حساب رئاسة الجمهورية التونسية على فيسبوك
الرئيس التونسي قيس سعيد، 19 أبريل 2025

حملة تونسية على منظمات المجتمع المدني.. وحقوقية: سياسة ممنهجة لإخضاعه

هاجر عثمان
منشور الثلاثاء 28 تشرين الأول/أكتوبر 2025

واصلت السلطات التونسية استهداف منظمات المجتمع المدني، وعلقت أمس الاثنين، نشاط "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" لمدة شهر، في خطوة مماثلة للإجراء الذي طال "الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات" مؤخرًا.

وقال المنتدى التونسي الناشط في قضايا الهجرة والبيئة، في بيان، إنه تسلم مراسلة رسمية مساء أمس تفيد بتعليق نشاطه لمدة شهر، مستخدمة الصياغة ذاتها التي طبقت على جمعيات أخرى، وبينما غابت التفاصيل حول أسباب القرار، نبه المنتدى إلى تعرضه منذ أبريل/نيسان الماضي "لسلسلة من التدقيقات المالية والجبائية"، مؤكدًا التزامه الدائم بالترتيبات القانونية والإدارية المعتمدة.

وأوضحت مصادر من المجتمع المدني في تونس لم تسمها رويترز أن قرارات تعليق صدرت أيضًا ضد عدة منظمات أخرى بدعوى تلقي تمويلات أجنبية، إلا أن هذه المنظمات لم تعلن القرارات بعد بشكل رسمي.

وكانت السلطات التونسية فتحت هذا الأسبوع تحقيقًا قضائيًا حول التمويل الأجنبي الذي تلقته منظمات مجتمع مدني، منها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومنظمة "أنا يقظ"، و"البوصلة"، وموقع "إنكفاضة" الإلكتروني، وفق فرانس 24.

المنتدى كان أول من ندد بخطاب الرئيس التونسي قيس سعيد قبل عامين، في ظل تدفق مهاجرين من جنوب الصحراء، واصفًا تصريحه بتعرض تونس لمؤامرة لتغيير التركيبة السكانية للبلاد بأنه "خطاب عنصري".

وسبق قرار تعليق نشاط المنتدى قرار مماثل طال "الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات"، ما قالت عنه المحامية والكاتبة العامة في الجمعية هالة بن سالم إنه "قرار سياسي بامتياز"، وأضافت لـ المنصة أن "القرار يعكس إرادة واضحة في إسكات الأصوات الحرة، وخاصة النسوية منها".

وأضافت "تلقينا القرار بصدمة لأنه لا يستند إلى مبررات قانونية حقيقية. هو حلقة جديدة في سلسلة من التضييقيات التي تستهدف الفضاء المدني وكل من يرفض الخضوع أو يصرّ على استقلاليته".

ترى هالة بن سالم أن قرار استهداف الجمعية جزء حملة أوسع تستهدف المجتمع المدني المستقل في تونس، موضحة أن "القرار يأتي في سياق عام من التضييق على المنظمات والجمعيات المستقلة، وامتداد لسياسة ممنهجة تهدف إلى إضعاف المجتمع المدني وإخضاعه".

وقالت إن القرار "خطير ويحرم مئات النساء ضحايا العنف من خدمات الدعم النفسي والقانوني والاجتماعي التي تقدمها الجمعية".

ومن مصر، أعلنت مؤسسة المرأة الجديدة، في بيان أول أمس، عن تضامنها الكامل مع الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، ووصفت قرار السلطات التونسية بأنه يأتي في سياق متصاعد من إعادة هيكلة المجال العام في تونس، وتجفيف فضاءات التنظيم المستقل، واستهداف الحركة النسوية.

وقالت رئيسة مجلس أمناء مؤسسة المرأة الجديدة نيفين عبيد إن التضييق على المجال العام أصبح سمة مشتركة في أغلب الدول التي شهدت تجارب "الربيع العربي"، مشيرة إلى أن ذلك انعكس بشكل واضح على أوضاع المجتمع المدني والمنظمات النسوية.

وأضافت لـ المنصة "إحنا أصرّينا نطلع بيان تضامن معاهم، مش بس علشان الدعم، لكن كمان علشان العلاقات التاريخية اللي بتجمع الحركة النسوية المصرية والتونسية".

وأضافت أن الحركة النسوية التونسية لطالما كانت نموذجًا يُحتذى به في المنطقة "النسويات التونسيات دايمًا بالنسبة لنا مصدر إلهام، خصوصًا في نضالهن الطويل ضد التمييز داخل الأسرة"، مؤكدة أن "النُظُم غير الديمقراطية دايمًا بتشوف إن واحدة من أعدائها هي المدارس النسوية اللي بتشتغل على تحرير المرأة، وعلى قيم مساواة المواطنة، وتعزيز دولة القانون".

وتشهد تونس تراجعًا مقلقًا في مؤشرات الحريات العامة والخاصة، وتآكلاً مستمرًا للمشهد الحقوقي، منذ أعلن قيس سعيد قراراته في 25 يوليو/تموز 2021، حين جمّد البرلمان، وأقال الحكومة، وتولّى كل الصلاحيات التنفيذية والتشريعية.

وتراجعت تونس 11 مركزًا في مؤشر حرية الصحافة لعام 2025، حسب منظمة "مراسلون بلا حدود"، وسجلت نقابة الصحفيين 167 اعتداء في الفترة من 1 أبريل/نيسان 2024 إلى الشهر نفسه من العام الحالي، ما يعكس انحرافات عميقة خاصة في حماية الحقوق والحريات، وأمن وسلامة الصحفيين.

وفي حديثها عن تجلّي أنماط التضييق على المجال العام في بلدان عربية أخرى، بما فيها مصر، قالت رئيسة مجلس أمناء مؤسسة المرأة الجديدة إن التجربة المصرية "شهدت واحدة من أعنف موجات التضييق على المجال العام والمجتمع المدني خلال السنوات الأخيرة".

وأوضحت أن القانون الحالي المنظم لعمل الجمعيات الأهلية ما زال يثير قلقًا واسعًا بين النشطاء والمنظمات، مضيفة "احنا بنختبر القانون الحالي بتوجس، مش بإتاحة مطلقة، لأن لسه في إشكالية كبيرة في الاعتراف بطيف واسع من المنظمات الأهلية".

وأشارت إلى أن الدولة تميل إلى الاعتراف فقط بالمنظمات ذات الطابع التنموي أو الخيري "اللي بتشتغل على تقديم دعم نقدي للفئات الأكثر فقرًا"، بينما تواجه المنظمات ذات الطابع الحقوقي أو النقدي أو البحثي تضييقًا واضحًا، وأضافت "الدول العربية عمرها ما كانت متصالحة مع الحركات النسوية، إجمالًا يعني".

وحسب بيان لمنظمة العفو الدولية في 2023، تواجه منظمات المجتمع المدني في مصر منذ عام 2011 تضييقات أمنية، إذ لاحقت السلطات المؤسسات العاملة في المجال الحقوقي بتهم تتعلق بالتمويل الأجنبي، وأهمها القضية 173 لعام 2011، فضلًا عن ملاحقة العاملين في المجال بالمنع من السفر وتجميد الأموال.

كما حد قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي لسنة 2019 من التوسع في المجال إذ يمنح السلطات صلاحيات واسعة للغاية للإشراف على تسجيل المنظمات غير الحكومية، وأنشطتها، وتمويلها، وحلّها. ويقيّد أنشطتها من خلال قصر عملها على "تنمية المجتمع"، كما يمنع المنظمات غير الحكومية من إجراء البحوث ونشر نتائجها دون إذن مسبق من الحكومة.