تصميم أحمد بلال، المنصة
الفصل التعسفي يلاحق العمال بالتزامن مع قانون العمل الجديد، تعبيرية

مع بدء تطبيقه.. ماذا يربح ويخسر العمال من قانون العمل الجديد؟

أحمد خليفة
منشور الأربعاء 3 أيلول/سبتمبر 2025

دخل قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025 الاثنين الماضي، حيز التطبيق بعد انتهاء مهلة الـ90 يومًا التي حددها القانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.

ويرى نقابيون وحقوقيون أن العمال يخسرون الكثير من خلال نصوص القانون التي أغفلت العديد من الحقوق، ورغم إقرارهم باحتواء القانون على عدة مكاسب للعمال، خاصة فيما يتعلق بالعمالة غير المنتظمة والعمل عن بُعد، وعمال المنصات الرقمية، لكنهم يؤكدون أن تلك المكاسب مرهونة بمدى تطبيق القانون، والإرادة السياسية في إنفاذ نصوصه.

وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي صدق على القانون الجديد في 3 مايو/أيار الماضي، على أن يبدأ العمل به مطلع سبتمبر/أيلول الحالي.

أفلح إن صدق

يقول مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مالك عدلي لـ المنصة "يمكن أن نتحدث عن العديد من المكاسب داخل القانون الجديد، خاصة الباب الخاص بتشغيل العمالة غير المنتظمة، حيث وسع القانون من فئة العمالة غير المنتظمة وأنشأ لهم صندوقًا خاصًا".

وأشار إلى المواد المتعلقة بالتدريب والتأهيل، والخدمات الاجتماعية والثقافية المقدمة من خلال الصناديق الخاصة التي نص عليها القانون بوصفها من المكاسب "المهمة"، لكنها تبقى مرتبطة بمدى تفعيلها.

يضيف عدلي "النساء أيضًا لديهم مكاسب تتعلق بمدة إجازة الوضع التي زادت من ثلاثة إلى أربعة أشهر، وبعدد مرات الولادة التي يستحقون الإجازة خلالها التي زادت أيضًا من مرتين إلى ثلاث، والإجازات دون راتب لرعاية الطفل، إضافة إلى إعطاء الزوج الحق في الإجازة في حالة ولادة زوجته من رصيد الإجازات".

يشير هنا رئيس اتحاد تضامن النقابات المستقلة (تحت التأسيس) أحمد المغربي في حديثه لـ المنصة إلى أحد المكاسب "المهمة" المتمثلة في إلغاء القانون الجديد للتمييز الصارخ ضد النساء العاملات بالزراعة، الذي كان موجودًا في القانون القديم.

حيث كانت تنص المادة 97 من قانون العمل الموحد 12 لسنة 2003 على أنه "يستثنى من تطبيق أحكام هذا الفصل العاملات في الزراعة البحتة"، والمقصود هنا هو الفصل الثاني من باب تنظيم العمل، والخاص بتشغيل النساء وضمان حقوقهن لدى صاحب العمل، حيث حرمت تلك المادة العاملات في الزراعة حق شمولهن ضمن نطاق قانون العمل ومن ثم لم يكن لهنً الحق في إقامة أي علاقات تعاقدية مع أصحاب الأعمال، وبالتالي حرمانهن من الحقوق الاقتصادية والتأمينية، وهو ما عالجه القانون الجديد، حسبما أوضح المغربي.

مراعاة القانون لتطور علاقات وأنماط العمل، والاعتراف بأشكال جديدة للعمل من بينها العمل عن بعد، وإدراج عمال المنصات الرقمية، تحت مظلة القانون، إحدى أهم المكاسب في رأي عدلي، لكنها "تبقى مجرد نصوص غير قابلة للتطبيق، إلا إذا توفرت لدى الحكومة ممثلة في وزارة العمل كجهة إنفاذ، إرادة سياسية لتطبيقها".

يوضح عدلي أن "أصحاب العمل في المنصات الرقمية مثل شركات التوصيل والنقل الذكي، لا يحررون في العادة عقود عمل للعمال، وإن وجدت فإنها تكون عبارة عن عقود تقديم خدمات وليست عقود عمل".

وأكد أن ذلك يحتاج إلى تدخل سياسي "لإجبار هذه الشركات على إعادة هيكلة علاقة العمل بينها وبين عمالها، ومعالجة المشكلات الناتجة عن هذا الشكل المشوه من علاقات العمل، وإخضاع هذه الشركات التي تستخدم هذا الشكل من أشكال العمالة للامتثال لأحكام القانون، وتحويل مسارات علاقات العمل من عقود تقديم خدمات إلى عقود عمل حقيقية".

أما المستشار القانوني لدار الخدمات النقابية أشرف الشربيني، يرى أن من أهم مكاسب العمال في القانون الجديد، هو ما نص عليه بإنشاء محاكم عمالية متخصصة، فوفقًا للقانون تنشأ محكمة عمالية في دائرة اختصاص كل محكمة ابتدائية.

كما نص القانون أيضًا على إنشاء محاكم استئنافية متخصصة لنظر الطعون في الأحكام الابتدائية، تبدأ عملها من أول أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وفقًا لنص القانون، وهو ما تم إنشاؤه بالفعل بموجب قراري وزير العدل رقم 4621 و4693 لسنة 2025.

ويضيف الشربيني لـ المنصة أن "إنشاء هذه المحاكم من المميزات الكبيرة، لأنها محاكم مستقلة تختص فقط ودون غيرها بجميع قضايا منازعات علاقات العمل، والحقوق التأمينية ومشكلات احتساب المعاش، والمنازعات النقابية، ما يجنبنا تنازع الاختصاص بين المحاكم العمالية والدوائر المدنية الموجودة فيها، وسيتم تعيين قضاة لها من المجلس الأعلى للقضاء، وسيتم تدريبهم على القوانين العمالية ومنازعات العمل، كما ورد في قرار وزير العدل، وهو ما يضمن صدور أحكام لا تشوبها شائبة".

واعتبر الشربيني أن تخصيص قاضي أمور وقتية مختص بالنظر المستعجل في قضايا الفصل التعسفي في خلال 3 أشهر لمنح العامل المفصول تعويض مؤقت بما يعادل 6 أشهر من مستحقاته لحين الفصل النهائي في الدعوى من "الميزات الكبيرة في القانون".

خسائر العمال في القانون الجديد

من مثالب القانون الجديد أنه أبقى على تقييد الحق في الإضراب بشكل لا يختلف كثيرًا عن القانون القديم، إن لم يكن أسوأ في رأي رئيس نقابة أندية قناة السويس كرم عبد الحليم، حيث نصت المادة 232 على "إخطار كل من صاحب العمل والجهة الإدارية المختصة قبل التاريخ المحدد للإضراب بعشرة أيام على الأقل".

كما نصت 234 على أنه "يُحظر الإضراب أو الدعوة إليه أو إعلانه بالمنشآت الحيوية التي تقدم خدمات أساسية للمواطنين والتي يترتب على توقف العمل فيها الإخلال بالأمن القومي"، دون أن تحدد المادة هذه المنشآت، وهو ما يعتبره عبد الحليم "نصًا مطاطيًا" فمئات المنشآت يمكن أن ينطبق عليها هذا الوصف.

يضيف عبد الحليم لـ المنصة أن من بين خسائر العمال في القانون الجديد تخفيض العلاوة من 7 إلى 3% "حتى لو كانت الـ7% على الأجر الأساسي، والـ3% على الأجر التأميني، فإن ما يحصل عليه العمال فعليًا تم انتقاصه، لأن أغلب العمال راتبهم الأساسي مماثل أو يقترب من الأجر التأميني، وكان يجب احتساب العلاوة على الأجر الشامل، لضمان أجر عادل يتماشى مع مستويات التضخم".

كما يعتقد عبد الحليم أن من أكبر المشكلات في القانون 14 لسنة 2025، هو ما نصت عليه المادة 87 "يبرم عقد العمل الفردي لمدة غير محددة، أو لمدة محددة إذا كانت طبيعة العمل تقتضي ذلك كما يجوز باتفاق الطرفين تجديد العقد لمدد أخرى مماثلة"، حيث أنها تهدف إلى تأقيت علاقات العمل والقضاء شيئًا فشيئًا على عقد العمل الدائم (غير محدد المدة).

أما رئيس "اتحاد تضامن" أحمد المغربي، يعتبر استثناء العمالة المنزلية المحلية من القانون، وعدم الاعتراف بها، رغم الاعتراف بالعمالة المنزلية الأجنبية، ما "يبقي علاقات الاستغلال التي تمارس ضد شريحة واسعة من العمالة"، وأن القول بإصدار قانون خاص بالعمالة المنزلية، هو مجرد "تصريحات للاستهلاك"، ويتساءل كيف يشمل القانون العمالة المنزلية الأجنبية ويستثني العمالة المحلية؟

ويشير أشرف الشربيني إلى إلغاء مواد حبس أصحاب العمل بوصفه "انحيازًا واضحًا" من المشرع لأصحاب العمل في مواجهة العمال، حيث خلا القانون من آلية مهمة لحماية العمال من استغلال أصحاب العمل، وقوة ردع لأصحاب الأعمال خسرها العمال في القانون الجديد.

ويجمع المتحدثون في هذا التقرير على أن ضعف التنظيمات النقابية أو غيابها، وكذا تغييب الحكومة لممثل العمال والمنظمات الحقوقية المعنية بحقوقهم، هو أحد الأسباب الرئيسية الذي أدى إلى خروج القانون 14 لسنة 2025، بشكل جعل الكثير من نصوصه، تنم عن انحياز واضح لأصحاب العمل في مواجهة العمال، وأن ضمان تطبيق نصوص القانون والميزات التي تضمنها، تحتاج إلى زيادة الحريات النقابية ووقف الإجراءات التعسفية ضد النقابات خاصة المستقلة، فقانون العمل "لا يتم بمعزل عن باقي القوانين وعلى رأسها قانون الحريات النقابية" كما يذكر مالك عدلي.

كما اعتبر المتحدثون في هذا التقرير، أنه لا ضمان لتطبيق نصوص القانون إلا بوقف الإجراءات المجحفة من قبل أجهزة الدولة تجاه العمال في حالات الاحتجاجات العمالية، والكف عن محاصرة العمال بوسائل أمنية، واستدعائهم لمقرات الأمن الوطني وحبسهم على خلفية الاحتجاجات.