أصدرت مؤسسة قضايا المرأة المصرية، أمس الاثنين، توصيات لمختلف مؤسسات الدولة، تتضمن تخصيص أقسام بالمستشفيات العامة لرعاية الناجيات من الاغتصاب، وتدريب العاملين والعاملات في القطاع الصحي على "تقديم الرعاية المأمونة والمحترمة في مجال الإجهاض"، داعية إلى تبني نص صريح يجيز الإجهاض في حالات الاغتصاب واغتصاب المحارم خلال 120 يومًا.
جاءت التوصيات في ختام حملة "مش ذنبي" التي تتعلق بتسليط الضوء على حق الناجيات من الاغتصاب في الإجهاض الآمن، والتي انتهت فعالياتها أمس الاثنين بمائدة حوار بعنوان "إجهاض المغتصبة بين التشريع والشريعة".
وخلال مشاركتها أمس الاثنين في مائدة الحوار التي جاءت ضمن فعاليات اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة وبداية حملة "16 يومًا من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي"، أعلنت رئيسة مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة المصرية عزة سليمان دعمها لحق النساء في الإجهاض بشكل مطلق، وقالت "أنا مع حق الإجهاض بشكل عام، ومش بس حق للست، لا حق للأطفال كمان يبقوا جايين وأهاليهم عايزنهم".
وشددت عزة سليمان على أن الجسد ملك لصاحبته "الست من حقها أن يكون لديها طفل أو لا يكون لديها طفل… أنا مع الحق المطلق في الإجهاض"، مشيرة إلى أن "النساء لسن على الأجندة التشريعية للدولة، والستات بيدفعوا الثمن".
وتضمنت توصيات مائدة الحوار أيضًا زيادة ميزانية قطاع الصحة العامة، لتقديم خدمات متكاملة للنساء والفتيات اللاتي تعرضن للاغتصاب، ووضع آليات لمتابعة الاستراتيجيات المتعلقة بقضايا العنف ضد المرأة، وتعديل قانون العقوبات، وسن قانون موحد لمناهضة العنف ضد المرأة، يقر الحق في الإجهاض في حالات الاغتصاب واغتصاب المحارم.
وأشارت عزة سليمان إلى أن مناقشة قضايا اغتصاب المحارم واجهت اعتراضًا شديدًا في مصر خلال التسعينيات، لكنها أصرت على طرحها "بدل ما المجتمع يكمكم، ننشر الغسيل ونهويه بدل ما ينفجر فينا".
وقالت إن الإجهاض في حالة الاغتصاب يُنظر إليه كمخرج اجتماعي مقبول، وأن فتاوى رسمية أُصدرت في مصر تؤيد ذلك، لكنها "لا تحظى بالاهتمام العام، بينما يتصدر المشهد الرأي المحافظ جدًا".
وأضافت أن القانون الدولي والمحلي وصولًا إلى المحكمة الدستورية يتيح مساحة للاجتهاد، مشيرة إلى فتاوى شيوخ الأزهر نصر فريد واصل (1998) ومحمد سيد طنطاوي (2008).
كما استندت إلى حكم للمحكمة الدستورية عام 1993 جاء فيه "اجتهاد أحد الفقهاء ليس أحق بالاتباع من اجتهاد غيره، وربما كان أضعف الآراء سندًا أكثرها ملاءمة للأوضاع المتغيرة".
وقالت إن تجارب دول عربية تظهر قابلية التطبيق "السودان متقدمة جدًا، بيدّوا 90 يومًا لحالات الاغتصاب. وفي تونس الإجهاض مباح خلال الثلاثة أشهر الأولى بلا مبررات".
وأضافت "الموضوع مش اختراع، لكن محتاج دولة ومؤسسات تريح الستات؛ لأن ضحية الاغتصاب بتتعاقب مرتين؛ مرة لغياب الأمان، ومرة بإجبارها على الحمل"، مطالبة بإصلاح المنظومة القضائية والصحية والإعلامية. ودعا وزارة الداخلية لبناء الثقة "لازم البنت تحس بالأمان لما تدخل القسم".
من جانبها، قالت الباحثة النسوية غدير أحمد إن الإجهاض يتم بطريقتين؛ آمن وغير آمن. موضحة أن غير الآمن يرتبط بظروف مُجرّمة قد تصل مضاعفاتها إلى الوفاة. وأضافت أن النساء اللواتي يسعين لإنهاء الحمل يُنظر إليهن "كأدوات إنجاب، مجرد وعاء"، وأن الإجهاض خارج الزواج تحيطه وصمة اجتماعية.
وأوضحت "لو الإجهاض غير قانوني بروح عيادة تحت بير السلم، ممكن أتعرض لابتزاز مالي أو جنسي، وساعات تهديد بعد العملية".
واعترضت على عنوان المائدة معتبرة أن مصطلح "إجهاض المغتصبة" غير حساس جندريًا، مقترحة وصف "النساء المتعرضات للاغتصاب" أو "إجهاض الحمل الناتج عن اغتصاب".
ولفتت إلى أن خدمات الصحة الإنجابية في مصر متاحة بشكل أساسي للمتزوجات فقط، "يعني لو مش متجوزة مليش صحة إنجابية؟".
واختتمت حديثها بالتأكيد على أن المقاربة المجتمعية تتجاهل حق النساء في الصحة والسلامة.
أما الدكتور عبد الباسط سلامة، أستاذ العلوم العربية وآدابها بجامعة الأزهر والمتخصص في تحليل الخطاب الديني، فرأى أن التعامل مع الإجهاض، خصوصًا حالات الحمل الناتج عن اغتصاب، يحتاج إلى فصل الفكر الديني عن السلطة التقليدية، والعودة إلى اجتهاد إنساني يراعي الواقع الاجتماعي.
وقال إن معظم الفتاوى الحديثة تميل إلى التحريم دون مراعاة الاحتياجات الإنسانية، معتبرًا أن بعض الخطابات الدينية تعيد إنتاج "عقل ذكوري متوتر يزعم أنه يمثل إرادة الله".