تصوير محمود عطية، المنصة
جانب من مؤتمر أسر المعتقلين المنعقد بحزب الكرامة، 25 أكتوبر 2025

"سجناء داخل وخارج الأسوار".. أسر المعتقلين يطالبون بحرية ذويهم

محمود عطية
منشور الأحد 26 تشرين الأول/أكتوبر 2025

جددت أسر معتقلين سياسيين ومحبوسين احتياطيًا لفترات طويلة على ذمة قضايا رأي مطالبها بالإفراج عن ذويهم، معتبرة أن استمرار احتجازهم لفترات ممتدة دون محاكمة عادلة يُشكّل "انتهاكًا لحقهم في الحرية وكرامتهم الإنسانية".

وخلال مؤتمر صحفي بحزب الكرامة بالتعاون مع تيار الأمل، مساء أمس السبت، دعا الحضور ومن بينهم ممثلين عن قوى سياسية ونقابية لتشكيل كيان جماعي قوي من الأحزاب والشخصيات العامة والنقابات، للدفاع عن سجناء الرأي والعمل على ضمان محاكمات عادلة لهم.

وشهد المؤتمر الذي عُقد تحت عنوان "الرأي ليس جريمة.. والحرية حق"، مشاركة العشرات من أهالي المعتقلين وعدد من المحامين وأعضاء هيئات الدفاع عنهم، قدّموا خلاله شهادات شخصية حول معاناة أسرهم في ظل استمرار حبسهم، مشددين على ضرورة إنهاء "الظلم الواقع على أبنائهم".

تعذيب نفسي مستمر

من بين من تحدثوا في المؤتمر، كانت ندى مغيث زوجة رسام الكاريكاتير بـ المنصة، أشرف عمر، التي أعربت عن "خيبة أملها" من استمرار وضع زوجها رهن الحبس الاحتياطي منذ 22 يوليو/تموز 2024، دون فائدة لتحركاتها المطالبة بالإفراج عنه.

ويواجه أشرف عمر اتهامات بـ"نشر وإذاعة أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام القانون" في القضية رقم 1968 لسنة 2024 حصر أمن الدولة، والمحبوس على ذمتها منذ القبض عليه من منزله قبل 15 شهرًا، دون إحالته للمحاكمة. 

ندى مغيث زوجة رسام الكاريكاتير بـ المنصة أشرف عمر، متحدثة خلال مؤتمر أسر المعتقلين المنعقد بحزب الكرامة، 25 أكتوبر 2025

وأشارت ندى مغيث إلى التزامها الصمت لفترة بعد أن تحركت كثيرًا للمطالبة بالإفراج عن زوجها، لكنها وجدت أن "الوضع زي ما هو، سواء سكت أو اتكلمت"، وتابعت "اتكلمت كتير مع الناس كلها ومحدش سمعني، ولما لجأت لمنظمات أجنبية اتهموني بالاستقواء بالخارج، وفي النهاية كلها محصلة بعضها، مفيش تغيير".

كما انتقدت ندى مغيث استمرار حبس الباحث والخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق على خلفية بحث علمي، وقالت "اللي بيحصل ده عبث، البحث العلمي مش مكانه لا المحاكم ولا السجون، والتهم باتت سخيفة جدًا".

وفي الرابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قضت محكمة جنح الشروق بالقاهرة الجديدة بحبس فاروق خمس سنوات، بتهمة "نشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير السلم العام والإضرار بالمصلحة القومية"، وذلك بعد جلستين فقط ودون تمكين الدفاع من الاطلاع على أوراق القضية ولا سماع مرافعته، حسب عضو فريق الدفاع عنه المحامي نبيه الجنادي.

في السياق نفسه، قالت نجلاء سلامة زوجة عبد الخالق فاروق، إن زوجها "أمضى عامًا كاملًا في السجن"، وأنه "محروم من الورقة والقلم والتعرّض للشمس". وقالت إن استمرار حبسه "يمثل تعذيبًا نفسيًا مستمرًا"، مضيفة "نأمل ألا يقضي عامًا آخر بعيدًا عن أسرته وأبحاثه ومجاله العلمي".

وألقت السلطات القبض على فاروق في 20 أكتوبر 2024 من منزله، وأحالته نيابة أمن الدولة العليا إلى التحقيق في القضية رقم 4937 لسنة 2024، متهمةً إياه بـ"الانضمام إلى جماعة إرهابية وتمويلها، وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة". وأوضحت المنظمات أن هذه الاتهامات جاءت على خلفية نشره نحو 40 مقالًا انتقد فيها السياسات الاقتصادية للرئيس المصري والحكومة.

"جريمة دعم فلسطين"

وقالت صباح فواز، والدة الطالب بجامعة الأزهر والمُحتجز على خلفية مظاهرات للتضامن مع فلسطين، علي محمد علي أبو المجد، إن نجلها "أكمل عامين في الحبس منذ القبض عليه"، مضيفة أنه "لا علاقة له بالاتهامات المُعلبة التي وُجهت له".

وأضافت "كل اللي عمله علي إنه تضامن مع القضية الفلسطينية، إزاي يُجرّم التضامن مع فلسطين والدولة نفسها داعمة للقضية؟"، وتابعت "طرقت كل الأبواب، وأرسلت تلغرافات إلى النائب العام ووزير الداخلية والمجلس القومي لحقوق الإنسان، لكن دون جدوى".

وفي 21 أكتوبر 2023، ألقت قوات الأمن القبض على أبو المجد من منزله بمنطقة بولاق الدكرور على خلفية مشاركته بتظاهرات التضامن مع فلسطين، وظل محتجزًا بمكان غير معلوم لذويه ومحاميه حتى يوم 28 من نفس الشهر، عندما تم عرضه على نيابة أمن الدولة العليا التي باشرت معه التحقيقات، ويتم تجديد حبسه حتى اليوم على ذمة القضية رقم 2468 لسنة 2023 حصر أمن الدولة العليا.

ووجهت النيابة لعلي اتهامات بـ"الانضمام إلى جماعة إرهابية مع علمه بأغراضها، والاشتراك في تجمهر الغرض منه الإضرار بالأمن والنظام العام وتغيير نظام الحكم بالقوة، واستخدام القوة والعنف ضد موظف عام لحمله على الامتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفته، وكان ذلك لغرض إرهابي، وإتلاف مال عام وخاص ثابته ومنقوله، وذلك تنفيذًا لغرض إرهابي".

وأشارت سلوى رشيد زوجة القيادي العمالي المحبوس على ذمة قضية "بانر دعم فلسطين" شادي محمد، إن قطاعات من المجتمع لا تزال غير مدركة لطبيعة الاتهامات التي طالت بعض الشباب بسبب مشاركات أو تعبيرات عن الموقف من الحرب على غزة، مشيرة إلى أن "الخوف من التعبير بات حاضرًا لدى فئات واسعة".

وشادي محمد محبوس احتياطيًا منذ القبض عليه من منزله في 29 أبريل/نيسان 2024 على ذمة القضية 1644 لسنة 2024 حصر نيابة أمن الدولة العليا، التي يواجه فيها اتهامات بـ"تأسيس جماعة إرهابية والانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة وتكدير السلم العام والاشتراك في تجمهر الغرض منه الإخلال بالنظام العام".

من أجل حقهم في الحياة

المعارض السياسي أحمد الطنطاوي متحدثًا خلال مؤتمر أسر المعتقلين المنعقد بحزب الكرامة، 25 أكتوبر 2025

من ناحيته، دعا رئيس حزب الكرامة سيد الطوخي خلال كلمته بالمؤتمر إلى دور أكثر فاعلية من نقابة الصحفيين في الدفاع عن أعضائها والمطالبة بالإفراج عن أشرف عمر، مشددًا على أن "الصمت يصنع مناخًا يسمح بتكرار الانتهاكات ضد الجميع".

وقال المعارض السياسي أحمد الطنطاوي إن الوقت حان لتجميع القوى السياسية والمدنية حول مطلب واضح لا خلاف عليه، هو "الإفراج عن المحبوسين على ذمة قضايا رأي وضمان الحق في المحاكمات العادلة".

واقترح طنطاوي تشكيل لجنة تضم أحزابًا وشخصيات عامة ونقابات، بهدف توحيد الجهود وخلق مسار منظم للضغط السياسي والقانوني، معتبرًا أن "المسألة لم تعد تحتمل التعامل الفردي أو الموسمي"، مردفًا بأن كل ما يجري في الوقت الراهن يفتقر إلى المنطق، والمواطنون يطالبون فقط بحقهم في الحياة، والرئيس بيده أن يضع حدًا لحالة القهر والظلم المستمرة.

من جانبه، قال وزير العمل الأسبق والقيادي العمالي كمال أبو عيطة إن القوى الوطنية اتفقت على تنظيم مؤتمر موسّع للمطالبة بالإفراج عن جميع المعتقلين، معتبرًا أن الاعتماد على قرارات القضاء والنيابة في هذا الملف "لن يؤدي إلى نتيجة"، مضيفًا "هذه رسالة وصلتني نصًا"، على حد تعبيره.

وأضاف أبو عيطة، وهو عضو في لجنة العفو الرئاسي، خلال كلمته بالمؤتمر "الرسالة الآن هي التوجه إلى مسار مختلف، لأن قرارات إخلاء السبيل لم تعد تصدر، والخوف أصبح طريقًا إلى الحبس"، داعيا الأحزاب إلى تغيير قواعد الاشتباك السياسي، مضيفًا "الحوار انتهى، ويجب أن يتوسع هذا المؤتمر ويتسع حضوره، لأننا أمام سؤال جوهري: هل نعيش في وطن أم في سجن؟".

سجناء خارج الأسوار

وفي تصريحات لـ المنصة، اعتبر أبو عيطة الصمت على استمرار حبس سجناء الرأي "تقصيرًا في حق أنفسنا وبلدنا، وبالتأكيد سيأتي علينا جميعصا الدور"،  مطالبًا بتفعيل آليات متخصصة داخل كل حزب وتجمع سياسي لدعم أسر المعتقلين والمطالبة بالإفراج عنهم.

ودعا إلى تشكيل لجنة قوية للدفاع عن سجناء الرأي، في ظل ما وصفه بـ"تراجع دور لجان حقوق الإنسان وانشغالها بملفات لا تمت لحقوق الإنسان بصلة"، مضيفًا أن "كل الأبواب سُدت أمامنا، وأولها لجنة العفو الرئاسي التي توقفت عمليًا منذ الإفراج عن أحمد دومة قبل عامين".

فيما شدد الكاتب والباحث عمار علي حسن في كلمته أن أسر المعتقلين هم "سجناء خارج الأسوار"، لأنهم يعيشون المعاناة بصورة يومية عبر محاولات التواصل والزيارات والإجراءات القانونية. ودعا النساء من أسر المعتقلين إلى نشر حكاياتهن وتجاربهن الشخصية، معتبرًا أن "الرواية الصادقة وحدها قادرة على كسر جدار الصمت".