صيحة فزع أطلقها الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، مع تصاعد جرائم القتل ضد النساء في المجتمع التونسي، تزامنًا مع الاحتفال باليوم الوطني للمرأة الذي تخلده التونسيات في 13 أغسطس/آب من كل سنة.
على مدار الأشهر الماضية تواترت حوادث قتل النساء، خاصة على يد أزواجهن، إذ استيقظ أهالي محافظة القيروان صباح ثاني أيام عيد الأضحى على خبر ذبح امرأة على يد زوجها بعد مشاجرة انتهت بطعنات متتالية لجسدها أمام أعين المارة في الشارع الذي التجأت إليه هربًا، ثم قطع رقبتها.
سبقتها بشهرين، في عيد الفطر، جريمة أخرى شبيهة، قتل فيها الزوج زوجته ووالدتها وخالها. قُتلت صابرين في اليوم الذي حصلت فيه على حكم بطلاقها من زوجها الذي يعنفها، وهددها بالقتل حال استكملت إجراءات الطلاق، فلجأت لمركز الأمن بمنطقتها، الجبل الأحمر، لحمايتها، لكن أمر الابتعاد الذي صدر بحقه لم ينجح في حمايتها من القتل.
جريمة كل أسبوعين
الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، وهو منظمة نسائية غير حكومية، وصف، في بيان له بمناسبة يوم المرأة التونسية، استهداف النساء بـأنه "ظاهرة خطيرة أصبحت تهدد المجتمع"، وتتنامى حتى "أصبحنا نستيقظ كل يوم على وقع فاجعة جديدة لتقتيل النساء"، محمّلة مسؤولية هذا الوضع لـ"ضعف آليات حماية النساء ضحايا العنف وبطء الإجراءات وغياب التوعية"، إذ بلغ ذلك النوع من الجرائم 15، حتى أغسطس/آب الحالي، حسب الاتحاد الوطني.
يعد الرقم مؤشرًا سلبيًا على واقع المرأة في تونس، فهو يعني وقوع جريمة كل أسبوعين، ما يثير خوف النساء ويضع السلطة في دائرة الاتهام لصمتها وتطبيعها مع هذه المشاهد البشعة، رغم الضمانات التي يوفرها الإطار القانوني الموجود تحديدًا القانون عدد 58 لسنة 2017.
هذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها تونس تحركات نسوية مناهضة لارتفاع نسبة جرائم قتل النساء، سبقتها حملة شعبية إثر قتل رفقة الشارني تحت شعار "اسمها رفقة"، وهي امرأة تبلغ من العمر 26 سنة، زوجة وأم، قتلها زوجها الذي يعمل في الحرس الوطني التونسي برصاصات من سلاحه الميري.
كما صابرين، لجأت رفقة للأمن واشتكت عنف زوجها، فهددها الرجل بالقتل حال استمرارها في إجراءات التقاضي؛ تنازلت عن المحاضر، وأُخلي سبيل الزوج، ليُنهي حياتها في اليوم ذاته.
وسجلت تونس 25 جريمة قتل للنساء عام 2023، كان الزوج هو الجاني في 13 حالة، والآباء في ثلاث، والأقارب في أربع، ووقف جانٍ مجهول خلف 5 حالات، حسب تقرير تقتيل النساء الظاهرة المسكوت عنها.
وهو ما يضع الدولة في صدر الاتهام، خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي تفشل فيها في منع جريمة قتل امرأة.
وينص الفصل 26 من القانون عدد 58 على "نقل الضحية والأطفال المقيمين معها عند الضرورة إلى أماكن آمنة بالتنسيق مع الهياكل المختصة ومندوب حماية الطفولة"، وهو ما لم يحدث في حالتي رفقة وصابرين.
ورغم أن القانون يضمن من خلال هذا النص التدابير اللازمة والوسائل الكافية لحماية الضحية وأبنائها لكن الأجهزة المتداخلة في تنفيذ القانون وعلى رأسها السلطة القضائية مقصرة في البت بمطالب الحماية وتطبيقها من أجل ضمان التدخل الفوري والسريع لفائدة الضحية.
استنكار الجمعيات النسوية
تحركت جمعيات نسوية وناشطات حقوقيات إلى الشارع التونسي معبرات عن غضبهن واستنكارهن لكل الجرائم التي ارتكبت في حق النساء رافعات شعار "صمت الدولة يقتل النساء"، مطالبات الأجهزة الأمنية بالتصدي للعنف عبر رفعهن شعار "صدِّق الضحية واستجب لنداءات الحماية الفورية"، متهمات الدولة بالتخاذل "النساء مقتولات والسلطة في سبات".
واعتبرت جمعية أصوات نساء التونسية أن تقصير الدولة في تطبيق القانون وفرض الحماية للضحية هو أحد أشكال التواطؤ مع العقلية الذكورية للمجتمع وهو ما لن يساعد على تغيير الواقع وحماية النساء من العنف والقتل.
طالبت الجمعية وزارة شؤون الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن بتحمل مسؤوليتها مشيرة إلى استخفافها بقضية قتل النساء وتمثَّل ذلك في تجاهلها نشر تقرير مفصل عن قتل النساء.
كما تتجاهل الوزارة نشر حملات التوعية بخطورة الظاهرة، حسب الجمعية التي اعتبرته اعترافًا ضمنيًا بعدم خصوصية الجريمة ما يستوجب تطوير المنظومة القانونية في تونس.
القانون التونسي لا يعتبر جريمة قتل النساء جريمة خاصة أو مستقلة، فالقانون رقم 58 لسنة 2017 يوصّف قتل النساء على أنه جريمة "عنف جسدي".
كما نددت جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات بالجرائم المرتكبة في حق النساء مقابل ما أطلقت عليه "لا مبالاة الدولة تجاه هذه الموجة، وعدم طرحها استراتيجية فعالة لمجابهتها"، واعتبرت أن الدولة بأجهزتها ووزارتها تستهتر بأرواح النساء وتُطبع مع هذا التقتيل وكأنه حدث عابر.
فيما اعتبرت نائلة الزغلامي رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات خلال كلمتها في مسيرة نسائية ظاهرة قتل النساء والاستغلال الاقتصادي لهن تسبب في تراجع منظومة حقوق المرأة في تونس بصفة كبيرة.
تهاون الدولة
تُرجع نائلة السبب إلى أن "الأجهزة المختصة لا تزال إلى اليوم تعتمد الوساطة العائلية ومحاضر عدم التعرض، وهذا ما يتعارض مع القوانين ويعتبر تراجعًا في المكاسب والحقوق، هذا بالإضافة للإفلات من العقاب الذي يشجع المجرمين على ارتكاب جرائمهم دون خوف".
فيما ترى رانية الزغدودي المحامية والناشطة النسوية والحقوقية أن سبب ارتفاع جرائم قتل النساء هو "سوء تطبيق القانون 58 رغم أنه جاء بآليات جيدة لحماية المرأة المعنفة، إلا أن بطء إجراءات الحماية، حيث يأخذ قرار عدم التعرض مدة قد تصل إلى شهرين بسبب تأخر مواعيد جلسات المحكمة، يعطي الفرصة لاستمرار العنف الذي قد يصل للقتل" حسب رانية لـ المنصة.
يظهر الوجه الآخر لسوء تطبيق القانون 58 في إسقاط الدعوى رغم إقرار القانون بالحق العام في استمرارها حتى في حالة رغبة الضحية في التنازل، تقول رانية "أعوان الضابطة العدلية أو النيابة العمومية بمجرد تصريحها برغبتها في إسقاط الدعوى، بينفذوا رغبتها".
كل ذلك إلى جانب ما تواجهه المرأة في مراكز الشرطة من تشكيك في أقوالها وتكذيبها تحت شعار "عودي إلى بيتك فهو يظل زوجك"، ما يحول دون تطبيق القانون المفترض به الحد من العنف ضد المرأة، حسب المحامية الحقوقية.
هذا فضلًا عن عدم توافر الوحدات المختصة في جميع المناطق بالدولة، خاصة خارج العاصمة تونس، تقول رانية "مثلًا في محافظة جندوبة المرأة تخرج ممن معتمدية طبرقة الى المدينة جندوبة حتى تتمكن من تقديم الشكوى لدى الفرق المختصة، تضطر المرأة المعنفة التي تفتقد في الغالب للموارد المالية إلى قطع كيلومترات من أجل البحث عن الأمان".
من جانب آخر، يشكل غياب مراكز الإيواء في أغلب المحافظات، إذ يوجد 11 مركز إيواء في 24 محافظة تقول رانية "العدد ضئيل جدًا جدًا"، قبل أن تستدرك "لحسن الحظ نجد الجمعيات التي تتطوع وتساعد في إيواء النساء المعنفات إلا أن إمكانياتهم تبقى محدودة و لا يمكن أن تعوض دور الدولة".
تعتقد الحقوقية النسوية أن الحل يتلخص في الرقابة على منفذي القانون في مراكز الشرطة، وتسريع الإجراءات، وأن ذلك دور الدولة في الأساس، "7 سنوات من دخول القانون حيز التنفيذ ولم نوفر الحماية اللازمة للمرأة".