مفيش إسلام بالألف واللام!

حوار مع صديقي المؤمن

منشور الاثنين 9 يناير 2023

- شوف حضرتك. لو عاوز تسيب الدين بتاعنا أو تألف دين تاني، براحتك خالص. بس عندنا في الإسلام مفيش…

  • فعلا مفيش

- مفيش إيه؟ أنت لحقت اقتنعت؟!

  • لا ما اقتنعتش. بس مفيش "الإسلام" اللي بالألف واللام ده!

- أنت بتنكر الدين؟! خلاص كفرت؟!!

  • بالعكس.. أنا خايف على الدين من اللي عاوزين يحتكروه.. مفيش حاجة اسمها "الإسلام بتاعنا"، لإنه مش بتاعك ولا بتاع حد.. ومفيش حاجة اسمها "الإسلام" بالألف واللام في حوار بين أي شخصين مختلفين حول الدين ومراميه.

- أنت مش قلت الكلام ده في clubhouse والناس فهمتك غلطك؟!

  • الجملة دي قلتها فعلا في سياق حوار مع أحد الإسلامويين من الراغبين في احتكار ملكية الإسلام زي حضرتك كده. وده وقتها نبه باحثين لإشكالية استخدام أداة التعريف للإشارة لبعض المفاهيم، كما لو كانت ثوابت مستقرة كلنا متفقين على معناها ودلالتها. طالما مختلفين حول فهمنا لموضوع ما، مش هينفع نحل الاختلاف باحتكار المفهوم أو بالكلام عنه بالألف واللام. مينفعش نقول "الإسلام بيقول"، أو"في الإسلام عندنا" كذا وكذا. الأصح نتكلم عن فهمنا أو رأينا.

- يعني الإسلام مش من الثوابت؟! أنت بتدعي إنك مش فاهم بتكلم عن إيه لما أقول لك "الإسلام"؟ لو مسلم لازم تبقى عارف. ولا أنت كفرت وعامل نفسك مسلم؟!

  • دي المشكلة! تصورك إن فهمك هو الحقيقة المطلقة بيسهل لك تكفر غيرك من المسلمين. ناخدها واحدة واحدة: ينفع تقولي هات "الكتاب" من غير ما نكون متكلمين عن كتاب بعينه؟ هل ممكن أعرف أنت بتتكلم عن أي كتاب، لما تقول الكتاب، وهو مُعرّف بينك وبين نفسك بس؟ ألف ولام التعريف بتدخل على الاسم لما يكون مفيش خلاف حول معنى ودلالة ما يشار إليه.

- لا ما ينفعش. لكن القياس هنا غير دقيق. عندما أقول "الإسلام" أنت أكيد عارف بتكلم على إيه.

  • إطلاقًا. أنت اللي عارف بتتكلم على إيه، لكن أنا مش موافقك إن اللي في دماغك من أفكار ينتسب للإسلام، وليس مجرد رأي أو فكرة، أو ممارسة، أو عادة، أو ثقافة تنسبها أنت للإسلام ولكنها ليست بالضرورة منه. لما بتستخدم أداة التعريف وتقول "الإسلام يقول" بتفترض ضمنًا إننا متفقين على مجموعة قواعد وقيم وربما أوامر ونواهي، نعتبرها جزءًا أصيلًا من الإسلام. لكن أنا مش متفق معاك إن افتراضاتك صحيحة، وإن ما تشير له ضمنًا هو أصل في الإسلام بالفعل. الإسلام مش بيقول اللي أنت بتقوله. أنت بتتكلم عن فهم بذاته من وجوه فهم الإسلام، مش عن الإسلام بالضرورة. مش.. بالألف واللام.

- حلو جدا.. يعني ما نجيبش سيرة الإسلام خالص واحنا بنتكلم.

  • لما تختلف معايا أو مع أي شخص، بدل ما تقول "الإسلام بيقول" أو مش بيقول، الأفضل تقول "حسب فهمي للإسلام"، أو تشير لتفسير تتفق معه. ده معناه إنك مدرك إن فيه تفسيرات وأفهام أخرى، ومدرك إنك بتقدم طرح يمكن رفضه أو قبوله. ورفضه يعني رفض طرحك أو رأيك، ولا يعني رفض الإسلام. وصلت؟

- يا سلام!! وهكذا يصبح لدينا بدلًا من الإسلام ألف إسلام، بدون ألف ولام طبعًا عشان خاطر الباشا!

  • ما هو ده الواقع! فيه إسلامات متعددة بتعدد الطوائف والفرق. إسلام السنة غير إسلام الشيعة. إسلام الشافعي غير إسلام ابن حنبل. ناهيك عن الفرق الإسلامية التي لا يعترف بيها السنة أو الشيعة. يا راجل ده الدواعش بيحسبوا نفسهم على الإسلام السني، لكن أنت أول واحد هيقول إن إسلامهم مش إسلامك!

- القرآن بينفي كلامك. "إنّ الدّين عند الله الإسلام".. بالألف واللام أهي! وكمان أحاديث الرسول بتتكلم عن الإسلام بالألف واللام.

  • طبعا. لما ربنا يتكلم عن الإسلام أو لما الرسول يشير إليه، مش هيتكلموا عن "مفاهيمهم". هنا منبع الرسالة بدون أدنى شك أو التباس. وصاحب الرسالة وناقلها بيتكلموا عن مُعرّف واضح وثابت لهم. إنما أنت مش المنبع. أنت زيي، وزي غيرك، والكل بيتكلم عن فهمه لما جاء في المنبع الأصلي.

- طب ما نرجع للمنبع الأصلي ونشوف إن كان كلامي أو كلامك هو الصح ويبقى هو ده الإسلام.

  • نظريًا ممكن. عمليًا مستحيل. ألف وربعميت سنة فاتت ما قربوش المسلمين من بعض. تحاوروا وتدبروا في معاني القرآن ومرامي الرسالة على مدى قرون ولم ينتج عن هذا تقارب. بالعكس تمامًا. كلما مر الوقت كلما تعددت الفرق. كل منها يرى نفسه "الإسلام". المسألة كان يمكن حسمها بالشكل اللي أنت عاوزه لو كان لدينا خط اتصال مع الله سبحانه وتعالى. ساعتها كان يمكن أن نتواصل معه، ونرجع له سبحانه، ليحسم لنا اختلافاتنا، ولنعرف منه أي فهم من أفهامنا هو الأقرب لمراده. لكن طالما أن الوحي انقطع بعد وفاة الرسول، يصبح خلافنا مجرد اختلاف بشري، وساعتها نرى أن هذه الفرق والمذاهب انعكاسات لأفهام أفراد ومدارس في الرؤية والتحليل. هذا الاختلاف يمكن أن يكون محمودًا طالما رأيناه في إطاره، وفهمنا أن منشأه تبايُن أفهامنا.

المشكلة الحقيقية إنك بتعامل البشر كالأنعام، ومتصور إنهم أغبياء وبيمشوا ورا أي حاجة. فوق كده بتفترض إنك مسؤول عنهم ولازم تحميهم

- ماشاء الله عليك!! وهكذا يتوه الدين بين "أفهام البشر" ويصبح من حق أي شخص أن يقول ما يشاء. فيصبح لدينا أفهام و"إسلامات"! عفارم والله!!

  • أنت شايف إن حاليًا فيه فهم واحد وإسلام واحد؟!

- كلها تنويعات على نفس الأصل ومفيش خلاف كبير.

  •  بتقول مفيش خلاف كبير رغم أنهار الدم اللي سالت في حروب المسلمين مع بعض؟!

- أنت تريد تعويم المسألة ليتمكن أي شخص من قول أي شيء. يعني ممكن شخص يطلع يقول إن صلاة الضهر تلات ركعات وتقول لي عادي. ده فهمه وإسلامه اللي من غير ألف ولام!!

  • هو صحيح، ما مشكلة أن يقول أحدهم إن صلاة الضهر تلات ركعات، أو ركعة واحدة حتى؟!

- مش بقول لك، أنت عاوز تخرّب الدين. عاوز تتوّه العوام وتُفسد عبادتهم، وتخليهم يخسروا آخرتهم.

  • أنا ما قلتش إني عاوز صلاة الضهر تبقى ركعة واحدة. أنا بأسأل: إيه مشكلة إن حد يقول كلام لا تتفق معه؟! ما اللي يقول يقول!

- ولو الناس مشيت وراه هتشيل أنت ذنبهم؟

  • محدش بيشيل ذنب حد. "وَكُلّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ". المشكلة الحقيقية إنك بتعامل البشر كالأنعام، ومتصور إنهم أغبياء وبيمشوا ورا أي حاجة. فوق كده بتفترض إنك مسؤول عنهم ولازم تحميهم وتتأكد إنهم ما بيسمعوش غير الكلام اللي أنت شايفه صح!

- أكيد لازم نحمي الإسلام والمسلمين من الكلام الشاذ عشان نبعد الناس عن الشطط والتطرف. لازم نسمح بالكلام في الدين فقط لمشايخ الدين المُجازين المعتبرين.

  • وهم اللي ختنوا بناتهم وشوهوا أجسادهم مش كانوا بيسمعوا كلام مشايخ دين وعلماء مُجازين برضه؟! طب اللي فجروا طيارات؟ اللي نسفوا كنايس وجوامع باللي فيها؟ اللي دبحوا ناس في الشارع عشان اختلاف في الدين أو الرأي أو المعتقد؟ مش كل دول كانوا ماشيين ورا مشايخ يفترض فيهم العلم والتقوى والصلاح؟!

- وأنت لما تقول إن مفيش إسلام بالألف واللام هتحمي الناس من الآراء المتطرفة لبعض المشايخ الضالين أو المتطرفين؟! بالعكس. أنت هتزود التطرف وهتفتح الباب لأي حد يقول أي حاجة.

  • بالعكس. لما الناس تفهم إن "الإسلام المطلق"، اللي بالألف واللام، لا يمكن احتكاره من مخلوق مهما ادعى العلم أو التقوى، ستنفتح قلوبهم لفكرة التعدد والتنوع وقبول المختلف معهم دون تكفيره. هيسمحوا لنفسهم بالتفكير، وبرفض الفكر اللي بتسميه شاذ لإنه لا يستقيم مع العقول. مش هيخافوا يرفضوا رأي شيخ أو "عالم دين" بيحرضهم على العنف أو الإساءة أو الضرر. هيفهموا إننا كلنا بنجتهد في الاقتراب من مراد ربنا. ده هيفتح مساحات حوار نحاول نقرب فيه من أفهام بعض بدون تكفير. المشكلة الموجودة دلوقتي إن هناك من يرغب في إيهام الناس بإن تصور معين أو إسلام معين هو الحق وما عداه باطل، وينتهي الأمر بإنهم يرفعوا السيوف، أو المتفجرات، في وش بعض.

- أنت بتسفسط على فكرة. لو أنت مسلم بجد زي ما بتقول لازم تؤمن إن الحق بيّن والباطل بيّن، وإننا كمسلمين يحكمنا حاجة واحدة فقط هي الشرع.

  • أي شرع؟

- شرع ربنا!!... الشرع!! مش عارفه ده كمان؟!

  • مفيش يا عم! مفيش شرع بالألف واللام!

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.