بردية غير أصلية - سياحية- تحمل صور ثلاث ملكات مصريات: نفرتاري ونفرتيتي وحتشبسوت

هل يجب أن تحكم النساء العالم؟

منشور الأحد 18 نوفمبر 2018

كارا كوني - ناشيونال جيوجرافيك

باتت قراءة الأخبار في هذه الأيام مسألة باعثة على القلق والإحباط، بين إطلاق نار جماعي والقنابل البدائية والاغتيالات، بالإضافة بالطبع إلى المشكلة الأعظم التي تطاردنا في كل مناقشة؛ التغير المناخي. تكمن منابع هذه الأورام الخبيثة التي تجتاح الإنسانية بشكل عام في مصدر واحد: القادة الذكور الذين يريدون الحفاظ على الهيمنة الاقتصادية والسياسية وسلطتهم الدينية مهما كانت التكلفة. مما يطرح سؤالًا هامًا وهو "هل يختلف حكم المرأة عن الرجل؟" إذا اتخذنا التاريخ مؤشرًا، ستكون الإجابة: نعم بالطبع!

دروس من الماضي 

لابد وأن المصريين القدماء وثقوا في حكمة الحاكمات من النساء. في الواقع، عندما كانت تلوح أزمة سياسية، اختار المصريون، في مرات متكررة، نساءً كي يملأن فراغ السلطة، وتحديدًا لأنهن كن الخيار الأقل خطورة. بالنسبة للمصريين القدماء، كان وضع امرأة على مقعد الحكم هو في الغالب الخيار الأفضل لحماية البطريركية (النظام الأبوي) في أوقات الاضطراب وعدم اليقين. 

وبالمقارنة بدول أخرى في ذلك الوقت، كانت مملكة مصر مختلفة. حيث قامت الحدود الطبيعية  للصحاري والبحار بحمايتها من الغزوات المستمرة، وهجمات المرتزقة وأشكال العدوان الذي تحملته بلاد ما بين النهرين وسوريا وبلاد فارس واليونان وروما.ففي تلك البلاد، كان وضع طفل صغير على العرش كفيل بإشعال الصراعات العسكرية للاستيلاء على كرسي الحكم. لكن في مصر القديمة، حيث كان يُنظر للملوك باعتبارهم آلهة مهما صغُر سنهم؛ قامت النساء بتوفير الحماية لهم. فبدلاً من رؤية الطفل عقبة في سبيل السلطة؛ كانت الأمهات والعمات والخالات والأخوات، تقمن بحماية الملك الصغير  وصون موقعه في مركز القوة والسلطة. هذا الميل للاستقرار تم توظيفه مرارًا على مدار التاريخ المصري. 

فرعونات مصر

في الأسرة الأولى (حوالي 3000-2890 قبل الميلاد)، صعدت الملكة مرنيث إلى السلطة بعد وفاة زوجها الملك دجيت، نيابةً عن ابنها الصغير، عوضًا عن السماح لعم الفتى بأن يلعب دور الوصي ما يتيح له فرصة التلاعب بابن أخيه. أصبحت مرنيث أول ملكة أم وصية ع العرش تم تسجيلها في التاريخ، وقامت بدورها في الحفاظ على عرش ابنها وضمان الاستقرار في مصر. 

أما في الأسرة الثانية عشر(حوالي عام 1985-1773 قبل الميلاد) ومع الاعتماد على زواج الأقارب (و عوامل أخرى)، لم يكن هناك ولي عهد للجلوس على العرش، فتقدمت الملكة نفرو-سوبك، زوجة الملك المتوفي، للحكم وحكمت مصر، حتى ظهرت أسرة أخرى كانت مستعدة للحكم.

في الأسرة 18(حوالي 1550-1295 قبل الميلاد)، قامت طليعة جديدة بقيادة مصر لحقبة من النمو والازدهار. وعندما مات الملك الرابع "تحتمس الثاني"، بعد ثلاث سنوات فقط على العرش، أصبح طفلٌ صغيرٌ يمشي بالكاد "تحتمس الثالث" هو الفرعون الجديد، فتدخلت عمته وصعدت إلى العرش وبدأ عصر حتشبسوت، التي قادت مصر لأكثر من عقدين – وهي أطول مدة زمنية لملكة على العرش – وتركت المملكة في حال أفضل مما كانت عليه قبل عهدها.

في وقت لاحق في نفس الأسرة؛ عندما فرض الملك إخناتون التطرف الديني على قومه، جعل زوجته نفرتيتي شريكةً له في الحكم. ويبدو أن اختياره كان مبنيًا على ظنه أنها الخيار الأكثر أمانًا للحفاظ على السلطة. وهناك مزاعم بأنها تولت إصلاح ما أفسده زوجها عقب وفاته. 

 

اوسرت تقدم القرابين في معبد عمدا- أقدم المعابد المصرية في النوبة 

في الأسرة 19 (حوالي 1295-1186 قبل الميلاد)، قامت الملكة تاوسرت بدور الوصي لصبي (ليس ابنها)، بل وسُمح لها أن تحكم كملكة مطلقة الصلاحيات عقب وفاة الصبي، لكنها لم تكن بنفس قوة المحارب الذي أزاحها عن السلطة بحصانة كاملة، واستولى على التاج الملكي لنفسه. 

ولعل أشهر هؤلاء الملكات هي كليوباترا، هذه الملكة القادمة من سلالة البطالمة (305-285 قبل الميلاد)، التي أطاحت بأشقائها لتجلس منفردة على العرش، وكرست كل طاقاتها لخلق سلالة جديدة لأطفالها العديدين. وفي النهاية، حتى هذه المرأة التي فتنت قادة الرومان، حكمت بشكل مختلف عن شريكها في الحكم في ذلك الوقت؛ مارك أنطونيوس، الذي لقى هزيمةً منكرة بسبب حماقاته، بعد هجومه على بارثيا في شمال شرق إيران، تزامنًا مع كونه في منتصف معركة أكتيوم البحرية. حينها انتبهت كليوباترا بفطنتها لكون الفشل يلوح في الأفق، فأمرت أسطولها بالتراجع والعودة الى مصر، حتى تنقذ ما يمكن إنقاذه.

التطلع للمستقبل

يبين التاريخ أن المصريين علموا أن النساء كن يحكمن بشكل مختلف عن الرجال. مما أوحى لهم باستغلال ذلك لحماية النظام الذكوري، ويقمن بدور المالئات للفراغ والقائمات بالأعمال لحين حضور الرجل ثانية ليعتلي قمة الهرم الاجتماعي.

ولكن بغض النظر عن مدى السلطة التي حازتها هذه الملكة أو تلك، ورغم أن أيهن لم تُدْعَ بلقب أقل من الملك؛ إلا أن اؤلئك النسوة الرائعات في مصر القديمة لم يكن بمقدورهن أن يتخطين الأجندة الذكورية بحيث يغيرن نظام الحكم نفسه. عندما انتهى عهد أي منهن، كانت بنية السلطة الذكورية المصرية تظل على تماسكها وسيطرتها. 

يعرف علماء الإدراك، أن مخ الأنثى يختلف عن الذكر. وعلماء الاجتماع وجدوا أن الرجال مسؤولون بشكل أكبر عن جرائم العنف، بما في ذلك الاغتصاب والقتل. أما النساء فهن – بشكل عام – أقل قابلية واستعدادًا لارتكاب القتل الجماعي، وأقل ميلاً لبدء الحروب، وأكثر قدرة على الاتصال بمشاعرهن والتعبير عنها. وأكثر اهتمامًا بإيجاد الفروق الدقيقة وبناء ردود أفعالهم عليها عوضًا عن الميل للحسم الأهوج. ربما كانت هذه الصفات هي ما سعت إليه مصر القديمة في أوقات الأزمات.

تنادينا هؤلاء الملكات من الماضي، ويضعننا في تحد كي نضع النساء في موقع السلطة السياسية، لا كممثلات عن النظام البطريركي في الحكم؛ بل كنساء ممثلات لأنفسهن وقناعاتهن، بأجندات مختلفة من الاتصال المجتمعي والتلاحم العاطفي، عوضًا عن الاقتداء بالعنف الذي مارسه آبائهن وإخوتهن وأبنائهن الذكور.

لو أن النساء تمكنّ في ذاك العهد البعيد من حكم العالم، دون وجود النسوية أو رابطة الأخوية، ولا حتى بالاستعانة بأجندتهن الخاصة؛ بل وحتى دون الاحتفاظ بالسلطة لفترات طويلة؛ ألم يحن الوقت إذن للنظر إلى التاريخ؟ إلى تلك النساء القويات الملهمات من مصر القديمة؟ اللاتي مثَّلن خلاصًا لشعوبهن مرارًا وتكرارًا؟

ماذا لو سُمِح لهن اليوم بالحكم؟ مع القوة الكاملة لمشاعرهن – نعم، باستخدام تلك الصفة التي تنفرد بها النساء والتي يُنظر إليها باعتبارها صفة شيطانية؟ بكل التقلبات المزاجية والقدرة على الفرح والحزن؟ وبطبيعتهن الزئبقية المتغيرة؟ هل يمكن تسخير هذه السمة للتواصل مع الآخرين؟ لإيجاد حل وسط؟ لإبعاد الأصبع عن الزناد؟ للنظر إلى الحلول الأمثل والأبسط؟ إنه عنصر العاطفية، الذي يمكن أن يقود البشرية خلال التجارب والمِحَن التي يعمر بها القرن الحادي والعشرين. يجب أن نترك التاريخ القديم يقودنا ويعطنا الدليل كي ندع النساء ليكن خلاصًا لنا مرة أخرى، هذه المرة مع وضع مصالحهن الخاصة في مقدمة ومركز القيادة.


كارا كوني: أستاذ علم المصريات بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجيليس. متخصصة في التاريخ الاجتماعي، ودراسات النوع الاجتماعي، واقتصاديات العالم القديم. هي أيضًا مؤلفة كتاب "عندما حكمت النساء العالم: ست ملكات من مصر القديمة"- (2018). و"المرأة التي ستصير ملكًا: ظهور حتشبسوت في السلطة في مصر القديمة" (2014).