الهيئة العامة للاستعلامات
محكمة جنايات أمن الدولة العليا تقضي ببراءة 16 متهمًا في قضية "الجوكر"، 18 فبراير 2024

"أزمة في دوائر الإرهاب".. إحالة نحو 100 قضية جديدة تضم آلاف المتهمين لدائرتين فقط

محمد نابليون
منشور الاثنين 13 يناير 2025

يواجه المحامون العاملون بالقضايا التي تتولى نيابة أمن الدولة العليا التحقيق فيها أزمة كبيرة على خلفية إحالة النيابة نحو 100 قضية جديدة تضم آلاف المتهمين إلى المحاكمة أمام دائرتين فقط بمحكمة استئناف القاهرة مخصصتين لنظر قضايا الإرهاب، ما ينذر بتراكم القضايا لسنوات ودخول المتهمين في "دوامة حبس مطوّل"، حسب ثلاثة من هؤلاء المحامين تحدثوا لـ المنصة.  

يُرجع المحامي أحمد حلمي، وكيل عدد من المتهمين في تلك القضايا، بداية الأزمة إلى شهر سبتمبر/أيلول الماضي "فبينما كانت نيابة أمن الدولة العليا متوقفة تمامًا عن إحالة المتهمين إلى المحاكمة، فوجئنا بإحالتها 4 قضايا، لدائرتي الإرهاب المنعقدتين بمركز إصلاح بدر".

وحسب المحاميين خالد المصري وأحمد أبو العلا ماضي، المشتغلين على ذات القضايا، توالت بعدها نيابة أمن الدولة العليا في إحالة ما لديها من قضايا بعضها موجود في النيابة منذ عام 2017، إلى أن تم رصد إحالة 96 قضية خلال الشهور الماضية، ويرجح المصري أن يصل العدد خلال أيام إلى 120 قضية.

أسباب الأزمة

ويصف ماضي ما يتم مع المتهمين في هذه القضايا بأنه "استبدال للحبس الاحتياطي بجلسات ومحاكمات مطولة ليست لها نهاية"، لأنه وفقًا للقانون الجديد وعقب صدوره سيتم تخفيض الحد الأقصى للحبس الاحتياطي في الجنايات، وبالتالي ستكون السلطات مجبرة على إخلاء سبيل المتهمين ممن تجاوزت مدد حبسهم الاحتياطي سنتين وسنة ونصف، وبالتالي فإنه يعتبر في الأمر مخرج للسلطات من هذه الموقف.

ويتفق المصري مع ماضي في ذلك مؤكدًا وجود رغبة لدى السلطات في تمرير أكبر عدد من القضايا تضم متهمين محبوسين احتياطيًا لمدد طويلة قبل إقرار القانون الجديد "حتى لا يستفيد هؤلاء المتهمون من نصوصه المرتبطة بتقليص مدد الحبس".

كما يضيف المصري لتلك الدوافع "رغبة نيابة أمن الدولة في تخفيف الضغط الملقى عليها جراء تراكم هذه القضايا، فضلًا عن سعيهم لتقنين أوضاع عدد كبير من المحبوسين احتياطيًا فبدل ما يبقى محبوس كدا بلا أي مبرر ولا داعي يبقى محبوس على ذمة قضية".

وإلى ذلك، يضيف أحمد حلمي، لأسباب الأزمة قرب موعد الاستعراض الدوري الشامل للملف المصري في حقوق الإنسان بمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، المقرر له 28 يناير/كانون الثاني الجاري، وما له من دور في إقرار القروض والمساعدات الدولية لمصر، حسب قوله.

لكن حلمي يستنكر اللجوء لهذا الحل على نحو تسبب في تعقيد أزمة الحبس الاحتياطي بدلًا من حلها، بقوله "الكلام دا تعمله معانا إحنا لإننا عالم بناخد على قفانا مش هنقدر نتكلم، إنما الناس اللي بره مش هيدخل عليهم الكلام ده"، متسائلًا "هو أنت كدا بتعمل حقوق الإنسان؟.. لأ بالعكس أنت غيرت لقب السجين من محبوس احتياطي إلى محبوس على ذمة محاكمة".

وتابع "وهو أمر لن يرضي المهتمين بهذه الإصلاحات من الهيئات الحقوقية الدولية لأن المشكلة زي ما هي وما زالت قائمة.. لأ بالعكس أنت زودتها أكتر لأن المحاكم اللي شغالة مش هتعرف تشتغل، لأنه مفيش حاجة اسمها تحيل 100 قضية في أسبوع".

قضايا محالة بلا جلسات

الأزمة بدأت تنعكس على دوائر الإرهاب نفسها، حسب ماضي الذي أكد "هما نفسهم دلوقتي مش عارفين هيعملوا إيه، إحنا بقالنا شهرين القضايا بتتحال ولم يحدد لها جلسات"، بينما يؤكد المصري "أنا كل يوم بروح المحكمة أسأل ومفيش ولا قضية لحد دلوقتي وصلت للمحكمة ولا فيه جلسة واحدة اتحددت".

ويرى حلمي أنه كان من المفترض وفي ظل تزامن بدء إحالة تلك القضايا للمحاكمة مع انعقاد الجمعية العمومية لدوائر محكمة الاستئناف أن يتنبه المسؤولون بالمحكمة للأمر من البداية ويخصصوا عدد دوائر أكبر لقضايا الإرهاب.

ويظل المقلق بالنسبة لحلمي "أنت بتتكلم في عدد مهول من القضايا وما أحيل لا يمثل إلا نسبة قليلة منها"، مؤكدًا رصدهم فتح نيابة أمن الدولة العليا لعدد 5500 قضية هذا العام فقط، وهو أعلى رقم تم تسجيله في تاريخ نيابة أمن الدولة تضمنت متهمين عارضوا سياسات الحكم على فيسبوك ومواقع السوشيال ميديا.

ويرى حلمي أن هناك استحالة عملية لحسم هذا العدد من القضايا أمام هاتين الدائرتين، في ظل ما تستلزمه المحاكمات الجنائية من جلسات إجرائية تستغرق وقتًا طويلًا وآجالًا تمتد لثلاثة وأربعة أشهر لسماع الشهود والمرافعات وطلبات الدفاع، مشيرًا إلى أن من بين هذه ما يضم أكثر من 300 متهم من المفترض أن تستمع المحكمة لمحاميهم جميعًا، وبالتالي "القضية هتاخد سنة مرافعات على الأقل، وبالتالي فكل قضية هتستغرق محاكمات سنتين تلاتة".

ويجزم المصري بعدم قدرة دائرتي الإرهاب على استيعاب هذا الكم الهائل من القضايا المحالة إليها، مرجحًا لجوء محكمة الاستئناف لسيناريوهات متعددة، من بينها تكليف دوائر جنائية عادية بنظرها، أو توزيع القضايا على محاكم المحافظات، أو السعي لانتداب دوائر إرهاب جديدة، مشددًا "الموضوع في حالة من شديدة من الضبابية لا أحد يعلم حلها إلا الله".