واصلت "مؤسسة غزة الإنسانية" أمس، توزيع المساعدات الإغاثية لسكان القطاع لليوم الثاني على التوالي، وسط اتهامات لجيش الاحتلال بقتل وإصابة عشرات المدنيين بجوار مراكز التوزيع في مدينة رفح، فيما هاجم مئات الفلسطينيين مخزنًا تابعًا لمنظمة الغذاء العالمي بمدينة دير البلح بحثًا عن الغذاء، ووقعت اشتباكات بينهم أسفرت عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة أكثر من 20 آخرين.
ووسط ظروف إنسانية مأساوية وتصاعد التوتر في محيط نقاط توزيع المساعدات، واصلت المؤسسة المدعومة من الولايات المتحدة عمليات التوزيع بكميات محدودة على النازحين في قطاع غزة لليوم الثاني على التوالي.
وجرت عمليات التوزيع من خلال نقطتين رئيسيتين، الأولى على محور موراج بين رفح وخانيونس جنوب القطاع، والثانية قرب دوار العلم غرب مدينة رفح، وهي النقطة التي شهدت حالة تدافع عنيفة أمس الأول.
واندفع آلاف الفلسطينيين، مساء الثلاثاء، نحو نقاط توزيع المساعدات الإغاثية في اليوم الأول لعمل "مؤسسة غزة الإنسانية" بعد حصار فرضه جيش الاحتلال الإسرائيلي على القطاع استمر قرابة ثلاثة أشهر منع خلاله دخول المساعدات ضمن خطة تجويع لسكانه، فيما تعرض جدار حديدي للتدمير نتيجة تدافع النازحين.
وفي حديثه لـ المنصة، قال مرتضى ثابت، وهو نازح من شرق رفح إلى غرب خانيونس، إنه توجه إلى نقطة التوزيع بعد سماعه من الجيران أنهم حصلوا على طرود غذائية، إلا أنه لم يتمكن من الحصول على أي طرد بسبب نفاد الكميات.
وأضاف "شفت ناس أخذوا أكثر من كرتونة، طلبت منهم يساعدوني، وفعلًا بعضهم أعطاني شوية حاجات.. عدس، سكر، طحين، رز.. مش طرد كامل، بس يسد الجوع في وقت مش قادر أشتري من السوق والأسعار جدًا مرتفعة".
ثابت، وهو أب لسبعة أطفال، فقَد منزله ومصدر رزقه بعد استئناف العمليات العسكرية الإسرائيلية، ويعيش في خيمة بغرب خانيونس، "فقدنا البيت والعمل، وعندي أطفال بدهم ياكلوا، أنا مش قادر أشتريلهم ولما بسمع أي جهة بتوزع طرود غذائية بتوجهلهم مباشرة".
وفي بيان رسمي اطلعت عليه المنصة، أعلنت مؤسسة غزة الإنسانية أنها وزعت أكثر من 14550 طردًا غذائيًا عبر نقطة موراج، وأشارت إلى استمرار عمليات التوزيع وخطط لتوسيعها لتشمل أربع مراكز رئيسية بالإضافة إلى مراكز جديدة مستقبلاً.
من ناحيته، اتهم المكتب الإعلامي الحكومي في غزة جيش الاحتلال الإسرائيلي بقتل 10 مدنيين وإصابة 62 آخرين بالرصاص خلال محاولتهم الوصول إلى مراكز التوزيع في رفح، ووصف تلك المراكز بـ"مصائد الموت"، وحمّله ومؤسسة غزة الإنسانية المسؤولية القانونية والأخلاقية عن ما وصفه بـ"مجزرة مدنية" تهدف إلى إذلال وتجويع السكان.
كما اتهم المكتب المؤسسة الأمريكية بإدارة مشروع "هندسة الجوع" تحت إشراف الاحتلال، مؤكدًا أن توزيع المساعدات جرى بطرق غير آمنة وغير إنسانية.
فيما نفت المؤسسة الإغاثية وقوع أي إصابات أو وفيات بين النازحين خلال عمليات التوزيع، مؤكدة أن فريقها خفف الإجراءات الأمنية مؤقتًا لحماية المدنيين من التدافع، "لم يُصب أي مستفيد، ولم تُفقد أي أرواح، وتم توزيع جميع المواد الغذائية المتاحة دون أي تدخل، واستُعيد النظام دون حوادث، كما هو الحال في جميع حالات الاستجابة للطوارئ، وخاصةً في مناطق النزاع، يُتوقع هذا النوع من رد الفعل من المستفيدين المُرهَقين".
في سياق متصل، شهدت مدينة دير البلح مساء الأربعاء، أحداثًا دامية عقب اقتحام مئات المواطنين لمخزن تابع لمنظمة الغذاء العالمي/WFP على شارع صلاح الدين، وأسفرت المواجهات عن مقتل أربعة مواطنين على الأقل وإصابة أكثر من عشرين، بعد استخدام بعض المهاجمين للسلاح وأدوات حادة بهدف الاستيلاء على كميات الطحين والمكملات الغذائية المخزنة.
وقال أحد شهود العيان لـ المنصة، إن المخزن كان يحتوي على كميات ضخمة من الطحين والمعلبات، لكن عصابات مسلحة اقتحمت المكان وحاولت السيطرة على المواد الغذائية بهدف بيعها في السوق بأسعار باهظة، فيما قال شاهد آخر إنه اضطر لشراء كيس طحين (25 كجم) بمبلغ 300 شيكل (84 دولارًا)، وهو سعر يزيد عدة أضعاف عن السعر السابق، نتيجة الندرة الحادة.
من جهتها، عبّرت منظمة الغذاء العالمي عن أسفها لما حدث، موضحة في بيان أنها منعت من توزيع الطحين على المخابز منذ 19 مايو/أيار الجاري بقرار من الجيش الإسرائيلي، مما أدى إلى تفاقم الأزمة. وأعلنت المنظمة عن حصولها على موافقة جديدة لاستئناف العمل، متعهدة بإيصال المساعدات لجميع مناطق القطاع في الأيام المقبلة.
وحذرت المنظمة من أن استمرار عمليات النهب لمخازنها وقوافل المساعدات قد يعطل جهودها في الوصول إلى العائلات الجائعة، مما سيؤدي إلى تفاقم الكارثة الإنسانية.
في ظل استمرار الحصار وارتفاع الأسعار، يجد مئات الآلاف من الغزيين أنفسهم في مواجهة الجوع والفقر، وسط اتهامات متبادلة، ومشهد إنساني يزداد قتامة يومًا بعد يوم.
وفي 18 مارس/آذار الماضي، عاود جيش الاحتلال الإسرائيلي العدوان على قطاع غزة مستأنفًا حربًا بدأها على القطاع في 7 أكتوبر 2023، بعد أن رفض استكمال اتفاق لوقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، وكان من المقرر أن ينتهي بتبادل جميع المحتجزين لدى حماس وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة لكن دولة الاحتلال لم تفعل.