تصميم: يوسف أيمن - المنصة

يوم أن تُحصى السنين: لماذا يحزن البعض في أعياد ميلادهم؟

منشور السبت 6 فبراير 2021

 

الأسبوع الماضي، كان عيد ميلاد سارة. لم تكن بادية عليها ملامح السعادة أثناء الحفل المفاجئ الذي أعده لها أصدقاؤها؛ والذي انهارت تمامًا في منتصفه وبدأت نوبة بكاء حاد.

"أنا بكره عيد ميلادي جدًا. بيفكرني بإني لسة محلك سر والعالم بيمشي ولسة محققتش حاجة، ودا زي كشف الحساب وعداد كل سنة بيفكرني إني كبرت وجسمي بدأ يعجز، ومشيت خطوة أقرب للنهاية"، تقول الفتاة التي أتمت للتو 28 سنةً، وهي تفسر للمنصة مشاعرها السلبية نحو عيد ميلادها، وأردفت "كل سنة بحب أقفل موبايلي في اليوم ده، بخفي اليوم من كل السوشيال ميديا عشان محدش يفتكر، وبحاول أنام وما أشوفش حد، أو آخد إجازة".

بدأت حكاية كآبة عيد الميلاد مع سارة عندما أتمّت عقدها الثاني "الموضوع بدأ تقريبًا من بعد ما كملت العشرين، فيه ضغط من كل ناحية عليا ومش أنا بس، يعني متوقع من أي حد كمّل 20 سنة إنه لمدة 10 سنين يعمل لنفسه كارير، يعرف هو عاوز إيه، يعرف هو عاوز يكمل حياته مع مين ويبني علاقة تستمر، إن مكانش كمان مطلوب منه يجيب طفل أو اتنين، وينشغل بتربيتهم".

تعمل سارة مترجمة حرّة بالقطعة، وتعيش مع أسرتها التي تعرب لها كثيرًا عن مخاوفها من أنها، ومع مرور السنين، ما زالت لم تؤمّن لنفسها وظيفة مستقرة بدخل ثابت، غير أن الفتاة تعتقد أنها تحقق نجاحًا تعتز به "الشغل فيه تطور، يعني أنا دلوقتي بشتغل في مشاريع ترجمة خاصة بيا، ترجمة أدبية، بس صعب شرح إنتي إزاي بتشتغلي وإنتي قاعدة على الإنترنت، أو إزاي ما بتتحركيش من البيت وبتقولي بتحققي إنجازات".

وتضيف أن "المشكلة في فترة عيد الميلاد زي ما بيحصلي ومع التهاني الكتير وكمان العيلة وجو الاحتفال دا، كل واحد بيقول رأيه في حياتي"، بينما هي في حقيقة الأمر "حابة الحاجات زي ما هي وحياتي بالشكل اللي هي عليه حاليًا"، قبل أن تضيف بالإنجليزية "يجعلونني أشعر أنني لست جيدةً كفاية، أو أنني لا أحاول بما يكفي، ولكنني أفعل".

أيضًا المقارنات الدائمة بأقرانها اللاتي حققن أشياء لم تحققها هي بعد، تشكّل ضغوطًا على سارة وترتبط ارتباطًا وثيقًا بمرور الزمن، لأن "المقارنة بينك وبين حد في نفس السن عمل وأنجز حاجات لسة معملتهاش ومش عارفة أنجزها، وتلاقي كل فترة حد بيكتب على فيسبوك بوست بيقلب تريند في ساعتها، عن إزاي تعيش الفترة دي من عمرك، وتحقق المستحيل، ده غير بعبع التلاتين اللي يحسسك إنك اتأخرتي قوي في كل حاجة، فلما الوقت يعدي وانتي معملتيش حاجة من الحاجات دي أو لسه بتكتشفي عاوزة إيه، تحسي إن العمر بيجري وراكي كده، وعيد الميلاد  هو الفاصل بين سنة وسنة، بين إنجاز وإنجاز، وده اللي بيخلي قربه يحسسني بالقلق والتوتر"، كما تقول.

ضغوط التحقق الوظيفي قد تسبب لسارة بعض المشاعر السلبية التي تجعلها تفضل الوحدة والابتعاد عن مظاهر الاحتفال المعتادة كلما اقترب عيد ميلادها، ولكنَّ انفجارها بالبكاء في هذه الليلة، كانت له أسباب أخرى، ترتبط أيضًا بالكآبة المصاحبة لعيد ميلادها. 

فبما أنَّ حفل عيد الميلاد كان مفاجئًا، طلبت إحدى صديقات سارة لقاءها في ذلك اليوم بحجة أن صديقةً مشتركةً بحاجة إلى مساعدة في أمر جدّي، وهو ما جعلها تشعر بالتوتر لأسباب أخرى "حسيت إن فيه مشكلة وكمان في عيد ميلادي، وده خلاني أصدق نظرية أمي اللي خلتني أكره عيد ميلادي أكتر.. جدي والد أمي توفي قبل أسبوع من عيد ميلادي، من سبع سنين مثلًا، بعدها بسنة بابا اتكسر تاني يوم عيد ميلادي، وكانت فترة صعبة عشان كان كسر في الرجلين، وأمي بقى عندها اعتقاد راسخ إن عيد ميلادي شؤم ولازم تحصل فيه كارثة ما، لدرجة إن لو مثلا كُباية ولا طبق اتكسروا في الفترة دي، تحملني أنا المسؤولية". 

عدت يا يوم مولدي

سارة ليست وحدها من تعاني أعراض كآبة عيد الميلاد. وإذا كان الكثيرون يقيمون في أعياد ميلادهم احتفالات صاخبة أو حتى يغنون Happy birthday to you حول كعكة تزينها الشموع، فهناك آخرون يفضلون الغناء مع فريد الأطرش "عدت يا يوم مولدي عدت يا أيها الشقي". 

إيمان الإمام، وهي طبيبة مصرية وصانعة ومقدمة محتوى على يوتيوب من خلال قناتها الإسبتالية التي تتمتع بمصداقية عالية، تشير في أحد تسجيلاتها المصورة إلى دراسة توضح أن نسبة الرجال الذين يتوفون في الأسبوع السابق على عيد ميلادهم أكبر من نسبة من يتوفون في أي أسبوع آخر في السنة. أما النساء، فإن الأسبوع الذي يلي عيد ميلادهن هو الذي يشهد النسبة الأكبر على الإطلاق.

وإلى جانب الوفاة الطبيعية، فثمة علاقة وثيقة أشارت إليها أبحاث أخرى، بين كآبة عيد الميلاد والانتحار، حيث يزداد خطر الانتحار على الرجال فوق سن 35 حتى 54 عامًا في أيام عيد ميلادهم ويمتد هذا الخطر حتى ثلاثة أيام قبل عيد الميلاد، بحسب دراسة أجراها باحثون في المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد تحليل عدد هائل من حالات الانتحار العامة المسجلة، وأيضًا حالات الانتحار التي لها تاريخ في الحصول على خدمات الصحة العقلية وعلاقة كل منهما بأعياد ميلاد هؤلاء الأفراد.

وفي دراسة ثانية أجريت في المجر عام 2016، حللت 133421 حالة انتحار في البلاد بين الفترة من 1970، وحتى 2002، واستخلصت الدراسة إلى ارتفاع عدد حالات الانتحار في أعياد الميلاد بين الرجال من جميع الأعمار، ونسبة أقل كانت للنساء وخصوصًا فوق سن الستين.  

وبالرغم من كثرة الدراسات التي أجريت بصدد هذا الموضوع، والتي تؤكد على ضرورة أن نولي اكتئاب عيد الميلاد الاهتمام اللازم لنتعامل معه بشكل واعي، والقدرة على تجاوزه، إلا أن البعض يؤمن بأن اكتئاب عيد الميلاد مجرد خرافة، وأن نوبة الاكتئاب التي قد يتعرض لها الفرد في الفترة الزمنية حول عيد ميلاده تتعلق بأسباب أخرى وهي فروق فردية لا يجب أن نعممها. على الرغم من ذلك فإن الدراسة التي أنكرت وجود باكتئاب عيد الميلاد وتأثيره على انتحار الأفراد، هي دراسة مصدرها عدة مقالات، ولا تعتمد على مرجع إحصائي. 

على الجانب الآخر، فإن بحثًا نشره المركز الوطني الأمريكي لمعلومات التكنولوجيا الحيوية، خلص إلى أن الإنسان مثلما له ساعة بيولوجية تتمثل في 24 ساعة، فإن جسده لديه إيقاع بيولوجي سنوي يرتبط ارتباطًا وثيقًا باليوم الذي وُلد فيه. ويمكن للظروف التي تمت فيها عملية ولادته، أن تحفز جسده على الشعور بالإجهاد الداخلي في نفس الوقت من كل عام.  

وحدة أو انطوائية أو قلق

أخصائية الطب النفسي الدكتورة نهال زين أوضحت أن نوبات اكتئاب في عيد ميلاده أمر شائع، وتتراوح أسبابه بين الشعور بالوحدة أو أن يكون الشخص انطوائيًا بطبيعته فلا تروق له التجمعات والاحتفالات والمبادرات الكبيرة.

كما أن هواجس التقدم في العمر والخوف من الشيخوخة ومخاوف ضعف الإنجاز، قد تكون أسبابًا لهذه النوبات المتزامنة مع عيد الميلاد، والذي قد يرتبط بدوره بذكريات حزينة أو غير مرغوب في استدعائها. 

وبعيدًا عن حالات الاكتئاب المزمن أو نوبات الاكتئاب الشديدة التي تمنع الفرد من ممارسة حياته بشكل طبيعي في هذه الفترة، والتي تستدعي تدخلًا طبيًا من متخصص، فإن الحالات البسيطة، وفقًا لزين، تستدعي أن يبدأ الفرد باكتساب المهارات اللازمة التي تمكنه من تجاوز تلك الحالة، عن طريق العلاج المعرفي السلوكي وهو أداة مفيدة جدًا في التعامل مع نوبات الاكتئاب حيث يعتمد على التعامل مع التفكير السلبي والأفكار غير الصحيحة التي يكتسبها الفرد من موقف ما، ثم تحليلها بشكل أكثر وضوحًا، حتى تكون الاستجابة إيجابية وفعالة.