
هل تتربح الدولة من مقدم حجز الإسكان الاجتماعي؟
تطرح وزارة الإسكان وحدات مدعومة ضمن مشروعات الإسكان الاجتماعي، يتقدم لحجزها عشرات الآلاف من المواطنين تفوق أعدادهم بأضعافٍ عدد الشقق المتاحة.
ومن أجل إثبات الجدية، تشترط الحكومة على المتقدمين سداد مقدم جدية حجز يُودع في بنك الإسكان والتعمير، ويظل مجمّدًا لفترة غير محددة سلفًا. وفي حال عدم قبول الطلب، يُعاد المبلغ لصاحبه.
ولأن ملايين المواطنين يتلهفون على شقق وزارة الإسكان لا يترددون في سداد مقدمات جدية الحجز المطلوبة. إذ تبقى هذه الوحدات رغم ارتفاع أسعارها أقل بكثير من مثيلاتها الباهظة التي يطرحها القطاع الخاص.
غير أن سؤالًا يفرض نفسه حول أرباح الدولة من فوائد المبالغ التي جمعتها لعدة شهور كمقدمات حجز، والتي تصل حصيلتها إلى مليارات الجنيهات؟
مسؤولو "الإسكان" ممن سألتهم المنصة أقروا باستفادة الوزارة من عائد هذه المبالغ تحت دعوى أهميتها في دعم منظومة الإسكان الاجتماعي.
نتربح.. لكن لصالحكم
يتنافس أكثر من نصف مليون مواطن على 78 ألف شقة لمحدودى الدخل طرحتها الوزارة في الفترة بين سبتمبر/أيلول وحتى ديسمبر/كانون الأول 2024. هذه الحقيقة تعكس التعطش القوي في السوق المصرية للوحدات الرخيصة في ظل أسعار مبالغ فيها بالقطاع الخاص التي قد تصل متوسطاتها إلى عشرات الملايين.
من ناحية المواطن، كونه واحدًا من بين سبعة أشخاص يتنافسون على نفس الوحدة التي يطمح للحصول عليها، يجعل فرصته محدودة ومعلقة بقرار لا يملك فيه تأثيرًا. أما عند وزارة الإسكان، فالأمر مختلف تمامًا؛ إذ تستفيد من جمع مقدمات جدية حجز لشقق تفوق المعروض بنحو سبعة أضعاف، ما يتيح لها الاحتفاظ بسيولة ضخمة تُدر عليها فوائد كبيرة، طوال الفترة التي تسبق حسم اختيار "المحظوظ" من بين المتقدمين.
يستفيد الصندوق بالفعل من العائد المالي على مبالغ "جدية الحجز"، ولكنه يستخدمها في تخفيف أعباء تمويل مشروعات الإسكان الاجتماعي، حسب مسؤول بإدارة صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري، لـ المنصة.
يشير المصدر الأول بإدارة الصندوق، الذي طلب عدم نشر اسمه، إلى أن المتقدم يسدد ما يتراوح بين 20 و30 ألف جنيه، وهي ما يراه مبلغ يكافئ العبء الذي تتحمله الوزارة لفحص ملفات المتقدمين، في عملية استغرقت نحو 4 أشهر في إعلان الإسكان الاجتماعي "سكن كل المصريين 3" والإعلان التكميلي الملحق به، على سبيل المثال.
يوضح المصدر الأول أن جزءًا من العائد على المقدمات يستخدم أيضًا في رد بعض فروق الأسعار للمقاولين عن وحدات سبق تنفيذها بالفعل.
كما أن الفوائد التي يجنيها الصندوق محاولة لتدبير المصاريف دون تحميل الموازنة أعباء إضافية، ويرجع سبب طول مدة الفحص لأن "العملية بتتضمن فحص مدى المطابقة لشروط التقديم، وترتيب أولوية الحاجزين".
يمنح الإسكان الاجتماعي الأولوية لذوي الاحتياجات الخاصة والمرأة المعيلة والمتزوج ثم الأعزب، ويؤخذ في الاعتبار أيضًا الأسر ذات العدد الأكبر وأصحاب الدخل الأقل.
ما حجم العائد من المقدمات؟
لم تعلن وزارة الإسكان حتى الآن عن المقبولين بشكل نهائي في إعلان الإسكان الاجتماعي الأخير "سكن لكل المصريين 5"، الذي فُتح باب التقديم فيه في سبتمبر الماضي، وإن كان بعض المتقدمين بدأت تصلهم رسائل الرفض، فإنه من المرجح الاستقرار نهائيًا على المستحقين للوحدات خلال شهر يونيو/حزيران المقبل، حسب المصدر.
وإذا أخذنا بتوقعات المصدر الأول بالصندوق يعني ذلك أن بعض ودائع المقدمات سيكون مر عليها ما يقرب من 8 أشهر في بنك الإسكان والتعمير دون إخطار مقدميها بالقبول أو الرفض بشكل نهائي.
يرفض المصدر بالصندوق الإفصاح عن إجمالي العائد الذي تجنيه الوزارة على المقدمات لأنها "مبالغ متغيرة وعليها سحب مستمر من كل حالة لم توفق، أي أنها ليست مبلغًا ثابتًا أو محددًا".
ومع تأكيد المصدر الأول على أن عوائد المقدمات "ليست بالضخامة التي يتصورها البعض" وأن الفائدة عليها "محدودة"، اتصلت المنصة بخدمة العملاء في بنك الإسكان والتعمير واستفسرت عن الفائدة على الودائع التي تتجاوز قيمتها 500 ألف جنيه، وكانت الإجابة أنها تجني عائدًا شهريًا 6.5% على الأقل.
بالعودة إلى الأرقام الخاصة بالإعلان الأخير، فيُفترض أن الإسكان أودعت الـ15 مليار جنيه مقدمات في هذا الوعاء، وعليه فهي تجني منهم نحو مليار جنيه شهريًا.
السبب وراء مد فترة الحجز
تلجأ الوزارة أحيانًا لمد فتح باب الحجز، كما حدث في الإعلان الأخير الذي تم مده مرتين، لينتهي منتصف يناير بدلًا من ديسمبر، وهو ما يثير ريبة بعض المتقدمين ممن تحدثت معهم المنصة، إذ يشتبهون في أن الوزارة تتعمد ذلك من أجل الاحتفاظ بالمقدمات لأطول فترة ممكنة لتجني من ورائها عائدًا أكبر.
غير أن مسؤولين نفوا ذلك لـ المنصة بدعوى أن الوزارة تفعل ذلك لصالح المواطنين وليس من أجل الأرباح، "نمد الفترة عشان نتيح للمواطنين من مختلف الفئات فرصة أكبر لاستكمال أوراقهم، ولتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص أمام الجميع"، حسب مصدر بقطاع الشؤون المالية والإدارية بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، مطلع على ملف الوحدات المطروحة.
ويضيف المصدر الثاني بهيئة المجتمعات العمرانية، والذي طلب أيضًا عدم نشر اسمه، أن "المواطنين عادة بيتقدموا ويسددوا المبالغ المالية وما يستكملوش الإجراءات والأوراق المطلوبة، وبالتالي لو أغلقنا باب الحجز مش هيقدروا يكملوا إجراءات التقديم".
ويفسر المصدر الأول بصندوق الإسكان الاجتماعي، وهو أحد المشرفين على حجوزات الإسكان والعائدات المالية من الحجوزات، مد فترة الحجز في إعلانات الإسكان الاجتماعي عموما والإعلان الأخير خاصة، بأن "طرح الشقق لمحدودي الدخل كان متوقف في الفترة من نهاية 2022 لحد نهاية سبتمبر 2024، مدة توصل لـ24 شهر في ظل معدلات طلب مرتفعة".
ويضيف المصدر الأول أن "مد الفترة بيكون فرصة للاستفسار عن الوحدات الخاصة بفئات مثل ذوي الاحتياجات الخاصة"، لافتًا إلى أن طروحات الإسكان الاجتماعي تشهد نسبًا مرتفعة من الرفض، تصل لربع عدد المتقدمين، ما يتطلب جمع أكبر عدد ممكن من الملفات لضمان الوصول للفئات المستحقة.
ولكن نسبة الرفض في الإعلان الأخير بلغت 50%، "وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالإعلانات السابقة" حسب تأكيد المصدر الأول لـ المنصة.
أصحاب المقدمات: إحنا بنخسر
لا يقتصر الأمر على المرفوضين، المقبولون أيضًا يشتكون إذ يتأخر تسليم الشقق لسنوات، يودعون خلالها أقساطًا لدى الوزارة ولا يستفيدون من قيمتها.
هناء عبدالرازق، حاجزة لشقة ضمن الإعلان الــ14 للإسكان الاجتماعي بمدينة حدائق أكتوبر، تقول لـ المنصة إنها تقدمت منذ 5 سنوات وكان مفترضًا أن تتسلمها خلال 3 سنوات "خلال هذه السنوات الـ5 طرحت الدولة 3 إعلانات إسكان لمحدودي الدخل، ألم يكن من الأفضل أن نحصل على وحداتنا بدلًا من طروحات جديدة مستمرة كل فترة لجمع أموال من المواطنين!".
"الدولة استفادت من فلوسنا عشان يبنوا مساكن جديدة، واللي يدفع أكتر يستلم علطول واحنا بنخسر. لو كنا استثمرناها في دهب كانت كسبت" تشير هناء إلى إرتفاع قيمة جرام الذهب خلال الفترة ذاتها من أقل من 800 جنيه إلى نحو 5000 جنيه.
ويتفق معها محمد أبو النجا، حاجز لشقة بالإعلان الــ14 أيضًا ولكن بمدينة حدائق العاصمة "الدولة بتزود المشكلة عشان بتعرض شقق قليلة، طيب ليه ما ترفعش عدد الشقق في كل إعلان؟".
هل نُحسن النية في الحكومة؟
يدفع المصدر الثاني في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بحُسن نية الوزارة في التعامل مع المتقدمين، "الهيئة بتبذل جهدها لتقصير مدة الاستحواذ على مبالغ المواطنين، بدليل أنها بدأت في إعادة مبالغ جدية الحجز لغير الفائزين في طرح مسكن الأخير بعد أقل من أسبوعين من انتهاء القرعة، رغم أنه في السابق كانت المبالغ بتسترد في فترة زمنية تصل لــ3 أشهر".
يدعي المصدر الثاني، أنه على عكس التصور الشائع، فإن العديد من المواطنين هم مَن يتركون ودائعهم لدى الوزارة مدة طويلة، على أمل إلحاقها بطروحات أخرى.
"في كل إعلان نرسل رسائل نصية لغير المقبولين من أجل سحب جدية الحجز و نحذرهم من أن تأخرهم في ذلك مسؤوليتهم الكاملة، لكن فيه مواطنين سابوا الفلوس في حسابات الصندوق من 2018"، يضيف المصدر.
ترك المقدمات في حساب الوزارة كان يمنح المتقدمين فرصة للاتحاق بالطروحات الجديدة، لكن الوزارة تراجعت عن هذا التوجه لاحقًا لما تسبب فيه من خلق قوائم انتظار طويلة.
ولكن مَن المسؤول عن ظاهرة تراكم المقدمات؟ يحمل يحيى شوكت الباحث بمجال العمران، المواطنين والدولة المسؤولية المشتركة عن الوضع الحالي.
"المواطنين مسؤولين عشان بيزاحموا على شقة هما عارفين إن شروطها لا تنطبق عليهم، والدولة مسؤولة عشان ضعف المعروض من الشقق الرخيصة في ظل ارتفاع وحدات القطاع الخاص"، يقول شوكت لـ المنصة.
يستدل شوكت بوصول نسبة الرفض في الطروحات الأخيرة إلى 50% "لا يُعقل أن كل الناس دي لا تدرك حقيقة عدم استحقاقها للوحدات بسبب مستوى الدخل أو السن أو محل الإقامة والعمل، أو الاستفادة السابقة من وحدات سكنية مدعومة أو وجود ملكية عقارية خاصة".
لكنه من جهة أخرى يوصي بتوسع الدولة في بناء مساكن رخيصة كـحل أحادي لأزمة السكن، خاصة مع محدودية أعداد الوحدات المتاحة بالمناطق التي تشهد طلبًا أعلى، خاصة بالعاصمة وما حولها.