تصميم: المنصة

جلسات نظر تجديد الحبس: عندما يكون نصيب المتهم 9 ثوان من وقت القاضي

منشور الاثنين 14 ديسمبر 2020

تسعة ثوانٍ، هي نصيب كل متهم من وقت القاضي الذي أمر بتجديد حبس حوالي 700 شخص، في جلسة استمرت 11 ساعة لم يقطعها إلا ثلاث استراحات مدة كل واحدة منها 10 دقائق، في حين لو أتيج لكل متهم ومحاميه 10 دقائق فقط للدفاع، لاحتاج القاضي 120 ساعة عمل، أي ما يمكن أن يصل ﻷسبوعين كاملين.

 هذا ملخص ما حدث يوم 6 ديسمبر/ كانون اﻷول حين نظرت محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة في معهد أمناء الشرطة، قضايا أكثر من 700 متهم، انتقلوا لقاعة المحكمة بمعهد أمناء الشرطة في الحادية عشر صباحًا، وظلوا حتى العاشرة ليلًا، في انتظار العرض على القاضي، دون أن يتمكن محاموهم من المرافعة، لتصل المدة التي قضاها المتهمون داخل المحكمة إلى 11 ساعة.

 وعلى الرغم من إعلان الدولة لجلسات نظر تجديد الحبس إلكترونيًا، كإجراء احترازي لمنع انتقال فيروس كورونا وتجنُّب انتقال المتهمين من السجون للمحكمة، ما زال مئات المتهمين يتكدسون في قاعات المحاكم، محرومين من حقوقهم الكاملة بسبب زيادة الأعداد، باﻹضافة لمخاوف انتشار الوباء. 

هذا باﻹضافة إلى الانتقادات الموجهة لهذا النظام وبينها عدم كفالة السرية، والموجهة للحبس الاحتياطي عمومًا وضرورة استبداله بالتدابير الاحترازيةاﻷخرى. 

خيبات أمل

وصفت المحامية هالة دومة للمنصَّة أجواء جلسات نظر تجديد حبس المتهمين، التي تتضمن أيامًا استثنائية تنظر بها المحكمة أكثر من 30 قضية، يصل عدد المتهمين بها ﻷكثر من 700، ليمثِّل الأمر سلسلة من المصاعب للمحامين والمتهمين الذين حرمهم ضيق الوقت من الحصول على حقوقهم القانونية، لينتهِ الأمر بخيبات أمل مع تجديد حبس المتهمين، بعد يوم طويل وشاق.

حضرت دومة عن الصحفي معتز ودنان، الذي ألقي القبض عليه في فبراير/ شباط 2018، وحُبس على ذمة القضية 441 لعام 2018، بعد حوار أجراه مع الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، هشام جنينة، ووجهت له تهم نشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة إرهابية، وبعد أكثر من عامين أخلي سبيل ودنان ثم تم تدويره على ذمة قضية جديدة تحمل 1898 لعام 2019، بنفس التهم التي واجهها في القضية الأولى.

ترى دومة أن العدد الكبير للمتهمين يخل بحقوق المتهمين وحصولهم على فرصتهم الكاملة في الدفاع، ويتفق معها المحامي محمد عبد الباسط الذي يتابع عدة قضايا سياسية "عدد المتهمين تجاوز الـ700 متهم، وكم المحامين الحاضرين بالطبع يفوق عدد المتهمين لأن في متهم ممكن يوكل أكثر من محامي، القاعة إذًا هيكون فيها 1800 فرد على أقل تقدير  طبعًا، مع حرمان أهل المتهمين من الحضور".

يوم الأحد 6 ديسمبر رُفعت الجلسات ثلاث مرات، ليستريح القاضي ربما لدخول دورة المياه أو تناول طعام أو شراب ثم العودة مجددًا لاستكمال الجلسات، التي عُرفت القرارات الخاصة بها في اليوم التالي، وجاءت جميعها بتجديد حبس المتهمين عدا واحدًا، اﻷمر الذي أحبط المحامين "لو كانت القرارات إخلاء سبيل كان ممكن نحس إن تعبنا وتعب المتهمين مراحش هدر، لكن مع القرار للأسف حسينا بإحباط وعجز".

مشقة نظر عدد كبير من القضايا، يتكبدها المحامون القضاة أيضًا، كما قال المحامي محمد حافظ للمنصَّة "العدد الكبير من القضايا ده مرهق للمحامين وكمان للقضاة وطبعًا للمتهمين، واللي بيحصل إن مع تعليق الجلسات بسبب كورونا، وعودة العمل للمحاكم في بداية الأمر كانت المحاكم بتنعقد يومين في الأسبوع، وده كان بيخلي اليومين دول يكون فيهم عشرات القضايا ومئات المتهمين ممكن يتعدوا الـ700 و800 متهم، وبعدين بقت الجلسات تتم يوميًا فالعدد بقى أقل، وطبعًا ده بيدي فرصة للقضاة إنهم يستمعوا للمرافعات، وللمتهمين كمان إنهم يتكلموا، ولكن رجع الوضع تاني إن الجلسات تبقى يومين في الأسبوعين مع بداية ديسمبر، وفي اليوم الواحد عدد القضايا بيعدي 30".

حقوق المتهمين

وفقًا للقانون، من حق المتهم التحدث عن نفسه أمام المحكمة في كل جلسة نظر حبس "وفقًا للقانون الترتيب كالتالي، النيابة بتدفع الأول بتجديد حبس المتهم وبتقول أسبابها، وبعدين المتهم المفروض يتكلم، والدفاع بيكون آخر حاجة، لكن اللي بيحصل مع العدد الكبير ده من القضايا إن المحكمة مبتسمعش كل المحامين ولا المرافعات، ولا بتسمع كمان المتهمين، مع إن ده حق أصيل للمتهم في كل جلسة سواء قدام المحكمة أو النيابة" بحسب المحامية هالة دومة.

رحلة المتهم لجلسة نظر تجديد الحبس تبدأ بخروجه من السجن في سيارة الترحيلات، وبعد الوصول لمعهد أمناء الشرطة، يدخل المتهمون لـ"الحبسخانة"، التي ينتظرون بها قبل صعودهم للقفص الزجاجي الموجود في قاعة المحكمة، كما روت دومة "الحبسخانة احنا كمحامين مش بنشوفها ولا نعرف تصميمها عامل إيه، بس طبعًا كل اللي بيجيلنا عنها على لسان المتهمين إنه مكان سيئ التهوية جدًا، ومنعرفش ممكن تستوعب قد إيه وهل ممكن يبقى في شوية يفضلوا في الحبسخانة أو في الطرقة ولا عربية الترحيلات، كل دي تفاصيل مش عندنا ولا بنقدر نعرفها، لأننا كمان في قاعة المحكمة بنشوف المتهمين من ورا قفص زجاجي عازل للصوت، هو شكلًا ممكن يتسع لـ200 شخص بس، وطبعًا مبنقدرش نتكلم مع المتهمين أو نتواصل معاهم".

المصاعب التي تواجه المتهمين، بجانب عدم تمكنهم من حصولهم على فرصتهم الكاملة في الدفاع عن أنفسهم وسماع المحكمة لمحاميهم، تتمثل في تواجدهم لفترة طويلة دون طعام أو شراب، منهم من يحرص على إحضار بعض الأطعمة البسيطة معه من السجن، ربما تنفد مع ساعات الانتظار، وربما لا يتمكنون أيضًا من دخول دورات المياه، لأن وجودهم يُحدَّد بمنطقة معينة، وهناك متهمون مرضى، مثل المحامية هدى عبد المنعم التي حضرت المحكمة بسيارة إسعاف من السجن، وانتقلت لداخل المحكمة متكأة على عصى لتدهور حالتها الصحية، وفقًا لزوجها ومحاميها خالد بدوي، الذي تحدث للمنصَّة.

الإجراءات الاحترازية

داخل القفص الزجاجي يظهر المتهمون بالكمامات، ولكنها تكون متدلية، لا تغطي الأنف والفم "ده مفهوم طبعًا، مع طول الوقت والمكان المقفول مبيقدروش يسيبوا الكمامات عليهم، منهم اللي بيتخنق أو اللي مش قادر يتنفس"، هكذا تصف دومة الوضع داخل القفص الزجاجي، مع زيادة عدد المتهمين.

العدد الكبير يتعارض مع الإجراءات الاحترازية التي تُردَّد دائمًا لمنع انتشار فيروس كورونا، ولكن هنا يبرِّر المحامي محمد حافظ الأمر، أن السجن لا يستقبل أي سجين قبل إجراء التحاليل له، ووضعه في فترة "الإيراد" منفردًا، والتي يمكن أن يطلق عليها فترة عزل قبل تسكينه أحد العنابر، وهنا يعتقد العاملون في المنظومة القضائية أن مجموعات المساجين لا تحتك بأشخاص من الخارج، ولن تنتقل لها العدوى، ويمكن خروجهم سويًا للجلسات دون مخاطر، لأن الأماكن التي سيتحركون بها محدودة أيضًا.


اقرأ أيضًا: قضايا "الثقب الأسود": تجديد حبس ممتد.. ومحامٍ: أغلبها تحريات دون أدلة


تجديد الحبس الإلكتروني

المنظومة القضائية في مصر أعلنت عن فكرة تجديد الحبس الإلكتروني، الأمر الذي ظهر بعد انتشار جائحة كورونا، وتم تدشين وقائع المرحلة الأولى من مشروع تجديد الحبس الاحتياطي عن بُعد، بين محكمة القاهرة الجديدة وكلِ من سجن طرة العمومي وسجني 15 مايو والنهضة المركزيين، ليكون ذلك حلًا عمليًا ومفيدًا مع العدد الكبير من القضايا، ويقي المتهمين من مخاوف انتشار الفيروس وأيضًا الانتظار.

حافظ يقول إن الأمر ما زال تحت التجربة، وحتى الآن لم يُطبَّق بشكل موسع، لذا تشهد جلسات المحاكم عددًا كبيرًا من القضايا والمتهمين، وتتيح هذه الخاصية نظر جلسات تجديد حبس المتهمين، باستخدام وسائل التقنية الحديثة، باتصال القاضي بالمتهمين داخل محبسهم عبر قاعات مخصصة لذلك بكل سجن بحضور محاميهم، من خلال شبكات تلفزيونية مغلقة يتم ربطها بين المحاكم والسجون.

وكان المحامي خالد علي فنّد مثالب "تجديد الحبس اﻹلكتروني" في مقال له بالمنصة، ومنها غياب ضمانات سرية التحقيقات الجنائية في ظل آليات التقاضي عن بُعد، باﻹضافة إلى عدم جواز فصل المتهم عن محاميه، ويجب كفالة التواصل الدائم بينهما دون أن يُسمح لغيرهما بالاطلاع على مجريات هذا التواصل.


اقرأ أيضًا: محاكمة بالفيديو: وكيف يضمن المحامي أن موكله لا يتعرض للتهديد خلف الكاميرا؟