رسم: هشام عبد الحميد - المنصة
مثل كافة المجالات المستقلة طال نقابة المعلمين المستقلة ما طال المجال العام، وزادت القيود عليها وغلت يدها عن القيام بدورها وتم تعجيزها.

نقابات المعلمين: يد مغلولة وساق تهرب من الرقيب

منشور الأربعاء 6 أكتوبر 2021

لم يكن قرار وزير التربية والتعليم، الدكتور طارق شوقي، الاستعانة بغير العاملين في التربية والتعليم للعمل بـ"نظام الحصة"، أو فتح باب التطوع دون أجر أمام حاملي المؤهلات التربوية، لسد العجز في أعضاء هيئة التدريس بالمدارس، هو الأول الذي يعسف بحقوق العمل اللائق، حيث سبقه الكثير فيما يخص أجور المعلمين المصنفة على أنها الأسوأ بين الدول العربية.

الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول دور نقابات المعلمين في مصر من إهدار حقوق المعلم سواءً كانت النقابة العامة المهنية للعاملين في التعليم أو النقابة المستقلة.

يعود تدني أوضاع الأجور، وكذلك كافة حقوق المعلمين إلى منهجية عامة تتخذها الدولة ناحية التعليم، بحسب الأمين العام لنقابة المعلمين المستقلة، ومدير مركز الحق في التعليم، عبد الحفيظ طايل، الذي يرى أن الدولة تسعى إلى رفع يدها تمامًا عن أجور المعلمين والاعتماد على أن يحصل المعلم راتبه ويوفر حد أدني من المعيشة الكريمة من خلال الدروس الخصوصية وتحميل المواطنين عبئًا إضافيًا.

وخصصت الموازنة المالية للعام 2021/2022، حافز تطوير المعلمين بقطاع التعليم قبل الجامعي بالتعليم العام والأزهر، بتكلفة إضافية قدرها مليار جنيه، لتصل التكلفة الكلية لذلك الحافز إلى 2.5 مليار جنيه، فيما احتل بند التعليم الترتيب الثالث من حيث أولويات الإنفاق في الموازنة، وزادت مخصصاته بنحو 15 مليار جنيه، لكنها لم تصل إلى نصف الحد الأدنى المحدد في المادة 19 من الدستور بنسبة 4% من قيمة الناتج القومي.

ويشير عبد الحفيظ طايل في تصريحات إلى المنصة إلى أن الأزمة التي يواجهها المعلم من حيث ظروف عمله بدأت بصورة أساسية منذ إلغاء نظام التكليف الذي كان يضمن تعيين طلبة كليات التربية فور تخرجهم، ، تلا ذلك وقف تعيين المدرسين والاعتماد على نظام المسابقات والعقود المؤقتة التي لا تضمن للمدرس أي نوع من الحقوق وعلى رأسها الآمان الوظيفي، وصولًا إلى تصريحات وزير التربية والتعليم الأخيرة التي تطالب المدرسين بالعمل دون أجر.

وفي عام 1998 ألغى رئيس الوزراء في ذلك الوقت كمال الجنزوري نظام التكليف للمعلمين بدعوى أن ميزانية الدولة لا تتحمل عبء تعيين خريجى كليات التربية، وكان ذلك النظام يقضي بتوظيف الحاصلين على درجة البكالريوس من كليات التربية في المدارس وتوزيعهم على المحافظات المختلفة بناءً على التقدير العام الذي حصلوا عليه خلال دراستهم الجامعية.

معلم الاتحاد الاشتراكي

 ويؤكد طايل أنه فضلًا عن تردي أوضاع المعلم المادية، فإن الدولة صارت تفرض سيطرتها على النقابات التي من المفترض بها أن تقوم بالدفاع عن حقوقه، فحولت نقابة المهن التعليمية (النقابة الرسمية للمعلمين) إلى منبر لوزير التربية والتعليم، يستطع من خلاله أن ينفذ القرارات التي يرغب بها دون أدني معارضه من النقابة الرسمية، وذلك من خلال الإصرار على القانون رقم 79 لسنة 69، الذي ينص إلى الآن على أن نقابة المهن التعليمية هدفها الأساسي خدمة أهداف الدولة والاتحاد الاشتراكي، ويشترط أن يكون عضو النقابة عضوًا في الاتحاد الاشتراكي، أو من خلال اللائحة التنفيذية للنقابة التي يصدرها وزير التربية والتعليم، وتتضمن في موادها مادتين فقط لحقوق المعلم، وبالتالي تحولت نقابة المهن التعليمية إلى منبر لوزراء التربية والتعليم وليس مكان للدفاع عن حقوق المعلم.

ويعرف القانون رقم 79 لسنة 69 نقابة المهن التعليمية بأنها نقابة تنشأ لتكون "لها الشخصية الاعتبارية، تضم المشتغلين بمهنة التربية والتعليم، والذين سبق اشتغالهم بها، وتباشر نشاطها في إطار السياسة العامة للاتحاد الاشتراكي العربي، ويكون مقرها القاهرة، ولها فروع طبقا لأحكام هذا القانون"، ويتضمن بندين فقط لحقوقه في مقابل 20 بندًا لواجباته واللائحة التأديبية لتوقيع الجزاءات ضده.

نقابة "غير" مستقلة

ويشير مدير مركز الحق في التعليم، إلى أن تغييب دور نقابة المهن التعليمية الرسمية كان سببًا أساسيًا في أن يتجه المعلمين إلى تأسيس نقابة مستقلة في فترة ما قبل الثورة، واستطاعوا مع حالة الانتعاش السياسي الذي شهدته مصر بعد ثورة يناير عام 2011، تسجيل النقابة لدى وزارة القوى العاملة، واستطاعت النقابة المستقلة التي انتشرت لجانها النقابية في كل المحافظات أن تخوض الكثير من المعارك التي تخص أجور المعلمين، مثل أزمة قانون الخدمة المدنية، وتعديل جدول أجور المعلمين نسبيًا في 2014، وتخصيص نسبة من المجموعات المدرسية.

لكن ومثل كافة المجالات المستقلة طال نقابة المعلمين المستقلة ما طال المجال العام، وزادت القيود عليها وغلت يدها عن القيام بدورها وتم تعجيزها، بحسب طايل، الذي يدلل على ملاحقة النقابة المستقلة للمعلمين بإدراجه نفسه على القضية رقم 173 المعروفة إعلاميًا بقضية المنظمات الأجنبية والمفتوحة منذ عام 2011، وتوجيه الاتهام إليه بـ"تأسيس النقابة المستقلة للمعلمين"، واعتقال الدكتور محمد زهران عضو النقابة المهنية الرسمية، لمجرد أنه تجرأ وقرر أن يقيم دعوى قضائية على وزير التربية والتعليم يتهمه بإهدار المال العام في أزمة استخدام التابلت للثانوية العامة، حسب قوله للمنصة.

وكان الدكتور محمد زهران مدير إدارة الموهوبين بوزارة التربية والتعليم، وعضو مجلس إدارة اللجنة النقابية لنقابة المهن التعليمية بالمطرية، ومؤسس تيار استقلال المعلمين، ألقي القبض عليه من منزله في الأول من فبراير/شباط عام 2020 ووجهت له اتهامات بـ"سب وقذف وزير التربية والتعليم ونشر أخبار كاذبة عبر فيسبوك" بعد نشره بوست تحدث فيه عن مشاكل التابلت الخاص بالثانوية العامة، وحكم عليه بالسجن 6 أشهر.

وبخلاف الملاحقة الأمنية والمضايقات التي تواجهها النقابة منذ عام 2016، بحسب الأمين السابق لنقابة المعلمين المستقلة، حسين إبراهيم، فإن أزمة جديدة أضيفت إلى كاهلها، حيث إنها تواجه مشكلة في عدم الاعتراف بها من جانب وزارة التضامن الاجتماعي، بعد تعديلات قانون التنظيم النقابي رقم 142 لسنة 2019، الذي طالب كافة النقابات بتوفيق أوضاعها وفقًا لشروط جديدة، و "هو ما قمنا به بالفعل وقدمنا كافة الأوراق، لكننا فوجئنا بالوزارة ترفض الاعتراف بالنقابة وتصر على أن نقدم أوراقنا كأننا نؤسس للمرة الأولى، وهو أمر لا يمكن أن يحدث على أرض الواقع لأن للنقابة حسابات بنكية وارتباطات قانونية لا يمكن التغاضي عنها، وبالتالي تحولت النقابة المستقلة إلى نقابة غير شرعية، وأصبحت دون صفة قانونية لإجراء أية فعاليات أو حتى اتخاذ مواقف، لأن ذلك يهدد سلامة وأمن أعضاءها في ظل الظروف الراهنة"، حسب قول إبراهيم للمنصة.

وأصدر رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، القانون رقم 142 لسنة 2019 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 213 لسنة 2017 بشأن إصدار قانون المنظمات النقابية العمالية وحماية حق التنظيم النقابي، الذي نص على ضرورة توفيق الأوضاع وفقا للشروط الجديدة، ونصت المادة 67 من القانون على أن "يُعاقب بغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، كل شخص شارك في تأسيس، أو إدارة منشأة، أو جمعية، أو جماعة، أو منظمة، أو رابطة، أو هيئة، أو غير ذلك، وأطلق عليها بدون وجه حق في مكاتبات أو في لوحات، أو في إعلان، أو إشارة، أو بلاغ موجه إلى الجمهور اسم إحدى المنظمات النقابية العمالية، أو مارس أي نشاط نقابي تقتصر ممارسته على أعضاء مجالس إدارة المنظمات النقابية العمالية، وذلك وفقًا لأحكام هذا القانون".

ويشير حسين إبراهيم، إلى أنه بناء على تلك المضايقات والقانون اللاحق عليها، اختارت مجموعة كبيرة من أعضاء النقابة المستقلة الابتعاد عن العمل النقابي لحين تقنين الأوضاع القانونية حفاظًا على أمنهم الشخصي، مؤكدًا في تصريحات للمنصة أن "تلك الأوضاع المربكة التي تمر بها النقابة المستقلة جعلت الاهتمام بأوضاع المعلمين في المرتبة الثانية أو ربما الثالثة بعد تقنين الأوضاع والحفاظ على الكيان الذي أسس منذ 10 سنوات".

ونقابة تتبع الوزير

في بداية العام الجاري 2021، أعلنت منظمة العمل الدولية عن تنظيم حوار مجتمعي في كافة الدول العربية، بين أطراف العمل الثلاثة النقابات بكافة أشكالها (مستقلة ورسمية)، ووزارة القوى العاملة وأصحاب الأعمال للتوصل لاتفاقات فيما يتعلق بالقضايا المثارة حول الحريات النقابية وحقوق العمل الأساسية، وربما تجعل تلك الأوضاع التي يواجهها المستقلون من النقابة الرسمية الفرصة الوحيدة الشرعية أمامهم للدفاع عن حقوق العاملين، لكن إبراهيم يؤكد للمنصة، أنهم حاولوا مرات عديدة العمل تحت مظلتها لكن وضع النقابة الرسمية تحت الحراسة منذ سنوات تسبب في صعوبة حقيقية في إجراء انتخابات تأتي بمجلس جديدة قادر على الدفاع عن حقوق المعلمين.


اقرأ أيضًا: المعلم الذي تدهور مع التعليم

 


ويتفق الوكيل الأول لنقابة المهن التعليمية، وعضو مجلس الشورى عن الحزب الوطني عام 2007، إبراهيم شاهين، مع حسن إبراهيم، في أن نقابة المهن التعليمية يدها مغلولة في التعامل مع قضايا المعلمين، لأسباب عديدة أهمها القانون رقم 79 لسنة 69، الذي منح وزير التربية والتعليم الكثير من الصلاحيات في نقابة المهن التعليمة، بدءًا من التصديق على قرارات الجمعية العمومية، ومرورا باللائحة المنظمة للنقابة، وانتهاءً بقرارات تنظيم عمل المعملين، الأمر الذي غل يد النقابة في إبداء الرأي فيما يتعلق بسياسات التعليم وقضايا المدرسين.

وأشار شاهين في تصريحات للمنصة إلى أنه بالرغم من العراقيل التي تسبب فيها قانون نقابة المهن التعليمية فإن النقابة تسعى للتواصل مع كافة المؤسسات في الدولة من أجل توفير حياة كريمة للمعلمين، لكن حتى هذه اللحظة هناك أزمة حقيقية في التواصل والتفاوض، لافتًا إلى أن وزير التربية والتعليم الحالي لا يلتفت للنقابة ولا يلجأ لها في اية قرارات تخص المعلمين، حسب قوله.

وعن اتهامات النقابة المستقلة للنقابة المهنية بأنها تابعة للدولة ولا تسعى للحصول على حقوق المعلمين، قال شاهين "لا يوجد شيء يدعي النقابة المستقلة فهي وفقًا للقانون ليس لها وجود"، مضيفًا "نعم نحن تابعون للدولة ولوزير التربية والتعليم، ولكن هذا لا يعني أننا لا نسعى للحصول على حقوق المعلم بكافة الطرق، مدللًا على ذلك بأن النقابة تقدمت بالعديد من الخطابات لتعديل قانون النقابة لتتمكن من إجراء الانتخابات لكن أحدًا لم يستجب، مشددًا على أن نقابة المهن التعليمية تتفق مع وزير التربية والتعليم في أهدافه في إحداث تطوير في التعليم، ولكننا نختلف معه في كيفية تطبيق ذلك".

وكان وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي أدلي في 2017 ببعض التصريحات الصحفية التي أساء فيها للمعلمين واصفًا إياهم بـ "الحرامية" وهو ما تسبب في موجة غضب بين المعلمين، فما كان من النقابة المهنية للعاملين بالتعليم، إلا استضافة الوزير في إحدى جمعياتها العمومية غير العادية، وتعللت وقتها بأن الوزير له الحق في الحضور وفقًا للقانون.

هكذا  يبدأ العام الدراسي الجديد، وأوضاع المعلمين في تردٍّ متواصل، سواء في الأجور أو الأمان الوظيفي، وسط غياب تام لنقابات حقيقية يمكنها الدفاع عنهم في مواجهة قرارات الوزراة المتضاربة، حيث النقابة المهنية للمعلمين تحت الحراسة يدها مغلولة بقوانين بالية وضعت في أيام الاتحاد الاشتراكي، أو النقابة المستقلة التي تواجه تعنت وزارة القوى العاملة والهجرة وتعديلات قانون التنظيم النقابي، أو الملاحقة الأمنية لأعضائها نتيجة لغياب نقابات حقيقية تدافع عن حقوق المعلمين، وفي النهاية من يدفع فاتورة كل ذلك هو المواطن الفقير، الذي يدفع فاتورة أجور المدرسين من خلال الدروس الخصوصية والمجموعات المدرسية، التي أصبحت هى الممول الأساسي لأجور المدرسين.


للعودة إلى الصفحة الرئيسية للملف.