تصميم: يوسف أيمن- المنصة

من ستيفن هوكينج لمؤمن زكريا: تحدٍ جديد مع التصلب الجانبي الضموري

منشور الخميس 26 نوفمبر 2020

العام الماضي خرج علينا لاعب منتخب مصر والنادي الأهلي مؤمن زكريا في لقاء تلفيزيوني أعلن خلاله إصابته بمرض نادر مسؤول عن تراجع مستواه البدني والعضلي، كما لوحظ صعوبة اللاعب في الكلام  أثناء الحوار، كما شاهدنا منذ عدة أيام تتويج النادي الأهلي بلقب الدوري في احتفالية حضرها اللاعب وزوجته، حيث بدا عليه الضعف الشديد وصعوبة الحركة.

المرض الذي يعاني منه اللاعب الشاب (32 عامًا) يسمى التصلب الجانبي الضموري ALS، أدى إلى اعتزاله نهائيًا بعد مسيرة حافلة بالعطاء والتألق، مثيرًا العديد من التساؤلات عن طبيعة هذا المرض ومدى خطورته.

التصلب الجانبي الضموري هو مرض متقدم يصيب خلايا الجهاز العصبي الحركي بالمخ والحبل الشوكي، ويؤثر في القدرة على التحكم بالعضلات، مما يؤدي إلى فقدان القدرة على الحركة والكلام وغيرها من الأعراض. وهو مرض لا توجد له أسباب واضحة ويفتك بالجهاز العصبي محدثا شللًا بوظائف الجسم الحركية.

شُخِص المرض للمرة اﻷولى على يد عالم الأعصاب الفرنسي جان مارتن عام 1869، ولكنه أصبح معروفًا في الأوساط العامة بعد إصابة لاعب البيسبول الشهير لو جيهريج، منهيًا حياته المهنية عام 1939 وأصبح يُعرف فيما بعد باسم "مرض لو جيهريج".

أسباب الإصابة بالمرض

الأسباب الرئيسية  للمرض وسرعة تطوره غير معروفة إلى يومنا هذا، ولكنه ينقسم المرض اعتمادًا على العامل الوراثي إلى نوعين:

1. النوع الوراثي:

وهو مسؤول عن 5 إلى 10 % من حالات الإصابة، مع وجود تاريخ مرضي لأحد الوالدين، حيث ترتفع احتمالية وجود تشوه جيني ونقل البصمة الجينية المسببة للمرض إلى الأبناء بنسبة 50 %.

2. النوع الفردي:

ويمثل 90 إلى 95 % من الحالات، وقد يصيب أي شخص في أي وقت وأي عمر، وهو النوع الشائع في كافة أنحاء العالم، حيث تُشخَّص حالة واحدة كل تسعين دقيقة بالمرض.

وتزداد فرص الإصابة بالمرض بين عمري 40 إلى 70 عامًا، كما أن احتمالية الإصابة للرجل أكثر من المرأة، ويعد التدخين العامل الخارجي المشترك الوحيد الذي ربما يكون له دور مساهم غير محدَّد إلى الآن.

الأعراض المصاحبة للتصلب الجانبي الضموري

تبدأ الأعراض بالظهور بصورة تدريجية، وتختلف في حدّتها وبداياتها من شخص إلى آخر، حيث  قد تبدأ بتغيير في الصوت أو رعشة في اليدين مع عدم القدرة على التحكم بالحركات الدقيقة، مثل الرسم والكتابة، أو السقوط على الأرض بصورة متكررة.

تشترك جميع الحالات بظهور ضعف عام في العضلات، لكنه غير مؤلم، ويلاحظ في عدم  القدرة على التحكم بالحركة والمشي، وتستمر الأعراض في التطور مسببةً صعوبة في البلع والكلام والتنفس، بالإضافة إلى نوبات حادة مفاجِئة من الضحك أو البكاء، مع عدم القدرة على التحكم في تلك المشاعر.

ولأنه مرض يصيب العضلات بصورة رئيسية، فإن قدرة الشخص المصاب على الإحساس بالألم واللمس والتحكم في التبول لا تتأثر، بالإضافة إلى حاستيّ التذوق والسمع. ولكن التدهور الأخير يكمن في فقدان القدرة على التنفس وشلل العضلات المسؤولة مما يستدعي تدخل أجهزة التنفس الاصطناعي.

وربما يستمر الصراع مع المرض بالنسبة للغالبية العظمى من الأشخاص من 3 إلى 5 سنوات يتمكن خلالها المرض من صاحبه، ولكن ما زالت توجد العديد من الحالات الاستثنائية التي سجلت معدلات عمرية تمكنت من المقاومة لأكثر من عقد من الزمان.

كيفية تشخيص لتصلب الجانبي الضموري

اكتمالًا لصعوبة المرض ومدى قسوته، فإنه لا يوجد فحص واحد محدد يمكنه أن يؤكد بصورة قطعية وحازمة وجود المرض أو الإصابة به، ولكن يتم التشخيص عن طريق الربط بين  الأعراض الإكلينيكية للمريض مع قائمة لا حصر لها من الفحوصات، نذكر منها:

  • رسم العضلات (EMG) ورسم الأعصاب (NVCT).
  • أشعة الرنين المغناطيسي.
  • تصوير النخاع الشكي.
  • بذل النخاع الشوكي.
  • استئصال نسيج من العضلات والأعصاب وفحصها.
  • بالإضافة إلى عدد لا حصر له من تحاليل الدم وفحص لعينات البول.

توجد بعض من الأمراض المرتبطة بأعراض مشابهة لمرض التصلب الجانبي الضموري، ولكن تختلف طرق العلاج والتشخيص فيما بينهم، ولا يجب الخلط بين تلك الأمراض لكونها قابلة للعلاج والتحكم، مثل النشاط الزائد للغدة الدرقية والغدة الجاردرقية، حيث يسببا ضعفًا بالعضلات ورعشة باليدين، وبعض أمراض الجهاز العصبي المسببة لاختلال التوازن وفقدان التحكم العضلي، وهذا يوضح أهمية الفحوصات وضرورة التفرقة بينها.

كثير من اﻷبجاث ولا علاج

بعد مرور أكثر من قرن من الزمان على اكتشاف هذا المرض الفتاك، ما زالت الأبحاث لم تتوصل إلى علاج له، حيث توجد العديد من العقارات التجريبية والوسائل العلاجية المستحدثة مثل الخلايا الجذعية التي قد تعد الأمل القادم للعديد من الأمراض الميؤوس من إيجاد علاج لها، لكنه مازالت لا توجد وسيلة علاجية أثبتت فعاليتها حتى يومنا هذا.

مشاهير أصابهم المرض

 

ستيفن هوكينج. صورة برخصة المشاع اﻹبداعي: ويكيبيديا

قائمة المشاهير الذين أصابهم المرض، وانضم إليها مؤخرًا لاعب منتخب مصر والنادي الأهلي مؤمن زكريا، تشمل العديد من الأشخاص مثل لاعب نادي النصر السعودي السابق خالد الزيلعي، والكاتب الأمريكي جون ستون، مؤلف مسلسل شارع سمسم ومغني الجاز الأمريكي تشارلز مينجوس، وغيرهم من الأشخاص.

ولكن يعد عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينج هو الأشهر من بين المصابين و الذي توفى عام 2018 عن عمر ناهز الـ 76 سنة، متأثرًا بذلك المرض اللعين الذي لم يعقه عن ممارسة أبحاثه العلمية،حيث أصبح أحد أهم رواد علم الكونيات في الفيزياء وارتقى العديد من المناصب العلمية، لكن الإنجاز الأهم له كان تحدي هذا المرض لمدة تزيد عن 50 عامًا محطمًا خلالها توقعات الأطباء بحياة لن تدوم لأكثر من ثلاث سنوات.

الدعم النفسيّ

بالتأكيد ستتغير الحياة مع التشخيص بذلك المرض، فهناك العديد من القرارات المطلوب اتخاذها والأعراض الواجب مقاومتها والتعامل معها، بالإضافة إلى رحلة البحث عن العلاج المناسب، وكل هذا وأكثر يستلزم التركيز على أهمية الدّعم النفسي، ليس فقط للمصاب بالمرض، ولكن أيضًا لأقربائه الذين يحتاجون إلى العون والدعم، ويعد النادي الأهلي ودعمه النفسي للاعبه مؤمن زكريا نموذجًا مشرفًا يبعث على التفاؤل والأمل، وندعو الله أن يشفي اللاعب وغيره من المصابين وأن يمنح العون لزوجته وأسرته أحبائه.

كما أدعو لإنشاء جميعة خيرية لمرضى التصلب الجانبي الضموري على غرار جميعة (ALS) الأمريكية التي تهتم بالدعم المادي والمساهمة في الأبحاث الخاصة بإيجاد علاج نهائي لهذا المرض القاتل.