أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، اليوم الثلاثاء، تقريرًا بعنوان "تأديب المجتمع"، يرصد ويحلل حملة الملاحقات الأمنية والقضائية التي شنتها السلطات في مصر منذ أبريل/نيسان 2020، واستهدفت بشكل أساسي بها فئات الفقراء والنساء، تحت دعوى "حماية قيم الأسرة المصرية".
وكشف التقرير أن هذه الحملة، التي استهدفت في البداية صانعات المحتوى على "تيك توك"، تحولت إلى نهج مؤسسي يستخدم القانون كأداة للضبط الاجتماعي والتمييز الطبقي والجندري، متجاوزًا الحدود القانونية والدستورية لحرية التعبير والخصوصية.
252 قضية و327 متهمًا في 5 سنوات
وثق التقرير القبض على ما لا يقل عن 327 شخصًا في 252 قضية مختلفة بتهمة "التعدي على قيم الأسرة" خلال الفترة من أبريل 2020 حتى نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وأظهرت البيانات تقاربًا في أعداد المتهمين بين الجنسين (164 امرأة و163 رجلًا)، وانتشار الملاحقات لتشمل 17 محافظة، بعد أن كانت تتركز في القاهرة.
وحسب التقرير، شهد صيف 2025 ذروة هذه الحملة، حيث ألقت وزارة الداخلية القبض على 167 شخصًا في 134 قضية خلال أقل من 4 أشهر، أغلبهم من النساء (107 امرأة).
وامتدت الاتهامات لتشمل محتوى متنوعًا لا يرتبط بالضرورة بالإثارة، مثل فيديوهات لفناني وشم، وصانعي محتوى كوميدي، وحتى أشخاص يصورون في أماكن مهجورة.
ويشير التقرير إلى أن الملاحقات استهدفت بشكل رئيسي أبناء الطبقات الفقيرة والوسطى الدنيا، مما يعكس انحيازًا طبقيًا واضحًا "فبينما يُسمح لصناع المحتوى من الطبقات الأعلى بنشر محتوى مشابه بلغات أجنبية أو في سياقات مختلفة دون عقاب، يواجه أبناء الطبقات الأفقر السجن والغرامة لنفس الأفعال".
كما أوضح التقرير البعد الجندري للحملة، والتي وصفها بأنها تسعى لفرض "صورة مثالية" لسلوك المرأة في المجال العام وتجريم أي خروج عن معايير "الرقة" و"الملبس المحافظ"، وفي المقابل تلاحق الرجال بتهم تتعلق بالمظهر أو السلوك غير المطابق للنمط "الرجولي" التقليدي، أو الميول الجنسية.
إثارة الذعر الأخلاقي بالقانون
انتقد التقرير استخدام المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (رقم 175 لسنة 2018) كأداة فضفاضة للتجريم، مشيرًا إلى أن تعريف "قيم الأسرة" في الأحكام القضائية جاء غامضًا ومستندًا إلى مؤلفات شخصية لقضاة بدلاً من نصوص قانونية منضبطة.
ولفت إلى استخدام اتهامات مغلظة مثل "غسل الأموال" و"الاتجار بالبشر" لتضخيم القضايا وإثارة الرأي العام ضد المتهمين، دون وجود أدلة حقيقية على هذه الجرائم.
وركز التقرير على دور البيانات الرسمية للنيابة العامة ووزارة الداخلية في تأجيج "الذعر الأخلاقي"، عبر نشر صور المتهمين وأسمائهم وتفاصيل حياتهم الشخصية قبل الإدانة، واستخدام لغة وعظية أخلاقية بدلاً من اللغة القانونية.
كما أشار إلى تصريحات رئيس الوزراء التي ربطت بين تطبيقات التواصل الاجتماعي وتهديد "الأمن القومي الاجتماعي"، مما يضفي شرعية سياسية على هذه الملاحقات.
ونوه التقرير في ختامه إلى التوصيات الدولية التي تلقتها مصر من لجان الأمم المتحدة، والتي طالبت بوقف استخدام المواد القانونية الفضفاضة لتجريم النساء والفتيات وتقييد حرية التعبير الرقمي.
وشددت المبادرة المصرية على أن استمرار هذا النهج يمثل انتهاكًا لالتزامات مصر الدولية والدستورية، داعية إلى مراجعة شاملة لهذه السياسات وإصلاح التشريعات بما يضمن الحقوق والحريات.
وأعلنت وزارة الداخلية، في بيانات متتابعة إلقاء القبض صناع المحتوى على السوشيال ميديا، خاصة تيك توك، ضمن حملة بدأتها في أغسطس/آب الماضي بإعلان القبض على صانعتي المحتوى أم مكة وأم سجدة، بعد بلاغات اتهامتهما بـ"نشر مقاطع تتضمن ألفاظًا خادشة للحياء والخروج على الآداب العامة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعى، وكذا التشكيك في مصادر ثرواتهما"، واستنادًا لذات الاتهامات أعلنت الوزارة القبض على صانعة المحتوى المعروفة بـ"سوزي الأردنية".