة عن طريق الخطأ قبل لقاء فريقه مع فريق الزمالك، أو عن سبه للحكم واتهام مساعده ميمي عبد الرازق في الواقعة، وما إلى ذلك من مواقف تجعل فقوسة مثالًا نموذجيًا لعلاقة الكوميديا بالرياضة.


 لقياس أسلوب الفكاهة لدى المدربين ومستويات تعاملهم مع التوتر، أجرت الأستاذة بمعهد علم النفس بجامعة أوبول ألكسندرا روجوسكا دراسة على 35 مدربًا، أظهرت نتائجها أن المدرب الذي يتمتع بروح الدعابة يميل إلى أن تكون لديه علاقة أفضل مع لاعبيه وسيكون أداؤه بصورة عامة أفضل من ذلك الذي لا يتمتع بروح الدعابة. 

في لعبة البيسبول مثلًا، يُعد يوجي بيرا أحد أشهر اللاعبين الأمريكيين في تاريخ اللعبة، لكن جرب أن تسأل جوجل عنه، ستكون في مقدمة النتائج أشهر دعاباته.

يتحدث لاعب البيسبول الأمريكي المعتزل عن أن المفتاح هو أن تكون قادرًا على الضحك من أخطائك. يعد هذا عنصرًا حاسمًا في الاستمتاع عندما يكون هناك شيء مضحك. قد لا يكون الأمر فوريًا، ولكن إذا وُضع في منظوره الصحيح، وإذا كان الضحك جيدًا، فإنه ربما لن يعزز متعة الرياضي فحسب، بل أداءه أيضًا.

هذه هي قوة الفكاهة، فهي لا تكسر فقط التوتر الجسدي أو العقلي، لكنها تخلق ذكريات ممتعة. تُذكِّرنا تلك اللحظات المضحكة بأن الرياضة من المفترض أن تكون ممتعة. المرح أمر مُعدٍ، وعندما تمارسه في اللحظات المناسبة، يمكن أن يساعد في بناء علاقة مع مجموعتك.

استخدم فقوسة الكوميديا لكنه لم يصل إلى تدريب فريق مصري كبير، لم يحقق سوى بطولة واحدة مع المنتخب العسكري. الكوميديا إذن قد تكون مفتاحًا لمساعدة المدرب أو اللاعب على تخفيف الضغوطات التي تقع على كاهله، لكن المحور الرئيسي للنجاح هو قدرات المدير الرياضي الفنية والاجتماعية، مثل كلوب.