تصميم: يوسف أيمن - المنصة

فوكو على الرصيف: سوق الكتب المزورة في ازدهار

منشور الأربعاء 9 سبتمبر 2020

 

على مدار عقود، كانت صناعة الكتاب المزور في مصر لها تقاليد معروفة ومعايير نوعية متفق عليها ضمنيًا، كأن يكون كتابًا تصدر الترند أو منع من النشر لسبب أو لآخر. لهذا كان منطقيًا أن تجد نسخًا مزورة من روايات مثل أولاد حارتنا لنجيب محفوظ أو جمهورية كأن لعلاء الأسواني أو مائة عام من العزلة لجابريل جارسيا ماركيز. 

ولكن الجديد في عالم الكتاب المزور حاليا، هو اتساع حجم هذا السوق كمًا وكيفًا، كمًا من ناحية الإنتاج الضخم، وكيفًا من ناحية توسيع نطاق الأعمال المزورة. فمن يصدق أن كتب ميشيل فوكو ونيتشه وماركس وإنجلز يتم تزويرها وتوزيعها رغم أن قارئ هذه النوعية من الكتب، مفترض أنه شديد النخبوية والندرة بالطبع؟

وصلت ضخامة إنتاج الكتب المزورة إلى مدى لا نستطيع حصره، فقد امتد التزوير ليطال آلاف العناوين لآلاف الكتاب وفي كافة المجالات، أعمال لرضوي عاشور وهاروكي مواركامي وديستوفسكي وتولستوي وجيوم ميسو و أليف شافاك وإحسان عبد القدوس وسارتر ونجيب محفوظ وإريك فروم ومئات غيرهم.

هذا الإنتاج الضخم يعني ببساطة ان هناك سوقًا واسعًة تتلقف هذه الأعمال من المزورين، سوق نشطة بسبب انخفاض الأسعار مقارنة بالطبعات الأصلية، فالفارق المذهل في السعر بين النسختين يجعل اقتناء الكتاب المزور خيارًا لا غنى عنه للبعض. فعلى سبيل المثال سعر النسخة المزورة من رواية الإخوة كرامازوف لديستوفسكي هو 120جنيهًا، أما النسخة الأصلية فيتجاوز سعرها 700 جنيه، أي أن الأصلية أغلى بستة أضعاف مع فارق جودة لا يُذكر تقريبا. رباعية مقبرة الكتب المنسية لزافون تباع طبعتها الأصلية بـ 900 جنيه بينما يبلغ سعر المزورة 250 جنيهًا فقط ودون فارق في جودة الورق والطباعة، وقس على ذلك مئات الأمثلة.

لا نتجاهل أيضا مدى السرعة التي أصبحت تتم بها العملية، فعلى سبيل المثال صدرت الطبعة العربية من روايتي عشر دقائق و38 ثانية لأليف شافاك وسفينة نيرودا لإيزابيل الليندي في مصر يوم 15 يوليو/ تموز الماضي، ولم تتأخر الطبعة المزورة أكثر من أسبوع واحد فباتت متاحة في 22 يوليو.

اللافت أيضًا أن منافذ بيع هذه الكتب ليست سرية ولا الحصول على نسخ منها لا يتطلب معرفة شخصية مسبقة ببائعها، فكثير من هؤلاء لديهم صفحاتهم على فيسبوك مثلًا والتي يمكنك من خلالها التواصل معهم تليفونيًا كذلك. 

أحد المسؤولين عن إحدى هذه الصفحات قال "أعمل في تجارة الكتب الهاي كوبي (النسخ المقلدة عالية الجودة) منذ عدة سنوات، لدينا مكتبة فعلية في منطقة قريبة من القاهرة ونعمل بشكل علني، لدينا أيضًا صفحة على فيسبوك ويتواصل معنا عدد كبير من القراء والمشترين الذين يقبلون على شراء كتبنا رغم علمهم أنها طبعات ليست أصلية وذلك بسبب أسعارها الجيدة"، مُضيفًا أن سبب انخفاض الأسعار أنهم لا يدفعون حقوق نشر أو رقم إيداع.

ويوضح الموزع الذي تحدث إلى المنصة بشرط عدم ذكر اسمه أن كتب كبار الفلاسفة كنيتشة وماركس وفوكو هي "عماد التوزيع" لديه وتشكل جزءا جيدًا جدًا من مبيعاته الشهرية.

علاقة هذا المصدر بالكتب بدأت "قبل عدة سنوات من خلال عربة صغيرة لبيع الكتب، لكن التجربة لم تلق نجاحًا، فقررنا أن نؤجر مكانًا نمارس فيه نشاطنا وبالتوازي مع ذلك أنشأنا صفحة على فيسبوك".

واستطرد "نجحت الصفحة سريعًا واجتذبت المئات من القراء خاصة أثناء أزمة كورونا حيث اعتاد الناس على الشراء الإلكتروني، أعلم أن العمل في الكتب المُقلدة مسألة غير قانونية وأننا قد نواجه مشاكل مع المصنفات الفنية حال وصولها لنا، لكن تحركات المصنفات غالبُا ما نعرف بها قبل حدوثها وبالتالي لا يتمكنون من الوصول إلينا أو القبض علينا".

ويشير إلى أن "المصنفات صلاحيتها فقط عمل قضايا للكتب المصرية المزورة، أما الكتب العربية أو الأجنبية فليست من اختصاصها. لأن الناشر العربي لا يتقدم ببلاغات للمصنفات المصرية بشأن تزوير كتابه".

يأمل الموزع أن يكون عمله في بيع الكتب المقلدة "مؤقتًا"، مؤكدًا أنه بدأ عبر صفحته في بيع كتب أصلية بعد أن أصبحت الصفحة مشهورة ولها متابعيها، حتى أن الناشرين بدأوا يتواصلون مع الصفحة يعرضون عليها أن تتولي توزيع كتبهم الأصلية وبأسعار تنافسية، ولكنه رفض ذكر أسمائها.

تصدير إلى الخارج واتهامات بـ "التواطؤ"

يوضح مدير دار التنوير شريف جوزيف أن "أطنانًا من الكتب المزورة يتم تصديرها للخارج من مصر"، ما يعني أن شبكة التوزيع أصبحت شبكة إقليمية واسعة ولم تعد تعتمد فقط على الزبون المحلي، موضحًا أن "السوق السعودي هو المقصد الأول للكتب المزورة، حيث تخرج حاويات كاملة أحيانا من مصر إلى الأردن ثم تكمل طريقها عبر الأردن إلى السعودية مما يصعب من إمكانية تتبعها".

ويعلق جوزيف بأن "السوق المصري لا يمثل سوى قطعة صغيرة من الكعكة بينما القطع الأكبر في الخارج"، مؤكدًا أن هناك "تواطؤًا" من اتحاد الناشرين، فالمزورين معروفون بالاسم وبعضهم أعضاء في اتحاد الناشرين ومع ذلك لا يتحرك أحد بجدية لوقف هذه الجريمة.

أما الكاتب الصحفي سيد محمود فيُكمل حديث جوزيف حول اتساع شبكة توزيع الكتاب المزور في مصر إقليميًا، مضيفًا أنه شاهد بنفسه في جولاته في المغرب والجزائر والأردن كتبًا مزورة في مصر تباع في المكتبات.

ويشير محمود في حديثه إلى المنصة إلى أن "المزورين حاليًا طوروا من أنفسهم كثيرًا وباتوا يعتمدون في اختياراتهم على (البيست سيلر)، فهم يتابعون جيدًا مكتبات مثل تنمية وغيرها ويعرفون من خلالها أهم الكتب التي يقبل الجمهور على قراءتها فيقومون بتزويرها سواء كانت أعمال أدبية أو غير ذلك".

ويرى أن على الدولة "التدخل بقوة في هذا الملف أو ملف صناعة النشر في مصر عمومًا"، مؤكدًا أنه "من المهم للدولة نفسها أن يكون حجم هذا السوق ونشاطه معروفًا لها بشكل دقيق، فهي صناعة و قضية قومية وانت كدولة صاحب مصلحة في ضبطه ومعرفة بيجيب دخل قد أيه"، كما طالب الدولة كذلك بتقديم تسهيلات للناشرين "مثل خفض الجمارك أو إلغائها على الكتب لأن هذا سيؤدي لخفض التكاليف على الناشر والموزع وبالتالي تنخفض أسعار الكتب مما سيقلل من فرص الكتاب المُقرصن".

تكاليف أقل.. تداخل أكثر

الناشر محمد البعلي مدير دار صفصافة للنشر يقول للمنصة إن "الظاهرة استفحلت بالفعل وتجار الطبعات غير الأصلية ينشطون بشدة وبعضهم ناجح جدا ولديهم شبكات توزيع أقوى وأنجح من الناشر الأصلي، يساعدهم في هذا تراخي الدولة في تطبيق القانون وضعف الأدوات القانونية والبيئة التشريعية غير المواكبة لتطورات سوق النشر ومشكلاتها، وضعف العقوبات أيضا بمعنى أنه حتى لو تم ضبط قضية بعد كافة الإجراءات فالعقوبات تكون ضعيفة".

ويفسر البعلي انخفاض أسعار الكتب المزورة، فناشرها لا يتحمل سوى تكلفة الطباعة فيما يدفع الناشر الأصلي تكاليف حقوق المؤلف والدعاية والتسويق وإيجار المكتب ومرتبات الموظفين وتكاليف أخرى مختلفة.

ويوضح البعلي أن "هناك جانب آخر يتعلق بطريقة البيع وده جانب مهم جدا أقدر أقول عليه كلمة السر، الناشر العادي دورة راس المال عنده بطيئة وهناك مخاطرة ولو ضئيلة حتى بالنسبة للكتب الناجحة، مخاطرة قائمة ان الكتاب ما يتباعش  فهو في النهاية محتاج يرفع هامش ربحه عشان يغطي تكاليفه المتنوعة من حقوق مترجم ومؤلف وحقوق ترجمة".

ويضيف "في المقابل، المزور يعمل الآتي بيطبع الكتاب الناجح جدا فقط والمتأكد من شبكة توزيعه أنه مطلوب، وبالتالي لو طبع ألف نسخة لكاتب ناجح ولنقل مثلا أليف شافاك، هو لم يدفع تكاليف لا ترجمة ولا تنفيذ ولا مراجعة ولا غلاف ولا أي حاجة ولا دعاية ولا عنده موظفين، بياخد الكتاب بيصوره ويبيعه وبعدين يتعامل مع المنافذ بتاعته اللي هي فرشات ومكتبات في الأقاليم ومكتبات في القاهرة أيضا مش عليها العين، وبالتالي يقدر يكتفي بهامش ربح منخفض مقابل توزيع النسخ سريعا، هو مش محتاج يحط هامش ربح كبير لأنه ما عندوش لا تكاليف ولا مخاطرة".

ويرى البعلي أن علاقة اتحادات الناشرين بموزعي الكتب المزورة في مصر والدول العربية "وبالذات الدول اللي فيها عدد كبير من الناشرين وسوق كبير للكتب معقدة، تصل إلى أن مزورين معروفين بقوا أعضاء في مجالس الاتحادات، المزورين أول ما بيتعمل اتحاد للناشرين بيكونوا حريصين على أن يصبح لهم  تواجد كي يتمكنوا من التأثير به ويربطوا نفسهم بالمتنفذين فيه ويوصل انهم يصبحوا أعضاء في مجالس الإدارة ولهم قوة، وبالتالي ده بيعوق كتير من التحركات وبيخليهم مطلعين على خطط التحرك أولًا بأول".

ويضيف "أملنا ضعيف  في تحرك اتحادات الناشرين العربية في الدول اللي فيها عدد كبير من الناشرين ومعروفة تاريخيا بأنها أسواق للكتب زي العراق والمغرب ومصر ولبنان، نتمني أن يتغير هذا الوضع، لكنه لن يتغير إلا بتغير البيئة القانونية، حينما يكون هناك عقوبات قوية ورادعة على المزورين تصل إلى تجميد كل أصولهم المالية ومصادرة السيولة التي معهم كي تمنعهم من العودة للنشاط، أنا لست مع عقوبات الحبس والتوسع فيها، أطالب أيضا بالإغلاق التام والنهائي لكل مطبعة تشارك في عملية تزوير الكتب، وإلغاء رخصة أي متجر أو فرشة تتعامل في الكتب المزورة".

إلى جانب ذلك فإن النشر المشترك بين دور النشر العربية والمصري قد يبدو حلًا ناجعًا، فعلى سبيل المثال؛ صدرت رواية سفينة نيرودا لإيزابيل إلليندي في طبعة مشتركة خاصة بمصر بين مكتبة تنمية ودار الآداب في بيروت، يبلغ سعرها 112 جنيه، بينما يبلغ سعر النسخة المقلدة 60 جنيهًا.

هذا الفارق الأقل نسبيًا في السعر سيصب في مصلحة الناشر الأصلي، قياسًا بفارق سعر النسختين الأصلية والمقلدة من رواية مثل الإخوة كرامازوف أكثر من 500 جنيه وهو ما يعني أن القارئ سيلجأ غالبًا إلى النسخة التي يستطيع تحمّل ثمنها.