تصوير أحمد علي، المنصة
وقفة احتجاجية للصحفيين المؤقتين على سلالم النقابة، 1 يوليو 2025

الصحفيون المؤقتون.. قوائم انتظار على باب صاحبة الجلالة

منشور الأربعاء 13 أغسطس 2025

"من 15 سنة وإحنا شايلين الشغل داخل المؤسسة كصحفيين مؤقتين بدون أي مقابل يساوي تعبنا"، يصفُ ميشيل عبد الله، مراسل مؤسسة الأهرام بمحافظة الفيوم رحلته صحفيًّا مؤقتًا التحق بجريدته عام 2010 لم يحصل على حقه في التعيين حتى اليوم رغم الوعود المتكررة.

ومع أن المادة 89 من قانون العمل 14 لسنة 2025 تلزم صاحب العمل بتحرير عقد يتضمن حقوق العمال والتزاماتهم، فإن الأهرام لم تحرر لميشيل وزملائه عقودَ عمل بعد مرور ثلاثة أشهر من بدء العمل، وفق ما تفرضه المادة 90 بألا تتعدى فترة الاختبار ثلاثة أشهر، ولا يجوز تعيين العامل تحت الاختبار لأكثر من مدة لدى صاحب العمل.

ميشيل ليس وحده وإنما هو ضمن نحو 300 صحفي مؤقت يعملون في المؤسسات الصحفية القومية، التي تضم الأهرام والأخبار والجمهورية ودار الهلال ودار المعارف وروزاليوسف ووكالة أنباء الشرق الأوسط بإصداراتها المختلفة، لم يحصلوا بعد على حقهم القانوني في التعيين رغم سنوات عملهم الطويلة.

وشهد ملف الصحفيين المؤقتين تحركات كثيفة بالأخص بعد عام 2024، الذي شهد ما وصفه نقيب الصحفيين خالد البلشي بالانفراجة، إلا أن تلك التحركات لم تفضِ إلى حلٍ فعلي.

معاناة ممتدة

تتحدد مطالب الصحفيين المؤقتين في فتح باب التعيين، وتطبيق الحد الأدنى للأجور عليهم لحين التعيين، والحصول على كارنيهات توفر لهم مظلة قانونية أثناء ممارسة عملهم.

إلى أن يحدث هذا، فإن إيمان عابدين، الصحفية بأخبار اليوم، تضطر للإنفاق على عملها الصحفي بالمؤسسة التي التحقت بها منذ 2013 دون تعيين، "كنت في الأخبار المسائي من عام 2013 باخد 500 جنيه، ولكن بعد انتقالنا إلى اللواء الإسلامي في 2020 تم وقف المكافآت، حتى بدأت الهيئة تصرف لنا منحتها البالغة 500 جنيه، إضافة لـ200 جنيه مكافأة من رئيس التحرير"، تقول لـ المنصة.

ورغم أن عملها بالمؤسسة حتى الآن بلا عائدٍ، وهي على حد قولها "بتصرف على المؤسسة، اشتراك المترو بس بيوصل 800 جنيه، عشان أروح المقر"، فإنها تتمسك بحلم التعيين والالتحاق من ثم بنقابة الصحفيين، لذا تضطر للعمل في مواقع صحفية أخرى لتدبير احتياجاتها "إحنا حوالي 45 صحفي مؤقت في المؤسسة، أنا وآخرين اتجهنا للعمل في أماكن تانية".

التحقت إسراء فتحي هي الأخرى بمؤسسة الجمهورية، مطلع 2016، و"حتى عام 2018 مكنتش باخد أي مليم أحمر وكنت بشتغل 5 أيام وأحيانًا 6 أيام"، تقول لـ المنصة.

تضيف "بدأت الحصول على مكافآت في عام 2018، أول مكافأة كانت 200 جنيه، وزادت لـ500 جنيه في 2021، وحتى الآن مزادتش"، حيث لا توجد آلية منتظمة لصرف المكافآت و"مفيش انتظام في الصرف، أحيانًا بنقعد كذا شهر مش بناخد أي فلوس، ولما بيتم الصرف بيكون لشهر واحد فقط، وبالتالي بيكون فيه تراكم للمكافآت، وحتى الآن لينا مكافآت لم نحصل عليها".

تحرك افتراضي ووقفات احتجاجية

لم يتوانَ الصحفيون المؤقتون في المطالبة بحقهم، وقادوا حملات متتالية بدأت في الفضاء الإلكتروني تحت هاشتاج حق المؤقتين في التعيين بالصحف القومية، وهو ما تضامن معه المئات من الصحفيين، بالأخص عقب فوز خالد البلشي بمنصب نقيب الصحفيين، وإعادة انتخابه في مايو/أيار الماضي.

انتقل صوت الصحفيين المؤقتين من الفضاء الإلكتروني إلى الاحتجاج، فنظموا أول وقفة احتجاجية لهم في 28 فبراير/شباط 2024 بمبنى النقابة، تجمع فيها عدد منهم بحضور البلشي، ورفعوا لافتات "عمرنا راح في الصحافة القومية".

كما شهد المؤتمر العام السادس للصحفيين حضورًا قويًا من الصحفيين المؤقتين، الذي بدأ بعقد جلسة 7 مارس/آذار 2024 على هامش الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر، لمناقشة مطالبهم بالتعيين في مؤسساتهم.

البرنامج الزمني كان يتضمن تعيين 20 صحفيًا مؤقتًا كل شهر

وعقب اجتماعهم مع البلشي، أرسل الصحفيون المؤقتون خطابًا إلى رئيس الجمهورية للمطالبة بتعيينهم، وإلغاء قرار رئيس الوزراء لعام 2020.

وفي 20 مارس 2024، أعلن البلشي تشكيل وفد من البرلمانيين الصحفيين ومجلس النقابة لالتقاء المسؤولين، وبدأ تنفيذ هذه الخطوة عبر خطاب موجه إلى رئيس الهيئة الوطنية للصحافة في 8 أبريل/نيسان 2024 للمطالبة بتحديد موعد لقاء لبحث قضية الصحفيين المؤقتين.

وبعد الخطاب بنحو 5 أشهر، التقى البلشي، عبد الصادق الشوربجي، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، واتفقا على فتح الباب لتعيين المؤقتين من صحفيين وإداريين وعمال بتعيين دفعات شهرية وفق ضوابط يتم الاتفاق عليها بين الهيئة والنقابة، اعتبارًا من سبتمبر 2024.

وحسب الصحفية إسراء فتحي، فإن الاتفاق تضمن تعيين المؤقتين بعد إجراء اختبارات "البرنامج الزمني كان يتضمن تعيين 20 صحفيًا مؤقتًا كل شهر، على أن يكون التعيين معتمدًا على أقدمية الحصول على المكافأة، وليس أقدمية الالتحاق بالمؤسسة، "بالتالي رغم التحاقي بالمؤسسة عام 2016 فمن الممكن أن يتم تعيين زملاء التحقوا بعدي".

عقب اجتماع البلشي والشوربجي، أعلنت الهيئة عقد الاختبارات من خلال تشكيل ثلاث لجان لفحص أعمال المتقدمين للتعيين سواء صحفيين أو إداريين أو عمال. وتقدم نحو 250 صحفيًا مؤقتًا لإجراء الاختبارات وسط وعود بالتعيينات، ولكن لم تُحقق أي من الوعود حتى الآن، ما دفع 80 صحفيًا منهم، للتقدم بمذكرة للنقابة طالبوا فيها بالتدخل للبدء في اتخاذ إجراءات تعيينهم.

اجتماع بين عبدالصادق الشوربجي، رئيس الهيئة، ونقيب الصحفيين خالد البلشي لمناقشة ملف الصحفيين المؤقتين

من يخرق القانون

لا تخالف المؤسسات الصحفية قانونَ العمل فقط، لكنها كما يؤكد المحامي العمالي أحمد المصري لـ المنصة تخالف أيضًا قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018، فالمادة 14 منه تنص على خضوع العلاقة بين العاملين بالصحف ووسائل الإعلام وجهات العمل التى يعملون بها لعقد عمل يحدد نوع العمل، ومكانه، والمرتب وملحقاته، والمزايا التكميلية، والترقيات والتعويضات.

يصف المصري العلاقات الحالية بين العاملين، سواء صحفيين أو عمالًا أو إداريين، وبين المؤسسات الصحفية القومية، بالمشوهة التي يجب وضع حد لها عبر تحرير عقود عمل للمؤقتين.

ولم تكن مثل هذه المخالفات تُرتكب لو أن جهات التفتيش ممثلةً في وزارة العمل ووزارة التضامن الاجتماعي تؤدي دورها، وهو ما ينتقده النائب إيهاب منصور وكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، مؤكدًا لـ المنصة أن هناك غيابًا في التفتيش على المؤسسات الصحفية القومية وتقصيرًا من وزارة العمل في قيامها بمسؤوليتها. وسبق وأوصت لجنة الإعلام بمجلس النواب بضرورة تعيين كوادر صحفية جديدة بالمؤسسات الصحفية القومية، كما تقدم عضو المجلس هشام الجاهل بطلب إحاطة مطالبًا بإنهاء معاناة الصحفيين المؤقتين المتعلقة بتأخر تعيينهم.

وقدمت عضوة مجلس النواب ميرفت عبدالعظيم أيضًا طلب إحاطة، أوضحت فيه أن "هؤلاء الصحفيين يعملون في ظروف صعبة، ويبذلون الجهد الكبير، وتعتمد عليهم هذه المؤسسات في مختلف إصداراتها اليومية والأسبوعية".

الاكتظاظ يعوق التعيين

لا أحد يجادل في حق الصحفيين المؤقتين في التعيين، لكن هذا الحق تحول دونه الكثير من الأزمات والظروف، بالأخص قرار رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في يناير/ كانون الثاني 2020 الذي نص على "عدم فتح باب التعيين في أي مؤسسة صحفية قومية، ومنع التعاقدات، ومنع المد فوق سن المعاش إلا في حالات الضرورة القصوى، ولكبار الكتاب فقط، لمراعاة حوكمة الإنفاق".

وسعت نقابة الصحفيين عبر سبل متعددة لينال المؤقتون حقهم، وبدا النقيب خالد البلشي متفائلًا وهو يؤكد لـ المنصة على وجود بوادر أمل في ملف تعيين المؤقتين، لافتًا في الوقت نفسه على أن الأمر حاليًا بيد وزارة المالية، و"قمنا بمخاطبتهم، وسنستكمل الإجراءات حتى تعيينهم".

إيرادات الصحف شبه منعدمة وأي طلب مالي من المؤسسات ستقابله دراسات ومناقشات مطولة

يضيف "طرقنا كل الأبواب وتفاوضنا مع الحكومة، في البداية كان الجميع يقول إن هذا ملف شبه مستحيل، لكننا قررنا الاستمرار وهو ما انتهى إلى إصدار قرار بتعيين 80 مؤقتًا".

على الجانب الآخر يكشف عضوٌ بالهيئة الوطنية للصحافة، طلب عدم نشر اسمه، لـ المنصة أن ملف المؤقتين مدرج على جدول أعمال الهيئة، وجرى اتخاذ الإجراءات اللازمة فيه، لكن تعيينهم يحتاج توفير المخصصات والاعتمادات المالية اللازمة، وهو ما خاطبوا مجلس الوزراء ووزارة المالية للوفاء بها من توفير الحد الأدنى للأجور للعاملين، والتأمينات والرعاية الصحية.

يرجع عضو الهيئة الوطنية سبب تعطل تعيين الصحفيين المؤقتين لاكتظاظ هذه المؤسسات بالعاملين، "فيه صحفيين معينيين بيتقاضوا مرتبات تتخطى الـ10 آلاف جنيه ومش بيحضروا للمؤسسة، وفيه أقسام عدد الصحفيين فيها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، بينما هناك أقسام تعاني زيادة العدد"، لافتًا إلى أن الهيئة تمول نحو 75% من مرتبات العاملين بالمؤسسات القومية، و"هو رقم كبير لأن إيرادات الصحف شبه منعدمة، ما يعني أن أي طلب مالي من المؤسسات ستقابله دراسات ومناقشات مطولة".

ويشير إلى أن الحل لا يكمن في تعيين صحفيين جدد وإنما في إعادة توزيع الصحفيين على الأقسام، "إحنا عندنا تخمة في المؤسسات بسبب التعيينات العشوائية التي حدثت بعد عام 2011 وأدت إلى تعيين مئات من الصحفيين غير المؤهلين"، لكنه يستدرك بتأكيد وقوفهم جوار الصحفيين المؤقتين ودعمهم طالما أن المؤسسات قبلت بالتحاقهم بها ومنحتهم مكافآت.

بودار للحل

بناءً على المذكرة التي قدمها الصحفيون المؤقتون للنقابة، أرسلت الأخيرة خطابًا إلى رئيس مجلس الوزراء، تضمن التأكيد على ضرورة اتخاذ قرارات عاجلة في الملف.

وردًا على خطاب النقابة، أعلن البلشي تلقيه إخطارًا من مجلس الوزراء يفيد بإرسال خطاب لرئيس الهيئة الوطنية للصحافة بالموافقة على طلب النقابة بتعيين 80 صحفيًا مؤقتًا دفعة أولى، ولكنه يتوقف حاليًا على اعتماد وزارة المالية.

لم يتوقف الصحفيون المؤقتون عن الاحتجاج مطالبة بحقهم، ففي نهاية يونيو/حزيران الماضي نظموا وقفتين على سلالم النقابة، بحضور أعضاء من مجلس النقابة للمطالبة باستكمال إجراءات التعيين، كما دعوا لتنظيم اعتصام داخل مقر النقابة، لكنهم قرروا تأجيله لاحقًا لمنح فرصة للتفاوض.