لقطة من فيلم Promising Young Woman

أفلام النساء للنساء: حانت لحظة الثأر

منشور الثلاثاء 9 مارس 2021

 

على يسار مكتبٍ كبير داخل شركة إنتاج سينمائي، توجد أريكة. "لا تجلس على هذه الأريكة أبدًا"، تحذير ضاحك يطلقه رجال تجمّعوا في الغرفة للقاء روتيني. ذلك الذي نراه ليس مجرد مكتب، إنه مكتب هارفي واينستين، وهذه الغرفة كانت بؤرة زلزال/ حركة أنا أيضًا (me too)، التي كشفت جرائم واينستاين العديدة وهزت صناعة السينما ثم العالم كله.

الآن يمكن مشاهدة هذه الغرفة على شاشة السينما، في الفيلم الروائي المساعِدة (2019) للمخرجة كيتي جرين، الذي يتابع يوميات مساعدة/ سكرتيرة واينستاين في العمل. واينستاين نفسه غير مرئي، ولا يُذكر اسمه أبدًا ولا اسم شركته، ميراماكس. مع ذلك، من الواضح أين نحن. يعرض الفيلم الهياكلَ العملية والبنى المسمومة التي مكَّنت واينستاين من الإفلات بجرائمه لفترة طويلة، ليحفظ لنفسه مكانًا مميزًا في سلسلة إنتاجات حديثة تتناول العنف ضد النساء.

الموضوع نفسه ليس جديدًا، فلطالما لعب العنف ضد المرأة دورًا في تاريخ السينما. لنفكّر قليلاً في أفلام الدرجة الثانية (B-Movies) وأفلام الرعب، حيث تحضر الثيمة عنصرًا مركزيًا في قلب الفيلم. لكن العالم يتغيّر، ونظرة فاحصة على الأعمال السينمائية الحالية، سترينا منظورًا جديدًا للموضوع. 

اليوم، ثمة مقاربات سينمائية نسوية وأطروحات نسائية لسرديات العنف الممارس بحق النساء، تأتي ضمن مسار أوسع اجترحته حركة أنا أيضًا، بمركزها الهوليوودي وامتداداتها عالميًا. تكتب النساء قصصًا أكثر صدقًا وأصالة عن تجاربهن والمخاوف التي تترتب عليها، يقفن خلف الكاميرا لإمداد الفيلم بنظرة بديلة عن نظرة الرجل التي ظلت وحدها تهيمن على صناعة السينما، ليس في تناول قضايا النساء فحسب بل في كل الإنتاجات السينمائية والتلفزيونية.

هذا واضح تماما في المساعِدة، فلا عنف جسديًا يُظهره، وبدلًا من ذلك، يسلّط الفيلم الضوء على البيئة التي يُحتمل فيها وقوع مثل هذه الهجمات: الموظفون الذين يلتزمون الصمت خوفًا من فقدان وظائفهم، وزملاء العمل الذين يحوّلون الجريمة نكتة روتينية. بتقويض التوقعات الجاهزة، والابتعاد عن الصور الصريحة والمباشرة، تُظهر هذه الدراما البارعة كيف يُساء استخدام السلطة.  

المساعدة جين خجولة وسهلة الانقياد، ومُجهَدة، ومحل سخرية زملائها الرجال، ومتواطِئة غير مرغوب فيها. شيئًا فشيئًا، تتبيّن أن وظيفة أحلامها أشبه بحارسة مينوتور، محض عار يومي، تقاد فيه عذارىً طموحاتٍ إلى المذبح، فيما يتابع رجال منافقون المشهد بضحكٍ مستتر. كيتي جرين، وهي صانعة أفلام وثائقية في الأصل، توضّح في فيلمها الرائي الطويل الأول، المشحون بغضبٍ رابض ومحسوس، كيف يمكن لشركة كاملة/ اجتماع بشري النظر بعيدًا عن اعتداءات جنسية ممنهجة وطويلة الأمد، وكيف يعرّض هذا التواطؤ الجميع للخطر. لا تفعل ذلك من خلال إظهار الفظائع، فالاعتداءات الجنسية الفعلية يلمّح إليها فقط، بل عبر صمتٍ متواطئ، وألعاب قوة، وإهانات صغيرة، وأشكال متعددة ودقيقة من السلوك العدواني والتعدّي الجنسي، يتعيَّن على النساء اختبارها في بيئات سامّة يسيطر عليها الذكور، يمثّلها في هذه الحالة مكتب غول إنتاج سينمائي يشبه واينستاين.

عنف في كل مكان

الميكانزميات ذاتها يمكن رؤيتها أيضا في السلسلة التلفزيونية أنا قد أدمّرك، التي تتابع مجموعة من الشباب في لندن المعاصرة وتخلق ما يشبه بانوبتيكون (Panopticon) لمختلف أشكال العنف الجنسي. أولًا، تُغتصَب الشخصية الرئيسية تحت تأثير السُكْر والتخدير، ثم يقوم شريكها بنزع واقيه الذكري سرًا أثناء مضاجعتهما، ثم تمتد حلقات السلسلة في استكشاف التجارب المعقدة والصعبة للكاتبة الشابة/ البطلة في محاولاتها لإعادة لململة حياتها. تتعرّض جميع الشخصيات تقريبًا للعنف الجنسي. هنا، أيضًا، لا ينصبُّ التركيز على الجاني أو الفعل نفسه، ولكن على السؤال عن كيفية تفاعل البيئة معه، الأصدقاء والعائلة والشرطة والأخصائيين النفسيين ومجموعات المساعدة الذاتية.

العنف ضد النساء حاضر بوفرة أيضًا في فيلم أبدًا نادرًا أحيانًا دائمًا (2020) للمخرجة إليزا هيتمان. هنا، فتاة مراهقة تحمل بلا قصد. ونظرًا لأن عمليات الإجهاض للقاصرات ممكنة فقط بإذن من الوالدين في ولايتها، تسافر سرّا إلى نيويورك مع ابنة عمّها لإنجاز المهمة الثقيلة. في رحلتها، تتعرض ابنة الـ 17 عامًا باستمرار لهجمات صغيرة وكبيرة من قبل عدد من الرجال.

كل هذه الأعمال تؤكّد طرحًا مركزيًا تقدمه أنا أيضًا؛ العنف متنوع وموجود في كل مكان. تتعرَّض جميع النساء تقريبًا، وبعض الرجال أيضًا، للعنف في هذه الأفلام والمسلسلات. العنف ليس دراماتيكيًا هنا، بل شائع وعادي. هذا يقود إلى استنتاج مخيف؛ القليل يمكن إنجازه، والعنف بالكاد يمكن التعامل معه.

في العديد من الأفلام الأخرى التي تعرض العنف ضد النساء، تُكنس المسائل تحت السجادة، أو يُقضى على الخطر بجعل الرجل الشرير (villain) غير مؤذٍ من الناحية الجسدية. لكن مع العنف البنيوي الذي نراه في الأمثلة المذكورة آنفًا، هذا غير ممكن. لا تغيّر إدانة هارفي واينستاين إلا قليلًا في روتين المكتب اليومي المرهِق الذي يُظهره لنا المساعِدة. الهياكل التي مكّنته من إساءة استخدام سلطته، لا تزال موجودة.

وهنا، تحديدًا، يأتي دور أفلام الانتقام/ الثأر النسائي، وردّ الضربة بمثلها، أو أكثر قليلًا.

إحياء ونهضة

 عنونت مجلة جيزبيل النسوية الأمريكية مراجعتها لفيلم امرأة شابّة واعدة، كالتالي: امرأة شابة واعدة يحتاج مزيدًا من القتل. الفيلم المقصود هو كوميديا سوداء بطلتها شابة في الثلاثين تخرج في الليل لاصطياد الرجال من مرتكبي الاعتداءات الجنسية بحق النساء، انتقامًا لاغتصاب صديقتها المقربة قبل بضع سنوات في الجامعة.

النبرة تغيّرت كثيرًا. فبينما هتف النسويون/ ـات في الثمانينيات بأن "الاغتصاب ليس ترفيهًا"، أثناء عروض أفلام الانتقام من الاغتصاب التي ازدهرت كثيرًا في السبعينيات والثمانينيات؛ بعد 40 عامًا، باتوا يطالبون بالمزيد من الدماء في النوع الفيلمي ذاته. وفيما افترض الناقد روجر إيبرت في عام 1978 أن المشاهدين الذين يوافقون على عنف فيلم بصقت على قبرك (وهو فيلم اغتصاب وانتقام ورعب يصوّر التعذيب الجنسي العنيف لامرأة شابة)، لديهم شيء مشترك مع مرتكبي الجرائم الجنسية؛ وصف موقعه على الإنترنت فيلم انتقام (2018) لكورالي فارجيت بأنه "فيلم يبعث على الشعور بالرضا عن امرأة عانت من سلسلة انتهاكات مروعة وانتصرت لذاتها في النهاية". في الفيلم الأخير، تتناثر دماء وأشلاء رجال أشداء برسم انتقامٍ دموي تنجزه ضحية اغتصاب.

لا تقتصر الإشادة على أعمال درامية واقعية حول "قيامة" النساء بعد الاغتصاب، لقوّتها التحريرية والانعتاقية، بل تشمل أيضًا فانتازيات الانتقام مثل امرأة شابّة واعدة (2020)، لإميرالد فنيل، أو حتى فيلم سلاشر مثل كريسماس أسود (2019) لصوفيا تكال، وفيه تناقش مجموعة من الطالبات الاغتصاب في الحرم الجامعي. بعبارة أخرى، ثمة إحياء ونهضة لافتين لنوع فيلمي كان يُنظر إليه في السابق على أنه ترفيه مخصّص/ موجّه للمنحرفين جنسيا.

في كتابها أفلام الانتقام والاغتصاب: دراسة نقدية تلاحظ ألكسندرا هيلر نيكولاس أنه منذ بداية تاريخ السينما، جرى الانتقام من الاعتداء الجنسي بحق النساء والرجال على السواء. أفلام فنّية تعاملت مع الموضوع أيضًا، مثل الربيع البكر (1960)، لإنجمار برجمان. لكن في السبعينيات، اكتسب الجمع بين الاغتصاب والانتقام سمعة الاستغلال الخبيث، بفضل عدد لا يحصى من أفلام الدرجة الثانية التي لعبت على إضفاء الإثارة الجنسية على اغتصاب النساء من خلال مشاهد مطوّلة وفائضة وصريحة من سوء المعاملة والعنف. في فيلم البيت الأخير على اليسار (1972)، لويس كرافن، المستوحى من فيلم برجمان إياه، ينتهي الأمر بصديقتين شابتين تخرجان في نزهة ليليلة إلى الوقوع في أيدي سيكوباتيين أشرار، أهانوهما ثم اغتصبوهما ثم قتلوهما على نحو مروّع. وعندما تتعطّل سيارة المجموعة أمام منزل إحدى الفتيات، بسبب انعطاف قدري سخيف في مثل هذا النوع من أفلام الرعب، يكتشف الأهل حقيقة ما حدث لابنتهم ويهاجمون ضيوفهم بأسنانهم ومناشيرهم.

واحد من أنجح أفلام الانتقام والاغتصاب في السبعينيات، بصقت على قبرك، يعود نجاحه إلى المراجعات السلبية التي كتبت عنه على ضفتي المحيط وقت ظهوره، وفقا لما قاله مخرجه مير زارشي في فيلم وثائقي يستكشف إرث الفيلم الكَلْتي زهيد الإنتاج، والذي يتابع اغتصابا جماعيا شنيعا بحق كاتبة نيويوركية شابّة، ثم انتقامها لاحقا من الجناة الأربعة، بما يشمله من إخصاء يبدو إجباريا في هذا النوع الفيلمي. انتهى الفيلم على قائمة أفلام الفيديو السيئة المحظورة في إنجلترا، وندّد به النسويون/ ـيات أمام دور السينما.

منظور جديد؟

في التسعينيات، عمّقت كارول جيه كلوفر، من بين آخرين، النقاش عبر إلقاء نظرة أكثر دقة على هذا النوع من خلال كتابها رجال، نساء، ومناشير: الجندر في أفلام الرعب الحديثة (1992). جادلت كلوفر بأن المتفرجين الذكور يتعاطفون أيضًا مع الضحية، وليس مع الجناة. وفقًا لأطروحة كلوفر، يسمح الرعب أيضًا للرجال بالاقتراب والشعور بتجربة تعرُّض النساء للعنف الجنسي.

في تلك الفترة تقريبا، ظهرت النساء أيضًا في أفلام سائدة (mainstream) ردّت أذى الاغتصاب بمثله، بعدما كان ذلك النهج مقصورًا على أفلام الدرجة الثانية. على سبيل المثال، في فيلم المتهمون (1988)، لجوناثان كابلان لعبت جودي فوستر دور شابة من أوساط فقيرة تعرّضت لاغتصاب جماعي من قبل ثلاثة رجال في حانة محلية فيما وقف روّادها يشربون ويتفرّجون، ثم شرعت هي ومحاميتها الشجاعة في مقاضاة مغتصبيها وكذلك مَن شجّعوهم، بسلبيتهم، مَن رجال الحانة. الأمور تزداد إثارة في عام 1991، حيث يتعامل الثنائي ثيلما ولويز، في الفيلم الذي حمل اسميهما، بطريقتهما الخاصة مع مغتصبين ومعتدين أثناء رحلتهما الممتدة من الولايات المتحدة إلى المكسيك.

بعض أفلام الانتقام الحديثة مثل امرأة شاّبة واعدة وانتقام لا يمكن إدراجها تماما داخل هذا التصنيف وحده، إذ تلعب مع أنواع وأمزجة متنوعة فتبدو في النهاية كمحاكاة ساخرة للنوع الأصلي ونسخة محدّثة من سينما الاستغلال (Exploitation Film). ما يميّزها عن أسلافها من أفلام السبعينيات، ليس أن وراءها صانعات أفلام فحسب، بل تغيُّر التناول لصالح منظور أكثر اتزانًا، حتى في مقدار العُري الظاهر في المَشاهد. مثلًا، في انتقام، ترتدي البطلة ملابس أكثر من حبيبها السابق العاري تمامًا حين تطارده ببندقيتها.

أيضًا، ما يجعل الدفعة الجديدة من أفلام الانتقام من الاغتصاب أسهل هضمًا وأوسع تقديرًا من قبل جمهور عريض ونسوي، أن الاغتصاب نفسه لم يعد يأخذ تلك المساحة القديمة على الشاشة، ما يصعّب مسألة وصف أي من تلك الأفلام بتتفيه الجُرم أو تقديمه في صورة ترفيهية أو تلذذية. في كل من امرأة شابة واعدة وكريسماس أسود، يحدث الاغتصاب في الماضي، بينما في انتقام نسمع عنه أكثر مما نراه.

تؤكد هذه الأفلام أيضًا بوضوح شديد، على خطى المتهمون المتوّج بجائزة الأوسكار، أن ضحايا الاغتصاب لسن مسؤولات بأي حال من الأحوال عن اغتصابهن، حتى لو كنّ في السابق غازلن الجاني أو أقمن معه علاقة أو كنّ في حالة سكر. وهذا، بالطبع، لا علاقة له من قريب ولا بعيد بحالة الاستثناء المصري/ العربي المستعصية فيما يخصّ قضايا العنف ضد النساء، بما فيها الاغتصاب، واستسهال لوم الضحايا وتحميلهم المسؤولية بدعاوى مثيرة للغثيان.

"أنا أيضًا" ونظرتها

لا شيء من هذا جديد حقًا. صحيح أن بعض المخرجات اخترن إظهار رعب الاغتصاب، حتى أن جينيفر كينت تقوم بتكبير الوجوه في فيلمها العندليب. لكن ما غيّر قواعد اللعبة هو إعصار أنا أيضًا وتوابعه، التي لم تقف عند حدود هوليوود. استعادة النساء لأصواتهن وإعلاء روايتهن وإخبار قصصهن هو ما أضفى الزخم على تلك الإنتاجات الحديثة وجعلها موضع اهتمام المشاهدين ووسائل الإعلام. بدون تلك "الصحوة" النسوية، كانت أفلام الاغتصاب الانتقامية، المكتوبة سيناريوهاتها في بعض الأحيان قبل عام 2017 بفترة طويلة، ستحظى باهتمام أقل. أنا أيضًا جعلتنا أكثر حساسية تجاه المعاملة المتساوية للرجال والنساء عندما يتعلّق الأمر بالعنف الجنسي وتمثيلاته.

يتضح ذلك أكثر في مقالات الرأي والمراجعات التي كتبت بعد صدور فيلم امرأة شابة واعدة، وما تضمنتها من أحكام وتفسيرات حول تحوّلات حبكة الفيلم واستنتاجاته وانحيازاته في ما يتعلّق بإنصاف ضحايا الاغتصاب. العملية بأكملها مرّت عبر عدسة أنا أيضًا،  فثمة ضجة رافقت نشر مراجعة للفيلم في مجلة فارايتي ذكر كاتبها أن كاري موليجان (الممثلة التي قامت بدور البطلة) "لا تبدو مثل ملاكك المثير لدرجة اغتصابه". ملاحظة متحيزة جنسيًا، وفقًا لموليجان وكثيرين غيرها، استلزمت اعتذارًا من هيئة تحرير المجلة، وإعادة نظر في مسألة تعقيد الحكم على ممثلة/ إنسانة بناء على مظهرها أو جاذبيتها الجنسية حصرًا، والنظر بالتالي إلى أجساد النساء بطريقة أقل محدودية.


اقرأ أيضًا: نساء تهاني راشد: الاستكشاف بالملامسة

 

لقطة من فيلم البنات دول

لكن بصرف النظر عن القضايا المثارة بفعل أفلام الانتقام الحديثة، فإن مثل هذه الفانتازيات الانتقامية النسائية هي أيضًا استعارة مدهشة للمرحلة الأولى من حركة أنا أيضًا ووعودها الكبيرة. الشخصيات الرئيسية التي تشعر بنبذها والتخلّي عنها من قبل "السيستم"، تقرّر أخذ زمام الأمور بأيديها. في امرأة شابة واعدة، يتواطأ الجميع تقريبًا لإبراء ذمة المغتصِب، وتنتحر الضحية، لتقرر صديقتها الانتقام. نهج مشابه قليلًا، في منطلقه لا نهاياته، لما تفعله النساء حاليًا عبر التحدث علنا في وسائل الإعلام الاجتماعية لفضح انتهاكات معتدين أو دفع مسؤولين للقيام بواجبهم. ومثلما هو الحال في أفلام الانتقام من الاغتصاب، تبدو التسويات السريعة ومحدَّدة الهدف مع الجناة والمتواطئين، ممكنة.

واقع مرير

رغم ذلك، ليست كل التهم واضحة، والعديد من الضحايا المكلومات بصدمات نفسية يتعيّن عليهن السير طويلًا دون العثور على قناعة شافية أو إدانة مريحة. هل هذا الواقع المرير مناسب أيضًا للمعالجة في فانتازيا انتقام الاغتصاب أم يلزمه نوع أخر من الأفلام؟ في هذا الصدد، السلسلة التلفزيونية أنا قد أدمّرك، بعنوانها المستدعي لعناوين أفلام سينما الاستغلال السبعينية، تقدّم طرحًا وتجربة لافتين. التشهير بالجناة عبر الإنترنت وفانتازيات الانتقام الدموية، هي جزء من ضغوط ما بعد الصدمة مثلما من عملية تعامل بطلة القصة المُخدَّرة والمغتصَبة، أرابيلا، مع توابع اغتصابها، في وقت تحاول أيضًا اكتشاف ومعالجة كيفية تخديرها واغتصابها. لكن في الحلقة الختامية، تقدّم سيناريوهات بديلة لما قد يحدث.

حتى فيلم مثل امرأة شابة واعدة، بعدوانيته المتفهّمة واقتراحاته التي تبدو متطرّفة، يلمّح إلى بدائل: على سبيل المثال، تتخلّى البطلة عن غضبها مع محامٍ أرهب في السابق صديقتها المغتصَبة، بعد توبته وإعلان ندمه واستعداده لتكفير خطيئته. احتمال التسامح هذا هو أكثر اللحظات إثارة للدهشة في فيلم انتقام، حتى وإن لم يمنع البطلة من استكمال انتقامها.

ستتعدد المقاربات السينمائية النسائية لمسألة متراكمة ومتجذرة كالعنف ضد المرأة، وقد تتخذ اتجاهات متناقضة، وكثيرًا ما ستبدو صادمة، ولكنها ستبقى على اختلافاتها هي النسخ الأكثر صدقًا لسردية العنف "الموجود في كل مكان".