يواصل آلافُ النازحين الفلسطينيين مسيرات عودتهم إلى منازلهم المدمرة في شمال قطاع غزة، منذ دخول اتفاق وَقفِ إطلاق النار حيز التنفيذ منتصف يوم أمس الجمعة، وبَدءِ انسحاب قوات وآليات جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى خطوط الانسحاب الأولى في خرائط الاتفاق الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عقب مفاوضات جرت في مدينة شرم الشيخ المصرية، برعاية مصرية قطرية تركية.
وقال جيش الاحتلال، في بيان نشره المتحدث باسمه أفيخاي أدرعي، إنه استكمل سحب آلياته مع دخول الاتفاق حيز التنفيذ في الثانية عشرة من ظهر الجمعة، مُصدرًا توجيهات للفلسطينيين بتجنب الاحتكاك مع القوات الإسرائيلية المتمركزة على طول الحدود الجنوبية والشرقية والشمالية للقطاع.
وحذّر بيان الاحتلال من عودة السكان إلى بيت حانون وبيت لاهيا شمالًا، وحي الشجاعية شرق غزة، حيث ما زالت قواته تتمركز هناك، مشيرًا إلى أنه ما زال يسيطر على معبر رفح من الناحية الفلسطينية ومحور فيلادلفيا على طول الحدود الجنوبية لمدينة رفح المصرية، إلى جانب أجزاء من شرق مدينة خانيونس.
وأكد أنه سمح بالتنقل بين شمال وجنوب القطاع عبر طريق الرشيد الساحلي وشارع صلاح الدين شرقًا، "من دون قيود أو شروط"، رغم استمرار وجود نقاط تمركز شرق الطريق الأخير.

فلسطينيون يعودون إلى شمال قطاع غزة مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، 10 أكتوبر 2025ويحمل النازحون في طريق العودة إلى أرضهم الكثير من الأسئلة، خصوصًا أولئك الذين انهارت بيوتهم جراء القصف الإسرائيلي الذي جعل من القطاع مكانًا غير صالح للحياة.
وقال أسعد بدوان (51 عامًا) لـ المنصة، إنه سار على قدميه عبر شارع الرشيد لتفقد منزله في حي الزيتون، مضيفًا "الناس بتقول بيتي راح وبيوت الحارة كلها راحت، مش عارف وين بدنا نرجع. قررت أمشي لحالي أشوف إذا في شي نقدر نسكن فيه أو نعمل خيمة". وأشار إلى أن عائلته لا تزال نازحة في مخيم النصيرات.
أما حسن عبدو (34 عامًا)، فعاد مساءً مع زوجته وطفليه إلى شقتهم في حي الرمال، حاملاً أمتعته على كتفيه. وقال لـ المنصة "كنت ضيف عند صديقي وما مصدقين نرجع. حمدت ربنا إن البيت لسه موجود، عكس بيوت كتير راحت".
في المقابل، كان محمود أبو حليمة (28 عامًا) واقفًا على تلة النويري يتأمل مدينته المدمرة شمالًا، وهو يقول لـ المنصة "بيوتنا وأراضينا كلها راحت. مش قادرين نرجع لبيت لاهيا، الجيش لسه هناك، وحتى بيتنا التاني بشارع النصر مدمر بالكامل". وأضاف بأسى "إجيت أشوف غزة من بعيد والناس راجعة. كان نفسي نرجع ونستعيد حياتنا".
وفي جنوب القطاع، تمكنت عشرات العائلات من العودة إلى منازلها وسط خانيونس وغرب أحيائها الشرقية، فيما لا تزال آلاف العائلات النازحة من شرق المدينة ورفح في خيامها بمنطقة المواصي، بسبب تمركز القوات الإسرائيلية في مناطق سكنها، بحسب مصدر صحفي من خانيونس لـ المنصة.
وخلال حرب الإبادة التي شنَّها لعامين كاملين، خلَّف الاحتلال دمارًا واسعًا جعل أجزاء كبيرة من القطاع غير صالحة للحياة، فقد تضرر أو دُمّر مئات الآلاف من المباني، وتعطلت معظم المستشفيات والمدارس وشبكات المياه والكهرباء، ما تسبب في نزوح ملايين السكان داخليًا.
كما حذرت الأمم المتحدة من انهيار الخدمات الأساسية وارتفاع معدلات الجوع والأمراض، واعتبرت منظمات مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش أن حجم التدمير والتهجير قد يرقى إلى جرائم إبادة جماعية أو تطهير عرقي.
في الأثناء، وصلت إلى مستشفيات القطاع جثامين 155 شخصًا، بينهم 20 قُتلوا في قصف إسرائيلي صباح الجمعة أثناء محاولتهم العودة إلى منازلهم قبل ساعات من سريان موعد سريان الهدنة. كما أسفر القصف عن مقتل 135 آخرين انتُشل جثامينهم من تحت الأنقاض ومن الطرقات.
وقال مصدر في الدفاع المدني لـ المنصة إن طواقمه انتشلت أكثر من 100 جثمان من أحياء غزة، وقرابة 30 من وسط خانيونس، موضحًا أن "عشرات الجثامين كانت ملقاة في الشوارع بعد استهداف المدنيين، وبعضها تعرض للنهش من الكلاب البرية، ما صعّب التعرف عليها".
وأكد المصدر استمرار عمليات البحث والانتشال في الأيام المقبلة، خصوصًا في المناطق التي لا يزال جيش الاحتلال متمركزًا فيها، مشيرًا إلى احتمال وجود مزيد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات المغلقة.
ومن المقرر وفق اتفاق وقف إطلاق النار؛ إتمام عملية تبادل الأسرى لدى حماس وإسرائيل خلال الساعات المقبلة، إذ بدأ الاحتلال الاستعداد لنقل الأسرى الفلسطينيين إلى سجن "كتسيعوت" استعدادًا لترحيلعن إلى قطاع غزة أو دول مثل تركيا وقطر، كما نقل آخرين إلى سجن عوفر لترحيلهم إلى الضفة الغربية، وفق يدعوت أحرونوت الإسرائيلية.
وتشمل صفقة التبادل الإفراج عن 250 مُعتقلًا فلسطينيًا من أصحاب الأحكام العالية والمؤبدات و1,700 معتقلٍ من غزة بعد 7 أكتوبر 2023، بينهم 22 قاصرًا.
وحسب الصحيفة الإسرائيلية؛ فإنه حتى بعد إتمام الصفقة سيبقى حوالي 9 آلاف فلسطيني خلف القضبان لدى إسرائيل.