في خطوة لم يسبقها الكثيرُ من النقاش، تضمَّن قانون التأمين الجديد وثيقةً للتأمين ضد مخاطر الطلاق، ما أثار جدلًا واسعًا يكشف عن مخاوف من زيادة الأعباء على المصريين في ظل أزمة اقتصادية طاحنة، ومخاوف من انتشار الزواج العرفي هربًا من التأمين الإجباري، إلى جانب جدل الشرعية والدستورية.
نُشر قانون التأمين الموحد رقم 155 لعام 2024 بالجريدة الرسمية للدولة في يوليو/تموز الماضي بعد أن صادق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتبدأ مرحلة التطبيق.
ونصت المادة رقم 39 من القانون على أن لمجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية، والمختصة بإدارة جميع ما يتعلق بوثائق التأمين، اقتراح مجموعة من التأمينات الإلزامية المناسبة للسوق المصرية وفقًا لما يعده من دراسات فنية متخصصة لكل نوع ويَصدر بها قرار من مجلس الوزراء يوضح الفئات والشروط والضوابط والأسعار الخاصة بكل منها على حدة لإنفاذها، على أن تكون من بينها وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق.
تأمين إلزامي
وضعت هيئة الرقابة المالية بعض أنواع التأمينات الإلزامية الجديدة منها تأمينات المسؤوليات المهنية بجميع أنواعها شرطًا من شروط الترخيص بمزاولة النشاط أو المهنة، وضد حوادث الطرق السريعة المتميزة ذات الرسوم، وضد حوادث السكك الحديدية ومترو الأنفاق، وطلاب مدارس مصر (التعليم ما دون الجامعي) وطلاب جامعة الأزهر والمعاهد التابعة لها، وتغطيات التأمين ضد المخاطر الإلكترونية لكافة المنشآت العاملة بالقطاعات المالية غير المصرفية، وضد المخاطر التي قد تتعرض لها المرافق العامة والأصول المملوكة للدولة، والتأمين متناهي الصغر ضد حالتي الوفاة والعجز الكلي المستديم.
اعتبر القانون أن للطلاق مخاطر تتمثل في بطء عملية حصول المطلقة على حقوقها المالية، بسبب إجراءات التقاضي، وتعتنت الأزواج. فالقانون يقر بحق المطلقة في النفقة، حسب نص المادة 76 من القانون 1 لسنة 2000، لكنها تواجه العديد من العقبات من أجل الحصول عليها، والشاهد أعداد القضايا في محاكم الأسرة.
وحسب انتصار السعيد، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، يهدف القانون إلى تنظيم قواعد شاملة لصناعة التأمين في مصر، لتصبح سوق التأمين المصرية لأول مرة محكومةً بقانون موحَّد وشامل، يتضمن آليات الإشراف والرقابة على ممارسة نشاط التأمين.
"فيه مشاورات داخل البرلمان المصري لتحديد الجهات اللي هتمنح المواطنين الوثيقة قبل عقد الزواج، وفي الغالب هتكون شركات التأمين أو البنوك" تقول انتصار لـ المنصة.
سبق أن ذكر اللواء خيرت بركات رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في مداخلة تليفزيونية، أن معدلات الطلاق في مصر انخفضت في عام 2023 بنسبة 12%، إذ بلغت 238 ألف حالة طلاق في 2023 مقابل 269.8 ألف حالة في 2022.
وسيلة إعاشة مؤقتة
الوثيقة التي باتت إجبارية تُلزم الزوج بدفع مبلغ تأميني تحت بند "التأمين ضد مخاطر الطلاق" وتتقاضاه المطلقة وفقًا لشروط وضوابط حددها القانون، تهدف لضمان سلامة الظروف المادية للأسرة، وعدم تعرضها لأزمات مالية حال وقوع الطلاق، وتعتبر وسيلة إعاشة مؤقتة لتأمين المرأة ماديًا لحين استلام جميع مستحقاتها من الزوج حسب انتصار، موضحة "قضايا النفقة ممكن تستمر سنين داخل المحاكم".
يتفق معها إيهاب رمزي، عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب المصري، كونها تزيد من عوامل الأمان في الحياة الزوجية، يقول لـ المنصة "مافيش مبلغ ثابت يُستحق صرفه مقابل الوثيقة، على حسب قيمة القسط اللي بيتدفع وقت توقيع الوثيقة، زي أي تأمين ضد مخاطر الحياة".
يحاول القانون إنصاف الفئات الأكثر ضعفًا وهم النساء
يعتبر البرلماني، الذي شهد مناقشات حول القانون، إلزامية الوثيقة جزءًا من دعم نجاحها "لو سبناها للاختيار هتفشل"، مستنكرًا الادعاءات بأنها تزيد من الأعباء على كاهل الأزواج، شارحًا أنها "متفاوتة وبالتراضي بين الزوجين، ووفقًا للمقدرة المالية لكل شخص".
يكشف عضو اللجنة التشريعية عن إمكانية أن يتشارك الزوجان في دفع أقساط الوثيقة، وعليه يتقاسمان قيمة الاستحقاق "ده ممكن الزوجة هي اللي تدفع مش الزوج كمان" حسب رمزي.
فيما أقرت مها أبو بكر، عضوة لجنة المرأة في نقابة المحامين لـ المنصة بأن المبلغ المحدد مبدئيًا للوثيقة داخل مناقشات اللجنة الاقتصادية بالبرلمان المصري، يُقدر بنحو 25 ألف جنيه، وأن وزارة التضامن الاجتماعي بالتعاون مع الجهة المسؤولة عن التأمين "هي اللي هتصرف المبلغ وقت الطلاق"، موضحة أنها رسوم رمزية عند استخراج قسيمة الزواج "مش قسط شهري زي ما فيه ناس بتقول" تقول المحامية.
تؤيد مها أبو بكر الوثيقة لكن "بتحفَّظ على الشروط بتاعتها"، تتضمن الشروط مرور ثلاث سنوات على الزواج قبل وقوع الطلاق، وأن يكون الطلاق لثالث مرة من نفس الزوج، وعدم استحقاق المطلقة عن طريق الخلع.
تقول مها "3 سنوات مدة طويلة، جوازات كتير بتخلص من بدري عشان الست مش قادرة تستحمل الأذى الجسدي أو النفسي، كمان استثناء الخلع بيحرم نسبة كبيرة من المطلقات اللي ما قدروش يثبتوا الضرر اللي يوصلهم للطلاق، فبيلجأوا للخلع".
رغم إقرار القانون فإنه لم يدخل حتى اليوم حيز التنفيذ، تكشف السبب نهى الجندي، المحامية التي شاركت ضمن لجنة الأسرة في الحوار الوطني الذي ناقش بنود الوثيقة قبل إقرارها لـ المنصة "التأمينات الموكل إليها المهمة هي السبب، الأمر مُتوقف على آلية تنفيذ الوثيقة، وهو تحت الدراسة في الوقت الحالي، خاصة وأن هناك اختلافًا على قيمة المبلغ الخاص بالوثيقة".
غير أنها أكدت أنها مسألة وقت قبل بدء تطبيقها، فالقانون الذي حظي باعتماد رئيس الجمهورية "لا رجعة فيه".
الشرع.. والرجل يعترضان
في الوقت الذي ترى فيه مها أن القاعدة الفقهية تقول إن "الأصل في الشرع الإباحة"، ينتقد الدكتور أحمد كريّمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر إجبارية الوثيقة، لأنها تتعدى على الحقوق الشرعية التي أقرها الإسلام للزوج، قائلًا "الشرع لم يتحدث عنها من قريب أو بعيد، ولذلك هذا الأمر غير موافق للشرع".
كان كريّمة اعتبر في تصريحات تليفزيونية أن الكلمة العليا في الجدل المثار حول الوثيقة ستكون للاجتهاد الجماعي، المختصة به هيئة كبار العلماء بالأزهر.
الوثيقة محاولة لضمان حقوق الزوجة بأي جبر مؤقت للضرر
ويتفق معه عصام عجاج، المحامي بالنقض والإدارية العليا، يقول لـ المنصة "لا تحتكم لقواعد الدين وإنما للقانون المدني فقط"، دافعًا بعدم دستوريتها "لا يجوز إجبار الزوج على شرط معين للزواج، ووفقًا للقانون لا يجوز تقييد حرية الشخص بإجباره على أمر يخالف ما أقرته الشريعة، حتى وإن كان المبلغ المستحق زهيدًا".
يشير الخبير القانوني إلى أن القانون يحمي حقوق المرأة "الزوج ما بيقدرش يستخرج أي أوراق رسمية في الدولة حال امتناعه عن سداد النفقة الزوجية لطليقته"، معتبرًا أن تلك الوثيقة سيكون لها تأثير سلبي على معدلات الزواج، وتزيد الأعباء الواقعة على عاتق الشباب.
"تزيد من تحكم الزوجات في أزواجهن، وتمنحهن سُلطة في العلاقة الزوجية"، يقول عجاج، متسائلًا "أين حقوق الزوج الذي يُخلع دون رغبته؟ ولماذا لا نفترض أن الزوجة هي السبب في وقوع الطلاق، عن طريق إهمالها لواجباتها الزوجية؟".
يحاول القانون إنصاف الفئات الأكثر ضعفًا وهم النساء
انتهى عجاج إلى أن "مصر أصبحت دولة نسوية والجميع يحاول إظهار تعاطفه مع النساء عبر تشريع جميع الحقوق لصالح النساء على حساب الرجال". ترد انتصار السعيد "هذا الكلام لا يمت للواقع بصلة وغير حقيقي، وإنما يحاول القانون إنصاف الفئات الأكثر تهميشًا والأكثر ضعفًا وهن النساء، اللواتي يعانين في مجتمع يميز ويصنف ويفرق لصالح الرجال".
وتعتبر انتصار الوثيقة محاولة لضمان حقوق الزوجة "جبر مؤقت للضرر" حتى تحصل على حقوقها وحقوق أولادها، مشيرةً إلى أن رحلة الحصول على الحقوق قد تستمر سنوات بالمحاكم.
تتعجب من حديث المحامي، خاصة أن قيمة الوثيقة لا تتجاوز 25 ألف جنيه "مبلغ زهيد مقارنة بواقع تكلفة المعيشة هذه الأيام".
المسيحيون يمتنعون
لا تنطبق الوثيقة سوى على المسلمين. تقول مها الجندي "الوثيقة خاصة بحالات الطلاق الموجود بالشريعة الإسلامية فقط، أما الزوجات المسيحيات اللاتي تلجأن للخلع تحت بند الشريعة الإسلامية بالمحاكم المدنية، فلا تطبق عليهن الوثيقة".
"يخضع المسيحيون للقانون الكنسي، وأي سيدة تُطلق خارج الكنيسة عن طريق إجراء ما يُعرف بـ تغيير الملَّة"، لا يتم الاعتراف به من الكنيسة التابعة لها"، توضح الجندي أن هذه الإجراءات "طلاق مدني وليس كنسيًا، ولذلك فهن خارج مظلة الوثيقة".
على الرغم من موافقة الجميع على وجود ثغرات تسمح بالتحايل على الوثيقة، عن طريق الاتفاق بين الزوجين على الطلاق الصوري من أجل الحصول على مبلغ الوثيقة، ومن ثم عقد الزواج عرفيًا، وإن كان البعض قد استبعد حدوث ذلك بسبب ضآلة المبلغ الذي يعادل 500 دولار أمريكي، فإن مها أبو بكر وانتصار السعيد أكدتا ضرورة سَن عقوبات رادعة لمنع التحايل على القانون، والحيلولة دون وقوع الطلاق الصوري، خاصة لأصحاب الدخول المنخفضة الذين يعانون صعوبة المعيشة.
تقدم الوثيقة التي لا تزال لوائحها المنظمة تحت المناقشة يدًا تُعين المطلقة في رحلة مطالبتها بحقوقها القانونية، أما عن آثارها الجانبية فالتطبيق وحده قادر على تحديدها.