أعربت 19 منظمة حقوقية مصرية ودولية عن قلقها من تصاعد ما وصفته بـ"العقاب بالوكالة"، في إشارةٍ إلى ممارسات تستهدف أقارب النشطاء والمعارضين المقيمين بالخارج عبر المداهمات والاعتقالات والاختفاء القسري، في محاولة للضغط عليهم أو معاقبتهم على آرائهم ونشاطهم.
وقالت المنظمات في بيان مشترك أصدرته أمس إن هذا النمط الذي يمثل شكلًا من أشكال العقوبة الجماعية المحظورة دوليًا، تلجأ إليه السلطات المصرية منذ سنوات، وتفاقم في الشهور الأخيرة، مبينةً أنه ينطوي على انتهاك لمبدأ المسؤولية الفردية والحق في الأمان الشخصي والخصوصية الأسرية، مشيرةً إلى أن بعض هذه الحالات رافقتها فترات اختفاء قسري ومعاملة قاسية.
وأشار البيان إلى واقعة اعتقال الأمن الوطني للسيد صبحي عيد (63 عامًا)، والد الناشط والمذيع سيف الإسلام عيد مقدم بودكاست "عنبر كله يسمع"، عقب مداهمات متزامنة لمنازل أسرته في الإسكندرية وكفر الدوار في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وحسب البيان، اختفى عيد ثلاثة أيام قبل ظهوره أمام نيابة أمن الدولة العليا، التي قررت حبسه احتياطيًا على ذمة القضية رقم 6468 لسنة 2025 التي يواجه فيها اتهامات "الانضمام وتمويل جماعة محظورة"، دون تمكينه من التواصل مع محامٍ أو أسرته خلال فترة الإخفاء.
ووفق البيان، يرى سيف الإسلام أن اعتقال والده جاء كـ"عمل انتقامي مباشر" بعد تقديمه حلقة حديثة من البودكاست الذي يوثّق الحياة داخل السجون، استضاف خلالها معتقلًا سياسيًا سابقًا تحدث عن تجربة تعذيبه داخل أحد أكثر مراكز الاحتجاز السرية في مصر، وهو سجن العزولي.
ولفت البيان إلى أن الأب سبق احتجازه نهاية أبريل/نيسان الماضي لمدة 18 يومًا على خلفية التحقيق حول نشاط ابنه، قبل الإفراج عنه آنذاك دون تهم.
وتوقف البيان عند حالات أخرى مشابهة خلال العامين الأخيرين، من بينها احتجاز والد الصحفي أحمد جمال زيادة في أغسطس/آب 2023، واعتقال أقارب المدافع الحقوقي محمد سلطان في 2020، والتضييق على أسرة الباحث عبد الرحمن عياش في سبتمبر/أيلول 2024، إلى جانب القبض على أربعة من أقارب الإعلامي المقيم في تركيا هشام عبد الله في 2020، ما زال ثلاثة منهم متهمين أمام دوائر الإرهاب، وفق البيان.
ووفق رصد المنبر المصري لحقوق الإنسان، وُثقت ما لا يقل عن 12 حالة استهداف لذوي نشطاء وصحفيين ومعارضين خلال عامي 2024 و2025، عبر الاعتقال والمنع من السفر والاستدعاءات الأمنية وفصل بعضهم من وظائف حكومية.
ويرى البيان أن السلطات باتت تتعامل مع الروابط العائلية بوصفها "امتدادًا لمجال السيطرة السياسية"، بما يجعل أثر العقاب يتجاوز الناشط إلى محيطه الاجتماعي.
وطالبت المنظمات الموقعة بالإفراج الفوري عن صبحي عيد وسيد خميس وغيرهما ممن تعتبرهم ضحايا "الاستهداف الأسري"، ووقف الملاحقات التي تطال أقارب المعارضين، والكشف عن أماكن المختفين قسريًا، وفتح تحقيقات مستقلة في الانتهاكات المنسوبة لجهاز الأمن الوطني ومحاسبة المسؤولين عنها.
وخلُص البيان إلى أن استمرار هذا النهج يشير إلى انتقال أدوات القمع من الأفراد إلى دوائرهم الأسرية، في مسار وصفته بأنه "انتقام عابر للحدود" يستهدف إسكات الأصوات المعارضة في الخارج عبر إيذاء ذويهم في الداخل.
وحمل البيان المشترك توقيع كل من المنبر المصري لحقوق اﻹنسان، ومؤسسة دعم القانون والديمقراطية، والديمقراطية الرقمية الآن، ومنصة اللاجئين في مصر، ومركز النديم، ومؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، وإيجيبت وايد لحقوق الإنسان، والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب/OMCT.
كما وقع البيان الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان/FIDH، ومركز ديمقراطية الشرق الأوسط/MEDC، وريدوورد لحقوق الإنسان وحرية التعبير، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، ومنظمة القلم - أمريكا، ولجنة حماية الصحفيين، والأورو-متوسطية للحقوق، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان، وهيومينا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية.
وفي فبراير/شباط الماضي، أصدر الفريق المعني بالاستعراض الدوري الشامل بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة/UPR تقريره الخاص بمراجعة السجل المصري في حقوق الإنسان، متضمنًا 343 توصية حقوقية من 137 دولة، أبرزها مكافحة الإخفاء القسري وإنهاء تدوير المحتجزين والإفراج عن المعتقلين السياسيين وضمان حرية الإعلام، ما رد عليه وزير الخارجية بدر عبد العاطي بأن مصر كثفت جهودها خلال السنوات الخمس الماضية، لتنفيذ 301 توصية قبلتها مصر خلال الاستعراض الماضي، لافتًا إلى أنها أحرزت تقدمًا مشهودًا على جميع المستويات.