الشاب يوسف علاء بصحبة أصدقائه قبل بدء اللعب بالطائرات - صورة بإذن خاص من المصدر للمنصّة

الطائرات الورقية: متعة أخرى محظورة

منشور الخميس 16 يوليو 2020

 

مع بداية عام 2020 وجد الشاب يوسف علاء نفسه حبيس منزله بعد أن طالت آثار جائحة كورونا مجال عمله في السياحة، فلم يكن أمامه إلا الاستسلام للأمر الواقع بخسائره المادية. ولكن مع فرض حظر التجوال زاد شعوره بالملل؛ فكانت الطائرات الورقية وسيلته لقتل الوقت وكسر الملل. 

ولكن عندما بدأ يوسف شهر رمضان الماضي في تصنيع الطائرات واللعب بها، لم يكن يعلم أن ذلك قد ينتهي به إلى دفع غرامة تبلغ 300 جنيه وقد تصل إلى ألف جنيه، بموجب قرار صدر قبل أيام عن محافظ الإسكندرية بمنع اللعب بها على الكورنيش، أو حتى بموجب حملة أمنية في القاهرة التي يسكن يوسف أحد أحيائها الشعبية، حيث الطائرات الورقة إحدى وسائل المتعة اليومية أمام مخاوف انتقال العدوى في تجمعات الأصدقاء والأقارب، وفقًا لما حكاه وآخرون للمنصّة عن الطائرات التي باتت في بعض مدن مصر متعةً محظورةً.

ضد الملل

"اللعب بالطيارات مش جديد بالنسبالي، بلعب بيها من وأنا صغير، ورجعتلها دلوقتي لما قعدت من الشغل. بقيت فاضي وزهقان ومفيش قهاوي".. يقول الشاب العشريني الذي وجد الحل في الطائرات "بدأت بطيارة لنفسي، وبعدها بدأت اعمل منها لقرايبي وأصحابي، بضيع وقتي وبتسلى".

في ذلك الوقت، لم يكتف يوسف بمجرد اللعب بالطائرات مع أصدقائه في حي الشرابية، بل تفنن في تصنيعها "بقيت اصنّع أنواع من الطيارات، فيه اللي بيبقى مرسوم عليها كاريكاتير على الأكياس. دي هوايتي. النوع ده بتبقى الطيارة كبيرة وبتكلفني 100 جنيه بوص وأكياس بلاستيك وخيوط. فاللي عايز طيارة بيجيب لي المكونات دي، وأنا بعملها وارسم له عليها كمان".

ما يفعله يوسف هو نفسه ما لجأ إليه شاب آخر هو محمود عاطف الذي عاود بعد انتشار كورونا لممارسة لعبة طفولته المفضلة "من زمان وأنا بلعب بالطيارات، بس الموضوع زاد مع حظر التجول. لقيت نفسي بخلص شغلي الساعة 4 والدنيا بتقفل تماما ومفيش أي قهاوي أو نوادي أو مولات، فدي كانت طريقة تسليني وأضيع بيها وقتي بدل الخنقة".

الشاب الذي يعمل جزارًا في ميت عقبة وضع لنفسه روتينًا يوميًا لمواجهة الملل "بقيت بشكل يومي لازم ألعب بالطيارة ساعتين من 4 لـ 6، والموضوع بقى مهم جدًا بالنسبة لي، وأنا واصحابي بقينا نعمل مسابقات بيننا".

"قرار غير منطقي"

لم يكن يوسف يعلم شيئًا عن قرار المحافظة الخاص بالغرامة، لكنه كان يتخذ احتياطياته التي جعلته لا يفهم دواعي القرار عندما علم به "أنا بلعب وأنا واخد احتياطاتي، واعتقد إنه مش هيتطبق، ﻷن اللي بيلعبوا بالطيارات كتير جدًا، وهيفضلوا يلعبوا بيها ﻷنها بتسليهم. وبالنسبة للأطفال الصغيرين فبنعمل لهم دبور، ده بيبقى ورق صغير وبيطير على ارتفاع منخفض، بحيث يبقى خفيف على إيديهم ومايسببش أي اختلال في توازنهم".

 

طائرات بنقوش ورسوم يصنعها يوسف ﻷصدقائها- صورة بإذن خاص من المصدر للمنصّة

لم يعد محمود يلعب بالطائرة الآن مثلما كان قبل تخفيف الحظر، لكنه يتفق مع يوسف في وجهة نظره بشأن صعوبة منع الطائرات، ويقول "حاليًا أغلب اللي بيلعبوا بيها أطفال صغيرين، بيلموا بعض ويروحوا مكان اسمه أرض المطار البرازيلي، دي أرض فضاء أمان وبعيد عن البيوت، بيطيروها هناك بعيد وكل واحد بيكون واخد حذره. فبصراحة صعب الالتزام بمنع الطيارات بعد ما اتعودوا عليها. الناس أساسًا كتير منهم مالتزمش بقرار الكمامات، فمش معقول هيمنعوا عيالهم عن لعبة".

يريد المسؤولون في المحافظتين منع الطائرات لدواعي أمان الأطفال بعد حوادث سقوط من بنايات أو التعرض للصعق والصدم بالسيارات، لكن في مجلس النواب كانت الدعوة لمنع الطائرات لدواعى أمنية، إذ  طالب خالد أبو طالب، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في المجلس، الشهر الماضي بإطلاع رئيس الوزراء على مخاطر إطلاق الطائرات الورقية لأنها تشكل "خطرًا على الأمن القومي"، وحذّر من أنه "يمكن تزويدها بكاميرات مراقبة"، وهي التصريحات التي لاقت سخرية من مرتادي فيسبوك وتويتر. 

تسلية مشروطة

قرار الغرامة تم فرضه في محافظتي القاهرة والإسكندرية فقط، لكن وفي محافظة أخرى هي الشرقية، تجلس الآن أسماء إمام* تتابع الأخبار وتترقب أن يتم تطبيق القرار في محافظتها أيضًا، ما قد يسبب لها مشكلة مع ابنها الذي صارت الطائرة واحدة من ألعابه المفضلة فيما بعد الجائحة.

تحكي أسماء عن صغيرها فارس ذي الأحد عشر عامًا الذي كانت الطائرة وسيلة تسليته الأهم بعد أن أصبح يقضي وقتًا أطول في المنزل "ابني ماكنش يعرف الطيارة قبل الحظر، وبدأ يفكر يلعب بيها بعد ما شاف أصحابه والجيران كبار وصغيرين بيلعبوا. فلما طلب مني طيارة وافقت، خاصة إني عايزة ابعده شوية عن الكمبيوتر والموبايل اللي بقى مشغول بيهم أغلب الوقت بعد ما الخروج من البيت اتمنع وقت الحظر".


اقرأ أيضًا.. طفل بلا إلكترونيات: كيف نحمي أولادنا من إدمان التكنولوجيا وآثاره السيئة؟


وافقت الأم، لكنها ما زالت تشعر بالقلق مما تقرأه عن حوادث بسبب الطائرات، وهو الأمر الذي لم يدفعها لحرمان صغيرها من متعة اللعب، بل لجأت لحل آخر "قررت إني أحط له شروط، زي إنه مايقفش في طريق العربيات ولعبه بيها يكون تحت البيت بعيد عن الطريق الرئيسي، ويسيبها لو شبكت منه في حاجة عالية أو عمود كهرباء، وممنوع تمامًا يطيرها من البلكونة أو السطح، ولازم يعقم إيديه ويحطها في مكان خاص بيها بعد ما يخلص لعب".

تمكنت أسماء من معادلة كفتي الميزان بين اللعب والأمان، ولهذا لا ترتضي قرار المحافظتين، وتقول "لو على أمان الأولاد اللي بيلعبوها بيها، فدي مسؤولية الأب واﻷم مش الجهات الرسمية. فالقرار كان بلا داعي، وكان كفاية بس يتنبه على اﻷهالي إنهم ياخدوا بالهم خاصة إن الطيارة حل رخيص وبسيط لتسلية الأولاد في وقت مفيش فيه نوادي ولا مصايف ولا ملاهي، واﻷولاد بتبص لبعضها ومش كل الأهالي تقدر تجيب ألعاب غالية".

قرار غير مفهوم

ترى الأم القرار "تعسفيًا"، ويراه الشابان "بلا داعٍ"، لكن المحامي أحمد راغب يراه "ملتبسًا وغير مفهوم"، وفقًا لقرائته للقرار وتوضيح عدد من جوانبه للمنصّة.

يقول راغب "هناك أكثر من زاوية تتعلق بهذا القرار، أولها أن مصدريه محافظان، هو ما يدفعنا للحديث عن الخلل الذي يصيب الإدارة المحلية في مصر، ويتمثل في عدم تشكيل مجالس محلية حتى اليوم رغم أن دستور 2014 نص على انتخابها في مختلف أنحاء الجمهورية بكل القرى والأحياء والمدن والمراكز، بتراتبية واضحة من السلطة الأدنى إلى الأعلى".

ويضيف المحامي "هذه المجالس تتمتع بسلطة تقديم طلبات الإحاطة، بل واستجواب المسؤولين، باﻹضافة لقيامها بمهام تنفيذية من بينها اتخاذ مثل هذه القرارات التي أصدرها المحافظان أو مراجعتها، لكن حتى الآن لم يُصدر البرلمان قانون الإدارة المحلية، وهو ما يعني بالتبعية خللًا في نظامها باعتباره لا يتوافق مع الدستور؛ وبهذا يكون قرار حظر الطائرات غير متوافق- ولو إجرائيًا فقط- مع صحيح الدستور والقانون".

يتابع راغب "الزاوية الثانية فيما يتعلق بهذا القرار تتمثل في إن الدستور نص على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلاّ بنص. إذن، ما البند الذي تقع تحته مثل هذه الغرامة؟ وهل هي مخالفة إدارية؟ وإذا كانت كذلك؛ فماذا تخالف؟ هذه التساؤلات تجعل القرار مشوبًا بعدم الدستورية، خاصة وأنه لا يوجد في القانون شيء ينص على مثل هذا الأمر".

واختتم المحامي الحقوقي بقوله "ولابد هنا من الإشارة إلى أن الأصل في الأمور هو الإباحة، وإذا أرادت السلطة تجريم فعل سواء تصنيع أو بيع أو حيازة، فلابد وأن يتم ذلك عبر نصوص قانونية واضحة وصريحة ولا تخالف الدستور. وكل هذا مع اﻷخذ في الاعتبار أننا نتحدث عن أمر ترفيهي، وبالقياس سنجد أن رئيس الوزراء عام 2018 أصدر قرارًا بترخيص طائرات الدرونز، باعتبارها وسيلة ترفيهية".


* اسم مستعار بناءً على طلبها.