منتصف الشهر الحالي، قال رئيس الوزراء إن الحكومة تطمح لرفع معدلات إنتاج الهواتف المحمولة/الموبايلات المصنعة محليًا إلى 100 مليون، 20% منها توجّه لتغطية الطلب المحلي والباقي للتصدير.
طموحات مدبولي ترتكز على عملية توسع سريع في توطين صناعة الموبايلات شهدتها مصر خلال السنوات القليلة الماضية، ضمن محاولات الحد من فاتورة الاستيراد، بعد أزمة تآكل في أرصدة العملات الصعبة عاشتها البلاد خلال العامين الماضيين.
لكن الإنتاج الفعلي من المحمول لا يزال في حدود 10% من الخطة التي يطمح رئيس الوزراء إلى تطبيقها، فهل طموحات مدبولي في توطين الصناعة قابلة للتحقيق؟
سيكو.. من حلم غزو أوروبا إلى التصنيع للغير
في عام 2018، روَّج المهندس محمد سالم بقوة لهاتف شركته الوليدة "سيكو" باعتباره أول هاتف محمول محلي الصنع بنسبة 45%، وخلال عام من إنتاجه حاول سالم إثبات أن مشروعه الطموح لن يقتصر على السوق المحلية ولكن سيتجه للعالمية مع استهدافه التصدير لسبع دول إفريقية.
سيكو التي قدمها سالم كأيقونة لتوطين الصناعة، كانت في الأصل اسمًا تجاريًا لشركة مياه غازية مصرية في الخمسينيات تحاول منافسة بيبسي وكوكاكولا، قبل أن يتراجع دورها بسبب سياسات التأميم في الستينيات.
أسس سالم بنية صناعية قوية للشركة في أسيوط على مساحة تفوق الـ4500 متر، بالشراكة مع "سيليكون واحة" المملوكة لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ضمن المنطقة التكنولوجية التي أنشأتها الحكومة هناك بهدف تشجيع هذا النوع من الصناعات.
تمسك سالم بروحه الحماسية وهو يتحدث لرويترز عن بدء تصدير هاتفه المحلي إلى واحدة من أكبر مراكز الصناعات التكنولوجية في أوروبا؛ ألمانيا.
كانت البداية مبشرة، باعت الشركة في 2018 نحو 600 ألف موبايل. لكن خلال 2020 توقفت صفحة الشركة على فيسبوك عن الدعاية للهاتف المصري، بالتزامن مع حديث الموزعين عن سحبه من السوق المحلية.
"لم يكن هناك إقبال على شراء تليفون براند مصري" هكذا برر محمد طلعت، رئيس شعبة الهواتف المحمولة باتحاد الغرف التجارية، اختفاء الهاتف "سيكو" من الأسواق، مضيفًا لـ المنصة "المنافسة مع الشركات العالمية صعبة جدًا بسبب نظرة المستهلك للماركات العالمية، وبسبب التكاليف الكبيرة المطلوبة لتسويق المنتج".
"جهود المهندس سالم مشكورة لكنها محاولات فردية. وتدشين صناعة المحمول في مصر يجب ألا تبدأ من شركة واحدة" كما يقول حمدي الليثي، نائب رئيس غرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات باتحاد الصناعات المصرية السابق لـ المنصة.
ساهمت سياسات الدولة الجمركية في إعطاء دفعة لتجربة سيكو كمؤجر لخطوط الإنتاج
رغم الاختفاء المفاجئ لموبايل سيكو لم تنته تجربة المهندس سالم، فاتجهت الشركة للترويج لقدرتها على الاستفادة من البنية الصناعية الكبيرة التي أسستها في أسيوط، من خلال تأجير خطوطها الإنتاجية لشركات عالمية ترغب في تجميع الموبايلات داخل مصر.
الاتجاه نحو التأجير للغير بدأ مع أزمة كوفيد 19، حيث قال سالم لبلومبرج إن الوباء أثبت لشركات المحمول العالمية حاجتها لإعادة توزيع خطوط التجميع، وعدم التركز في منطقة واحدة مثل جنوب شرق آسيا.
من جهة أخرى ساهمت سياسات الدولة الجمركية في إعطاء دفعة لتجربة سيكو كمؤجر لخطوط الإنتاج، حيث اعتبرت الدولة أن "الموبايل" محلي الصنع، الذي يستحق تخفيضات جمركية على أجزائه المستوردة، هو الذي تصل نسبة المكون المحلي فيه إلى 40% بدلًا من 60%، ما زاد من التنافسية السعرية للهواتف المجمعة محليًا.
وتوسعت الدولة في منح الامتيازات لتجميع الهواتف في 2023 بإصدار قرار بإصدار قرار بإعفاء تلك التي تنطبق عليها نسبة المكون المحلي من رسم التنمية.
في هذا السياق، تعاقدت شركة إنفينكس مع سيكو على تجميع عدد من هواتفها الذكية لديها، كما وقَّعت شركة HMD Global، صاحبة ترخيص إنتاج نوكيا وشاومي ومايكروماكس، اتفاقات مشابهة مع سيكو، لتبلغ الطاقة الإنتاجية للشركات الأربع نحو 7.5 مليون هاتف.
خطوط إنتاج دولية أيضًا
لم تقتصر خطوط إنتاج المحمول في مصر على مصانع سيكو، لكن في 2022 اتجهت شركة فيفو لإنشاء مصنع خاص بها في العاشر من رمضان، وأعلنت أوبو في العام نفسه عن مخططات لإنشاء مصنع في مصر.
وبعد ما يقرب من مرور عشر سنوات على تأسيس مصنعها في بني سويف للمنتجات التكنولوجية، أنتجت سامسونج أول هاتف جلاكسي ذكي، Galaxy A15، للسوق المحلية في عام 2022 أيضًا. ولاحقًا توسعت سامسونج في خطوط إنتاجها للمحمول بمصر، مستفيدة من الرخصة الذهبية التي تمنحها الحكومة لفئة محدودة من المستثمرين مع تيسيرات كبيرة في الإجراءات.
اللافت أن أغلب توسعات الكيانات الدولية في سوق المحمول بمصر حدثت خلال العامين الماضيين
التوجه نحو التجميع ينبئ بفرص كبيرة لتعميق الصناعة، كما يقول الليثي "مراحل توطين الصناعة هي التجميع، ثم التقليد والبيع بأسعار زهيدة، والمرحلة الأخيرة هي التطوير والابتكار في التصنيع".
التوسع المتسارع للمصنعين الدوليين للتجميع في مصر دفع رئيس الوزراء للحديث عن طموحاته لإقناع شركة أبل الأمريكية بإنتاج هواتفها في مصر أيضًا.
تأثير أزمة الدولار
اللافت أن أغلب توسعات الكيانات الدولية في سوق الموبايلات بمصر حدثت خلال العامين الماضيين، وقت احتدام أزمة الدولار. وأقر رئيس الوزراء بأن بعض مصانع الهواتف المحمولة واجهت مصاعب في استيراد المكون الدولاري في العام الماضي، لكن تم تجاوزها خلال العام الجاري.
"مصاعب توفير الدولار تسببت في توقف مفاوضات لجذب المزيد من مصنعي المحمول لمصر" كما يقول الليثي.
"تراجعت شركة يابانية متخصصة في الاتصالات عن الاستثمار في مصر، لأنها وقت أن وضعت خطتها للمجيء للبلاد كانت تقدِّر أن سعر صرف الدولار سيستقر عند 25 جنيهًا حتى عام 2040، لكنها تفاجأت بتغيره بشدة" كما يضيف الليثي.
لكن في المقابل استفادت الشركات العاملة في التجميع بمصر من وجود منتجها داخل السوق المصرية، بعيدًا عن مصاعب الاستيراد خلال أزمة الدولار، حيث انخفضت قيمة واردات مصر من الموبايلات بشكل لافت خلال العامين الماضيين، لتهبط من 1.6 مليار دولار في 2021 إلى 343.2 مليون دولار و5.2 مليون دولار في 2022 و2023 على التوالي.
"وضع المصنِّعين في مصر خلال أزمة شح الدولار خلال الفترة الماضية، كان أفضل بكثير من وضع الشركات التي تصدر منتجها بالكامل لمصر من الخارج" كما يقول محمد أبو قريش، خبير الاتصالات لـ المنصة.
خطة الـ100 مليون هاتف
رغم صعوبات نجاح أول موبايل يحمل علامة تجارية مصرية، لكنّ هناك فرصًا كبيرة لتحقيق خطة رئيس الوزراء بالتوسع في إنتاج الهواتف بالاعتماد على العلامات التجارية الدولية، كما يرى أبو قريش.
"مصر قادرة على تصنيع 100 مليون موبايل، لأن لدينا ميزة نسبية كبيرة وهي الأيدي العاملة الرخيصة بالمقارنة بالدول الأخرى، كما أن لدينا الخبرات والكفاءات اللازمة في عمليات التصنيع"، كما يقول خبير الاتصالات.
لكن من جهة أخرى يعتبر أبو قريش أن التوسع في تجميع الهواتف لا يصب بالضرورة في خدمة أهداف تعميق الصناعة "مصر اهتمت بالمكون المحلي وتصنيع العدَّة، وأغفلت نقل التكنولوجيا (السوفت وير) عن الشركات الدولية"، مؤكدًا على ضرورة اهتمام الحكومة بنقل "سر الصنعة" عن الأجانب حتى يحقق التوطين الأهداف المرجوة منه.