خلال حملة ترويجية قبل إطلاق فيلم بحبك، أثار تامر حسني، بطل الفيلم ومؤلفه ومخرجه، تساؤلًا حول عنوانه الذي تركه من دون تشكيل؛ إن كانت بحَبَك بفتح الباء أم بكسرها، تاركًا المتفرج يجيب السؤال. لكنني عندما انتهيت من الفيلم، لم أجد أي إجابة، أو بتعبير أدق، لم يهتم تامر حسني بإجابته، غير أني وجدت إجابة أخرى، أزعم أنها الأقرب لتأويل العنوان، وهي أنه يوجه الكلمة هنا لصورته المتخيلة عن الرجل المثالي، الذي ظهر مع أفلامه الأولى، واكتمل بناؤه بفيلمه الأحدث والأول له كمخرج.
يفتتح الفيلم مشهد لبطله الحزين، الذي يخفف عن نفسه عبر الاستماع إلى أغنية من كاسيت سيارته الفارهة، فيأتي صوت تامر حسني من خارج عالم الفيلم يغني "هدلعني"، وهو الصوت الخارجي نفسه الذي يختم الفيلم، ولكن هذه المرة من وجهة نظر البطلة، بأغنية تعدد مزايا ومحاسن حبيبها، الرجل الأمثل والأكمل، ومن وجهة نظر المخرج والمؤلف أيضًا.
الإعلان الترويجي للفيلم
الفنان الشامل
لا تبدو تجربة حسني الإخراجية الأولى موفقة من الناحية التقنية، فعلى سبيل المثال عاب شريط الصوت تسجيل الكثير من أجزائه بمعزل عن التصوير، بما يعرف بـ automated dialogue replacement، وبالتالي ظهر عدم تزامن حركة الشفاه مع الصوت عدة مرات، وكذلك أخلت محاولاته إبراز ملامح البطل أو البطلة خلال المشاهد المتوقع أن تثير تعاطف المشاهدين، عبر تصويرها بكاميرا ثابتة، بإيقاع الفيلم بشكل عام.
في رصيد تامر حسني ثمانية أفلام شارك فيها بالكتابة، سواء بالقصة فقط، أو القصة والسيناريو مثل أفلام مش أنا والبدلة ونور عيني وعمر وسلمى، ما يجعل لمسيرته السينمائية التي تمتد إلى 18 سنة تقريبًا، سماتٍ فنيةً واضحةً، سواء اختلفنا أو اتفقنا على مدى جودتها.
وهو ما يضعه، وفق فيلمه الأخير، وأعماله السابقة، ضمن تصنيف "المخرج المؤلف"، طبقًا لوصف سوزان هوارد في كتابها دراسات سينمائية، الصادر عن المركز القومي للترجمة، الذي يعد "أسلوب المخرج القابل للإدراك والتمييز من خلال تخطيط المشهد، أو إلى ممارسات الإخراج السينمائي حيث يبدو توقيع المخرج المؤلف دليلًا دامغًا بارزًا على السيناريو مثلما يبدو على منتج الفيلم ذاته".
هذا التوقيع قد يكون ميزةً أو عيبًا، لكنه يظل علامةً يمكن عبرها تقصي اللمسة الخاصة بصاحب العمل.
الذكر المصري المثالي
إن أكثر ما يستدعي التأمل في سينما تامر حسني، أو ما راكمه من سمات، هو الصورة التي تظهر عليها الشخصية الرئيسة في الفيلم، التي يؤدها حسني نفسه، وتتكرر رغم اختلاف السياق في كل عمل. وصلت هذه الصورة إلى أوج تشكلها في بحبك، الذي امتلك فيه السيطرة الإبداعية شبه الكاملة، بما إنه يقوم بكافة الأدوار الفنية وحتى الإنتاجية للعمل.
الرجل المصري الخارق الذي يقدمه تامر حسني في أفلامه له صفات محددة، فعلى سبيل المثال هو شخص جدع، لا يترك أيًا من أصدقائه أو أهله في ضيق مادي أو معنوي، ففي أحد مشاهد الفيلم الجديد، يوكل البطل خادمه/ صديقه لمساعدة ابنة خالته في تهيئة منزلها الجديد، فيرد عليه الأخير مشيدًا باهتمامه الرائع بأقاربه، حيث يمنحهم مبالغَ ماليةً بشكل شهري لإعانتهم على الحياة.
لا توجد أي ضرورة درامية لهذا المشهد إلا تعزيز صفة الشهامة التي تمتلكها الشخصية الرئيسية، حيث إن أولئك الأقارب الذين يحرص على ودهم لا يظهرون في أي مشهد آخر في الفيلم، حتى عندما يتقدم لخطبة زوجته المستقبلية أو أثناء حفل زفافه.
هذه الآلية تظهر أيضًا في فيلمه مش أنا، فقبل إصابة الشخصية الرئيسية بالمتلازمة التي تغير حياته، نجده يكرس وقته ومشاعره لرعاية أمه المريضة، التي تختفي تمامًا من الأحداث بعد ذلك.
كما يجب أن يبدو خفيف الظل على الدوام، فحتى عندما يهين من حوله، أو يضربهم، تتهافت عليه النساء بسهولة، ويتغنين بجماله الشديد، وعلى الأغلب يكون ثريًا للغاية أو يسعى للثراء، لكنه في ذات الوقت ابن الشعب المصري البسيط، الذي قد يأخذ حبيبته البرجوازية إلى مطعم السوشي الذي تحبه، ثم يخبرها أن وجبته المفضلة هي الكشري.
أما عن الصفات الجسدية، فالذكر المثالي لحسني وسيم، مفتول العضلات دائمًا؛ وحتى تكتمل أسطورية ذلك البطل الكامل، فإنه يتعرض للظلم دومًا من حبيباته، اللائي يسئن الظن به ويعتقدن أنه خائن، مثل أفلام عمر وسلمى، وبحبك، ما يعطيه الفرصة لإظهار مشاعر الأسى على ملامحه لوقت كافٍ، قبل أن يعدن إليه مرة أخرى يبكين من الندم، معتذرات عن سوء ظنهن، أو عدم دعمهن له بالشكل الكافي، وبالتالي ينتهي الفيلم نهاية سعيدة.
نساء تامر حسني
لهذا الذكر المثالي في سينما تامر حسني، ثمة فتاة مثالية، لكن لمثاليتها سمات تتناسب مع وضعها الدرامي. هي جميلة بالتأكيد، لكنها ساذجة للغاية، على حد قول حبيبة، بطلة بحبك، فتامر كان حبها الأول، الذي علمها كل شيء في الحياة؛ هذا يبرر الدروس المليئة بالحكم التي يلقيها عليها في كل مناسبة وفيما يخص كل موضوع.
هي كذلك لا تعمل ولا تدرس، بل كرست حياتها السابقة لانتظاره، والتالية في الاستعداد للزواج منه أو البكاء عليه عندما ظنته خائنًا.
الشخصيات النسائية بوجه عام في أفلام تامر حسني محدودة للغاية، فلا نجد سوى بطلات مسطحات الشخصية مثل حبيبة، أو جميلة في فيلم مش أنا، أو ريم في البدلة، بعضهن لا تمتلكن عائلات من الأساس، كما لو أن تأسيس هذه الشخصيات مجرد عبء إضافي على بناء العمل.
نساء هذه الأفلام كذلك غير قادرات على التصرف بعقلانية أو اتخاذ ردود فعل منطقية، هن في حاجة للبطل المغوار على الدوام، فينقذ البطل جميلة من التحرش الذي تتعامل معه بسذاجة طفلة، ويوصل حبيبة المخمورة إلى منزلها، ويضع لها وقودًا في سيارتها لأنها تنسى ذلك دومًا.
هؤلاء النسوة يعتبرن التحرش أو الاعتداء بالضرب من هذا الذكر المثالي، أحد أنواع الدلال وإثبات حظوتهن عنده. في مشهد كامل يفترض أنه كوميدي ورومانسي يتحرش البطل في فيلم مش أنا بالبطلة وهي وحيدة معه في الشقة، ثم يضربها، ويلوم يده التي لها شخصية ذاتية.
وفي فيلم بحبك يقبل حبيبة مرتين على غير إرادتها، بينما تقف مذهولة أمام تلك الجرأة، التي جعلتها تفتح له قلبها. وفي مشهد لاحق عندما تغار عليه يضطر لضربها بشدة حتى تهدأ وتتوقف عن إثارة الضجة في المكان.
يطرح هنا سؤال نفسه، لماذا توافق الممثلات على تأدية تلك الأدوار التي تسيء بلا جدال لصورة المرأة، وفي الوقت ذاته لا تمنحهن مساحات تبرز مواهبهن التمثيلية؟ هناك إجابات متعددة منها أن أفلام تامر حسني تحظى بنسب مشاهدات عالية تجلب لهن الشهرة، أو تستدعي الإجابة حديثًا ذا شجون عن كتابة الأدوار النسائية في السينما المصرية التي تعطي للممثلات فتات المشاهد وشخصيات أحادية بلا أبعاد درامية.
تبعًا لكتاب الرجل على الشاشة، استكشاف الذكورة في سينما هوليوود ترى لورا ميلفي أنه "عندما يتماهى المتفرج مع الشخصية الرئيسية الذكورية، يقوم بإسقاط تطلعه على شبيهه وبديله السينمائي، حتى إن سلطة البطل الذكر وهو يسيطر على الأحداث تلتقي بسلطة النظرة الشهوانية للمتفرج، وتمنحه كلتا السلطتين إحساسًا مشبعًا بالقدرة المطلقة".
يؤسس تامر حسني في أفلامه لعلاقات ذات ديناميكيات مشوهة، يختلط فيها التحرش والعنف بالرومانسية والرقة، بأبطال ليس هو فقط كصانع عمل من يعتبرهم مثلًا أعلى، بل الكثير من المتلقين الذكور، الذين يرغبون في أن يصبحوا مثله، ويتماهون مع تلك الشخصية النرجسية المفعمة بالتستستيرون.
بينما على الجانب الآخر وتبعًا للورا ميلفي كذلك فإن المشاهدة تتماهى أيضًا مع البطل الذكر وليس مع البطلة الأنثى، فتشاهد الأحداث من وجهة نظره، وتنجذب لذلك المثال الذكوري، فلا ترى من البطلات شخصياتهن المعيوبة، بل المزايا التي يحصلن عليها من هذه العلاقة مثل حبيب وسيم، ومال وفير، وحب مخلص.
نشرت المنصة هذا الموضوع يوم 26 يوليو 2022 بعنوان مختلف، وقامت بتغييره إلى العنوان الحالي بتاريخ 27 يوليو 2022 لوقوعها في خطأ استخدام عنوان يكاد يتطابق مع عنوان موضوع آخر نشرته المنصة قبل عدة أشهر.