تصميم: المنصة

تجارة رابحة: هكذا تحول المشروع القومي لعلاج المراهقين نفسيًا إلى محلات

منشور السبت 10 أبريل 2021

 

يعاني 30% تقريبًا من المراهقين في مصر من أعراض نفسية أو مشكلات إدمان، حسب بحث أعلنت وزارة الصحة نتائجه عام 2018، وهي نسبة تزيد 10% عن المعدل العالمي الذي قدرته منظمة الصحة العالمية بنحو 20%. في المقابل، فإن أقل من 5% من هؤلاء يحصلون على دعم طبي من مختص، ويوجد 11 مستشفىً حكوميًا تقدم خدمات العلاج النفسي للمراهقين، اثنان منهما فقط يقدمان خدمات الحجز الداخلي.

وطبقًا لتقديرات الجهاز المركزي للإحصاء والتعبئة العامة عام 2019، الذي بلغ فيه عدد سكان مصر 99 مليون نسمة، تجاوز عدد المواطنين المصريين في المرحلة العمرية من 15 إلى 19 سنة تسعة ملايين شخص

وفي ظل هذا العجز عن تقديم الخدمة العلاجية التي يحتاج إليها أقل قليلًا من ثلاثة ملايين مراهق مصري، ما زال مشروع إنشاء المركز القومي للأبحاث وتقديم الخدمات العلاجية المتكاملة للأمراض النفسية وعلاج الإدمان لدى الأطفال والمراهقين، بداخل حرم مستشفى العباسية، معطلًا يصارع البيروقراطية في أروقة حي غرب مدينة نصر منذ سنوات، بعد أن أقرّته وزارة الصحة ودفعت الأمانة العامة للصحة النفسية التابعة للوزارة الصحة بالفعل نحو 1.8 مليون جنيه كدفعة أولى من تكاليف بنائه لوزارة الإسكان، قبل أن تبدأ الأمانة نفسها، العام الماضي، مفاوضات مع وزارة الدولة للإنتاج الحربي لتقاسم أرباح تأجير مساحة من الأراضي المخصصة لهذا المشروع كمحال وتوكيلات تجارية.

وجاءت نتائج دراسة أجريت على طلاب المدارس الثانوية للعام الدراسي 2016/ 2017، تحت عنوان "الصحة النفسية وسوء استعمال المواد المخدرة بين طلبة المدارس الثانوية" وأعلنت الأمانة العامة للصحة النفسية نتائجها في إبريل/ نيسان 2018، مثيرة للقلق وأطلقت جرس إنذار، إذ أشارت إلى أن 29.8% من الطلبة والطالبات في هذه المرحلة يعانون من أعراض نفسية أبرزها القلق والتوتر والاكتئاب، بينما يبلغ المعدل العالمي حوالي 20%. كما أن خُمس المراهقين المصريين تقريبًا فكروا في الانتحار، و5% منهم مدخنون، و1.5% يستعملون مواد مخدرة بانتظام، وأقل قليلًا من 1% يدمنونها.

 

تصميم: المنصة

 

تصميم: المنصة

 

تصميم: المنصة

 

تصميم: المنصة

والاستخدام المنتظم للمواد المخدرة مرحلة تسبق الإدمان، ويحدث خلالها تعاطٍ متواصل لمادة معينة، غالبًا بمعدل يومي لفترة تتجاوز الشهر، دون أن يصاحب الامتناع عن تعاطيها أعراض انسحاب.

وخلصت الدراسة إلى عدة استنتاجات أخرى، أهمها أن معظم الطلاب على دراية بأسماء جميع المواد المخدرة المتاحة، وأن المقاهي هي الأماكن الرئيسية لتوزيعها خاصة بين الطلاب الذكور في حين تأتي الصيدليات والنوادي في المرتبة الثانية بشكل رئيسي للطالبات، وظهر أن غالبية الطلاب لا يعرفون مدى خطورة استعمال المواد المخدرة، أو يعتبرونها جميعًا على درجة من الخطورة، في حين أن نسبة أقل من الطلاب كانت لديهم آراء مختلفة حول خطر الاستخدام وعما إذا كان مرتبطًا بالاستخدام المنتظم أو لا.

دراسة أخرى أجرتها الأمانة العامة للصحة النفسية عام 2017 بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، تناولت معدل معدل انتشار الاضطرابات النفسية بشكل عام في مصر، خلصت إلى أن واحدًا من بين كل أربعة أشخاص يعاني أعراض نفسية كان أبرزها الاكتئاب وتعاطي المخدرات واضطرابات القلق، كما لاحظت الدراسة انتشار الاضطرابات النفسية بين سكان المناطق الريفية أكثر سكان المدن. 

عالميًا، فإن حوالي 20% من الأطفال والمراهقين يعانون من مشاكل صحية نفسية أو اضطرابات نفسية صريحة، وما بين 4% إلى 6% يحتاجون إلى رعاية سريرية، بحسب بحث عن الخطط والسياسات النفسية الصحية من أجل الأطفال والمراهقين، نشرته منظمة الصحة العالمية عام 2006.

وفي 2010، حذرت منظمة الصحة العالمية في ورقة تقنية نشرتها عن الصحة النفسية للأمهات والأطفال والمراهقين من أن هناك نقصًا في الموارد المتاحة لخدمات الصحة النفسية للأطفال والمراهقين في جميع أنحاء العالم حيث لا تقوم سوى 3% من مرافق رعاية المرضى المعنية بالصحة النفسية، بتقديم خدماتها للأطفال والمراهقين.

ولكن مع محدودية المرافق التي يمكن للمراهقين فيها الحصول على رعاية طبية نفسية حول العالم، فإن دولًا كثيرة تسجل زيادة في معدلات استقبال الأطفال والمراهقين، مثلما حدث في الولايات المتحدة التي ارتفع معدل زيارات المراهقين، خاصة الفئة العمرية من 15 وحتى 17 عامًا، لأقسام طوارئ الطب النفسي في مستشفياتها بنسبة 68% بين عامي 2007 و2016، ثلاثة أرباعهم من الفتيات.

في المقابل، سجلت بريطانيا زيادة 5.8% في نسبة الأطفال والمراهقين المصابين باضطرابات نفسي بين عامي 2017 و2020، حسب دراسة نشرت في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 أوضحت أن النسبة ارتفعت من 10.8% إلى 16%. 

الدكتورة هند عادل، وهي طبيبة مصرية مختصة في الطب النفسي للأطفال والمراهقين تعمل في إنجلترا، تلاحظ أن "فيه طب نفسي للمراهقين للفئة العمرية 11- 18 عامًا، ويوجد عيادات خارجية وهناك خدمة طوارئ بتذهب للمرضى في المنازل في حالات الخطر ويتم متابعتهم في المنزل في الحالات التي لا تحتاج للحجز الداخلي، وبالطبع يوجد حجز داخلي في أقسام داخلية بالمستشفيات"، ولكنها تشير إلى أن المدارس تلعب أدوارًا أكثر أهمية.

وتشرح هند أكثر للمنصة "وزارة الصحة غير معنية، هنا المدارس إما أن تتعاقد مع مؤسسات تقديم خدمات الصحة النفسية أو أن تعين أخصائي نفسي سواء بوقت كامل أو جزئي حسب ميزانية المدرسة، وبالنسبة لمؤسسات تقديم خدمات الطب النفسي فمنها من يقدم خدمات متكاملة مثل التخاطب والعلاج الأسري وأيضًا الدعم النفسية للمدرسين، وبعض المؤسسات تقدم خدمات جزئية مثل المعالج النفسي..و المدرسة هي التي تتحمل التكاليف في جميع الأحوال".


إنجازات منقوصة ومشروع فريد

قدمت وزارة الصحة إنجازًا مهمًا في جمع البيانات وتحليلها في الدراسات البحثية المتعددة التي تصدرها، فيما يتعلق بالأمراض والاضطرابات النفسية ومشاكل الإدمان لدى المراهقين، ولكنها لم تخطُ خطوة واحدة نحو الهدف الذي جُمعت من أجله هذه البيانات، وهو إنشاء وتحديث مراكز خدمة الأطفال والمراهقين تبعًا للتوزيع الجغرافي من أجل رفع أعداد مستقبلي الخدمة في مراكز تقديم الخدمة من الأطفال والمراهقين.

وبحسب الكتيب الإرشادي الصادر عن الأمانة العامة للصحة النفسية، فقط مستشفى حلوان للصحة النفسية ومستشفى المعمورة للصحة النفسية بالإسكندرية يقدمان خدمات الحجز الداخلي للمراهقين و المراهقات، بينما تقدم تسعة مستشفيات آخريات خدمات الطب النفسي للأطفال و المراهقين عن طريق العيادات الخارجية.

يوضح هذا العدد من المستشفيات المؤهلة لتقديم خدمات العلاج النفسي للمراهقين ضرورة السعي لبناء المزيد، وهو ما يؤكده الدكتور أحمد رؤوف أحمد استشاري طب المخ والأعصاب ورئيس الجمعية المصرية للأمراض العصبية والنفسية للأطفال بقوله للمنصة "هل تتصور عدد الحالات والمرضى الذين يعانون من الأمراض العصبية والنفسية للأطفال في مصر؟"، قبل أن يجيب سريعًا "بضعة ملايين، بدءًا من تأخر النمو الحركي واللغوي والذهني عند الأطفال مرورًا بالتوحد والإفراط الحركي والاضطراب النفسي وصعوبات التعلم و التشنجات الصرعية وغيرها الكثير".

ومضى يقول "كم طالبنا بمستشفى متخصص للطب النفسي وأمراض المخ والأعصاب للأطفال والمراهقين يعالج بحرفية ومهارة هذه الأمراض مع شيوع الإدمان عند الأطفال والمراهقين. نعم نريد مستشفى متخصص تملك القدرة على إجراء البحوث المعملية والاجتماعية لإيجاد أسباب لهذه الأمراض. وجود مثل هذا المستشفى والذي يقوم بالعمل فيه مجموعة من المتخصصين والخبراء المهرة في مجال الأمراض العصبية والنفسية للأطفال سوف يفي بغرض هام وحيوي وهو الحفاظ على العنصر البشرى وتوجيهه بسلام نحو الإنتاجية المطلوبة والتي سوف تعمل على تعظيم العائد منه".

في يوليو/ تموز 2013، وكانت أربعة أشهر قد مرّت على استقالتي من العمل في الأمانة العامة للصحة النفسية احتجاجًا على محاولات أخونتها في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، أهداني الدكتور عارف خويلد أمين عام الصحة النفسية آنذاك، فكرة إنشاء مستشفى داخلي لطب نفسي وإدمان الأطفال والمراهقين، يقدم الخدمات العلاجية في هذه المراحل العمرية والخدمات الإرشادية للأسر، لأعرضها على وزيرة الصحة الدكتورة مها الرباط.

وخلال لقاء جمعني بها في أغسطس 2013، أبدت الوزيرة ترحيبًا مبدئيًا بالفكرة منحني الضوء الأخضر لأتقدم، بصفتي في ذلك الوقت عضو في مجلس نقابة أطباء مصر، بمذكرة إلى مدير المستشفى في ذلك الوقت الدكتور مصطفى حسين ليتقدم به رسميًا إلى الوزيرة، التي وافقت عليه وأعلنت التراجع عن خطط تطوير الملعب تمهيدًا لتأجيره، وتحدثت عن تبني الوزارة خطة لإعادة التأهيل النفسي للأطفال.

وبعد عودتي لأمانة الصحة النفسية للعمل مديرًا لإدارة التخطيط والمتابعة بها، شاركت في إعداد أكثر من مذكرة تقدمت بهم إلى الرباط، أقترح فيها إنشاء مركز قومي للأبحاث وتقديم الخدمات العلاجية المتكاملة للأمراض النفسية وعلاج الإدمان لدى الأطفال والمراهقين، داخل حرم مستشفى العباسية للصحة النفسية في المنطقة المطلة على شارع امتداد رمسيس، ذات المنطقة التي ستؤجرها إدارة المستشفى لوزارة الإنتاج الحربي، لتقيم عليها محال تجارية.

وافقت الرباط مبدئيًا على المشروع، وبناءً على موافقتها بدأت التحضيرات الطبية باجتماع موسع عقد يوم 16 فبراير/ شباط 2014، ضم عددًا من أساتذة الطب النفسي للأطفال بجامعات القاهرة وعين شمس وبني سويف، ومدير مستشفى العباسية، وأطباء بالأمانة العامة للصحة النفسية وممثلًا عن إدارتها الهندسية، وأطباء في مستشفى العباسية للصحة النفسية، لمناقشة تفاصيل تنفيذ المشروع، وانتهى الاجتماع بالتوافق أن يتضمن المشروع، إلى جانب مركز الأبحاث، مبنى عيادات خارجية، وصالة لاستقبال حالات الطوارئ، ومبنى لمرضى التوحد، وحجزًا داخليًا للمرضى بسعة مئتي سرير، 60 منهم لعلاج الإدمان ومثلهم لعلاج الأمراض النفسية لدى المراهقين الذكور، و30 لعلاج الإدمان ومثلهم لعلاج الأمراض النفسية لدى المراهقات، بينما خصص 20 سريرًا لعلاج الاضطرابات النفسية والإدمان لدى الأطفال.

وبالإضافة إلى كل ذلك، اتفق على تخصيص أماكن لتقديم الخدمات العلاجية والتأهيلية كممارسة الرياضة وغرف الموسيقى وتنمية المهارات والألعاب.

وعلى أهمية الخدمات الطبية التي سيوفرها هذا المشروع، فقد تطرق الاجتماع أيضًا إلى العوائد الاقتصادية والاجتماعية المنتظرة منه، باعتباره الأول من نوعه في الشرق الأوسط، وسيخلق منبرًا بحثيًا فريدًا يصبح مقصدًا لجميع الباحثين في الجامعات المصرية والدولية في مجال الطب النفسي للأطفال والمراهقين، بالإضافة إلى فرص العمل الجديدة التي سيوفرها للعاملين والمتدربين، وسيحد من انتشار المراكز والوسائل غير العلمية في العلاج النفسي للأطفال والمراهقين.

بيروقراطية لا تنتهي

أما إجراءات بناء وإقامة المشروع، فبدأت فور موافقة الوزيرة، إذ تقدمت الأمانة العامة للصحة النفسية بكتاب إلى المهندس محمد عبد الرحمن رئيس قطاع الدعم الفني والمشروعات بوزارة الصحة، لترشيح أحد المكاتب الاستشارية المتعاقدة مع الوزارة لتنفيذ أعمال الرسومات والتصميمات الخاصة بالمشروع، فجاء رده إلى الأمانة بتاريخ 2 ديسمبر/ كانون الأول 2013، بأن جميع المكاتب الاستشارية المتعاقدة مع الوزارة مُسند إليها الكثير من الأعمال وأنه لن يتم إسناد أي أعمال إضافية لها، واقترح في نهاية رده أن تسند المهمة الجديدة إلى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة؛ تصميمًا وتنفيذًا.

استجابت أمانة الصحة النفسية لاقتراح قطاع الدعم الفني والمشروعات، وخاطبت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بشأن تنفيذ المشروع الجديد. وبصفتي مدير إدارة التخطيط والمتابعة بأمانة الصحة النفسية في ذلك الوقت، شاركت في عدة اجتماعات مع ممثلين عن إدارة المشروعات الكبرى بالهيئة الهندسية للقوات المسلحة لمناقشة المشروع وآليات تنفيذه، انتهت إلى تعذّر إسناد المشروع للهيئة لأسباب إدارية.

بعدها، اقترحت على الدكتور هشام رامي أمين عام الصحة النفسية في ذلك الوقت إسناد المشروع إلى قطاع عام التشييد والعلاقات الخارجية بديوان عام وزارة الإسكان، وهو ما حدث بالفعل بعد توقيع بروتوكول وتعاقد بين الجهتين، طرح على أساسه قطاع التشييد بوزارة الإسكان مناقصة محدودة بين المكاتب الاستشارية رست على المركز العلمي للتصميم والاستشارات الهندسية، وهو أحد بيوت الخبرة الهندسية، في فبراير 2016.

بعد انتهاء بيت الخبرة الهندسي من إعداد الرسومات والتصميمات الهندسية، توجه إلى حي غرب مدينة نصر، الجهة المعنية باستخراج بيان صلاحية الأرض وإصدار تراخيص البناء، لتبدأ رحلة طويلة من البيروقراطية لم تنتهِ فصولها بعد. 

حي غرب مدينة نصر أحال بيت الخبرة الهندسي مرات إلى محافظة القاهرة ومرات إلى شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير، وهي إحدى أكبر شركات التطوير العقاري وتمتلك 40 مليون متر مربع في مدينة نصر، واستمرت المماطلة دون الحصول على تراخيص البناء، ليتقدم المكتب الهندسي بشكوى إلى جهاز التفتيش الفني على أعمال البناء بوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، التي رد رئيسها بتوصية إلى رئيس حي غرب مدينة نصر بتاريخ 2 مايو/ أيار 2017، بسرعة مخاطبة شركة مدينة نصر للتأكد من عدم تبعية أراضي المستشفى لها، وعدم وجود اشتراطات بناء لقطعة الأرض المقام عليها المستشفى، تمهيدًا لمنح التراخيص اللازمة. 

بعد 29 يومًا خاطب رئيس حي غرب مدينة نصر، رئيس مجلس إدارة شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير، بما جاء في توصية جهاز التفتيش الفني لوزارة الإسكان، وبعد ثلاثة أشهر، في 29 أغسطس/ آب 2017، خاطب رئيس حي غرب مدينة نصر، مدير مستشفى العباسية، بكتاب يطلب فيه منه التنسيق مع شركة مدينة نصر لإفادة الحي بردها، حيث أنها لم تكن ردت بعد على كتاب حي غرب مدينة نصر.

يوم 27 سبتمبر/ أيلول 2017 أفادت شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير في كتاب موجه إلى رئيس قطاع التشييد بوزارة الإسكان، بأن مستشفى الصحة النفسية للعباسية يقع خارج نطاق أملاكها وأنه لا توجد أي اشتراطات بنائية بشأنه، وخاطب قطاع التشييد رئيس حي غرب برد شركة مدينة نصر، ليستطيع أخيرًا المكتب الهندسي استخراج "بيان الصلاحية" للأرض المخطط إقامة مشروع "المركز القومي لطب نفسي وإدمان الأطفال والمراهقين"عليها.

صدور بيان الصلاحية لا يعني بالضرورة أن تصريح البناء صدر، فحتى اليوم ما زال حي غرب مدينة نصر يطلب من المكتب الهندسي إحضار موافقات من جهات متنوعة مثل الطيران المدني ووزارة الكهرباء وهيئة الصرف الصحي من أجل إقامة المشروع، الأمر الذي أحاط به المكتب الهندسي أمانة الصحة النفسية.

ملايين مهدرة

بناء على البروتوكول الذي وقعته أمانة الصحة النفسية مع وزارة الإسكان، صرفت الأولى للثانية في مايو 2017 من مخصصاتها مبلغ مليون و819 ألفًا و833 جنيهًا، وهي نسبة 25% من أتعاب قطاع التشييد بوزارة الإسكان، التي سدد منها أتعاب المكتب الاستشاري الهندسي.

قبلها بسنتين، في مايو 2015، كانت الشيخة جواهر القاسمي قرينة حاكم الشارقة ورئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة في إمارة الشارقة، تشاهد فقرة مسجلة في برنامج تبثه الفضائية المصرية، عن الخدمات التي تقدمها عيادات الطب النفسي المخصصة للأطفال بمستشفى العباسية للصحة النفسية والتي نطلق عليها اسم "بيت الشمس" لإزالة وصمة المرض النفسي، فقررت الشيخة جواهر، التي تشرف على مؤسسة "القلب الكبير" الإماراتية، أن تزور مستشفى العباسية للصحة النفسية وبالأخص أماكن تقديم خدمات الأطفال والمراهقين بها. 

تواصل مكتب الشيخة مع قيادات وزارة الصحة وقتها الذين حاولوا إقناع الشيخة بالاكتفاء بزيارة ديوان عام الوزارة وعقد الاجتماعات التي تريدها هناك، إلا أن الشيخة جواهر أصرت على زيارة المستشفى. كنت وقتها أعمل مديرًا لإدارة التخطيط والمتابعة بأمانة الصحة النفسية وكنت أحد المكلفين بحضور الاجتماع مع الشيخة جواهر ووزير الصحة وقتها الدكتور عادل عدوي، لكنني اعتذرت عن عدم الحضور لعدم قدرتي على الالتزام بالإجراءات البروتوكولية والتعليمات الأمنية التي تم إخطاري بها، وفضّلت أداء دوري من بعيد فأعددت دراسة وافية عن خدمات الصحة النفسية وبالأخص الخدمات المقدمة للأطفال والمراهقين، وأخرى تفصيلية عن مشروع "المركز القومي لطب نفسي وإدمان الأطفال والمراهقين"، الذي سيكون الأول من نوعه في الشرق الأوسط.

أوضحت لزملائي وقيادات الأمانة أنني لن أطلب من الشيخة جواهر تمويل المشروع ففي ذلك الوقت كنا قادرين على توفير التمويل اللازم له من ميزانية الصحة وغيرها في مصر، ولكن ما كنت أبتغيه هو أن تتبنى مؤسسة بقدر "القلب الكبير" وشخصيات عامة مثل قرينة حاكم الشارقة هذا المشروع، لتصد أية أطماع في أراضي المستشفى.

وبالفعل زارت الشيخة جواهر مستشفى العباسية للصحة النفسية وتجولت به وأثنت على الخدمات التي يقدمها، وخلال الاجتماع الذي انعقد في أمانة الصحة النفسية، أعجبت الشيخة جواهر بالعرض التفصيلي لمشروع المركز القومي لطب نفسي الأطفال والمراهقين، وأعلنت استعداد إمارة الشارقة ودولة الإمارات المساهمة فيه.

وبعد عودتها إلى إلى بلادها، تواصلت مؤسسة "القلب الكبير" بالبريد الإلكتروني مع الأمانة العامة للصحة النفسية من وطلبت دراسة تفصيلية بالتكاليف لمشروع قصير المدى بتطوير عيادات الأطفال والمراهقين ومركز الرعاية النهارية إلى جانب دراسة مشروع المركز القومي الذي يتم تنفيذه على مدى أطول، لتنتهي المراسلات بتوقيع بروتوكول تعاون بين الجانبين في يناير/ كانون الثاني 2016، تمول بمقتضاه مؤسسة "القلب الكبير" تطوير عيادات الأطفال والمراهقين بتكلفة إجمالية 300 الف دولار يتم ضخها على ثلاث مراحل هي مراحل تنفيذ المشروع الذي يستغرق سنةً.

وقامت المؤسسة بتوريد مبلغ 73 الف دولار بالمرحلة الأولى ثم 118 الف دولار المرحلة الثانية والتي لم تكتمل حتى فبراير 2019، ما جعل مؤسسة القلب الكبير تبدي استيائها من عدم جدية الأمانة العامة للصحة النفسية في التنفيذ. ولم تشكل زيارة وفد مؤسسة "القلب الكبير" في فبراير 2019 حافزًا لإدارة الأمانة العامة للصحة النفسية في السرعة بإنجاز مشروع التطوير، فبعد الزيارة التي انتقد خلالها وفد المؤسسة عدم استكمال الأعمال المتفق عليها مع وزارة الصحة، تم وقف تمويل المرحلة الثالثة وأيضًا استبعاد دعم أية مشروعات أخرى.

ولكن في 15 سبتمبر الماضي، وبينما كانت يد البيروقراطية تعطّل أوراق بناء المشروع، عقد مجلس إدارة مستشفى العباسية للصحة النفسية اجتماعًا شاركت فيه، ناقش إمكانية "فتح عيون تجارية بسور المستشفى بشارع امتداد رمسيس"، انتهى إلى إقراره و"طرح مناقصة تكون أحد المتقدمين لها وزارة الإنتاج الحربي والهيئة العربية للتصنيع ووزارة الداخلية" بحسب محضر الاجتماع الرسمي، الذي أقرّته أمانة الصحة النفسية لاحقًا. 


اقرأ أيضًا: محال توكيلات تجاربة: سور "مستشفى العباسية" في طريقه إلى وزارة الإنتاج الحربي


يبلغ طول واجهة مستشفى العباسية المطلة على شارع امتداد رمسيس حوالي 400 متر، وبعد استبعاد واجهة قسم الطب الشرعي التابع للنيابة العامة، تتبقى واجهة بطول 300 متر تقريبًا خلفها قطعة أرض فضاء وملعب كرة قدم، هي المساحة المخصصة لإقامة المركز القومي لطب نفسي وإدمان الأطفال والمراهقين، الذي سددت أمانة الطب النفسي نحو مليوني جنيه جزءًا من تكاليف إنشائه بالفعل، وهي نفسها المساحة التي سيخصص منها 7500 متر مربع، بطول 300 متر على واجهة امتداد رمسيس وعمق 25 مترًا داخل المستشفى، إلى جهة حكومية لتقيم عليها محال وتوكيلات تجارية وتؤجرها.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.