صفحة مطران المنوفية الأنبا بنيامين، فيسبوك
الأنبا بنيامين مطران المنوفية

أبانا الذي في المنوفية يراوغ ولا يسامح

قراءة في ملامح شخصية الأنبا بنيامين

منشور الثلاثاء 13 فبراير 2024

"إن من لا يغفر لأخيه لن يغفر له الله أيضًا، ولن تُقبل صلواته، ولا أصوامه، ولا صدقاته. بل يكون مرفوضًا من الله"، كانت هذه هي النصيحة التي اختار الأنبا بنيامين مطران المنوفية أن يرسلها يوم 22 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ضمن "كبسولاته" اليومية للكهنة والرعية عبر واتساب، بعد أيام على صدور قرار بالقبض على أكاديميٍّ مسيحيٍّ، اتهمه الأنبا بسبِّه ومضايقته و"ازدراء المسيحية". 

فبسبب مناقشات دينية خاضها مع عدد من كهنة الشهيد مارجرجس في مدينة منوف، وإثر بلاغ تقدم به الأنبا بنيامين عن طريق محاميه، وجد كيرلس ناشد، المدرس المساعد بكلية الهندسة الإلكترونية بجامعة المنوفية، نفسه قيد المحاكمة، ليصدر الأسبوع الماضي حكم بحبسه ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ، وغرامة 100 ألف جنيه، و20 ألف جنيه أخرى كتعويضٍ مدنيٍّ مؤقتٍّ.

وفي تحدٍّ عنيدٍ، رفض الأنبا بنيامين توسلات الأم المكلومة على مستقبل ابنها، مثلما صدَّ محاولات الوساطة الكثيرة التي حاولت إقناعه بالتنازل عن البلاغ حفاظًا على صورة الكنيسة وعلاقة رجل الدين بأبنائه، ومكانته الشخصية، خصوصًا أنه من شيوخ المطارنة. 

ولكنَّ المطران اختار طريق المراوغة والتحايل، فأنكر علاقته بالمحضر الذي حرَّكت النيابة العامة القضية بسببه، بالرغم من أنَّ محاميه قدم أثناء المحاكمة توكيلًا منه، وتفويضًا من المطرانية، منضمًا للنيابة العامة في طلباتها بتوقيع أقصى العقوبة على المتهم.

فما الذي أغضب الأنبا بنيامين لهذه الدرجة وجعله غير عابئٍ بصورته؟ وإلى أي درجة اشتبكت آراء ناشد مع مواقف المطران وصورته الذهنية عن نفسه؟ ولماذا استدعى أجهزة الدولة والمسؤولين قائلًا إنهم تحركوا "إكرامًا واحترامًا لمكانته"؟ وأين الكرسي البابوي مما يحدث، خاصة وأنَّ القضية تتجاوز كونها نزاعًا فرديًا بين راعٍ وأحد أفراد رعيته، فهذه القضية ليست الصدام الوحيد في حياة الأنبا بنيامين، الذي أبدى قبل عدة سنوات تشددًا في منع مظاهر الفرح وإقامة احتفالات الزفاف خارج الكنيسة، عن طريق فرض ما يشبه الغرامة على المخالفين.

من أين جاءت السلطوية

تتطلب إجابة هذه الأسئلة فهمًا لملامح شخصية الأنبا بنيامين، وكيف تشكَّلت بفعل الجغرافيا وظروف رهبنته واختياره أسقفًا، لترسم لاحقًا حدود علاقته بالمسيحيين في إيبارشيته، وبالسلطة السياسية، وكيفية اشتباكه مع قضايا الشأن العام.

رأى الأنبا في قيام شاب بمقارعة حججه تهديدًا للنظام المستقر لا يجوز التساهل معه

ولد الأنبا بنيامين في قرية البتانون بالمنوفية في 24 يونيو/حزيران 1947 باسم ميخائيل عبد الملاك، وعاش بها حتى التحق بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية، ثم عمل بإدارة الكهرباء لمدة ثلاث سنوات، قبل أن يترهبن في دير الأنبا بيشوي عام 1973. وفي 13 يونيو/حزيران 1976 اختير أسقفًا لإيبارشية المنوفية.

تكشف هذه المعلومات بعض جوانب شخصية الأنبا بنيامين، فلا يمكن إغفال تأثره بطبيعة النموذج الأبوي للعلاقات السائد في المنوفية، هو ابن محافظة يعمل قطاع واسع منها في الجيش، بما يضفيه ذلك من التزام صارم بالتعليمات، واحترام مطلق للهيراركية.

إذا أضفنا إلى ذلك قصر فترة الرهبنة، التي بلغت ثلاث سنوات، وصغر سنه (28 سنة) عند رسامته أسقفًا، بما يعنيه من قلة الخبرات العملية اللازمة للتعامل مع السلطات الواسعة لهذا المنصب الديني، الذي صُعِّد إليه الأنبا بنيامين مبكرًا في ظل قرارات البابا الراحل شنودة الثالث رسم أساقفة من أبناء مدارس الأحد، لتغيير تركيبة المجمع المقدس وتنظيم الكنيسة.

يمكن القول إنَّ هذه الملامح التي صبغت شخصية الأنبا بنيامين بمزيد من السلطوية والتشبث بالرأي، بدت واضحةً في معالجة خلافات بعض كهنة المنوفية مع كيرلس ناشد وبعضها تعود جذورها لسنوات، باستنكار أن يخرج الابن عن طوع أبيه الكاهن، وينتقد تعليمه ويكشف عجز حجته أمام الآخرين، فانتقاد كاهن يعني انتقاد منظومة الكهنوت، وانتقاد منظومة الكهنوت انتقاد للكنيسة، وانتقاد الكنيسة انتقاد للأرثوذوكسية كلها.

رأى الأنبا في قيام شاب، مهما بلغ مستوى تعليمه وثقافته وارتباطه بالخدمة الدينية، بمقارعة حججه، ودعوة شعب الكنيسة للتفكير في الخرافات المنتشرة ومراجعتها، تهديدًا للنظام المستقر ولسلطة المطران لا يجوز التساهل معه.

فقبل نقل الخلاف إلى ساحات المحاكم؛ كانت مراحل استُخدمت فيها سلطة العقاب الكنسي ضد ناشد، بمنعه من دخول الكنيسة بدعوى أنَّ "أفكاره بروتستانتية". وهو سلوك أشبه بما كنا نفعله في طفولتنا عندما نلعب الكرة؛ فصاحبها يتحكم في كلِّ شيء، وبإمكانه أخذها والرحيل إذا لم يعجبه قرار أو كلمة أو سلوك من المجموعة أو أحد أفرادها.

ولكن هل الكنيسة ملكية شخصية لرجال الدين يتحكمون فيمن يدخلها وكأنها بيوتهم؟ وهل يحق لهم حرمان المواطنين من ممارسة الشعائر الدينية والحصول على الخدمات الروحية؟

ينافي هذا السلوك قيمةً مسيحيةً راسخةً بأنَّ الكنيسة ملكٌ للجميع، ومفتوحةٌ للجميع؛ المؤمن وغير المؤمن، المسيحي وغير المسيحي. أيضًا، وهو أمر فيه عدوان على الدستور الذي ضمن حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، فالمؤسسة الدينية، وإن كانت قائمةً على رعاية دور العبادة وتقديم الخدمات الدينية والروحية، لكنها تقوم بذلك في إطار احترام وضمان الحق الأساسي لممارسة الشعائر الدينية.

كبسولات سياسية

يبدأ التأريخ لعلاقة الأنبا بنيامين بالسياسة من ظروف اعتقاله ضمن الأساقفة والكهنة الذين شملتهم اعتقالات سبتمبر/أيلول 1981 الشهير، عندما وضع السادات مئات السياسيين والصحفيين ورجال الدين في السجون بدون تحقيقات. وخرج الأنبا بنيامين بعد نحو عام.

في محطات الاختبار الفعلي ضاق المطران ذرعًا بالاختلاف عندما طاول كهنتَه أحدُ أبناء الرعية؟

ثم جاء مبارك الذي حرص على عدم تكرار تجربة السادات في الصدام مع قيادات الكنيسة، ومنح رجال الدين معاملة أفضل، وحصل في مقابل ذلك على منافع كان من بينها استخدامهم في الحشد الانتخابي، وهو ما تفوق فيه الأنبا بنيامين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة على جميع نظرائه من رجال الدين المسيحيين والمسلمين، في حماسه لتأييد المرشح عبد الفتاح السيسي.

لا أناقش هنا إعلان الموقف السياسي تأييدًا أو معارضةً، فكل شخص حر في ذلك. ولكنَّ الأنبا بنيامين واظب منذ أول ديسمبر/كانون الأول وحتى إجراء الانتخابات في منتصف الشهر ثم إعلان النتيجة، على كتابة كبسولات سياسية يومية يرسلها للكهنة والخدام وينشرها على جروبات واتساب مسيحية، تتحدث عن إنجازات الرئيس، وتدعو شعب الكنيسة إلى رد الجميل، وتوجه الكهنة والخُدَّام إلى تنظيم الناخبين على أيام الاقتراع الثلاثة.

ومن الآراء اللافتة للأنبا بنيامين، تبنيِّه نظرية المؤامرة التي تقدِّم تفسيرات غير علمية ولم تثبت صحتها بشأن فيروس كورونا، بادعاء أنه جُهِّز في معامل أوكرانية، وجاءت الحرب الروسية و"نَجَّت الجميع من فيروس كورونا [..] ضرب الرئيس بوتين تلك المعامل وأنهى الفيروس، ولو ظلت أوكرانيا كما هي لن تنتهي الفيروسات، لأنَّ أمريكا لديها فكرة تقليل العدد [..] كانوا يريدون تخفيض الأعداد لاتنين مليار، وهذا الفيروس قضى على الملايين من البشر، عايزين يخلصوا على البشر".

يتولى الأنبا بنيامين مسؤولية لجنة الإيمان والتعليم بالمجمع المقدس، وهي لجنة تضم كبار الحرس القديم من أصحاب الفكر المتشدد مثل الأنبا أغاثون. وهؤلاء لديهم جماعات تدافع عنهم وعن أفكارهم لدرجة انتقاد البابا. وعندما سئل الأنبا بنيامين عن ذلك اعتبره "وضعًا طبيعيًا وعلامةً صحيةً، وأحقية الاختلاف والاعتقاد والتفكير المنطقي كل بحسب رأيه، وهذا نوع من التفاعل المفيد الذي يدعو للبحث والحوار ويخلق اتفاقًا على أسس التفكير، وهي ظاهرة صحية جدًا".

لكن في محطات الاختبار الفعلي، ضاق المطران ذرعًا بالاختلاف، عندما طاول كهنتَه أحدُ أبناء الرعية؟

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.