تحولت شعاب سطايح بمحمية وادي الجمال قبالة مرسى علم إلى ساحة تجسد نموذجًا للاستغلال السياحي غير المنظم، بعدما كانت تعرف بـ"بيت الدلافين"، ما حذر من تداعياته منسق العلاقات الدولية في مؤسسة ماريفيفو الإيطالية بيير باولو سيليست.
وقال سيليست، على هامش ختام فعاليات الاجتماع الرابع والعشرين للأطراف المتعاقدة في اتفاقية برشلونة وبروتوكولاتها الذي استضافته مصر في الفترة من 2 إلى 5 ديسمبر/كانون الأول الحالي، إن ما تواجهه سطايح اليوم "هو خطر مزدوج وأزمة بيئية عالمية تتجلى في تداعيات الاحتباس الحراري وابيضاض الشعاب المرجانية التي تقوّض التنوع البيولوجي، يقابلها ضغط محلي متزايد يتمثّل في التدفق العشوائي للقوارب والأنشطة السياحية، ما يضع الدلافين والنظام البيئي برمته على حافة الانهيار".
وفي رده على أسئلة المنصة، كشف منسق العلاقات الدولية في مؤسسة ماريفيفو التي تأسست في 1985 لحماية البحر والبيئة ومكافحة التلوث والصيد غير المشروع، عن مقترح إنقاذ شامل يُطرح أمام الحكومة المصرية، مؤكدًا أن الفشل في التدخل الفوري يعني انهيارًا مزدوجًا للبيئة والاقتصاد.
وأشار سيليست إلى ما رصدته مؤسسته في المنطقة، قائلًا "ما كان يومًا ملاذًا آمنًا لمجتمع مستقر من الدلافين الدوارة للراحة بعد الصيد الليلي، تحول اليوم إلى ساحة فوضوية، عشرات القوارب والزوارق المطاطية تحاصر الحيوانات يوميًا وسط ضجيج محركات لا ينقطع وسياح يطاردون حلم السباحة معها".
"تحولت المنطقة من محمية طبيعية إلى ما يشبه ميدان التحرير في أوقات الذروة، هذا التكدس حوّل المكان إلى ساحة سياحية بدلاً من كونه ملاذًا بيئيًا، ما يمنع الدلافين من الراحة أو التكاثر"، قال سيليست قبل أن يشرح أن التهديد الذي يواجه سطايح أصبح خطرًا معقدًا؛ حيث تعاني المنطقة من الأزمة البيئية العالمية المتمثلة في الاحتباس الحراري وابيضاض الشعاب المرجانية، يضاف إليها "الضغط المحلي المدمر" للسياحة غير المنظمة.
وفق تعبيره، فإن الأمر يتجاوز حدود البيئة ليصل إلى "لقمة عيش" المجتمع المحلي "الدلافين هي أساس الجذب السياحي هنا. وإذا استمر هذا الضغط، ستغادر الحيوانات بحثًا عن الهدوء، وحينها سينهار الاقتصاد الساحلي بأكمله".
وشدد على أن حماية هذه الموارد ليست شأنًا مصريًا داخليًا فحسب "بل علينا جميعًا التحرك الآن لحماية بحيرتنا الصغيرة وإعادة الإنسانية لدورها كحارس للبحر، لا كمفترس له".
وتتضمن الخطة المقترحة لتطبيق هذا النموذج، والمستلهمة من نجاح محمية صمداي بمرسى علم، أربع ركائز أساسية تتمثل في التقسيم الجغرافي، ووضع سقف لأعداد القوارب، والتحول الإلزامي للمحركات الكهربائية، والتدريب الإلزامي للأطقم السياحية.
وتقسم محمية صمداي إلى 4 مناطق للحفاظ على التوازن البيئي داخل المحمية ومنع التدهور الناتج عن الأنشطة السياحية، منطقة مخصصة للدلافين فقط ويُمنع دخول أي قوارب أو أنشطة بشرية فيها، وأخرى مخصصة للغوص والسباحة فقط، وثالثة مخصصة لرسو القوارب السياحية، وأخيرة مفتوحة لكل الأنشطة البحرية المصرح بها، وذلك بالتعاون بين وزارة البيئة وجمعية HEPCA.
بدوره أشار الرئيس التنفيذي لجهاز شؤون البيئة علي أبو سنة، على هامش ختام فعاليات اجتماع الأطراف المتعاقدة في اتفاقية برشلونة، إلى توجه الدولة لتحديث خطط إدارة المنطقة لمواجهة الضغوط الناجمة عن التكدس السياحي.
وردًا على أسئلة المنصة، شدد أبو سنة على ضرورة دمج الجمعية المصرية لحماية الشعاب المرجانية في هذه الجهود، قائلًا "لدينا مذكرات تفاهم قائمة مع HEPCA، وهم يتولون بالفعل إدارة منطقة صمداي كمنظمة غير حكومية، ولديهم خطط إدارة سابقة يمكن العمل على تحديثها وتطويرها لتناسب الوضع الحالي في سطايح".
وأكد أن الأولوية هي الحفاظ على ديمومة المورد الطبيعي "يجب أن نتخذ إجراءات وقائية دون إيقاف النشاط الاقتصادي في المنطقة، لأنه بخلاف ذلك سيفقد الناس مصدر رزقهم".
وأوضح "عليهم أن يدركوا أن الإجراءات التنظيمية التي نتخذها لا تهدف أبدًا إلى وقف نشاطهم، فبدون هذه الضوابط ستختفي الموارد الطبيعية، وسيخسر المستثمرون الأصل الذي يعتمدون عليه في جلب السياح".
واختتم بتوجيه المختصين بقطاع المحميات للتنسيق الفوري مع الخبراء والعلماء المعنيين، وعلى رأسهم HEPCA، لدراسة المقترح الإيطالي وتفعيله.
وعُقد اجتماع الأطراف المتعاقدة في اتفاقية برشلونة هذا العام تحت شعار "النمو الأزرق المتوسطي: نحو مستقبل مرن ومستدام"، حضره عدد من وزراء البيئة وممثلي 21 دولة من دول حوض البحر المتوسط، فضلًا عن ممثلي برنامج الأمم المتحدة للبيئة، لتنتقل خلاله رئاسة المؤتمر من سلوفينيا إلى مصر.
وتعد اتفاقية برشلونة إطارًا إقليميًا ملزمًا يشمل 21 دولة متوسطية والاتحاد الأوروبي، ويهدف إلى منع التلوث في البحر المتوسط والحد منه، والحفاظ على النظم البيئية البحرية والساحلية، وتعزيز التنمية المستدامة في دول الحوض.
وخلال الجلسة الختامية اعتمد المؤتمر المعايير المرجعية لمركز الأنشطة الإقليمى للتغيرات المناخية المزمع استضافته في تركيا، إلى جانب دعم المناطق ذات الحماية الخاصة والأهمية المتوسطية، وتعزيز خطط التنوع البيولوجي، وقرارات تنفيذية بشأن خطط العمل المتكاملة للمناطق الساحلية للبحر المتوسط، وإقرار التقرير الخاص بالعامين السابقين، بالإضافة إلى برنامج العمل والميزانية المخصصة للأعوام 2026- 2027.