يؤدي الرئيس التونسي المنتخب قيس سعيد اليمين الدستورية أمام البرلمان يوم غدٍ الأربعاء، بعد فوزه في جولة إعادة الانتخابات الرئاسية على منافسه نبيل القروي بأغلبية مريحة، ليصبح ثالث رئيس للبلاد عقب الثورة التي أطاحت عام 2011 بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي وأطلقت رياح الربيع العربي في المنطقة.
وسيخلف سعيد الطبيب والحقوقي المنصف المرزوقي (2012 ـ 2014) الذي انتخبه المجلس التأسيسي، والباجي قايد السبسي (2015 ـ 2019) المحامي ووزير الداخلية والخارجية في عهد زعيم الاستقلال ومؤسس الدولة الوطنية في تونس الحبيب بورقيبة، وهو أول رئيس يأتي بالانتخاب المباشر الحر التعددي في تاريخ تونس.
ويعدُّ الأكاديمي قيس سعيد من أبرز أساتذة القانون الدستوري في تونس. وهو نادر التحدّث أمام وسائل الإعلام، مع أن للرجل آراء نقدية لافتة لمسار الانتقال إلى الديمقراطية في تونس بعد الثورة.
أُجري هذا الحوار مع الرئيس المنتخب يوم 21 سبتمبر/ أيلول 2017 في أحد فنادق شارع الحبيب بورقيبة بوسط العاصمة التونسية بعد أيام معدودة من تمرير أغلبية البرلمان، بما في ذلك كتلة حزب حركة النهضة، مبادرة السبسي للمصالحة الإدارية مع رجال الرئيس المخلوع زين العابدين بن على.
حينها بدا الإحباط مخيمًا على قطاعات مهمة من المجتمع المدني ومن الشباب المنحاز للثورة، وبخاصة من انخرطوا في حركة "مانيش مسامح" المناهضة للمصالحة، والتي نجحت جزئيًا في الدفع نحو تعديلات برلمانية على المبادرة الرئاسية، أسقطت شمول المصالحة في جرائم اقتصادية ومالية ارتكبها رجال أعمال.
أيضًا أُجري هذا الحوار قبل أن يعلن سعيد لاحقًا مطلع هذا العام عزمه الترشح للرئاسة، ثم فوزه بها هذا الشهر.
لكن لم يكن ممكنًا نشر الحوار حينها ولا بعدها في صحيفة الأهرام، التي كنت مراسلها في تونس، لاعتبارات عدة، بعضها تعلّق بما أصبحت عليه سياسة تحرير الصحيفة وتوجهات سلطة الدولة في مصر، وبعضها بتأثير تعقيدات في علاقة مركز الصحيفة بمراسلها في تونس.
ولقد أوضحت لسعيد قبيل إجراء الحوار هذه الملابسات، وضعف حظوظ نشره في الأهرام حينها، فتفهّم. مضينا في إجراء الحوار الذي أبلغته كذلك بعزمي نشره ضمن ملاحق كتاب أعكف على إعداده بعنوان دراما المظاهرة والصندوق: الاحتجاجات الاجتماعية والانتخابات البلدية بتونس، لكنه لم يصدر بعد.
ولعله من المفيد أن نتعرف في لحظة تنصيب قيس سعيد، كيف تحدث الرجل متحررًا من اعتبارات وضغوط المقام الرئاسي، بل وقبل حتى مباشرة الحملة الانتخابية، فقد انتقد في هذا الحوار دخول حزب حركة النهضة إلى "المنظومة/ السيستم"، ليعاد إنتاج ما كان قبل الثورة. وشرح أيضًا كيف استطاع "السيستم" وممثلوه من رجال أعمال وسلطة نافذين، أن يظل متحكمًا في مقدرات تونس، وذكّر بمطالب التغيير و شعار "الشعب يريد إسقاط النظام". كما ساق أسبابًا عدة لما اعتبره "عوارًا دستوريًا وقانونيًا" في تمرير البرلمان لقانون المصالحة.
ولكن رغم ذلك كله، بدا سعيد حينها متفائلًا بقرب تغييرات تاريخية في تونس ومجمل البلدان العربية، وباتجاه تصحيح تغوُّل سلطة الدولة على المواطن والمجتمع.
* هل توضح الاتجاه الذي تتبناه في نقد مسار الانتقال إلى الديمقراطية بعد الثورة؟ وما الخلل؟
- لنعد إلى 14 يناير/ كانون ثاني 2011 وكيف تم نقل السلطة بسرعة إلى رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع بعد أن تولاها لمدة قصيرة الوزير الأول محمد الغنوشي وفق الفصل السادس والخمسين من الدستور السابق. كانت النية تتجه في هذا اليوم بعد ليلة الانتقال من فصل الى آخر، إلى تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها وحسب، وكأن الأمر يتعلق بمجرد شغور رئاسة الجمهورية.
وهكذا تواصلت المناورات والمؤامرات. ولكن أيضا تواصل حينها المد الثوري مع اعتصام القصبة الثاني في فبراير/ شباط 2011. حينها طالب الشعب التونسي بإسقاط النظام، ولم يجد النظام آنذاك سوى احتواء هذا المد داخل المنظومة، وبالفعل نجح في احتوائها.
كانت الفكرة هي ادخال القوى الثورية إلى داخل المنظومة القائمة كي تتغير مطالبها وتصبح مطالب جزئية فرعية. فضلًا عن كون المنظومة القائمة قامت بتحديد قواعد اللعبة، وهي تعرف مسبقًا النتائج التي ستترتب على أي اختيار.
تم تنظيم انتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر/ تشرين الأول 2011، وأفرزت ما أفرزت من نتائج، وبخاصة فوز حركة النهضة بالعدد الأكبر من المقاعد، ولو أنها لم تتحصل على الأغلبية المطلقة، لكن هُيِّئ لها أنها تمارس السلطة. وإذ بسرعة كبيرة تحولت هذه الحركة إلى جزء من المنظومة، وقبلت طوعًا أو كرهًا بقواعدها وبالعمل من داخلها. واشتدت الأزمات في تونس وانحسر مجال التحرك داخل الشارع نتيجة للصراعات داخل أجهزة الدولة. ومنذ ذلك التاريخ بدأنا نعيش تقريبًا في ظل نظام ظاهر هو المجلس التأسيسي والبرلمان، وآخر خفيّ.
* هل تتفضل وتوضح أكثر طبيعة هذا النظام المزدوج؟
- (النظام) الظاهر هو المنتخب أو الذي تولى السلطة بحكم الانتخابات، والخفي هو الذي يتحكم في كل أجهزة الدولة، وهو يرى كل شيء لكنه لا يُرى. هو بالفعل النظام القديم من المتنفذين رجال أعمال وسلطة.
وحين اشتدت الأزمة في عام 2013 تم نقل مركز السلطة من قصر المجلس النيابي (المجلس التأسيسي) بباردو إلى قصر آخر مجاور له هو قصر المستشارين، حيث اجتمع المشاركون فيما يسمّى بالحوار الوطني.
كان الهدف غير المعلن هو أن الانتخابات وحدها لا تضفي المشروعية على الحاكم، بل إن للمشروعية مركز آخر غير منتخب من داخل الحوار الوطني. وهكذا أصبح هناك قصران؛ أحدهما يمثل شرعية ظاهرة هو باردو والثاني لشرعية موازية (قصر مجلس المستشارين سابقًا).
وفي هذه الأجواء جرى وضع الدستور أو ما أسمي باستكمال المسار التأسيسي الى جانب المسارين الحكومي والانتخابي في إطار الحوار الوطني. وما يتم الاتفاق عليه في هذا الإطار هو الذي يتم تمريره إثر ذلك من القصر الثاني الى القصر الأول. بل أكثر من هذا، فقد وضعت بعض أحكام الدستور في غرف مغلقة، بل استبدلت أحكام بأحكام بين القراءتين الأولى والثانية لمشروع الدستور، ولا يعرف مصدرها، من قبيل الفصل السادس المتعلق بحرية الضمير والدولة الراعية للدين، وكذا الفصل الثالث والتسعين المتعلق باللغة العربية وضرورة الانفتاح على اللغات الأجنبية.
وهكذا تمت خيارات في الخفاء، وبعدها صادق المجلس التأسيسي عليها.
* نأتي إلى إشكالية النظام السياسي نفسه وطبيعته المختلطة بين برلماني ودستوري. ما هو تصورك في ظل السياق الذي قدمته هنا؟ وأعتقد أن هذا له أهميته في ظل المطالبات الجارية حاليا من قوى سياسية بتعديل يسمح بالعودة الى سلطات أكبر لرئيس الجمهورية؟
- تمت انتخابات 2014 وفق هذا الدستور الجديد وفي ظل القانون الانتخابي الذي تم وضعه لانتخاب رئيس الجمهورية والمجلس النيابي. وكان هناك صراع خفي داخل الغرف المغلقة حول اختصاصات رئيس الجمهورية والحكومة. وكان هناك نوع من قراءة للتوازنات السياسية تقوم على أن الرئيس الحالي للدولة (يقصد السبسي) سيتم انتخابه وعلى أن الانتخابات التشريعية ستفوز بها حركة النهضة وبعض الأحزاب الموالية لها.
وجاءت هذه الانتخابات بما جاءت به من نتائج. وتحول مركز الثقل بسرعة من قصر باردو والقصبة (قصر الحكومة) والتي يفترض أنها نابعة من الأغلبية داخل المجلس النيابي، إلى القصر الرئاسي بقرطاج. ويكفي التذكير بعملية تجديد الثقة في رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد. فقد تم وضع حد لرئاسته للحكومة تقريبًا بمجرد حوار تلفزيوني أجراه رئيس الدولة في 3 يونيو/ حزيران 2016، وفقد الثقة داخل البرلمان نتيجة هذا الحوار.
وحين تم طرح مسألة الثقة على البرلمان لم يحظَ إلا بأصوات قليلة جدًا. وهذا بعدما ساندته أغلبية مريحة جدًا.
وفضلا عن هذا، فإن القرارات التي يجرى اتخاذها اليوم تأتي من القصر الرئاسي. وكأن الحكومة هي حكومة رئيس الجمهورية، رغم أن الدستور ينص على أنها منبثقة من أغلبية البرلمان. وهنا يتعين الانتباه أن تونس الآن دولة ذات نظامين؛ أحدهما ينص عليه الدستور والثاني هو الذي يتحكم في كل شيء منذ 14 يناير/ كانون ثاني 2011.
* وأين ما في الدستور من صلاحيات للبرلمان؟
- عملية تصنيف الأنظمة السياسية مسألة فقهية تجرى بناء على معايير يعتمدها فقهاء القانون الدستوري. ومن الصعب تصنيف النظام السياسي الحالي في تونس وفق نصوص الدستور ووضعه في خانة دون تحفظ أو احتراز، فهو ليس برلمانيًا خالصًا وليس رئاسيًا. هو بين بين على حد تعبير المفكر المصري الراحل طه حسين. وهذا ما تقوله أيضًا نصوص دستور 2014.
وما لا تقوله النصوص أيضا هو أننا وفعليا أمام نظام رئاسي، مركز الثقل غير المعلن في النظام هو رئيس الجمهورية. وكان يمكن أن يكون الحال على النقيض لو تم انتخاب شخص آخر غير الرئيس السبسي. مثلا لو كان المرزوقي لاختلف الأمر. ولكان الذين يدعون اليوم الى تنقيح الدستور نحو مزيد من صلاحيات رئيس الجمهورية يرقصون على أنغام النظام البرلماني. وهذا بالفعل هو الرقص على الحبال. والمشكلة في تونس أن الفكر السياسي المهيمن لم يتغير. تغيرت نصوص الدستور، لكن الفكر السياسي لا يزال يشده الحنين الى الماضي. كما يهزه الحنين إلى تماثيل بورقيبة.
* يلفت النظر في سياق تحولات النظام السياسي خلال مرحلة الانتقال في تونس، تلك العلاقة بين حزب نداء تونس والرئيس السبسي من جهة، وحزب النهضة الذي عاد بمثابة الحزب الأول في البرلمان. ما هي رؤيتك لتلك العلاقة وبخاصة بعد تمرير قانون المصالحة الإدارية هذا الشهر (سبتمبر/ أيلول 2017)؟
- بعد حوار الرئيس السبسي مع جريدة الصحافة هذا الشهر، والذي تضمن رسائل غير إيجابية تجاه النهضة. وبعد تمرير قانون المصالحة عاد الرجل إلى مغازلة النهضة. هذا جفاء أيام يعقبه غزل مجدد. وقال إنه لن يبادر إلى طلب تعديل الدستور، لكنه ترك الأمر للنواب، ولم يعلن رفضه مبدئيا للتعديل.
ونظريًا تظل إمكانية المبادرة في يد ثلث نواب البرلمان أو رئيس الجمهورية لتعديل الدستور ومنح صلاحيات أكبر للرئاسة. لكن لنلاحظ أن رئيس الجمهورية صرح أخيرا أنه لن يبادر. وهذا أمر معهود في تونس من قبل و تشير إليه سوابق تعديل الدستور. في عام 1975 تمت المبادرة بتعديل المادة 39 من الدستور القديم لعام 1959 من جانب النواب بعدما قبل الرئيس بورقيبة بمبدأ الرئاسة مدى الحياة في مؤتمر الحزب الدستوري الثاني عام 1974.
ويمكن أن تأتي الآن المبادرة من النواب. لكن هل ستمر؟ خاصة وأن الأغلبية المطلوبة هي أغلبية الثلثين. أنا لا أعتقد بتوافر هذه الأغلبية لأنها مسألة مصيرية بالنسبة إلى عدد من الأحزاب، بما فيها حركة النهضة. ومع العلم أنه لا يمكن المبادرة لتعديل الدستور في غياب المحكمة الدستورية والتي لم يتم إرساءها بعد. فهذه المحكمة هي المدعوة دستوريًا للنظر فيما لا يجوز تعديله وفي صحة إجراءات التعديل.
ولا يمكن اللجوء إلى الاستفتاء كما يدعو الى ذلك البعض، إلا أن يكون البرلمان قد صادق على مشروع التعديل. فالاستفتاء لاحق لمصادقة البرلمان. وإذا رفض البرلمان مشروع التنقيح لا يمكن اللجوء إلى الاستفتاء طبقا للفقرة الأخيرة من نص المادة 144 من الدستور.
* اللافت بعد الثورة وفي ظل الدستور الجديد أن مبادرة التشريع ظلت في يد الحكومات أي السلطة التنفيذية ونادرا ما تأتي المبادرة من داخل البرلمان.
- الأمر هنا لا يقتصر على تونس. في معظم دول العالم أكثر المبادرات التشريعية تأتي من السلطة التنفيذية، بما في ذلك الدول الأوروبية. وهذا نظرًا لأن السلطة التنفيذية تتوفر على خبراء وجهاز إداري قادر على إعداد مشاريع القوانين. لكن أعضاء البرلمانات في العالم يمارسون مبادرة غير مباشرة بإدخال التعديلات على مشروعات القوانين التي تتقدم بها السلطة التنفيذية. وللأسف في تونس عديدة هي مقترحات القوانين التي يتقدم بها النواب ولم يتولَّ مكتب البرلمان عرضها على اللجان ثم على الجلسة العامة.
وفي هذا المجال يمكن التذكير بظاهرة يكاد ينفرد بها النظام في تونس تقريبا، وهي أولوية النظر الممنوحة لمبادرات السلطة التنفيذية، وهي صيغة موروثة عن دستور 1959. والقضية أيضًا هي أن عديد النصوص يتم الاتفاق عليها مسبقا بين نداء تونس والنهضة وتمر تقريبا بنفس عدد الأصوات (ما بين 114 إلى 120 من إجمالي أعضاء البرلمان الـ 217). وهذا في إطار صفقات بين الحزبين الأكبر في البرلمان. هي صفقات تجرى تحت جنح الظلام.
* ثمة حديث طويل عما يسمي بـ"العوار الدستوري والقانوني" في قانون المصالحة الإدارية.. ما رأيكم ؟
الهيئة الوقتية للنظر في دستورية القوانين كانت في عام 2015 أقرت مبدأً، أنه لا يجوز للجنة التشريع العام في البرلمان أن تغير من مشروع القانون الذي تقدمت به السلطة التنفيذية إلى مشروع آخر. وهذا عندما نظرت الهيئة في الطعن على دستورية القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء.
وحقًا فإن الجلسة العامة هي المخولة بالتعديل وليس لجنة التشريع العام كما جرى في قانون المصالحة. وما حدث بالنسبة لما يسمى بقانون المصالحة أن مشروع القانون الذي يعود تاريخ تقديمه الى عام 2015 صار مشروعًا لقانون المصالحة الإدارية بعد أن كان مشروعا يتعلق بالمصالحة بوجه عام، وبما في ذلك الاقتصادية والمالية.
وأكثر من هذا، فإن رئيس الجمهورية في حواره بالتلفزة قال إنه لم يتقدم إلا بالمشروع الأول وأن لجنة التشريع العام هي التي تولت تعديله. وهذا إقرار منه بأن المشروع تم تغييره. وفضلًا عن هذا فإن البرلمان المنعقد في دورة استثنائية ما كان عليه أن ينعقد على هذا النحو المخالف للدستور، وهذا لأن البلاد في حالة الطوارئ، وهي تدابير استثنائية أتاحها الدستور لرئيس الجمهورية. إذن فالبرلمان في حالة انعقاد دائمة طيلة فترة الطوارئ، فكيف يمكن دعوته الى الانعقاد؟ هذا كمن يدعو الجالس إلى الجلوس أو الواقف إلى الوقوف.
وإلى جانب كل هذه المسائل الإجرائية، فإن هذا القانون الذي جاء بعفو مقنع لا بمصالحة يخالف الدستور وبخاصة في الفصل 110 الذي ينص على منع إحداث محاكم استثنائية أو سن إجراءات استثنائية من شأنها المساس بمبدأ المحاكمة العادلة. وهذا في حين ينص هذا القانون على إحداث هيئة مركبة من قضاة تتتبع إجراءات إدارية موجهة.
وإذا كانت المحاكم الاستثنائية هي محاكم جزائية فلا شيء يمنع من اعتبار هذه الهيئة التي نص القانون على إحداثها استثنائية. وهناك خرق آخر لنص المادة 108 من الدستور التي تنص على أن القانون يضمن التقاضي على درجتين، وهذا في حين أن القانون ينص على أن قرارات هذه الهيئة لا تقبل الطعن بأي وجه من الوجوه. وعلى هذا ولأسباب أخرى عدة فإن هذا القانون غير دستوري، وهذا بصرف النظر عن اتفاق أعضاء الهيئة الوقتية للنظر في دستورية القوانين أو الاعتبارات الشكلية المتعلقة بكيفية وطبيعة مقدمي الطعن.
وللأسف حينما تتسلل السياسة الى الهيئات القضائية تخرج العدالة من قصور العدالة (المحاكم).
* كثير هي القضايا التي أثيرت في صلب صناعة الدستور التونسي وعلى هامشه ومنها الهوية الإسلامية والعلمانية وغيرها.. وأنتم طرحتم أولويات إعادة بناء النظام السياسي؟
- العديد من القضايا مفتعل ومصنوع. نحن في حاجة بالأساس اليوم الى فكر سياسي ودستوري جديد غير مستورد. وفي حاجة الى بناء ينطلق من المحلي نحو المركز وإلى القلب من الساعة الرملية وإلى مركز يكون تأليفا لمختلف الإرادات التي يتم التعبير عنها على المستوى المحلي. لذا أنا اقترحت منذ عام 2011 ضرورة البدء بانتخاب أعضاء المجالس المحلية في كل المعتمديات (مراكز الولايات/ المحافظات) بتونس وأولًا. ومنها تنبثق مجالس جهوية على مستوى كل ولاية. ومنها يتم الاختيار من يتولى تمثيلها في السلطة التشريعية المركزية.
* كان هناك جدل في تونس بُعيد الثورة مباشرة عن ضرورة إعادة التوازن المختل بين دولة مهيمنة قامعة وبين المجتمع. ما هو رأيك؟ وإلى أين توجه المسار؟
- ما زالت سلطة الدولة بالتأكيد هي السلطة المهيمنة على المجتمع بتونس. تغولت لأحقاب وقرون ومازالت. لكن المجتمعات العربية كسائر المجتمعات الأخرى دخلت مرحلة جديدة من التاريخ. ولا يمكن أن يستمر هذا الوضع على ما هو عليه. قد تنجح بعض الأنظمة في الإبقاء على هذه السلطة المركزية المتغولة، ولكن إلى حين.
وهذا الأمر لا يتعلق بالدول العربية وحدها، بل بعديد من الدول الأخرى. لاحظ الاحتجاجات في اليونان والبرتغال والبرازيل التي اتخذت شكلًا جديدًا غير تقليدي وغير مألوف وخارج الأحزاب والأطر المعتادة بوجه عام. هناك مرحلة جديدة في تاريخ الإنسانية بدأنا الدخول إليها، وبالتأكيد لن تبقى الأوضاع هنا وفي المجتمعات العربية على ماهي عليه في قادم السنوات.