برخصة المشاع الإبداعي: ويكيبيديا
صورة غير مؤرخة لمتظاهر يرفع علم مصر أثناء ثورة يناير

سرديات يناير الصحفية| نخبنة الثورة

منشور الأربعاء 5 فبراير 2025

من تختار؟ البرادعي أم عمرو موسى؟

الاختيار بين هاتين الشخصيتين لقيادة البلد يظهر بوضوح، وبلا مواربة، في الجزء الأبرز من الصفحة السابعة من عدد الشروق يوم 2 فبراير/شباط، الذي صدَر بينما يجري الإعداد لموقعة الجمل. وبالتناقض مع مشهد العصور الوسطى للخيول والجمال وهي تقتحم الميدان الرئيسي لإحدى أكبر مدن العالم، كانت الشروق تقدم دبلوماسيين اثنين، معروفين بالأناقة، ويتمتعان بعلاقات خارجية واسعة، ليختار القارئ أحدهما لقيادة المرحلة الجديدة.

تنقسم الصفحة طوليًا بالتساوي بين موسى والبرادعي؛ نفس حجم المانشيتات والنص والصورة. في جانب منها "موسى: مستعد لتولي أي منصب إذا طُلب مني ذلك.. حوار فوري مع كل القوى.. والعودة إلى ما قبل 25 يناير غير مطروحة". أما على اليسار فنجد الخيار الثاني؛ "البرادعي: قيادات سابقة بالجيش أبلغتني بضرورة رحيل مبارك.. لا أستبعد الحوار مع السلطة لكن على أساس رحيل مبارك.. ومستعد لقيادة المرحلة المقبلة".

تصريحات عمرو موسى ومحمد البرادعي تتقاسم الصفحة السابعة من عدد الشروق يوم 2 فبراير 2011.

وفي العدد نفسه، نجد الخبر الأول عن منصة، يسمونها إذاعة، لما أُطلق عليه "تحالف شباب الثورة". خبر هامشي، إذا قُورن بالمساحة التي تشغلها نخب الشيوخ. أما الطبقات الشعبية فتظهر فقط في التقارير الإخبارية المطولة التي تتناول التفاصيل. لكنها تغيب عن أغلب التحليلات أو الكتابات الموضوعة داخل براويز. فمن جديد يتكرس شعور بوجود عالمين متوازيين لا يلتقيان؛ عالم المواجهات والتظاهرات والفاعليات في الشوارع والأحياء، وعالم النخب والطبقة الوسطى القاهرية.

في المقال السابق، الرابع من هذه السلسلة التي أتناول فيها التشكُّل التدريجي لسردية صحيفة الشروق عن ثورة يناير 2011، تحدثت عن هالات التمجيد التي بدأت تُحيط بـ"جمهورية ميدان التحرير". في هذا العدد نفسه نجد مانشيت له دلالته في بداية إلصاق قداسة ما على الميدان، ناهيك عن مركزيته التي تكرست فعليًا خلال الأيام السابقة "حجيج الانتفاضة يتدفقون إلى ميدان التحرير". أيقونية الميدان ستزداد بعد صموده في موقعة الجمل، وليلة الحصار الطويلة التي تلتها.

هيكل متجاوزًا 1952

الصفحة الأولى من عدد الشروق يوم 3 فبراير 2011

الصفحة الأولى من عدد 3 فبراير، اليوم التالي لموقعة الجمل، مقسمة لجزءين رئيسيين بعنوانين رئيسيين. الأول، الأساسي أعلى الترويسة، عن استكمال هيكل حديثه في تمجيد الثورة والجيش "محمد حسنين هيكل يكتب لـ'الشروق' عن: أول ثورة مصرية كاملة في التاريخ الحديث"، وتحته مباشرة ثلاثة عناوين شارحة؛ "أسبوع عبور المصريين لعصر الشعوب الحرة"، و"ثوار 2011 تجاوزوا تمرد ضباط عرابي وثورة الجيش في 1952"، و"ميزان المستقبل أصبح في يد القوات المسلحة".

يستطيع القارئ أن يلاحظ بسهولة استبعاد هيكل ثورة 1919 الشعبية من استعاراته التاريخية، رغم أنها الأقرب لجوهر وروح وطبيعة ثورة يناير، في مقابل إبرازه نموذجين/حركتين/"ثورتين" يُنسبان للجيش المصري بينما يتحدث عن ثورة شعبية. ينسجم ذلك مع الجملة الأخيرة من العنوان، التي تضع "ميزان المستقبل" في يد القوات المسلحة، رغم ما يطرحه عن تجاوز ثوار 2011 ثورتي الجيش غير المكتملتين، بما فيهما الثانية، حركة الضباط الأحرار في 1952، التي صنعت مجد هيكل.

أما المانشيت الآخر، التالي لكلام هيكل، فهو الخبري؛ "البلطجية يعلنون الحرب على التغيير". مع صورة من موقعة الجمل.

في هذه الصفحة الأولى، التي أتت حافلة، إشارة بمانشيت من سطر واحد إلى لجنة حكماء تدعو لتولي عمر سليمان نائب الرئيس، إدارة المرحلة الانتقالية. لكن ملامح هذه اللجنة، وتفاصيل دعوتها تتأخر للصفحة الثالثة. هناك، سنعرف أنها لجنة جديدة تحاول العودة للوراء، بتصوير تولِّي نائب الرئيس إدارة المرحلة القادمة، مطلبًا شعبيًا من ضمن المطالب. بل تصل لاعتباره أول مطالب الملايين التي خرجت للشوارع.

تفاصيل خبر مطالبة لجنة للحكماء بتولي عمر سليمان إدارة المرحلة الانتقالية. الصفحة الثالثة من عدد الشروق يوم 3 فبراير 2011

من ضمن الموقعين أحمد كمال أبو المجد، الذي سيعود في عدد اليوم التالي بتصريحات يُفهم منها تأييده لبقاء مبارك حتى إتمام فترته الرئاسية، وضرورة عدم إهانته. ومع أبو المجد، وقع نجيب ساويرس، عمرو حمزاوي، عمرو الشوبكي، نبيل العربي، ومالك جريدة الشروق إبراهيم المعلم، وغيرهم. وهو ما يجعلها تبدو كلجنة موازية للجنة التي سبق وأن اقترحها، وبدأ في تشكيلها أحمد زويل.

لليوم الثالث، يستمر هيكل في احتلال موقع البطولة على صفحات الشروق. ففي عدد 4 فبراير إشارة بارزة لحواره، الذي سيُنشر في اليوم التالي، مع فهمي هويدي. أما ميدان التحرير فيحتل المانشيت الأساسي للصفحة؛ "المعتصمون يرابطون بميدان التحرير في جمعة الرحيل". مع صورة كبيرة بالألوان لمواجهات موقعة الجمل.

بين عمر سليمان ومفاوضات شركة السياحة

الشروق تستعرض ردود فعل عدد من الشخصيات المعارضة على حوار عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية. 4 فبراير 2011

في الصفحة الثانية من عدد 4 فبراير، ردود من بعض الشخصيات المعارضة على بعض ما قاله عمر سليمان، في أول حوار تليفزيوني معه. وهم عبد المنعم أبو الفتوح، وإبراهيم عيسى، ومحمود حمزة. وخبر في الصفحة التالية عن اعتقال سبعة من أعضاء ائتلاف شباب الثورة بعد لقائهم بالبرادعي. يُوصفون في العنوان بـ"القيادات الشبابية". وخبر آخر عن اعتقال نشطاء حقوقيين من بينهم المحامي الحقوقي الراحل أحمد سيف. 

من بين الأطروحات التي تأتي في سياق الأخبار، أيًا كان حجمها، تأييد كتاب ومفكرين لما جاء في بيان لجنة الحكماء، من بينهم الكاتب بهاء طاهر. لكنه يطالب بإضافة أحد الشباب إلى اللجنة ولو كمراقب، على اعتبار أن الشباب هم من بدأوا الثورة. في نفس هذا السياق، يعلن بهاء طاهر أنه سيرد جائزة مبارك التي نالها قبلها بسنتين. أما المفكر الآخر الذي يؤيد بيان لجنة الحكماء، دون أي تحفظ، فهو جلال أمين.

تأتي اللمسة الكوميدية في إشارة الجريدة لمفكر ثالث يؤيد بيان لجنة الحكماء ويراه مثاليًا. لكن هذا المفكر رفض ذكر اسمه!! رغم أن الشجاعة في التفكير والشجاعة في إعلان الأفكار من السمات التي تميِّز المفكرين. ورغم أن معرفة المفكر الذي يطرح الفكرة، أي فكرة، هو ما يكمل ملامحها. ناهيك عن أن كثيرًا من قراء الشروق، وغيرها من الجرائد المصرية، كانوا يعيشون أيامها في توهة لجان الحكماء، المختلفة، والمتنوعة. لدرجة أنه أحيانًا كان من الصعب معرفة عن أي لجنة يتحدثون.

الشروق تستعرض ردود فعل كتاب ومفكرين بشأن بيان لجنة الحكماء. عدد 4 فبراير 2011

يبدو كلام الكاتب بهاء طاهر، الخاص بضم أحد الشباب للجنة كمراقب، تعبيرًا عن هذا التوجه المزدوج الذي يتشارك فيه مع هيكل وآخرين. فمن ناحية، يحدث الاعتراف بما يمكن تسميته "الريادة الشبابية" في تفجير الثورة، ومن ناحية أخرى، تُستكمل عملية تهميشهم عن اتخاذ القرارات. بحيث يكتسب "الحكماء"، أو الجيش، أو كلاهما، أدوار البطولة.

في الصفحة السادسة حوار طويل مع البرادعي، له عدة عناوين، أهمها الأساسي "البرادعي: إذا طلب الناس مني الترشح فلن أخذلهم". يدعو في هذا الحوار لتشكيل مجلس رئاسي من ثلاث شخصيات، يكون من بينهم ممثل للجيش، لقيادة المرحلة الانتقالية. ويكرِّر في حواره عدة مرات أهمية العمل مع الشباب.

يكتمل التناقض بين تهميش الشباب وتجهيل أسمائهم، والاعتراف بريادتهم في الوقت نفسه، بمنح الأهمية للحكماء وللنخب السياسية، مع بداية الحديث عن ائتلاف شباب الثورة، باعتباره القيادة الحالية للميدان. لكن، مع مفارقة وجود شركة سياحة.

المحتوى الأساسي للصفحة الخامسة كان تقريرًا طويلًا بعنوان "قصة 15 ساعة من الصمود في وجه البلطجية والمولوتوف". ربما يكون من أوائل التقارير التي تتحدث عن قيادات ميدانية في وقت المواجهات، لكنه لا يُسمِّي هذا القيادات. فقط عند نهاية هذا التقرير المتنوع الذي يتطرق لمسائل مختلفة، هناك عنوان فرعي "مقر القيادة".

يخبرنا التقرير بأن مقر القيادة كان إحدى شركات السياحة الموجودة في الميدان، حيث تجتمع مجموعة من "قيادات التحرير"، بتعبير الجريدة. وتضم نواب الإخوان السابقين محمد البلتاجي وأحمد دياب وفريد إسماعيل وأشرف بدر الدين، إلى جانب النائب المستقل السابق جمال زهران، والمستشار محمود الخضيري، والدكتور عبد الجليل مصطفى منسق الجمعية الوطنية للتغيير، والقيادي العمالي كمال أبو عيطة من حزب الكرامة. ويحدد دورهم بأنه تنظيم الصفوف، وطلب الإمدادات، والإشراف على المستشفى الميداني، والتفاوض أيضًا مع قيادات كبيرة من أجهزة سيادية.

لكن، وفي السطر اللاحق مباشرة على هذه الإشارة للتفاوض، يشير التقرير إلى أن القيادة رفضت التفاوض مع ضابط كبير من "جهاز سيادي" إلا بعد رحيل مبارك، أو تنحيه عن الحكم، وإنهاء المهزلة. المقصود بالمهزلة موقعة الجمل. بالإضافة لعنوان آخر من نفس التقرير "النساء للثوار: نحن خلفكم.. لا تضيعونا". يعتمد على أن هناك فتاة عشرينية، اسمها "شيماء"، أطلقت هذه الصرخة التي تنفي عن النساء حقيقة أنهن قِطاعٌ من الثوار، بتصويرهن واقفات خلف الرجال.

هذه القصة من ملف  سرديات يناير الصحفية.. جريدة الشروق نموذجًا


سرديات يناير الصحفية| الغاضبون قادمون

باسل رمسيس_  تشكَّلت سردية الشروق عن الثورة بالتدريج، وبشكل أقرب للعفوية أو التلقائية. وهو ما يظهر في انحيازها المبكر للثورة من زوايا فكرية مختلفة، وابتعادها المفترض عن كثير من دوائر السلطة.

سرديات يناير الصحفية| غضب الطبقة الوسطى

باسل رمسيس_  في هذا العدد تبدأ الجريدة وضع "لوجو" مخصص وثابت للتغطية، مثبت في أعلى بعض صفحاتها، لصورةِ يدٍ مرفوعة بعلامة النصر، وفي خلفيتها جموع متظاهرين. وعنوان البرواز هو "مصر الغاضبة".

سرديات يناير الصحفية| نخبنة الثورة

باسل رمسيس_  يكتمل التناقض بين تهميش الشباب وتجهيل أسمائهم، والاعتراف بريادتهم في الوقت نفسه، بمنح الأهمية للحكماء وللنخب السياسية، مع بداية الحديث عن ائتلاف شباب الثورة، باعتباره قائد الميدان.


مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.