
فرصة ذهبية لقطاع الملابس.. كيف تستفيد مصر من رسوم ترامب؟
ما الذي تعنيه رسومُ ترامب بالنسبة لمصر؟ الجانب السلبي الذي ركزتْ عليه غالبيةُ التحليلات التي صدرتْ منذ أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رسومه المثيرة للجدل هو أنها بمثابة قيد جديد على النفاذ للولايات المتحدة، لكنْ في الحالة المصرية الرسوم الجمركية محدودة بـ10%، وهو ما لن يضرنا بشدة بالنظر إلى تواضع رقم الصادرات المصرية الإجمالي لهذه السوق.
لكنَّ هناك جانبًا آخر لم يحظ بقدرٍ كافٍ من التحليل، وهو أن الرسوم المعلنة في الثاني من أبريل/نيسان الحالي تلقي بعبء شديد على عدد من دول جنوب شرق آسيا، وهي المنافس الرئيسي لمصر في السوق الأمريكية، الأمر الذي يوفر فرصة جيدة لتعظيم صادراتنا إليها.
التحدي الذي يقف في طريق الصادرات المصرية ليس رسوم ترامب، لكنه نقص الخبرة وضعف الاستثمارات الكافية لانتهاز هذه الفرصة، كما تفيد قيادات في صناعة المنسوجات لـ المنصة.
الطلب على الصادرات المصرية بدأ بالفعل
بالنسبة لفاضل مرزوق رئيس المجلس التصديري للملابس الجاهزة، فإن استفادة مصر من رسوم ترامب لم تعد تخمينات، لكنها أمر واقع تحقق بالفعل خلال الأيام الماضية، فبعد الإعلان عن هذه الرسوم بدأ عدد من المستوردين الأمريكيين بالفعل مطالبة المصانع المصرية بزيادة طاقاتها الإنتاجية خلال الفترة المقبلة، في محاولة منهم للبحث عن بديل للصادارت الصينية التي سترتفع تكلفتها من جراء الرسوم الحمائية المفروضة عليها.
السعر النهائي للمنتج المصري الذي لم يخضع إلا للحد الأدنى من رسوم ترامب سيكون أرخص من المنافسين الآسيويين
يكشف مرزوق لـ المنصة أنه منذ الإعلان عن الرسوم ارتفعت صادرات شركته بنسبة 15%، متوقعًا زيادة أكبر.
في الثاني من أبريل/نيسان، استكمل ترامب سياسات الحماية الجمركية التي يطبقها منذ بدء ولايته الثانية بإعلان حد أدنى للرسوم على جميع السلع المستوردة بنسبة 10%، مع رسوم بنسب أعلى على كبار الشركاء التجاريين، ورغم إعلانه لاحقًا عن مهلة 90 يومًا للتفاوض على الرسوم الجديدة مع جميع الدول، لكنه صعَّد الرسوم على الصين لتبلغ إجمالًا 145%.
منافسة النمور الآسيوية
تشير تقارير إلى أن الملابس والأحذية في الولايات المتحدة سترتفع أسعارها مع فرض رسوم كبيرة على المصدرين، خصوصًا من جنوب شرق آسيا، في الوقت الذي تعتمد فيه أمريكا على استيراد 97% من استهلاكها من هذه المنتجات.
وبالنظر إلى أن مصر التي لم تخضع إلا للحد الأدنى من رسوم ترامب، فإن سعر منتجها النهائي للمستهلك الأمريكي سيكون أرخص من المنافسين الآسيويين، وهو ما يمثل "فرصة ذهبية لقطاع الملابس في مصر"، كما يؤكد رئيس غرفة صناعة الملابس الجاهزة باتحاد الصناعات محمد عبد السلام لـ المنصة.
"الرسوم المفروضة على مصر ضئيلة بالمقارنة بالدول الآسيوية المنافسة لها في السوق الأمريكية، في مقدمتها إندونيسيا وبنجلاديش والفلبين وتايلاند التي فُرض على صادراتها للولايات المتحدة رسومًا تتخطى معظمها الـ30%"، يضيف عبد السلام.
رسم يوضح الرسوم التي فرضتها الولايات المتحدة في الثاني من أبريل 2025 على مصر وعلى دول منافسة في التصدير للسوق الأمريكية
تواكب رسوم ترامب ازدهارًا ملحوظًا في صادرات الملابس المصرية، التي نمت بنسبة 17% خلال أول 10 أشهر من 2024، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، لتصل إلى 2.2 مليار دولار، وتمثل الولايات المتحدة السوق المستقبل لأكثر من نصف هذه الصادرات.
رسم يوضح أعلى الصادرات المصرية للولايات المتحدة من حيث القيمة
بالاستناد إلى هذه المؤشرات، يتوقع عبد السلام وصول صادرات الملابس الجاهزة إلى 3.5 مليار دولار بنهاية العام الحالي.
مصدرون مصريون تلقوا استفسارات من علامات تجارية عالمية ترغب في نقل خطوط إنتاجها من جنوب شرق آسيا إلى مصر
ورغم أهمية أمريكا بالنسبة لمصنِّعي الملابس في مصر، فإنهم لا يجدون لأنفسهم موطئ قدم كبيرًا بسبب المنافسين الآسيويين، الذين يمثلون غالبية الدول العشر الأكثر تأثيرًا في هذه السوق، وتأتي الصين في مقدمة مصدِّري ملابس التريكو على سبيل المثال بـ10%، وفيتنام بنسبة 7.8%، وكمبوديا وبنجلاديش 2.4%، فيما لا تتعدى مصر نسبة 0.6%.
رسم يوضح حصص كبار مصدِّري الملابس التريكو إلى السوق الأمريكية
جذب استثمارات مباشرة
تزامنًا مع الارتباكات التي أحدثتها الرسوم الجمركية على الأسواق، تلقى مصدِّرون مصريون استفساراتٍ من علامات تجارية عالمية ترغب في نقل طاقات إنتاجية من جنوب شرق آسيا إلى مصر، ما يشير إلى أن الاستفادة لن تقتصر على زيادة صادرات المصانع المصرية، ولكن في جذب استثمارات أجنبية ترغب في العمل بمصر.
"إذا استمرت هذه الأوضاع ولم تَعدُل إدارة ترامب عن قراراتها سيفيد هذا في جذب استثمارات أجنبية في قطاع الملابس. الصينيون على سبيل المثال لن يستطيعوا تحمُّل الجمارك الضخمة التي فرضت على منتجاتهم، وسيبحثون عن مصانع في دول معفاة من الجمارك أو تخضع لنسب بسيطة مثل مصر"، يشير رئيس غرفة صناعة الملابس الجاهزة باتحاد الصناعات.
وهو ما تتفق معه سماح هيكل، عضو غرفة الملابس الجاهزة بالغرف التجارية، بأن "الرسوم في صالحنا أكثر ما هي ضدنا لأن منافسينا تضرروا بشكل أكبر ولن نتأثر مثلهم"، تقول لـ المنصة.
لماذا لم نستفد من الكويز؟
على الجانب الآخر، يتشكك البعض في التصورات المتفائلة عن أثر رسوم ترامب علينا، فعلى الرغم من أن مصر تتمتع بالفعل بمعاملة تجارية متميزة من الولايات المتحدة قبل أكثر من عقدين، فإنها لم تسهم في تعظيم صادراتها بالشكل المأمول.
تمثلت هذه المعاملة المتميزة في اتفاقية الكويز، التي دُشنت في 2004، وتمنح مصر إعفاءً جمركيًا كاملًا من الرسوم الأمريكية، في مقابل استيراد مكونات إنتاج إسرائيلية تمثل 10.5% من المنتج، وتقتصر صادرات مصانع الكويز على 1.15 مليار دولار، بحسب بيانات 2023.
"اتفاقية الكويز عندما تم توقيعها قبل 20 عامًا كانت هناك توقعات بزيادة حجم الصادرات لأمريكا 10 أضعاف الرقم الحالي، لكن محدودية الطاقات الإنتاجية بالمصانع وندرة العمالة المدربة حالتا دون استفادة قطاع الملابس بالشكل الكافي من تلك الإعفاءات" حسب الرئيس السابق للمجلس التصديري للملابس الجاهزة مجدي طلبة لـ المنصة.
يرى طلبة أن تعزيز النفاذ للسوق الأمريكية لا يتطلب تخفيف القيود الجمركية فقط، لكن "يجب إنشاء مصانع جديدة وتهيئة المناخ للاستثمارات، فمصر تحتاج إلى زيادة عدد المصانع الحالية 10 أضعاف، كما يجب مراجعة إجراءات التراخيص التي تتسم بالبطء وتسعير الأراضي المخصصة لإقامة المشروعات الصناعية بشكل يشجع المستثمرين المحليين والأجانب في ظل شكاوى المصنعين من ارتفاع تكلفة الأراضي".
ويعاني قطاع الملابس من تخارج عدد كبير من العاملين إلى الأسواق الأجنبية، تحديدًا تركيا وروسيا، في ظل تدني الرواتب بالمصانع المصرية التي لا يتجاوز فيها راتب العامل 10 آلاف جنيه، حسب نائب رئيس شعبة الملابس بالغرف التجارية خالد فايد.
يشدد فايد لـ المنصة على تأثير مشكلة توفير الأراضي للمصنعين "فجميع الأراضي التي تطرح في مناطق بالمحافظات تواجه صعوبات لوجستية وبلا مرافق، إلى جانب عدم تقديم تسهيلات بنكية من جانب البنوك المصرية للمصنعين بسعر فائدة منخفض".
يدرك رئيس المجلس التصديري للملابس الجاهزة فاضل مرزوق طبيعة هذه التحديات، لكنه متفائل بقدرة مصر على الاستفادة من الحرب التجارية التي تلقي بثقلها على أكبر المنافسين، "القطاع ينمو الآن بشكل أفضل ونستهدف زيادة الصادرات إلى 12 مليار دولار في عام 2030 برفع كفاءة القطاع وزيادة قدرته التنافسية من خلال تذليل المعوقات بتحسين البنية التحتية وتسهيل إصدار رخص إنشاء المصانع وتقديم الحوافز للشركات الأجنبية التي ترغب في الاستثمار بمصر".