توقع خبراء أن تستمر معدلات التضخم في التراجع خلال ما تبقى من العام الجاري لتقترب من مستويات معتدلة عند 10%، بعد أكثر من عامين من الضغوط التضخمية المتزايدة، لكنهم حذروا من أن تعرقل زيادات مرتقبة في أسعار بنود الطاقة تحقق سيناريو تراجع التضخم.
وانخفض معدل التضخم السنوي خلال أغسطس/آب الماضي للشهر الثالث على التوالي، مسجلًا 11.2% مقابل 13.1% في يوليو/تموز الماضي، مدفوعًا بتراجع أسعار اللحوم والدواجن، بينما ارتفع التضخم الشهري بنسبة طفيفة سجلت 0.2%، حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
"في حال عدم حدوث أي زيادات في أسعار المحروقات والكهرباء أو الأدوية خلال الفترة المقبلة، فمن المتوقع أن يختتم العام بمعدل يلامس 10% على أدنى تقدير" كما يقول رئيس وحدة البحوث في شركة عربية أون لاين مصطفى شفيع لـ المنصة.
كانت مصادر في مجلس الوزراء قالت لـ المنصة إن الحكومة تتأهب لزيادة أسعار الكهرباء خلال الشهر الحالي، لكن رئيس الوزراء قال في وقت لاحق إن تعريفة الطاقة لن ترتفع في سبتمبر/أيلول تجنبًا لزيادة معدلات التضخم.
"الحكومة تسعى لعدم رفع أسعار الكهرباء حتى نهاية العام لتجنب ضغوط تضخمية جديدة" كما يرى المحلل الاقتصادي إبراهيم عادل.
ويتوقع عادل في حديث لـ المنصة أنه "في حال اتخاذ قرار بزيادة أسعار المحروقات خلال شهري أكتوبر/تشرين الأول أو نوفمبر/تشرين الثاني المقبلين، فإن التضخم قد يصل إلى حدود 15%، ما يعكس حساسية المؤشرات الاقتصادية لأي تغيرات في ملف الطاقة" كما يضيف.
وكانت وزارة البترول أعلنت عن 3 زيادات في أسعار الوقود خلال العام الماضي، ثم زيادة رابعة في أبريل/نيسان الماضي وهي الأولى خلال العام الجاري، ضمن تعهدات لصندوق النقد الدولي بالحد من التكلفة المالية للدعم.
وترى رئيسة قسم البحوث بشركة زيلا كابيتال آية زهير أنه في حال تطبيق زيادة جديدة في أسعار الوقود في أكتوبر سيحد من أثرها التضخمي "أسعار الوقود كانت ارتفعت أيضًا في أكتوبر 2024، وهو ما يوفر أثرًا قاعديًا داعمًا يخفف من حدة أي زيادة في المؤشر العام".
وبناءً على ذلك، توقعت زيلا كابيتال أن يختتم التضخم العام 2025 في نطاق يتراوح بين 13% و14%، موضحة أن هذا المسار يعكس التوازن بين الضغوط الموسمية المرتبطة بالطاقة وبين المكاسب التي تحققت من تحسن سعر الصرف والمبادرات الحكومية لضبط الأسعار.
وأعلنت الحكومة منتصف الشهر الماضي عن مبادرة لتشجيع المنتجين والتجار على خفض أسعار المنتجات، لكن العديد من الشركات تجاهلت تنفيذها.
السياسة النقدية ومسار الفائدة
وفيما يخص السياسة النقدية، أشارت آية زهير إلى أنه مع تبقي ثلاثة اجتماعات فقط للبنك المركزي المصري خلال 2025، فمن المرجح أن يشهد السوق خفضًا إضافيًا في أسعار الفائدة يتراوح بين 100 و200 نقطة أساس، ما يرفع إجمالي الخفض المتوقع خلال العام إلى نطاق يتراوح بين 600 و700 نقطة أساس، مقارنة بتقديرات سابقة عند 500 - 600 نقطة أساس.
وخفضت لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي نهاية الشهر الماضي سعر الفائدة للمرة الثالثة خلال العام الجاري بنسبة 2%، ليصل سعر فائدة الإيداع إلى 22% وسعر فائدة الإقراض إلى 23%، ما يمهد الطريق للحد من سياسات التشديد النقدي التي بدأها في مارس/آذار 2024.
وأكدت آية زهير أن هذا النطاق المحدث يبدو مبررًا في ضوء تحسن البيئة الخارجية، التي تمثل مخاطرة إيجابية تدعم مزيدًا من التيسير النقدي.
ورغم ذلك، شددت على أن البنك المركزي قد يتأنى في قراراته المقبلة، خاصة في ضوء الزيادة المرتقبة في أسعار الوقود خلال أكتوبر، "ستكون الزيادة الأخيرة في الوقود للوصول إلى مستويات استرداد التكلفة وفقًا للاتفاق مع صندوق النقد الدولي".
وأضافت أن احتمالات رفع أسعار الكهرباء في الفترة نفسها قد تدفع المركزي لمزيد من الحذر، لا سيما أن قرارات البنك تتأثر بتعديلات أقل حساسية مثل زيادة ضريبة القيمة المضافة.
وتوقع رئيس البحوث في "عربية أون لاين" أن يقوم البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة بمعدل يتراوح بين 1% و2% قبل نهاية 2025، مستندًا إلى تراجع معدلات التضخم واستقرار أسعار الأساسيات داخليًا.
وأوضح أن المشهد الخارجي يبدو أكثر هدوءًا في الوقت الراهن، ما يمنح المركزي المصري مرونة إضافية في اتخاذ قرار الخفض.
وأضاف أن قرار الفيدرالي الأمريكي، سواء اتجه إلى خفض الفائدة أو الإبقاء عليها، لن يمثل عائقًا أمام السياسة النقدية في مصر، لكنه أشار إلى أن خفض الفيدرالي للفائدة بمقدار 0.25% في الفترة المقبلة سيمنح البنك المركزي المصري مساحة أكبر للتحرك بخفض أسعار الفائدة دون ضغوط.
ويرى عادل أن السياسة النقدية الحالية تعتمد بشكل أساسي على سعر الفائدة الحقيقي، الذي يبلغ في الوقت الراهن نحو 10%، متوقعًا أن يجري البنك المركزي خفضًا تدريجيًا للفائدة بحد أقصى 2% خلال الاجتماعات الثلاثة المتبقية حتى نهاية العام.
واعتبر أن خفض الفائدة سيكون خطوة لدعم النمو الاقتصادي وتشجيع الشركات على التوسع في أنشطتها الاستثمارية والإنتاجية، وهو ما يمثل حافزًا مهمًا للقطاع الخاص.
وأكد أن خفض أسعار الفائدة يحمل انعكاسات إيجابية مباشرة على الموازنة العامة للدولة، إذ إن كل تراجع بمعدل 1% في الفائدة يوفر ما يقارب 80 مليار جنيه من أعباء خدمة الدين، لافتًا إلى أن الحكومة تُعد المستفيد الأكبر من هذا التوجه باعتبارها أكبر مقترض في السوق المحلية.
سوق الصرف والقيود المحتملة
ويساهم تعافي الجنيه أمام الدولار مؤخرًا، مع انخفاض سعر العملة الأمريكية تحت مستوى 48 جنيهًا، في الحد من الضغوط التضخمية التي تولدت خلال الفترة الماضية من ارتفاع سعر صرف الدولار.
وترى آية زهير أنه من غير المتوقع حدوث تحسن إضافي كبير، إذ يُرجح أن تؤدي عوامل موسمية في الربع الرابع، مثل جني الأرباح واستحقاقات الديون الخارجية، إلى كبح أي مسار إيجابي قصير الأجل للجنيه.
وتوقع شفيع أن تشهد العملة المحلية تحسنًا محدودًا في الفترة المقبلة، مشيرًا إلى أن الصفقة الأخيرة الخاصة بالاستثمارات الخليجية في مشروع البحر الأحمر ساهمت في دعم الجنيه أمام الدولار، ما قد يدفع سعر الصرف للتراجع إلى مستويات تتراوح بين 47 و48 جنيهًا للدولار.
ويرى إبراهيم عادل أن الدولار سيتحرك في نطاق مستقر نسبيًا حول مستوى 49 جنيهًا، مع هامش تقلب يصل إلى ±5% صعودًا أو هبوطًا.
وأرجع هذا الاستقرار النسبي إلى طبيعة السوق الحالية، لكنه أشار إلى أن التوترات الجيوسياسية المتكررة في المنطقة تُعد من أبرز العوامل التي تضيف ضغوطًا على العملة المحلية وتؤثر على تحركات سعر الصرف.