تصوير: صفاء سرور
لقاء المبادرة وشمسية حول التطبيق التجريبي للتأمين الصحي الشامل في بورسعيد

تقييم مجتمعي لمنظومة التأمين الصحي: الروتين يستمر في مستشفيات أكثر تطورًا

منشور الأحد 29 ديسمبر 2019

طالب باحثون وناشطون في مجالات الصحة وحقوق الإنسان والعمل الأهلي، السلطات المصرية بتطبيق عدد من السياسات من أجل تحقيق الإصلاح الصحي، وذلك بناءً على نتائج بحث وتقييم الخدمات المقدمة في إطار التطبيق التجريبي لمنظومة التأمين الصحي الشامل الجديدة.

وخلال لقاء نظمته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، طالب الباحثون بعقد شراكات بين السلطات الرسمية المسؤولة عن تطبيق النظام الجديد مع المجتمع المدني، ووضع معايير للاعتماد والجودة وتطبيقها على منشآت الرعاية الصحية، استنادًا إلى قرار رئيس الوزراء رقم 2040 لسنة 2018 بتشكيل مجلس إدارة الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية المخوّل لها اعتماد المستشفيات.

واستعرض الباحثون بكل من فريق شمسية لإدارة الأنظمة الصحية والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، تقريرًا حول التشغيل التجريبي لمنظومة التأمين الصحي الشامل في محافظة بورسعيد، قبل وبعد البدء في تطوير تلك المستشفيات.

مجهودات قديمة

كشف الدكتور علاء غنّام، مسؤول الحق في الصحة بالمبادرة وعضو لجنة قانون التأمين الصحي الشامل، عن كواليس قديمة تتعلق بالقانون الحالي وملابسات إعداده، كان منها ما حدث في 2006 و2007 "حين حاولت الحكومة- آنذاك- أن تحوّل الهيئة العامة للتأمين الصحي إلى شركة قابضة؛ ما دفع المبادرة المصرية للاشتباك قضائيًا بدعوى انتهت لصالح المنظمة الحقوقية، التي تمكنت من وقف قراري رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة الخاص بتحويل الهيئة".

وتابع غنّام "بعد 2011، تشكلت لجنة ﻷول مرة لوضع القانون، بها ممثلين عن منظمات المجتمع المدني، وكنت واحدًا منهم، وكان لهم تأثير في صياغة القانون؛ ما جعله يسير ببنوده- من وجهة نظري- في الاتجاه الصحيح".

يذكر أن أعمال وضع قانون التأمين الصحي انتهت بنهاية عام 2017، واعتمده رئيس الجمهورية أوائل عام 2018.

مصاعب التطبيق

وفقًا لغنّام، كان من المقرر أن يبدأ وزير الصحة تطبيق المنظومة بعد ستة أشهر، لكنه عجز عن التنفيذ وتم استبعاده ورئيس هيئة التأمين الصحي، وحلت محلّه وزيرة جديدة طالبت بمهلة سنة كاملة من أجل التنفيذ "ما ينم عن أن عملية التنفيذ تواجهها صعوبات أدركوها مؤخرًا، منها على سبيل المثال انهيار البنية التحتية في القطاع العام، وهروب العمالة للخارج".

يشير غنام في تصريحات للمنّصة إلى أوجه أخرى تمثل عوائق أمام تطبيق المنظومة، منها "تحديد الفئات الأكثر احتياجًا بين المشمولين بالمنظومة، وتطبيق معايير الجودة على هيئات القطاع الخاص من مستشفيات ومعامل تحاليل بعضها مثلاً يتواجد في أماكن سكنية وبصورة لا تستوفي المعايير السليمة، وكذلك مدى الحماية التي ستتوفر لهيئة الاعتماد والجودة من أن يتدخل أصحاب المصلحة من لوبي مستشفيات أو معامل في عملها".

المريض الخفي

منذ عام 2017، عمل فريق تابع لشمسية وبالتعاون مع جهات أهلية على متابعة وتقييم تجربة منظومة التأمين الصحي، وذلك بصورة مجتمعية "تنقل وجهة نظر متلقي الخدمة، وفقًا لمعايير محددة لا تفتح أي مجال للأهواء أو الأحكام الشخصية"، وفقًا لما ذكره للمنصّة أعضاء الفريق.

وشمسية هي مبادرة غير ربحية، تهدف إلى دعم وتعزيز الجهود المجتمعية من أجل خلق نظام رعاية صحية يدار مجتمعيًا بصورة مستدامة ومتطورة وتشاركية بصورة متمحورة حول متلقي الخدمة بشكل أساسي.

وفي سبيل تحقيق تلك الأهداف، أطلقت شمسية بوابة إلكترونية تحت عنوان eghospitals تهدف لتقديم عرض مفصّل لكل مستشفى، بالمعلومات الأساسية عنها، وكذلك التقييم المجتمعي لها بالأرقام التفصيلية، بصورة تساعد متلقي الخدمة الصحية على الاستناد لمرجع يساعده في اختيار المكان الأنسب له بمعلومات مبسّطة ومتاحة، وهو ما تمكنت من خلاله من استعراض تقييمات لـ650 مستشفى في 16 محافظة منذ عام 2016 وحتى الآن.

عن هذه التجربة، يقول الدكتور أيمن سبع، منسق التقييم الميداني ومدير منظمة شمسية، إن التقييم الميداني للمستشفيات استند إلى "معايير موضوعة بصورة تشاركية، تم وضعها بعد استطلاع آراء المواطنين عام 2016 حول ما يستندون إليه عند تقييمهم للمنظومة الصحية والخدمات المقدمة في أي مستشفى، ثم مقارنتها بمعايير الجودة الصحية الموضوعة آنذاك في مصر أو السعودية أو الأمريكية JCI".

وأضاف سبع أن "التقييم للمستشفيات يتم بطرق مختلفة، من بينها طريقة mystery patient أو المريض الخفي، وفيها يؤدي المقيم دور مريض يرغب في تلقي الخدمة الصحية أو كمرافق لمريض، بحيث يشاهد بصورة واقعية ما يتم في المستشفيات وفقًا لمحاذير محددة منعًا للتأثير على إيقاع العمل أو مقدم الخدمة أو الإضرار بمصلحة المريض".

تعمل شمسية على تقييم المستشفيات وفقًا للمعاينة من جانب فريق ميداني يضم ثلاثة أشخاص، ينقلون مشاهداتهم للفريق الذي يحلل ما جمعوه من بيانات وتقييمات، ويطابقها قبل الخروج بنتيجة نهائية، وفقًا لسبع، الذي يشير إلى أن بعض المعايير لا تتطلب إلاّ رأي شخص واحد فقط من فريق المتابعة، مثل التدخين داخل المستشفى، وأخرى تتطلب إجماع الآراء قبل الحكم بصحة التقييم.

 

نموذج لتقييم أحد مستشفيات بورسعيد وفقًا لعدد من المعايير

وذكر مدير شمسية أن نتائج تقييمات المستشفيات، على اختلاف ملكياتها، يتم عرضه على إداراتها، مع إتاحة الحق لهم في المطالبة بإعادة التقييم، وذلك مع نشر النتائج النهائية لها على موقع eghospitals، لافتًا إلى أن "المستشفيات العامة أكثر ترحيبًا بالتقييمات ﻷنها ستساعدها على الوفاء باحتياجاتها، بينما الخاصة يكون لديها تخوّف من التدخل في عملها أو أن يؤثر التقييم على صورتها أمام الجمهور".

وأضاف سبع أن من بين أوجه التقييم أمور تتعلق بعوامل منها ﻷي مدى المستشفى صديق لذوي الاحتياجات الخاصة أو الشباب أو المرأة، لافتًا إلى أحقية المستشفيات في طلب إعادة التقييم.

إيجابيات وسلبيات

استندت شمسية في عملها إلى لقاءات مع مقدمي ومتلقي الخدمات الصحية للتعرف على المشكلات والمزايا الخاصة بكل مؤسسة طبية خضعت لتقييمهم.

لكن الأمر لم يخل من مصاعب، خاصة في جهات بعينها، من بينها محافظات الصعيد، وفقًا لما ذكره للمنصّة سيد جمال، عضو الفريق الميداني بشمسية، تمثّل أبرزها في قلة عدد مستشفيات الصعيد، بجانب أن بياناتها مجهولة بالنسبة لمتلقي الخدمة؛ ما اضطر الفريق لإجراء بحث ميداني لجمع البيانات الأساسية عنها، قبل بدء التقييم.

بجانب العراقيل، كشفت المتابعات الميدانية وتقييم المستشفيات عن بعض النقاط الإيجابية التي تحققت بعد تطبيق المنظومة في بورسعيد، كان منها "تطور البنية التحتية والمعدّات وكفاء الأطباء وطاقم التمريض، والتواجد الأمني الملحوظ والمتعاون مع متلقي الخدمة الطبية، وتواجد فريق جودة لتقييم مؤشرات الأداء بانتظام".

في المقابل، كان هناك أوجه قصور، من بينها "التعقيدات البيروقراطية المصاحبة لعملية تحويل المرضى، وتحصيل الاشتراكات في خدمة التأمين بأثر رجعي حتى قبل اكتمال المنظومة وخدماتها، وتمركز المستشفيات في منطقة واحدة مع قصور عددي في مناطق أخرى مثل بورفؤاد".

وانتهى التقرير، بناءً على هذا المسح والتقييم إلى عدّة توصيات، كان من بينها الاستثمار العادل في الصحة، بصورة تهدف لسد فجوتي التمويل والعدالة، بين الاحتياج وبين المتوفر في الخزانة العامة للدولة، والتنبه لخطورة الاحتكار في القطاع الصحي ومواجهته، لاسيما في مصانع الدواء والمعامل والمستشفيات، وتحقيق شروط الاعتماد والجودة للمنشآت الصحية بإجراءات موضوعية مثل الإشراف والمتابعة والتفتيش الدوري عليها.