تصميم: يوسف أيمن- المنصة

الطريق إلى "عبد الله": رحلة "أنا" الشاقة نحو تغيير اسمه

منشور الثلاثاء 7 يونيو 2022

يُعرف اللغويون لفظة "أنا" بأنها أحد ضمائر المتكلم، إلا أن أحمد إسماعيل، قرر قبل نحو 35 سنة أنه اسم، واختاره لابنه اسمًا يرافقه طول عمره، ليصبح المولود "أنا أحمد إسماعيل"، لكنه لم يكن يدرك أنه تسبّب لابنه في واحدة من أكبر أزمات حياته. 

عندما دخل "أنا" المدرسة، تعرض للكثير من السخرية والتنمر، حتى من المدرسين. قال له مدرس اللغة العربية "أبوك أطلق عليك ضمير متكلم وليس اسم علم"، وانفجر في الضحك، ومعه باقي التلاميذ، لكن الحقيقة كما يقول "أنا" إن والده لم يكن عليمًا باللغة وأن اسمه سببه موقف غريب "الفكرة كانت فكرة عمي الذي اقترح على والدي أن يكون اسمي أنا، عشان يستمر اسم أبي حيًا، بحيث أكون أنا أحمد، وبالفعل اقتنع والدي بفكرة عمي وأصبحت أنا أحمد إسماعيل، وكأن اسمي الأول غير موجود".

أنا، الذي صار اسمه الآن عبد الله، وأصبح باحث دكتوراة بإحدى الجامعات الحكومية في الصعيد، يقول إنه بسبب اقتراح عمه ومباركة والده لازمته المواقف المحرجة طوال حياته، "عندما كنت أطرق الباب على أي من الجيران أو الأقارب الذين لا يعرفون صوتي عند السؤال مَن بالباب فأقول "أنا"، فيسأل "أنت مين؟"، فأرد "أنا أنا".

توريث المشكلة

عندما أنجب أنا امتدت المشكلة لابنه أحمد، الذي كان يواجه بالسخرية عند سؤاله عن اسمه فيقول "أحمد أنا أحمد، ويعتقد السامع أن ابني قال إن اسمه أحمد فقط، ولا يعرف أنه قال اسمه الثلاثي"، عندها فكر أنا في تغيير اسمه لعبدالله "قررت أن أمنع توريث المشاكل لأبنائي".

رأى أنا أن دوره كأب "عدم التسبب في المشاكل لأبنائي، خاصة أني متأكد أن هذا الاسم سيكون سببًا لتعاستهم، لذلك وجب عليّ تغييره، خاصة بعد المتاعب التي عانيت منها كالتنمر والسخرية في طفولتي".

اختار أنا لنفسه اسم عبد الله"لأني بحبه جدًا، وكنت بحلم دايمًا إنه يكون اسمي، خاصة بعد المرار الذي ذقته بسبب "أنا"، رغم من الشهرة الكبيرة في منطقة سكني، وفي فترة الجامعة". 

لم تكن كل خبرات عبد الله مع اسم "أنا" سلبية، بل كانت له بعض المميزات "أذكر في إحدى المرات ذهبت إلى الجامعة متأخرًا على أحد الامتحانات، ورفض المراقب دخولي اللجنة، إلا أني فوجئت بمشرف اللجان يقول للمراقب "أنا ده على ضمانتي أنا"، وبالفعل دخلت الامتحان رغم عدم وجود أي أوراق معي تثبت شخصيتي".

يلجأ كثيرون إلى تغيير أسمائهم، ليس فقط لأنهم يتعرضون بسببها إلى سخرية، ولكن لأن الاسم لا يعجبهم. وآخرون لا يقدمون على هذه الخطوة. مبروك علي مبروك، يقول للمنصة إن اسمه لم يعجبه منذ صغره "كنت بتكسف أقول اسمي في المدرسة". سعى مبروك كثيرًا إلى التخلص من اسمه، لكن البيروقراطية وخوفه من غضب والده، جعلاه يتراجع ويرضى بالأمر الواقع دون أي تغيير.

 وكذلك انتظر تامر طلعت، الذي كان يرى أن اسمه ليس جميلًا، إلى أن توفي والده حتى يبدأ في اجراءات تغييره إلى"أحمد"، ورغم بساطة المستندات التي يطلبها السجل المدني أو الإدارة العامة للأحوال المدنية، فإن الراغبين في تغيير أسمائهم يصطدمون بإجراءات بيروقراطية تجعل بعضهم يتراجع عن الخطوة ويرضى بالأمر الواقع.

يقر قانون الأحوال الشخصية رقم 143 لسنة 1994، بأن لكل شخص الحق في تغيير اسمه دون إبداء أي أسباب، وأن يحصل على اسمه الجديد بعد موافقة اللجنة التي حددها القانون وتحديدا المادة (46) "أحوال شخصية"، وتضم تلك اللجنة المستشار المحامي العام للدائرة التي يقيم بها الشخص، أو من ينيبه، ومدير مصلحة الأحوال المدنية ومفتش الصحة، لكن كل ذلك يبدأ بالسجل المدني.

"هتلف كتير لغاية ما تزهق"

يقول عبد الله إنه بدأ رحلة تغيير اسم أنا بالتوجه إلى مكتب السجل المدني التابع لمنطقة سكنه، سألتني الموظفة "أنت عايز تغير اسمك ليه؟ نصيحة بلاش"، وحذرته من مشوار صعب وطويل "هتتعب أكتر من تعبك من الاسم"، وأكدت له أن الإجراءات كثيرة و"الروتين واللف على المصالح… هتلف كتير وفي النهاية هتزهق ومش هتعمل حاجة".

ولكنه قراره كان نهائيًا "مهما حدث وواجهت من عقبات، لأني وصلت لمرحلة أيقنت فيها أن كل الصعاب أهوَن من المعاناة التي أعيشها بسبب الاسم. صمّمت على بدء الرحلة، وأكدت ذلك للموظفة. لم يكن كلامها جديدًا بالنسبة لي، إذ سبق وحذرني أصدقائي من البيروقراطية وقال البعض لي إني ساضطر إلى تغيير اسمي في كل المصالح الحكومية، وكل الأوراق التي تحمل الاسم القديم، وهي رحلة صعبة جدًا، وأحيانا مستحيلة".

سلمته الموظفة الأوراق المطلوبة "كانت عبارة عن فيش وتشبيه، وصورة البطاقة، والاستمارة التي ملئتها، لكن تلك الأوراق تمر بإجراءات عديدة منها عرض الملف الخاص بي على لجنة تبدي الرأي في تغيير الاسم، ولكي يصل الملف كاملًا إلى تلك اللجنة، يحتاج فترة طويلة، والمعلَن بالأحوال المدنية انه يستغرق شهرًا، لكن في الحقيقة احتاج  ستة أشهر، كنت أزور خلالها السجل المدني أسبوعيًا لمتابعة ملفي".

ظل عبد الله يتردد على السجل المدني بانتظام "بسبب البيروقراطية، كانوا كل مرة يطلبوا مني أوراق رغم إني قدمتها فعلًا مع ملفي في المرة الأولى. مثلا كنت لازم أصور البطاقة في كل مرة وأسلمها للموظف، وفي أكثر من مرة يطلب مني شهادة الميلاد الكمبيوتر، مع إني قدمت منها نسختين، مش عارف النسخ دي بتروح فين".

وبعد مرور حوالي أربع شهور توجه عبد الله للسجل المدني عرف من موظف هناك إن الملف لا يزال في المراجعة "غضبت وارتفع صوتي "أربع شهور بيتراجع إزاي، أنا عايز أفهم إيه سبب التأخير رغم إن المعلن إن الملف بياخد شهر بالكتير"، ووقعت مشادة كبيرة بيني وبين الموظف كادت أن تصل للمشاجرة لولا تدخل موظفة كبيرة في السن".

قالت له الموظفة إن التأخير خارج عن إرادتهم، لأن الأحوال المدنية ترسل الملف إلى الأمن الوطني، والإدارة العامة لتنفيذ الأحكام، وإدارة البحث الجنائي، ومصلحة الجوازات لبيان إذا كان الشخص مدرج على قوائم الممنوعين من السفر من عدمه، وكذلك للقوات المسلحة، وعقب ورود الردود من كل تلك الجهات السابق ذكرها، يعرض الملف على اللجنة النهائية التي تقرر الموافقة من عدمه بتغيير الاسم.

"افتكرته بيهزر"، يضحك عبدالله وهو يتذكر صديقه الذي قال له إنه يحتاج على الأقل 3000 جنيه لتغيير اسمه، "سألته دي كلها رسوم؟ قال لأ دي عشان تجيب جزم تستحمل المشاوير". ولكن رد لجنة الأحوال المدنية وصل بعد 6 أشهر، وكان حظه أفضل كثيرا من "مبروك" و"تامر" اللذين جائهما رد اللجنة بعد سنة كاملة.

ليسوا كلهم "أنا"

يبرر موظف في مصلحة الأحوال المدنية للمنصة، طلب عدم ذكر اسمه، سبب تأخر الموافقات في الأحوال المدنية، بـ "زحمة الشغل"، معللا التأخير بأن مباحث الأحوال المدنية عليها أن تفحص جيدًا كل الملفات المقدمة إليها والبيانات المذكورة في كل ملف بشكل دقيق جدًا.

ويوضح المصدر "هناك من يستغل امكانية تغيير الاسم للتهرب من أحكام قضائية صادرة بحقهم، لأن تسجيل الأحكام على الحاسب الآلي قد يستغرق شهرين، وهناك من يحاولون تغيير أسمائهم خلال تلك الفترة".

وبحسب المصدر، يحاول ضباط الإدارة العامة للأحوال المدنية التغلب على تلك الثغرة عن طريق فحص الملفات جيدًا، والتحري عن الشخص والكشف الجنائي عليه، رغم تقديمه صحيفة الحالة الجنائية "الفيش والتشبيه"، غير أن بعض الأحكام قد لا تسجّل على الحاسب الآلي، ولهذا تتأخر الملفات المشتبه في أصحابها حتى يظهر حكم قضائي ضدهم من عدمه، وزيادة في التأكد ترسل الأحوال المدنية إلى أكثر من جهة أمنية وسيادية لإخلاء مسؤوليتها.

وبعد الحصول على رد الأحوال المدنية تبدأ رحلة جديدة، يقول عبد الله إنه بعد موافقة السجل المدني حصل على صورة رسمية من بيان التغيير، وهو مستخرج يفيد بتغيير الاسم، "بدأت إجراءات تغيير اسمي في شهادة الميلاد وبطاقة الرقم القومي، وشهادة التجنيد، وذهبت لجميع المصالح الحكومية كالكهرباء والمياه والغاز لتغيير الاسم في الإيصالات وملفي الموجود لديهم، ووحدة المرور لتغيير اسمي في رخصة القيادة ورخصة السيارة، وكذلك جهة عملي. غيرت كل المستندات باسمي الجديد، ورغم كل ذلك يجب أن أحتفظ بنسخة رسمية من نموذج المستخرج الذي يثبت تغيير اسمي، لأني سأحتاجه باستمرار، على سبيل المثال لو عندي شقة وفكرت في بيعها والعقد مسجل به اسمي القديم، يجب أن أقدم ما يثبت اسمي الجديد عند عملية بيع الشقة".

ولأنه متزوج، رفع عبد الله دعوى قضائية أمام محكمة الأسرة، لتغيير اسمه في قسيمة الزواج، "في العادة تستغرق تلك الدعوى ثلاثة أشهر، لكن في حالتي استغرقت ستة أشهر، بسبب تأجيلات الدائرة القضائية للدعوى دون أسباب، وبعد حصولي على الحكم، بدأت رحلة تغيير اسمي في كل الأوراق الرسمية الصادرة لابني أحمد، الطالب بالصف الأول الابتدائي، عليه الان تعديل اسمه أيضًا في المدرسة وكل الأوراق التي تحتوي على اسمي القديم (أنا)".

عندمل حصل عبدالله على شهادة ميلاد باسمه الجديد قدمها للأحوال المدنية لإصدار أخرى جديدة لابنه، وأخيرًا جاءت لحظة الانتصار. أصبح اسمه أحمد عبد الله أحمد. 

اتجه عبد الله فورًا إلى المدرسة "قدمت الشهادة الجديدة وسحبت القديمة من ملف ابني، وطلبت من مدير المدرسة تأكيد تغيير اسم ابني في ملفه بالاسم الجديد، وإصدار كارنيه جديد للمدرسة. أخيرا تخلصت من"أنا" إلى الأبد".

أما تامر فقرر الذهاب إلى الطريق البديل؛ المحكمة. وهنا يقول المحامي بالنقض والدستورية العليا، محمد رفعت، "نلجأ لمجلس الدولة عند رفض السجل المدني أو الأحوال المدنية تغيير اسم شخص"، وعن المدة التي يستغرقها التقاضي "مش أقل من سنة طبعًا علشان يتم الفصل في الدعوى، ويمكن سنوات".

يوضح رفعت أنه عند الرد بالرفض، يكون السبب في الغالب "دواعٍ أمنية" فقط لا غير، دون أي توضيح، وهنا نلجأ إلى القضاء برفع دعوى أمام مجلس الدولة نطالب فيها بتغيير الاسم، ويكون ذلك أمام دائرة الأفراد، والمختصة بتغيير الأسماء أو تعديلها، وإثبات شهادات الميلاد أو الوفاة.


اقرأ أيضًا| تشابه الأسماء: أي "محمد أحمد" معرض للسجن بالصدفة

 

تصميم: المنصة

وعن حالة تامر يقول رفعت "في بعض الأحيان يكون الرفض لأسباب سياسية، ومنها تشابه اسم الشخص مع آخر متهم في جرائم إرهابية أو قضايا سياسية، وأيضًا قد يكون الشخص نفسه هو صاحب التهمة السياسية، لذلك يرد الأمن الوطني على الخطاب الموجه له من قبل الأحوال المدنية بالرفض".

ويوضح المحامي أسباب أخرى للرفض مثل أن يكون للشخص أخ أو أخت بنفس الاسم الذي يريد التغيير له، "على حسب رد الأحوال المدنية نبدأ في التحرك، لأن هناك بعض الردود التي لا يمكن التصرف بعدها مثل وجود اتهامات سياسية للشخص، أما في حالة تشابه اسمه مع آخر بسبب القضايا السياسية فمن الممكن تغييره، لأن اسم الأم ولقب العائلة سيكونان مختلفان".

"الحمد لله أخيرًا ارتحت من التنمر والسخرية"، يقولها عبد الله بينما يتذكر رحلته الطويلة، تلك الرحلة التي لم يصبر عليها مبروك وقرر التراجع أمام بيروقراطية راسخة، وتامر الذي رُفض طلبه دون إبداء أسباب.