تصميم سيف الدين أحمد، المنصة، 2025
عبير سعدي وإيمان عوف وأمينة شفيق

الصحفيات في النقابة.. أصواتٌ تسعى لكسر حلقة التمييز

منشور الخميس 19 يونيو 2025

مرَّ نحو شهر ونصف على انتخابات نقابة الصحفيين، التي نالت فيها إيمان عوف ثقةَ زملائها في عضوية المجلس، بعدما اضطرت لمواجهة عقبات تفوق ما يواجهه زملاؤها المرشحون من الرجال، فالمنافسة النقابية بالنسبة لها كامرأة تطلبت ما هو أبعد من برنامج انتخابي جذاب.

إيمان المرأة الوحيدة في المجلس الحالي الذي يضم 12 عضوًا، يمثلون جمعيةً عموميةً 33% منها نساء. كما أنها الحادية عشرة في قائمة الصحفيات اللاتي نجحن في الوصول لمجالس النقابة، منذ نشأتها عام 1941. وبينما خلا 15 مجلسًا من أصل 54 للنقابة من أي تمثيل نسائي، لم تتجاوز نسبة تمثيل النساء في المجالس 23%، عندما انتُخبت ثلاث صحفيات في مجلس عام 1977. 

في الانتخابات الأخيرة، خاضت صحفيةٌ واحدةٌ المعركة على منصب النقيب في مواجهة سبعة رجال، وحصلتْ على 5 أصوات فقط. كما تنافست 10 صحفيات على مقاعد عضوية المجلس أمام 33 صحفيًا، حصلن جميعًا على إجمالي أصوات 6050 صوتًا. 

تعاني الصحفيات بشكل عام من تمييز وتشكيك في قدراتهن وتنميط يحصر أدوارهن في أقسام بعينها أو مهام محددة تُعتبر "نسائية" أو "أقل أهمية". وكثيرًا ما تُواجَه الصحفيةُ بمحاولات تطفيش من المهنة بدعوى أنها "غير مناسبة" لها وأن العمل الصحفي مهنة ذكورية في الأساس، مما يحدُّ من فرص وصولهن إلى المناصب القيادية. كما تكشف الدراسات عن فجوة في الأجور بين النساء والرجال. كل هذه التحديات تُضاف إلى عبء المنافسة في العمل النقابي، وتجعلُ مشقة نجاح الصحفية في التمثيل النقابي مضاعفة.

لسْنَ نساءً بل صحفيات

تُرجِع أمينة شفيق، الوكيلة السابقة لمجلس النقابة، ضعفَ التمثيل النسائي في مجلس النقابة إلى العيش في "مجتمع ذكوري لا يريدُ أن يعاملني كمواطنةٍ، لكنه يعاملني كامرأة، فكيف أكون رئيسته في العمل؟". وتصف تمثيل المرأة في النقابة بـ"الرمزي وليس النسبي".

يتفق وصفها مع ما يراه فصيلٌ من الصحفيين من أن وجود المرأة في مجلس النقابة مجرد كوتا عرفية، ويردد حين تتنافس أكثر من زميلة "نزلتي ليه؟!.. أنتِ هتقللي من فرص زميلاتك النساء، هو مقعد واحد فأنتم هتفتتوا الأصوات"، وهو ما تعلقُ عليه عبير سعدي، عضوة مجلس نقابة الصحفيين السابقة لـ المنصة بأن "الجُمل دي مش بتتقال غير للستات"، مؤكدةً أن المرأةَ الصحفيةَ لا تخوض المعركة الانتخابية ضد زميلتها لكن لتعرض برنامجًا انتخابيًا لعموم الصحفيين. 

تبنّتْ إيمان عوف في رحلتها إلى المجلس وعيًا بموقعها والدور المنوط بالمرشح؛ فهي لم تقدم نفسها بوصفها امرأة وإنما عضوة في نقابة الصحفيين تتحدث عن حقوق زملائها دون النظر إلى نوعهم الاجتماعي وفق ما أكدته خلال جولاتها الترويجية قبيل الانتخابات، ومن بينها زيارتها لمقر المنصة. ربما لذلك نالت أصواتًا اقتربت من الألفين.

يقترب عدد الصحفيات في الجمعية العمومية اللاتي يحق لهن التصويت من 3400، من إجمالي أكثر من 10 آلاف، كما يؤكد جمال عبد الرحيم، رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات والسكرتير العام للنقابة، لـ المنصة.

حصلت إيمان عوف على 1764 صوتًا ضمنت لها النجاح، وتلتها في أصوات المرشحات فيولا فهمي بـ 1378 فقط، لم تكن كافية لتفوز بعضوية المجلس. 

ضعف تمثيل النساء في المجلس دفع مؤسستي المرأة الجديدة ونظرة للدراسات النسوية عام 2015 لمطالبة النقابة بتعديل القانون وتطبيق نظام الكوتا لضمان تكافؤ الفرص والتمثيل العادل، وهي الفكرة التي ترفضها إيمان وترى أنها تدل على التمييز، "أنا بتنافس مع 49 مرشحًا وليس مع المرشحات النساء فقط". 

توافقها عبير سعدي في الرأي مؤكدة أن الصحفيات لسن أقلية "مع احترامي للأقليات بس هي شريك في العمل الصحفي"، مضيفة أن حلولًا مثل الكوتا "تُطرح في المجالس النيابية أو أماكن يحتاج فيها مستوى الوعي إلى تطوير، وأسوأ منها الكوتا الزائفة، لما نتكلم عن مقعد مرأة معناها إنك إذا انتخبت هتنتخب زميلة واحدة".

وترفض فيولا فهمي الحديث عن كوتا غير معلنة للمرأة في النقابة، "نسبة النساء في الجمعية العمومية كبيرة ما يصحش أبدًا إن إحنا نتكلم على مقعد المرأة وكأنها كوتا غير معلنة رضخنا ليها وسلمنا بيها".

ما بنديش ستات

التناقض بين أعداد عضوات الجمعية العمومية وتمثيلهن في المجلس يعود للتمييز على أساس النوع، تمثل في كليشيهات مثل "المرأة مكانها البيت"، وهو ما ترد عليه إيمان بأن شرط التفرغ لا يتوافر عند الرجال كما النساء وإن كانت الصحفيات يتحملن أعباءً إضافية خاصة برعاية أفراد أسرتها والاهتمام بالعمل النقابي في آنٍ واحد، مطالبة بالنظر إلى الكفاءة والتجاوب مع حقوق الصحفيين وليس إلى التفرغ فقط "بتشتبك مع كل القضايا وبتقدم أفكار وبتقدم حلول وبتساعد الناس، وبعدين أنا عايزة أسال سؤال هو مين عضو مجلس متفرغ؟".

وكان بوست لأسامة الألفي، مساعد رئيس تحرير جريدة الأهرام سابقًا، أثار جدلًا على جروب للصحفيين بدعوته إلى عدم انتخاب الصحفيات بدعوى "عدم التفرغ"، لكنه أوضح لـ المنصة أنه يدرك أن هناك من الزميلات من هن أقدر من الرجال، ولكنه يدعو كل زميلة لأن تراجع ظروفها وأن تسأل نفسها: هل سيمكنها التفرغ لخدمة النقابة وزملائها، أم أنها لن تتمكن من الوفاء بهذا التكليف؟

وبينما يتفق مع إيمان في أن عدم التفرغ ينطبق بالمثل على الرجال الذين لا نراهم إلا يوم الانتخابات، يبرر توجيه البوست للنساء بأن "عدم التفرغ أكثر وضوحًا لدى الصحفية المرتبطة بعملها الصحفي والتزاماتها المنزلية، التي قد تحول دون قيامها بواجبها كعضوة بالمجلس".

لم تتوقف العبارات التمييزية حد السوشيال ميديا؛ إذ سمعتها وفاء بكري الصحفية بالمصري اليوم خلال جولاتها في انتخابات 2023 "فيه بعض الزملاء قالوا لي لا إحنا ما بنختارش ستات. دي كانت صدمة بالنسبة لي فقلت لهم طيب أنا مش هأقول أمينة شفيق ولا هقول كل الأساتذة الكبار بتوعنا، هقول لكم أقرب مثال تجربة عبير سعدي".

تكمل وفاء لـ المنصة "ناقشت أحد الزملاء وقلت له لك مطلق الحرية، لكن أنت  مفروض تختار ممثل ليك مش على أساس الجنس".

كذلك تذكر إيمان عوف أنها عند عرض برنامجها الانتخابي قال لها أحد الناخبين "أنا عارف إنك ست جدعة جدًا ومكافحة، لكن إحنا سلو بلدنا ما بندّيش ستات". 

ملفات جندرية 

بعد وصول إيمان لعضوية المجلس، بات النظرُ إلى قضايا بنات جنسها واحدًا من الملفات التي تشغلها "رصدت مشاكل الأرامل والمطلقات والمغتربات ودول أول ناس هتكلم عنهم".

تتضمن الحلول التي تحملها لمشكلاتهن تخصيص نسبة محددة في مشروعات الإسكان "معظم مشاكل المغتربات في السكن إمّا عشان إيجارات غالية أو بيوت مغتربات بقواعد صارمة"، كما ستطرح اقتراحًا باتفاق مع وزارة التضامن الاجتماعي لتوفير بيوت استضافة للصحفيات مراعاةً لظروف عملهن.

ستطرح إيمان كذلك مدونة سلوك ضد التحرش، موضحة "كان فيه أكتر من مدونة مطروحة للنقاش هحاول أدمجهم مع بعض". تتفق معها عبير سعدي، "لا أحد ينكر تعرض الصحفيات للتحرش، سواء داخل المؤسسات أو خارجها من المصادر"، وتعتقد أن إيمان قادرة على إدارة حوار بين أعضاء الجمعية العمومية ينتهي إلى إصدار مدونة سلوك.

كما يطرح برنامج إيمان الانتخابي فكرة العقود الثلاثية "هي جزء من قانون العمل ويمكن تطبيقها، ومن حق النقابة أن تكون طرفًا ثالثًا في علاقات العمل، لضمان وضع الحد الأدنى للأجور وبيئة عمل جيدة، فضلًا عن ضمان عدم إجبار الصحفين على توقيع استقالة يحتفظ بها صاحب العمل ليستخدمها وقت الخلاف".

وتشير إلى أن وفق نتائج الاستبيان الذي أجراه مؤتمر الصحفيين السادس "51% من المؤسسات بدون لوائح مالية، ونسبة بين 13 إلى 17% من الصحفيين بيعملوا عمل جبري دون حصول على أي حقوق اقتصادية. نفسنا يكون عندنا حد أقصى يعني". 

ترى إيمان حقوق الصحفيين عمومًا ولكن من خلال عدسة جندرية "باتكلم عن الحد الأدنى للأجور لكل الصحفيين، بس هبقى واخدة بالي لو فيه مؤسسة بتدي أجور أعلى للرجال عن الستات فدي قضية فيها اشتباك على أساس الجندر". بالإضافة إلى حقوق الصحفيات في إجازات الوضع والرضاعة ورعاية الأبناء "طبيعي ومنطقي إني أشتبك فيها وأكون الأقرب ليها".

تستعد إيمان عوف لدورة نقابية محملة بملفات شائكة والكثير من المطبات، بينما ترى أمينة شفيق صاحبة التاريخ الحافل في العمل النقابي منذ أوائل السبعينيات، تقلدت خلاله منصبي السكرتيرة العامة ووكيلة النقابة، أنه لا يوجد مانع يحول دون وصول المرأة إلى رئاسة المجلس، وتؤيدها في ذلك عبير سعدي "المسألة تأتي بالتدريج"، والعمل الخدمي والنقابي يبدأ من داخل المؤسسات بتولي النساء مناصب قيادية.