مقطع من جرنيكا مع تعديل في الألوان

جرنيكا بيكاسو: ويبقى اللون

منشور الاثنين 15 يونيو 2020

 

لعلك أحد هؤلاء الذين تزعجهم حالة الاحتفاء الصاخب ببعض الأعمال الفنية لمجرد كونها مشهورة، وتحسب - مثلي - أن فعل هذا من شيم المديوكرات محدثي المعرفة. وربما تردد معي أن الفنان الأشهر بابلو بيكاسو يقف على رأس قائمة الفنانين الذين يحظون بجمهور صاخب من هذا الصنف، وقد تهرع - كما أفعل - حين يناكفك المنبهرون به لتستدعي من قراءاتك القديمة ما يجلي حقيقة أن صاحب العمر المديد قضى سنين حياته الاثنتين والتسعين كشخص استعراضي بامتياز، حتى ليكاد يتنفس أضواء الكاميرات التي لم يداري يوما ولعه بها، وبصورته التي تنتجها. ولعلك تقنع أيضًا بأن الكثير من أعماله حظي بشهرة لا تساوي حقيقة قيمتها الفنية، ولم تجيء فحسب على حساب أعمال عظيمة للفنان نفسه، بل أن هوس الناس بها وبصاحبها قد ابتلع فنانين ليسوا أقل شأنا من بيكاسو، وحرم أعمالهم التي تنتمي لمدرسته التكعيبية نفسها الجماهيرية التي تستحق.

لكن، وعلى الرغم من هذا الموقف السلبي (والذي قد تصفه كذلك بالحانق بل والحاقد) لا زلت أؤمن أن "جرنيكا" هي "اللوحة"، وأن هذه التحفة الفنية التي أبدعها الطاووس بابلو ليست وحسب الأهم من بين أعماله التي جاوزت العشرة آلاف، بل تعلو كذلك على كل صخب. كلما نظرت إلى تفاصيلها أجدني أتلمس مواضع جديدة للدهشة، تجعلني أسير القول بأنها العمل الفني الملخص لقيمة الموجة الطليعية والعلامة المميزة للفن التشكيلي المعاصر.

في ظني فإن تقدير قيمة عمل كهذا دون المعرفة بسياق إبداعه، وتلمس الأسباب التي حدت ببيكاسو إلى إنجازه على هذه السرعة، وبهذه الروح الخشنة، سيكون تقديرًا مبتورًا. ولا أعني هنا فقط السياق الاجتماعي والسياسي ولا حوافز اللحظة المرتبكة في فترة ما بين الحربين العالميتين، بل كذلك ثمة ضرورة لإدراك أثر الدرس المعرفي والأسلوبي الذي تراكم لدى بيكاسو وتجسد بكامله فى جرنيكا.

المظلة الإنسانية للعمل تمنحه الجزء الأكبر من قيمته؛ يلخص بيكاسو في جرنيكا جدلًا ثقافيًا -بل وأخلاقيًا- احتدم في زمن ما بين الحربين، حين تعملق عنف محض في وجه الفن. وسمت الحرب الأولى ومقدماتها بدايات القرن العشرين، ومضت بعنفها بالتوازي مع بروز الحركات الفنية الطليعية، تحفزها وتلهمها. لا نبالغ إن قلنا إن أحد أكثر القرون دموية فى التاريخ قد أثقل الفن، منذ بداياته، بحمولته الصعبة اللاإنسانية. وقد أُجبرت روح الفن على استيعاب هذا العنف والألم كله. كانت لحظة صادمة نقيضة لمبشرات إنسانية حملتها طفرة التقدم الفني في أواخر القرن التاسع عشر، حينما استطاع الفن أن يتلمس طريقه المستقل، بمعزل عن إسار السياسة وقيد الدين، ليعود إلى حقيقته الخالصة؛ حقيقة الإمتاع الذاتي التأملي المنعتق من أي معرفة مسبقة.

 

بيكاسو أثناء عمله على جرنيكا - الصورة لـ دورا مار من مقتنيات متحف بيكاسو في باريس

لنعود إلى العمل، من مشهد نصب جرنيكا فى منتصف عام 1937 بمطار باريس، لتشكل واجهة لجناح إسبانيا فى معرض باريس الدولى. طالع الجمهور مشدوها جدارية زيتية مهيبة بعرضٍ ناهز الأمتار الثمانية، وبارتفاع ثلاثة أمتار ونصف المتر. كان العمل صيحة ألم إنساني جهيرة، تستدعي ملامح مما وقع قبلها بعام في خضم الحرب الأهلية في إسبانيا التي اندلعت إثر تمرد عسكري قاده فرانكو ضد الحكومة الجمهورية التي كان السوفييت يدعمونها. بدأ التمرد من المستعمرات الإسبانية بشمالي إفريقيا، وسرعان ما دهم الأراضي الإسبانية جميعها. وفي بداياته اعتمد فرانكو والقوات الموالية له نهج الإفزاع ونشر العنف على أوسع نطاق. تحالفوا مع متمردي الفلانج وعدد من الفصائل المعارضة للحكومة الجمهورية، مدعومين من إيطاليا الفاشية وألمانيا النازية.

قبل الواقعة، وحتى مارس/ آذار 1937، لم يشغل فكر بيكاسو تصور محدد، وظل على حيرة بعدما كلفته حكومة إسبانيا الجمهورية، قبلها بشهرين بوصفه مديرًا لمتحف البرادو الشهير، وفنان أسبانيا الأعلى شهرة في وقتها، بعمل يبرز رمزية إسبانيا وجمالها يكون واجهة لجناحها بمعرض باريس. كل ما جال بخاطره ظل نتفا لأفكار هائمة تحاول عقد الصلة بين الفن والحرية.

لكن بثقلها ودويها المفاجئ حضرت الحرب لتقطع عليه رفاهية الحيرة. كانت قد بدأت من ذروة بربرية، بهجوم مهول على قرية صغيرة تدع جرنيكا. قوة مشتركة يقودها الألمان وقوامها قوات الفلانج استباحت القرية، بعدما انهالت على بيوتها الصغيرة قذائف الطيران الالماني لثلاثة ساعات ونصف. دخل الفلانج يكملون الرتوش لمجزرة بشرية هائلة. لم تكن قرية جرنيكا الواقعة بإقليم الباسك تصلح بأي حال كهدف عسكرى، ولا يتصور منها تهديدًا يبرر هجومًا بربريًا واسعا كهذا.

كان العنف المحض وحده هو البطل. أهال بيكاسو أن تجيش ألمانيا وقواتها والمتمردين الذين يقودهم فرانكو تكنولوجيات السلاح الأكثر تقدما آنئذٍ ضد جمع من فلاحين بسطاء، فنام وفي حضنه كابوس جرنيكا، والتساؤلات تضرب رأسه عن كنه العنف وكيف يشكل الرمزية الأهم للاستبداد. والإجابة كانت جرنيكا اللوحة، التي تلخص تضاؤل الإنسان أمام شر الحرب وعنفها. ظل بيكاسو يلاحق هذه الفكرة، بالتوازي مع الحصاد الدموي لحكم فرانكو الذي يوم انتهى بالثورة كان قد نهش حيوات مليونا ونصف المليون من الإسبان.

 

أنقاض المباني المدمرة بعد الهجوم الجوي الألماني في جرنيكا - صورة مفتوحة المصدر من ويكيميديا

نحى بيكاسو القماش الذي كان قد بدأ فيه وضع الخطوط الأولى لرسم موديل عار، وشرع في شد قماش جديد بعرض الحائط كله، ليخاطب العالم بحزنه، وليؤرخ باللون لعبثية الشر الكامن في الحرب والاستبداد.

خط بيكاسو أول اسكتش لـ جرنيكا فى الرابع من مايو/ أيار 1937، حتى وصلت دراسات العمل 45 اسكتش (وهي تلك المجموعة التى نجدها معروضة بجوار اللوحة في متحف مركز الملكة صوفيا الوطني للفن بمدريد). كان ألم المشاهد التي تحملها الأخبار يلهب عقله وقلبه، ويدفع بجسده الصغير إلى العمل المتواصل دون نوم. مضى يلاحق الفكرة، وكأن مسًا من الجنون قد تمكن منه. لم يتوقف إلى أن وقفت جرنيكا شامخة تستفز القلوب وتضرب العقول بسؤال الألم، محتلة بمشهديتها معرض باريس، ولتقف بوصفها المقابل الموضوعي الذي يصفع بصدقه الإنساني ذلك الحضور الدعائي المغرور لألمانيا النازية، ويفضح خواؤه.

لم تنحسر رمزية اللوحة عند حدود مآساة جرنيكا القرية، ولا مجال للقول بأن ما فيها من وصف مثير لهول ما جرى في هذه القرية الوادعة، هو ما يخلق التعلق بها. لقد كانت نبؤة حقة، ورؤية تنبئ بأهوال ستقع من بعدها، باندلاع الحرب العالمية الثانية التي استعرت بعد ذلك بفترة وجيزة. كانت جرنيكا ناقوسًا يدق وصرخةً تنبه البشرية إلى معنى الشر الكامن في هذه الحروب المجنونة. وهذه النبوئية هي ما جعلت بيكاسو يجمع في لوحته الرموز الأكثر بقاءً والأكثر مباشرةً؛ العين المتسعة بوجه الإنسان وتجلى المآساة والفزع فيها، الثور والحصان رموز مصارعة الثيران التي تختصر رمز أسبانيا المكلومة. البيت يحترق، الضوء يختنق وسط ركام الظلمة والخوف.

 

جيرنيكا - صورة مفتوحة المصدر من ويكيميديا

لا أجد حاجة لأن أزيد في سرد القصة من جانبها الإنساني، فالجانب الفني لجرنيكا يكمل صورة للمبدع حين تنصت أدواته لدقات قلبه وتترجم أصداء عقله. باختصار، أحسب جرنيكا التجلي الكامل والأعظم لفن بيكاسو ولأسلوبه التكعيبي.

بالطبع سيقارب هذه اللوحة بلوحات أسبق عليها كل من طالع تلك الاسكتشات التي درس فيها بيكاسو عناصر لوحته، وسيلمح مفرداتها في عدد من أعماله السابقة، وبالأخص تلك التي صورت الأحصنة والثيران، وكذا لوحاته التي أنجزها مع بدايات تلمسه للتكعيبية، ولعناصرها الجمالية التى شكلت قوام أسلوبه.

نذكر منها اللوحة المعروفة باسم نسوة آفينيون التى أنجزها بيكاسو عام 1907 والمعروضة حاليا بمتحف نيويورك للفن الحديث، أو لوحة العازفين الثلاثة الشهيرة التي رسمها 1921 والمعروضة بنفس المتحف. ونقترب أكثر من أصول جرنيكا حين نطالع اللوحات التى أنجزها بين عامى 1935 و 1936 والمعروضة بمتحفه بباريس، إذ تشغى فيها بكثره عناصر الثور والحصان وبنفس الحركة والوضع الموجودان في جرنيكا.

ولا ننسى أن بيكاسو كان مثقفًا متفردًا، وعى وأحاط بالفن الأوروبي منذ عصوره الكلاسيكية، وحظي بعين ثاقبة استطاعت أن تضخ في شرايين جرنيكا روح الفنانين الأوروبيين العظماء. لعلنا نلمح فيها من عبق روبنز خصوصا فى عمله المذهل أهوال الحرب الذي أنجزه قبل قرون ثلاثة من جرنيكا، وظلال من لوحة الفريسكا الموجودة بالفاتيكان والمعروفة باسم الحريق والتى أنجزها فنان عصر النهضة رافائيل، بخلاف القدرة التكوينية التي تستدعي تمثال الرحمة القابع بمدخل كنيسة القديس بطرس بالفاتيكان، والذي أبدعه ميكال آنجلو مصورا العذراء تتدثر في حزنها وقد وضعت فى حجرها المسيح مسفوح الدم. كل هذا الزخم الفني تلمحه حاضرا بتمامه في جرنيكا.

قد تندهش حين أقول لك إن جرنيكا بيكاسو ليست لوحة واحدة، لكن قبل أن أبين لك ذلك، دعنا نتجول بناظرينا عبر السبعة وعشرين مترا مربعا التي تمثل مساحة هذه اللوحة: تحوى جرنيكا - المرسومة بالأبيض والأسود مع ظلال خفيفة وباهتة من الأزرق – سبعة عناصر أو مجموعات من الأشكال الأساسية وزعت بعرض اللوحة. في الوسط ستلمح هرمًا من الضوء ينبعث من شمعة، تعلوه ما تشبه عينًا تحتل إنسانها لمبة كهربائية.

 

بيكاسو أثناء العمل على جيرنيكا - الصورة لـ دورا مار من مقتنيات متحف بيكاسو في باريس

وسط هذا الهرم الضوئي وفي مركز اللوحة نجد حصانًا كابيًا كأنما أصابه جرح وقد دار برأسه عكس اتجاه جسده وتبدت على ملامحه معالم الألم الشديد، وإلى اليمين منه ثمة مبان تحترق وقد خرجت منها ثلاثة أشكال بشرية، أعلاها هو رأس تطلب الغوث وقد حملت في يدها الشمعة التي مثلت مصدر الهرم الضوئي، وشكلان يهرولان فزعين باتجاه مركز اللوحة، ثم نجد جسدًا بشريًا، ربما هو مصارع ثيران مقتول أو تمثال مهشم لفارس، ملقىً أسفل يسار اللوحة عند أقدام الفرس، وتعلو ملامحه أمارات الفزع وبيمناه سيف مكسور وزهرة صغيرة، بينما امتدت يسراه بكف مفتوحة ومفرقة الأصابع، أعلاها ثلاثة أشكال يتوسطها ثور يكاد يغادر اللوحة كسيرًا وتشي ملامحه بغم قد تلبسه فتحسبه يكاد يبكي، وقد دار برأسه أيضا عكس اتجاه جسده، وفى أعلاه طائر مفزوع يطير صوب أعلى اللوحة، وعند أسفل فمه يبدو شكل لامرأة تصرخ باكية رفعت يداها نحو السماء تشكو بينما تمدد على حجرها جسد وليدها المقتول.

 

دورا مار (الباكية) بريشة بيكاسو 

غطت هذه العناصر موتيفات وزخرفات بأسلوب بيكاسو نمنمت بها اللوحة على نحو قُصد أن يكون غير متقن. هذه هى جرنيكا المعروفة لنا والمعروضة بمدريد والتي نتداول صورها.

الجانب المثير حقا هو الذي تجسده الصور التى التقطتها دورا مار للعمل، ولبيكاسو وهو مستغرق في إنجازه. كان يؤمل أن تقوم كاميرا برصد تحولات العمل في تخلقه وتشكله، فاقترح عليه صديقه كريستيان زيرنوس أن تتولى مار وهي مصورة سريالية بالتوثيق المصور. بالطبع وافق بيكاسو على الفكرة، فقد عرف جاءت الفاتنة الفرنسية الشابة ذات الأصول الشرق أوربية قبلها بعام تقريبا، وخاض معها علاقة غرام سريعة، جعلته يرسم عدة بورتريهات لها، ولتصير أشهر ملهماته. وبالفعل جاءت مار بكاميرتها لاستديو بيكاسو في شارع جاستنيان الكبير، لتقف مشدوهة أمام الخطوط الأولى لـ جرنيكا وقد احتلت قماشة انشدت بعرض الحائط، في إضاءة خافتة. ألح بيكاسو أن تقوم بالتصوير في كل مرحلة، كأنما علم أن هذا العمل خلق ليبقى، وحقا، لم يخنه ذكائه فى هذا.

أنجزت مار 28 صورة، نراها معروضة في متحف الملكة صوفيا، التقطت أولاها فى 11 مايو 1937 لـ جرنيكا الوليدة بخطوطها المتناثرة الحيرى على السطح الأبيض، وآخرها مع اكتمال اللوحة في 4 من يونيو 1937. قيمة هذه الصور أنها ترصد هذا التصاعد الإبداعي الأشبه بالكريشندو في الموسيقة الملحمية، وتظهر لنا لحظة الارتقاء لذروته الحماسية حينما اكتملت صياغة الألم.

ثمة متعة سيلمسها محبي بيكاسو والمستغرقين في دراسة أسلوبه لدى مطالعة هذه اللقطات، الواحدة تلو الأخرى. ففي ترتيبها الزمني تكشف حالة الاضطراب والقلق والغضب التي غشيت بيكاسو، في كل ملمح بدل فيه وأزال وأضاف. ربما لم يصل هذا المبدع الكبير لحالة الرضا عن عمله فى هذا الوقت القصير، لكن ما فيها من جبروت الألم قد ارتقى بها إلى ذروة قلما بلغها عمل فني. كل صورة توثق مراحل العمل تقول لنا إن ثمة "جرنيكات" مستترة بداخل العمل، لن تراها عينك بعدما ذابت تحت جرنيكا الأخيرة.

 

مراحل تطور جيرنيكا (1) - الصورة لـ دورا مار من مقتنيات متحف بيكاسو في باريس

 

مراحل تطور جيرنيكا (2) - الصورة لـ دورا مار من مقتنيات متحف بيكاسو في باريس

 

مراحل تطور جيرنيكا (3) - الصورة لـ دورا مار من مقتنيات متحف بيكاسو في باريس

 

مراحل تطور جيرنيكا (4) - الصورة لـ دورا مار من مقتنيات متحف بيكاسو في باريس

 

مراحل تطور جيرنيكا (5) - الصورة لـ دورا مار من مقتنيات متحف بيكاسو في باريس

 

مراحل تطور جيرنيكا (6) - الصورة لـ دورا مار من مقتنيات متحف بيكاسو في باريس

سنلمح أولا كيف تحولت اللوحة من مشهد نهاري لمشهد ليلي، يغلب عليه اللون الأسود الكئيب. في الصورة الأولى كان الفارس المقتول مجرد امرأة سقطت أرضًا وقد باعدت بين فخذيها وإحدى رجلاها ترتفع عند وجه الثور، ثم اختفت تماما فى المراحل التالية، الحصان صعد برأسه من أسفل لأعلى وحمل ملامح أكثر فزعا، بينما تحرك جسد الثور نحو طرف اللوحة واختصرت المنازل المحترقة على نحو تجريدي أكبر، وظهر الطائر أعلى الثور في مراحل متقدمة من انجاز اللوحة. عنصر هذا المشهد الأكثر استقرارا والذي لم يبدّل فيه بيكاسو فكرته هو تلك المرأة التي ربما تمثل إسبانيا تحمل طفلها المغدور الذي يرمز لمليون ونصف شخص من ضحايا هذه الحرب وترفع يديها نحو السماء صارخة. ولعل هذا الاستقرار للأم المكلومة هو أكثر فكرة استقرت في عقل بيكاسو وجسدت رمزية هذه المأساة.

لا جدال أن بيكاسو اكتمل فنيا فى هذه اللوحة التي استحقت عن جدارة أن توصف بأنها أهم عمل فني في القرن العشرين، والحقيقة الأكثر جلاء –في رأيي المتواضع- أن بيكاسو العظيم قد عجز عبر 36 سنة تلت أن يتجاوزها، مستغرقًا مرة أخرى فى ذاتيته، وشغلته الشهرة أكثر وأكثر، وفي سنوات كثيرة بعدها ظل يراوح فى المكان، يحاول جاهدا أن يخرج منها، اللوحة وحالتها. لكنها لعنة الاكتمال التى تصيب كل مبدع، حين يشعر من بعدها أنه قد أفرغ كل ما فى جعبته، وأن ما من إلهام قد يأتيه يفوق تلك الذروة.