آن سبلاش- برخصة المشاع الإبداعي
هزات الستارت-أب لن تؤثر على الشركات التي تحقق نتائج أعمال جيدة وتمتلك إدارة جيدة ووحدات اقتصادية فعالة رابحة

كابيتر ربما لن تكون الأخيرة: هل نشهد سلسلة من الأزمات بين رواد الأعمال؟

منشور الاثنين 19 سبتمبر 2022

حتى أسابيع قليلة مضت كانت صور مؤسسي شركة كابيتر؛ الأخوان أحمد ومحمود نوح، تتصدر محركات البحث كنموذج ناجح لريادة الأعمال Startups، من حيث القدرة على جذب "التمويل"، إلى أن جلبت لهما رياح سبتمبر/ أيلول 2022 شهرة مضاعفة، ربما لم يتمناها أو يسعى إليها في الماضي أي منهما.

في 6 سبتمبر الجاري، عُزل الأخوان نوح من منصبيهما القياديين بالشركة التي أسساها للتجارة الإلكترونية، مع تناثر أخبار عن ضغوط مالية بالغة تواجهها، وكذا شائعات عن هروب الشقيقين إلي الخارج بمنحة تمويلية ضخمة، حتى نفى أحدهما ذلك في حديث متلفز.

وبعيد عن تصورات الاختلاس الساذجة، فإن أزمة كابيتر ليست الأولى التي تواجهها شركة ريادة ناشئة، فالعديد من رواد الأعمال المصريين يواجهون ضغوطًا ماليةً مشابهةً، فما السبب في نشوء تلك الأزمات، وإلى أي مدى باتت قابلةً للتكرار داخل ذلك القطاع؟

ضغوط مالية على رواد الأعمال

أسس محمود نوح كابيتر في 2020 بطموح كبير لإنشاء كيان يربط صغار التجار والموردين عبر تطبيق إلكتروني، ونجح من خلال تسويق تلك الفكرة في الحصول على 33 مليون دولار في جولة تمويل أولية في سبتمبر 2021، أي خلال فترة وجيزة من التأسيس.

خطط نوح لأن تحقق كابيتر إيرادات بمليار دولار بحلول عام 2023، وعلى هذا الأساس أنفق بقوة على خطة للتوسع في نشاط الشركة، لكن سرعان ما شكّلت تلك التوسعات عبئًا ماليًا عليها أوصلتها لدرجة العجز عن سداد مرتبات الموظفين الذين يصل عددهم إلى قرابة الألف. 

ما يثير القلق في أزمة كابيتر هو تكرار حالات مشابهة، وإن كانت أقل سوءًا، داخل قطاع الشركات الناشئة، ربما أشهرها ما جرى في شركة سويفل، المتخصصة في خدمات النقل الجماعي التي تتخذ من دبي مقرًا لها، بإقدامها على تسريح 32% من موظفيها في البلدان التي تنشط فيها من أجل تعويض خسائرها التشغيلية، والتحول بشكل أسرع نحو الربحية.

وحمَّل إجراء سويفل توسعات كبيرة في التعيينات أعباء تشغيلية كانت ستكبدها خسارة 100 مليون دولار في حال إبقائها على الموظفين، بحسب تصريحات يوسف سالم، المدير المالي لشركة سويفل.

وهناك أيضا شركة فيزيتا، الرائدة في مجال التقنيات الصحية، التي قامت مؤخرًا بتخفيض النفقات التشغيلية لتضحي بـ500 موظف، وهو ما يمثل 10% من موظفيها.

أزمة فيزيتا الأخيرة تتشابه مع أزمة عامة تواجه قطاع ريادة الأعمال وهو تباطؤ الأسواق العالمية في تمويل ذلك النشاط

ما سبب تكرار الأزمات؟

نمت فيزيتا بشكل لافت خلال السنوات الماضية بعد أن جمعت تمويلات تجاوزت الـ 73 مليون دولار عبر 5 جولات تمويلية، أبرزها جولة بـ 40 مليون دولار أتمتها في 2020، وركزت التوسعات على نشر الخدمة خارج مصر في 78 مدينة بالشرق الأوسط وأفريقيا، في دول أبرزها السعودية ونيجيريا وكينيا ولبنان والأردن.

بحسب ما ذكره لنا مصدر من داخل الشركة، طلب عدم ذكر اسمه، فإن أزمة فيزيتا الأخيرة تتشابه مع أزمة عامة تواجه قطاع ريادة الأعمال وهو تباطؤ الأسواق العالمية في تمويل ذلك النشاط، ما جعل من توسعات تلك الشركات عبئًا ماليًا عليها يستوجب قدرًا من التقشف.

اللائحة تشمل شركات أخرى حصلت على جولات تمويلية كبيرة مطلع هذا العام، مثل بريمور التي أعلنت قبل أيام، إعادة الهيكلة، من أجل خفض التكاليف وزيادة ربحيتها.

وشركة بريمور التي تأسست عام 2017، تصنف كمنصة توزيع تكنولوجية للتجارة الاجتماعية، وكانت ضمن الأسرع نموًا في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، حصلت  في يناير الماضي على جولة استثمارية قدرها 25 مليون دولار، نتيجة تحقيقها معدل نمو يصل 400 ضعف، وامتلاكها شبكةً ضخمةً تضم 75 ألف بائع يغطون 27 مدينة في مصر.

ورغم تخطيطها لاستغلال المنح التمويلية في التوسع في بلدان جديدة، اضطرت  الشركة إلى التخلى عن عدد من موظفيها في الأشهر الماضية، بهدف تخفيض النفقات والتحول إلى الربحية.

خلال 2022 ظهر اصطلاح "شتاء ريادة الأعمال" في إشارة إلى الميل المحافظ لدى شركات الـ venture capital (رأس المال الاستثماري) تجاه تمويل تلك الكيانات بسبب اضطرابات الاقتصاد العالمي، فأصبح الممولون يسألون أسئلة أكثر تفصيلًا عن سبل إنفاق الأموال ويتخذون قرار التمويل بشكل أكثر حذرا.

"لسنا استثناءً، فعلنا كما فعل غيرنا، والمستثمر طبيعي يخاف طالما لا يضمن الأوضاع والأرباح والعوائد المتوقعة من المشروعات، هو قلق مشروع في ظل الأوضاع الاقتصادية، لكن بالنسبة لنا تحسنت الأمور تدريجيًا" كما يقول المصدر العامل بـ فيزيتا للمنصة.

وبحسب آخر البيانات المتاحة، جمع رواد الأعمال تمويلات بنحو 288 مليون دولار حتى آخر يوليو/ تموز المنقضي، وهو ما يمثل ثلث التمويلات الطموحة التي توقعت الحكومة أن يجمعها ذلك القطاع خلال العام الجاري، تصدرهم تطبيق حالًا الذي جمع 120 مليون دولار، وشركة مكسب بـ40 مليون دولار، ثم كابيتر في المركز الثالث بـ33 مليون دولار.

كيف وقعنا في الفخ؟

الأزمة التي نتحدث عنها ذات طابع عالمي، فقد انخفضت الاستثمارات في الشركات الناشئة على مستوى العالم بنسبة 23% في الربع الثاني من العام الحالي، لكنَّ خبراء يرون أن رواد الأعمال في مصر وقعوا في مشكلات مالية بسبب أخطاء في إدارتهم لاستثماراتهم، وكانت الأزمة العالمية مجرد دافع لمشكلة كامنة داخل تلك الشركات.

بحسب ما قاله لنا محمد حسام خضر، الاستشاري المتخصص في ريادة الأعمال، بدأ عديد من رواد الأعمال المصريون بشكل جيد من خلال الترتيب الناجح للجولات التمويلية، لكنَّ هذه التمويلات أغرتهم على تعظيم أرباحهم من خلال التوسع السريع في القدرات التشغيلية ونشر الخدمة في العديد من الأسواق العالمية، مع إنفاق الملايين على الحملات التسويقية، ما قادهم للوقوع تحت التزامات مالية كبيرة لم يقدروا على الوفاء بها.

ساهم خضر في تأسيس عدد من الشركات الناشئة منذ 1997، وباع بعضها من أشهرهم منتدى فتكات، ومن واقع خبراته في ذلك القطاع يقول إن "غالبية الشركات الناشئة سريعة النمو تفتقد إلى التخطيط الجيد وحسن إدارة الموارد وعدم وجود رؤية مشتركة حول طرق الإنفاق بين المستثمرين والمؤسسين، والرغبة الواضحة في الانتشار على حساب الربحية، علاوة على غياب الحوكمة في قطاع كبير منها".

 

البعض يتبع سياسة الحذر 

بعض رواد الأعمال كانوا أقل ميلًا للمغامرة، من بينهم شركة شفاء التي تخطو خطوات حذرة في التوسع.

شفاء شركة مصرية ناشئة متخصصة في مجال الأدوية ومنتجات التجميل المتوفرة بالصيدليات، تأسست في العام 2017، بواسطة كل من دعاء عارف والطبيبة رشا راضي، تتيح تلك المنصة عبر موقعها الإلكتروني وتطبيقها الخاص بالهواتف المحمولة، خدمة طلب وشراء الأدوية، وتوصيلها إلى المنازل عبر مندوبيها.

توضح دعاء عارف، المدير التنفيذية لـ"شفاء" أنها لم تتبنَّ نهجًا توسعيًا بهدف الانتشار السريع، قائلة للمنصة "أحاول الحفاظ على تحول شركتنا من مرحلة النمو إلى الربحية واستمرار العمليات التجارية بدون خسارة، من خلال تقليل النفقات ووضع سقف عادل للأجور، وتنويع مصادر الدخل، ووضع خطط لتعيينات بشكل يضمن عدم تكرار الأدوار حتى لا نخلق فقاعة تعيينية".

وجمعت شفاء على مدار 5 سنوات 3.5 مليون دولار في جولات استثمارية مختلفة، آخرها كان في أبريل/ نيسان الماضي. لا يبدو الرقم كبيرًا بالنسبة لشركات مصرية حصلت على أضعاف ذلك الرقم في الفترة ذاتها، لكن تلك المنح التمويلية قادت شفاء إلى فتح أسواق لها خارج مصر، في الإمارات والسعودية تحديدًا، على غرار الشركات العاملة بقطاع التكنولوجيا الصحية. 

تخدم الشركة في الوقت الراهن قرابة الـ200 ألف عميل عن طريق 900 صيدلية، وهو ما عزته دعاء عارف إلى الطفرات الكبيرة التي حققتها الشركات الناشئة في مصر بالقطاع الطبي المدمج بالتجارة الإلكترونية خلال جائحة كورونا، نظرًا لتزايد الاعتماد على التكنولوجيا الصحية في فترة الوباء.

وبحسب التقرير الصادر عن ميركوم كابيتال جروب، وصلت تمويلات رأس المال المخاطر في مجال التكنولوجيا الصحية عالميًا إلى رقم قياسي بلغ 14.8 مليار دولار خلال عام 2020.

هزات الستارت-أب لن تؤثر على الشركات التي تحقق نتائج أعمال جيدة وتمتلك إدارة جيدة ووحدات اقتصادية فعالة رابحة

هل تهدد كابيتر سمعة الشركات الناشئة؟

تتوقع عارف أن ترخي أزمة كابيتر للتجارة للإلكترونية بظلال سلبية على حركة رأس مال المخاطر في مصر خلال الفترة المقبلة، في ظل فترة انكماش اقتصادي واضطراب سوق المال في العالم، لكنها تستبعد في الوقت ذاته أن تتأثر الكيانات الناجحة طالما حافظت على وحدتها الاقتصادية التشغيلية ولم تقع في فخ النمو الوهمي.

"هناك تخوف من المستثمرين بلا شك يستدعى مراقبة السوق يصاحبه قلق من رواد الأعمال، وهنا تظهر مسؤولية مؤسس الشركة في إبراز كل البيانات الصحية عن الوضع المالي لشركته حتى ينجح في جذب التمويل". تقول عارف.

الصورة ليست قاتمةً تمامًا بالنسبة لمستقبل ريادة الأعمال في مصر عند محمد العقبي، مستشار وزيرة التخطيط، الذي يبدو واثقًا في أن أزمة كابيتر لن تهز الثقة في مجتمع ريادة الأعمال، ولن تتسبب كذلك في هروب المستمثرين كما يعتقد البعض، استنادا إلى قوة المركز التنافسي لمصر في مجال الشركات الناشئة قائلًا للمنصة إن "القاهرة تدخل ضمن قائمة أفضل 100 مدينة في العالم كبيئة حاضنة لريادة الأعمال".

 ويستند في هذا التصنيف للـتقرير العالمي لبيئة الشركات الناشئة، والذي تحتل فيه البلاد المركز 81 عالميًا.

 كذلك، يرى خبير ريادة الأعمال حسام خضر أن هزات الستارت-أب لن تؤثر على الشركات التي تحقق نتائج أعمال جيدة وتمتلك إدارة جيدة ووحدات اقتصادية فعالة رابحة، بينما توقع أن تكون الشركات الصغيرة الذي لا تستهدف هامش ربح كبير أكثر المتضررين من الأزمة.