برخصة المشاع الإبداعي، David Berkowitz، فليكر
طفل يحمل الخبز في خان الخليلي، القاهرة، أكتوبر 2009

مشروع قانون "تكافل وكرامة" وإعادة إنتاج التقشف

منشور الخميس 23 مايو 2024

امرأة مطلقة وتعول، وأخرى تعاني العوز كونها بلا عائل، ومعاق من الدرجة الأولى، أي يستطيع القيام بمهامه الأساسية لكن يحتاج للمساعدة؛ هؤلاء وغيرهم في حال تقدمهم لوزارة التضامن بطلب معاشات نقدية فإن طلباتهم مُعرضة للرفض، ليس بسبب عدم الاقتناع بحاجتهم، لكن لأن الميزانية لا تكفي.

هذه هي واحدة من ملامح مشروع القانون المقدم من الحكومة تحت اسم "الضمان الاجتماعي والدعم النقدي"، الذي وضع في المادة 12 قائمة بأولويات الحالات المستحقة لـلدعم النقدي في حالة ضيق الميزانية، وجعل مثل تلك الحالات في ذيل الأولويات. 

المسودة المعروضة حاليًا على لجنة التضامن الاجتماعي في مجلس النواب هي محاولة لتقنين أمر واقع، فقد نشأت "معاشات تكافل وكرامة" بقرارات حكومية(1) وبدأ تطبيقها فعليًا منذ نحو عشر سنوات لتخفيف الضغوط الناتجة عن خطة تحرير أسعار الطاقة. هي إذن نشأت بمعزل عن أي نقاش مجتمعي حول مدى جدواها وقدرتها على الحماية من التضخم الناتج عن "الإصلاح الاقتصادي".

ويظهر من مسودة القانون الجديد أن الحكومة لم تتجنب أخطاء التطبيق الأولى، لتترك الأمر في يد البرلمان إما بقبول الاستمرار في مسار السنوات السابقة أو التحول لمسار يضمن حماية أكبر. 

يستعرض هذا التقرير كيف عجزت "تكافل وكرامة" عن تحقيق الحماية الاجتماعية المرجوة منها على مدار العقد الماضي، وكيف سيساهم مشروع القانون الجديد، حال مروره، في إعادة إنتاج سياسات السنوات السابقة.

هل نحتاج لترشيد "تكافل وكرامة"؟

يبدأ مشروع "الضمان الاجتماعي والدعم النقدي" بمادة شديدة السخاء في التعامل مع من يحتاجون المساندة، إذ تنص المادة الثانية على أن "يكون لكل مواطن تحت خط الفقر القومي ولا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي الحق في التقدم للحصول على الدعم النقدي، سواء بصفة دائمة أو مؤقتة حسب الأحوال، متى توافرت في شأنه حالة من حالات الاستحقاق المقررة وفقًا لأحكام هذا القانون".

لكن سرعان ما يضع مشروع القانون العوائق أمام الوصول لهذه المساعدات، مثل المادة 12 التي تحد من تقديم الدعم في حالة عدم كفاية الأموال.

يظهر قلق الحكومة من الإسراف في إنفاق "تكافل وكرامة" في مواد القانون، الأمر الذي يدعو للتساؤل، هل تمثل هذه المعاشات عبئًا على الموازنة؟

الواقع أن هذه المعاشات لا تمثل أكثر من 2% من إجمالي المصروفات، أي أن أيَّ ترشيد فيها لن يحقق أثرًا يُذكر في عجز الموازنة، ومحدودية الإنفاق عليها هي نتاج للشروط الصارمة التي وُضعت لاستحقاقها، والتي تستبعد على سبيل المثال مَن يعمل بشكل منتظم، حتى وإن كان دون اشتراك تأميني، أو مَن يتلقى مساعدات منتظمة من الجمعيات الخيرية بقيمة 400 جنيه شهريًا!

ونفقات "تكافل وكرامة" هي مجرد جزء صغير من ميزانية الدعم ومنح الخدمات الاجتماعية التي تخضع بدورها للتقشف بشكل دوري منذ 2016، تحت تأثير برامج الإصلاح الاقتصادي الممولة من صندوق النقد الدولي.

لا تُمثل ميزانية "الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية" في مجملها أكثر من 17% من المصروفات العامة، التي تشمل أوجه إنفاق لا يرتبط بعضها بالمساندة الاجتماعية، مثل دعم الصادرات أو ما تسدده وزارة المالية من ديون سابقة عليها لصالح الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي. 

في المقابل، فإن الإنفاق على فوائد الدين العام، الذي تفاقم خلال سنوات "الإصلاح الاقتصادي"، يقترب حاليًا من نصف المصروفات العامة.

لماذا يتراجع نصيب "تكافل وكرامة" من المصروفات؟

لا تعكس بيانات السنوات الأخيرة فقط النصيب المحدود لتكافل وكرامة من المصروفات، بل جمود قيمة المعاشات المقدمة وعدم ارتفاعها بنفس وتيرة التضخم، وهو الخطأ الذي قد يتكرر في مشروع القانون الجديد.

لم تضع شروط تكافل وكرامة السابقة، ولا التي يتضمنها القانون الجديد(2)، أي إلزام على الحكومة بزيادة القيمة الاسمية لهذه المعاشات بما يتماشى مع معدلات التضخم، ما سمح بتجميد قيمتها خلال الفترة بين الأعوام المالية 2020-2024، وتآكل قيمتها الحقيقية.

مقابل الأسلوب العشوائي في تحديد قيمة هذه المعاشات كل عام، تبدو الحكومة أكثر إيمانًا بالعلم عندما يتعلق الأمر بتحديد مَن يستحق الحصول على هذه المساندة، فهي تطبق "معادلة" إحصائية تحلل من خلالها أحوال المتقدمين للمعاش، وهي معادلة تضم عوامل مثل حالة السكن ودرجة التعليم وممتلكات الأسرة وغيرها من العوامل الدالة على مستوى دخل المتقدم للمعاش حسب نص المادة 1.

بل إن القانون يضع التضخم في حساباته عندما يتعلق الأمر بالرسوم التي ستحصل عليها الحكومة، فهو يفرض رسم 10 جنيهات على المتقدم لطلب الحصول على المعاش، وينص على إمكانية زيادته سنويًا، لكن بنسبة لا تزيد عن 10% كما تنص المادة 14.

ادفع وبعدين اشتكي 

كذلك يهتم القانون بمتابعة متلقي هذا الدعم للاطمئنان إلى أن أحوالهم لم تتحسن بعد للدرجة التي تجعلهم خارج شروط الاستحقاق، يحدد القانون وحدة للمتابعة الميدانية تقوم بدراسة أحوال 30% من المستفيدين في كل عام، بجانب إجراءات أخرى لدراسة عينات أقل عددًا للتأكد من صحة هذا الاختبار، وهو ما ورد في المواد 24، 25، 26، 27. 

تطلق هذه الرقابة المشددة يد الاستبعاد من الحصول على المعاش، لكن يفتح القانون الباب للتظلم ضده، وفق إجراءات تتطلب سداد رسوم بقيمة تعادل 1-2% من المعاش المطلوب استعادته، أي في حدود 15 جنيهًا وفقًا للقيمة الحالية للمعاشات؛ 736 جنيهًا لتكافل و708 لمعاش كرامة، المادة 32، ونفس المبلغ تقريبًا مطلوب لتقديم طلب الحصول على الدعم، المادة 14.

الـ15 جنيهًا على قدر بساطتها تعني شيئًا مهمًا للملايين ممن يعيشون تحت خط الفقر ولا يكادون يدبرون قوت يومهم، والأهم هل خزانة الدولة في حاجة لجنيهات الفقراء؟ ولماذا لا تقدم الخدمة مجانًا؟

كم عدد الفقراء الذين تغطيهم المعاشات؟

يفرض القانون هذه الإجراءات الرقابية تحت شعار "توجيه الدعم لمستحقيه"، فهل نجح "تكافل وكرامة" في الوصول للمستحقين خلال السنوات الماضية؟

رغم النمو المستمر في أعداد متلقي معاشات تكافل وكرامة منذ بدء صرفها، فهذه المعاشات لا تغطي إلا نسبًا محدودةً من الفقراء.

إذا قارنا أعداد المستفيدين من المعاشات بأعداد الفقراء، حسب آخر البيانات المنشورة عن انتشار الفقر وفق التوزيع الجغرافي في 2018، سنجد أن تكافل وكرامة تغطي أقل من 10% من الفقراء في 14 محافظة، ولا تتجاوز نسبة التغطية 20% من الفقراء في باقي المحافظات.

وقد تنخفض نسب التغطية إذا ما قارناها بمعدلات الفقر الحالية، التي لم تُنشر رغم مرور نحو خمس سنوات على آخر بحث عن دخول وإنفاق المصريين في 2020.

لم تُلحق الحكومة بمشروع القانون الجديد أي دراسة تشرح لنا أسباب التباطؤ في تغطية الفقراء بهذه المعاشات، رغم أن البنك الدولي حذر من محدودية تغطيتها للفقراء قبل عامين، وبينما هناك الملايين محرومون من هذه الحماية، يركز القانون الجديد على ضبط الإنفاق المالي لهذه المعاشات، كما لو أنها واحدة من العوامل التي تثقل كاهل الموازنة العامة.