صدام حسين

الجبوري وصدّام.. حنين إلى عهد "الطاغية"

منشور الخميس 9 فبراير 2017

لا تفارقني صورته؛ مفتول العضلات يمسك مطرقة ضخمة بيديه محاولاً تحطيم هذا التمثال الضخم في قلب ساحة الفردوس.

اسمه "كاظم الجبوري" وقصته، كقصة كل مواطن عراقي، رفضَ الظلم والطغيان وهبّ لمقاومته فكانت العاقبة أسوأ بكثير مما توقع.

كان كاظم حاضرًا حين دخلت القوات الأمريكية العراق في مارس/آذار 2003، كان في قلب المشهد ممسكًا بمطرقته، التي باتت وقتها الأشهر في العالم، يحاول تحطيم تمثال الرئيس العراقي صدام حسين.

اختفى كاظم ثم ظهر بعد سنوات معلنًا ندمه على تحطيم تمثال صدام، وحزنه بعدما "عادت العراق إلى العصور الوسطي مجددًا" على حد قوله.

حروب ومعاناة

بعد تولى صدام السلطة في 16 يوليو/ تموز 1979 خلفًا للرئيس أحمد حسن البكر، دخل العراق حروبًا مع جيرانه؛ مع إيران (بين سبتمبر/أيلول 1980 وأغسطس/آب 1988) ومع الكويت (بين أغسطس 1990 ومارس/آذار 1991) وخلف كل منهما مئات الآلاف من القتلى إضافة إلى خسائر اقتصادية فادحة أدت إلى تراكم الديون.

وداخليًا، لم يكن الوضع هادئًا؛ حيثُ أخمد صدام محاولة انتفاضة واسعة في الجنوب والشمال ضد نظام حكمه. وتمكن الثوار من السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد، لكن القوات النظامية تمكنت من استخدام مختلف أنواع الأسلحة لقمع انتفاضة الجنوب.

كما كان العراق يتعرض لغارات جوية مثلما حدث في يونيو/حزيران 1993 حين شنت الطائرات الأمريكية هجوما بصواريخ كروز على مقر المخابرات العراقية في بغداد؛ انتقاما من محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش، في الكويت في شهر أبريل/ نيسان.

أمّا التعليم والصحة والإسكان وغيرها من القضايا والملفات الرئيسة في إدارة شؤون أي دولة؛ فلم تكن بخير حال في عراق صدام الذي كان يخرج من حرب فيدخل حربًا أخرى.

صديقنا كاظم الجبوري، كان يعمل في إصلاح الدراجات النارية، وكان يقوم بصيانة الدراجات التي تتبع رئيس العراق. هو مسلم شيعي، والشيعة في عصر صدام كانوا يعانون من اضطهاد.

قام صدام بإعدام 14 من أقارب الجبوري، ما دفعه للاعتراض برفض صيانة الدراجات الرئاسية، فكان السجن مصيره.

بعد خروجه من السجن، وبعد أن علم أن القوات الأمريكية على أبواب العاصمة، هرع الجبوري إلى تمثال صدام الموجود في ساحة الفردوس وبدأ بتحطيمه.

كان يظنُ أن نهاية صدام ستكون بداية لعراق جديد ينتهي فيه الظلم.

العراق الجديد

انتهت حقبة صدام، أعُدم الرئيس في مشهد درامي. وبدأ الإعداد لدولة جديدة بعد الانتهاء من حقبة "حزب البعث" لكنّ الأمور لم تمضِ كما توقع كثيرون.

الاضطرابات الأمنية، وإخفاقات الأحزاب السياسية، وتعالي النعرات الطائفية قادوا إلى مشهد كارثي.

122 ألفًا و438 عراقيًا قُتلوا بين عامي 2003 و2013، أغلبهم ضحايا العنف الطائفي بين السنة والشيعة. ومن أبرز الاحداث التي شهدتها تلك الفترة "مأساة جسر الأئمة" حين قُتل ما يقرب من ألف من الزائرين الشيعة لضريح الإمام "موسى الكاظم" غرقا في نهر دجلة بعد ان سرت بين الجموع شائعة تقول إن ثمة انتحاريين على وشك تفجير انفسهم.

بينما يقدر عدد العراقيين الذين أجبروا على النزوح سواء بسبب العنف أو الاضطرابات بنحو 2.7 مليون شخص؛ لجأ نصفهم إلى دول أخرى بينما هجر النصف الآخر منازلهم ونزحوا في مناطق أخرى داخل العراق.

ولا يزال العراقيون يسعون بعشرات الآلاف إلى اللجوء لدول أخرى معظمها أوروبية. وقدم نحو 23 ألف عراقي طلبا للجوء خلال عام 2011.

تم أيضًا استهداف النساء، وذكر تقرير لـ"هيومن رايتس ووتش" عام 2013  أن "العديد من النسوة العراقيات اللواتي ترملن نتيجة الحرب والعنف الطائفي يجري استهدافهن واستغلالهن جنسيا واجبارهن على ممارسة البغاء" وقالت ناشطات: "إن النساء مستهدفات بشكل خاص من جانب المتشددين دينيا الذي يستهدفون ايضا السياسيات والموظفات والصحفيات. وما زالت جرائم ما يسمى "بغسل العار" تمثل تهديدا ماثلا للنساء والفتيات".

وكثير من هذه الحملات تبناها "تنظيم الدولة الإسلامية" هذا الكيان الذي ظهر وانتشر وسيطر على أجزاء مختلفة من العراق ودول عربية أخرى.

وقتل 151 صحفيًا، و265 طبيبًا وموظفًا صحيًا  في العشر سنوات التالية لإسقاط نظام صدام حسين.

ونال التعليم نصيبه أيضًا، إذ تم تدمير البنية التحتية للعديد من المدارس خلال فترة الغزو، وفي عام 2006  قتل أكثر من 300 مدرس، وجُرح 1158 بينما أغلقت مدارس عديدة أبوابها نتيجة لأعمال العنف والتهديدات. ووصلت نسبة المدارس المُغلقة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه إلى 90%.

يقول كاظم الجبوري: "تخلصنا من طاغية.رحل لص فخلفه 40 لصًا".

الحنين إلى صدام

سرت في السنوات الماضية موجة حنين إلى نظام صدام حسين؛ ليس بحثُا عن عدله فلم يكن عادلاً أو عن الأمان فلم يكن أحد آمن إلا قليلون، ولكن هروبًا من الواقع الذي يعيشه العراق اليوم.

الشيعة، الذين عانوا اضطهادًا مريرًا في عهد صدام، أبدى بعضهم حنينًا لأيام الرئيس السابق، وفي تصريح لصحيفة "القدس العربيّ"  قال المواطن العراقي والسجين السابق، خلف جواد الأسدي: "أتمنّى لو يخرج صدّام من قبره ليحكم العراق من جديد. أنا أحد السجناء السياسيّين، اعتقلت في عام 1988، ومع ذلك فإنّ الحياة كانت أفضل في زمنه من الآن".

حتى الأكراد الذين تعرضوا للتهجير والقصف، واستخدم صدام السلاح الكيماوي ضدهم، خرج من بينهم من يقول إن أيام صدام حسين كانت أيام عز ورخاء بالمقارنة بالوضع الحالي.

أمّا الجبوري الذي حطم تمثال صدام، وتحول لبطل وقتها فيقول"حين أقترب اليوم من التمثال أتألم وأقول: لماذا أسقطت هذا الصنم؟ أعيدوا إلينا الصنم".