تصميم: يوسف أيمن - المنصة

يومياتي مع كورونا| مستشفى صغير في الصيدلية

منشور الأربعاء 29 يوليو 2020

الاسم: محمود عادل.* السن: 31 سنة. التخصص: صيدلي - صاحب صيدلية أهلية في بولاق الدكرور.


لما تقعد 13 سنة، عمر الصيدلية بتاعتي، في منطقة محرومة من الدكاترة مافيهاش عيادات كتير، فالصيدلي بيبقى أول حد بيتعامل مع أي مريض من أهل المنطقة، وأول حد الناس بتعتبره دكتور لأي حاجة. التعامل مع الحاجات الشائعة، قياس ضغط أو سكر، نعلق محلول، ندي حقنة مسكن. وجود الصيدلي في المنطقة مهم جدًا، هو عنده التاريخ المرضي بتاع كل الأهالي تقريبًا، أوقات بيجيلي عيان يصرف روشته، أنا عارف إن كان عنده مثلًا جلطة ففي نوع ممكن يضره، فأقول له لا كلم لي الدكتور بتاعك، وأقوله يا دكتور هو كان عنده كذا من فترة ما، ويبدأ الدكتور يغير الأدوية وفقًا للحالة، لأن الناس أصلًا مش بتهتم تقول تاريخها المرضي كله للدكتور.

مع دخلة كورونا و خبرتي في المنطقة مع الأهالي كان عندي توقع بمين ممكن يتصاب، حسب طبيعة شغله أو درجة احتكاكه بالشارع، حالته الصحية وكمان تاريخه زي ما ذكرت. فبدأت أحس بالمسؤولية اللي عليا، بدأت أتابع العالم والمنظمات الطبية الدولية، وأشوف إيه خطواتهم واللي بيستخدموه من بداية الأزمة، وأوفر أدوية البروتوكول والمحاليل، وربنا قدرني ووفرت أنابيب أكسجين، كأني بالظبط بقيم مستشفى كامل من خلال الصيدلية بتاعتي، بس كل الفرق إن العزل في البيوت.

طول الفترة اللي قبل الانتشار بقى بقيت شغال على التوعية، كل ما حد يدخل أقول له إنت عارف إن في فيروس بيجتاح العالم دلوقتي ومش بعيد عننا؟ طيب نعمل إيه عشان نقلل خطر الإصابة بيه؟ نغسل إيدينا إزاي؟ نطبخ الأكل إزاي؟ نعقم بيوتنا إزاي؟ وإيه الحاجات اللي نستخدمها؟ نحافظ على البيت أطول مدة نضيف وآمن، وإيه الأكل والفيتامينات اللي هنحتاجها الفترة دي.

لحد دلوقتي عالجنا 28 حالة بفضل الله، ما اتوفاش منهم غير 3 حالات، ودول فيه أسباب كتير سببت تدهورهم، سنهم كبير كلهم معديين الـ 70 والـ 80 سنة، فيه واحد منهم عنده كانسر في الرئة أصلًا، وحالة كان مريض سكر، هو الأعمار بيد الله، بس إحنا بناخد بالأسباب، باقي الحالات الحمد لله تعافوا بسرعة ورجعوا للحياة الطبيعية.

فيه خطوات بنمشي عليهم طبعًا، الأول الحالة بتدخلي زي أي حد عنده أعراض برد فبيروح للصيدلي ياخد مجموعة برد ولا حقنة مسكنة. الأول طبعًا مش بأخضه وأقول له إنت اشتباه كورونا، لأ بقول له روح اعمل تحاليل بس علشان نتأكد، وبعد التحاليل واستشارة الدكتور وكل الكلام ده نبدأ ندي العلاج، ببدأ أتعامل معاه، أقول له يعزل نفسه إزاي ويحمي أهل بيته إزاي، وكل التعليمات اللي المفروض ياخد باله منها.

السنين اللي قضتها في المنطقة مع الناس خلقت مساحة بينا في التعامل، وبقى فيه ود وثقة، بقينا بنتعامل مع بعض بأخوية، وبقيت عارف حالة كل واحد فيهم، أحيانًا يكلموني بالتليفون أو يبعتولي على واتساب، يسألوني عن حاجه أو استشارة، بلاقي واحد يقولي تعالى يا دكتور شوف والدتي عندها كذا وكذا، يقولي شكوتها، وأنا بأطلع لحد عندها، ولما بنلاقي حالة مصابة باخد الابن مثلًا، وبشرح له الوضع، ونبدأ نمهد للحالة إنه مصاب، أغلب الحالات كانوا بيلتزموا بالعزل على طول، مافيش غير حالتين بس استهتروا بالموضوع، فالبيت كله اتصاب، وتدهوروا، بس ده خلى باقي الناس تستجيب، وفيه عزل يعني عزل بيتنفذ بكل تعليماته.

أول حالة اتوفت كان رقم تلاتة في الله بتابعهم، راجل كبير بس كنت أعرفه شخصيًا، وكنت بحبه جدًا، وده أول واحد أتعامل معاه بشكل مباشر جدًا، كنت بتابعه كل يوم وبطلع له بديله الأدوية بنفسي، الأكسجين بتاعه كان سيئ جدًا، وكنت بحاول أهيأ اولاده أن الحج ممكن في أي لحظة يبقى البقاء لله، قدر ربنا وأنا بديله الحقنة، راح قايلي أنا عاوز أطلب منك طلب، قلت له أتفضل، قالي هأستأذنك تحضني أنا حاسس إني هأموت، قلبي وجعني، أخدت بالحضن وبست راسه وقعدت أطمنه على نفسه، الكلام ده بعد صلاة العشاء، ابنه كلمني الفجر قالي إنه كان بيدعيلي من ساعة ما نزلت لحد ما اتوفى.

بعد الموقف ده قررت أني مش هأستخسر صحتي ولا طاقتي في الناس، مهما كان الثمن، وكمان مش هأخاف ولا أدخل للناس بشكل يحسسهم إني خايف منهم، لدرجة إني خففت الواقيات اللي بألبسها علشان مايتخضوش، الراجل ده تعامل معايا كأني ابنه، ومن بعد الموقف ده انطلقت، حسيت إنه عدو ولازم أواجهه في كل البيوت اللي بدخلها.

من المواقف الحلوة قوي اللي عدت عليا، هي بنت مصرية وزوجها جزائري وكان مصاب بكورونا، ومعزول في البيت، بقيت بتابعه وبطلعله كل يوم، عملت له عزل هو وزوجته كل واحد في أوضة، ولما سألني على التكاليف قلت له إن ده لله مش عاوز حاجة. بقى مستغرب، كان فاكر لأنه مش في بلده هيتبهدل ولا حد هيسأل فيه أو يساعده، فضلت متابعه 10 أيام لحد ما ربنا شفاهم، فهو بعد ما كان خايف بقى مبسوط، وكتب عنده على فيسبوك وعلى المجموعات بتاعتهم قد إيه الشعب المصري طيب وكريم وإنه خف وبقا كويس مع دكتور مصري.

كل مرة حالة بتخف بتديني دافع أقوى أكمل، وبحس بسعادة مالهاش مثيل لما حد يخلص مدة العزل ويتحول لسلبي، ويرجع لحياته تاني، وإني ما خذلتش ثقتهم فيا، مع الوقت الأمور بقيت أوضح، الحمد لله مابقاش في حالات كتير في المنطقة بتاعتنا، قدرنا نسيطر في وقت قليل لأننا متابعين والناس بتلتزم، وكل مرة الصورة بتتحسن، لأننا بنتعلم وبنعرف أكتر عن الأعراض، والأدوية المناسبة، بحمد ربنا إنه اختارني أخوض لتجربة دي، وإن شاء لله قريب مش هيبقى فيه مصابين وربنا هيبعد عننا الغمة.


* هذه شهادة لصيدلي تنشرها المنصة في باب مخصص، بعد التأكد من هوية الكاتب، والتحقق من شهادته عبر اتباع الطرق المهنية والقانونية اللازمة، والحفاظ على خصوصية المرضى إن أتى ذكرهم، مع عدم التدخل في صياغة الشهادة من جانبنا إلا لضبط اللغة إن كانت بالفصحى.