بدأت الأمطار في الهطول على مختلف مدن وأحياء قطاع غزة، مصاحبة للصواريخ التي تملأ السماء منذ سنة تقريبًا، فيما يقضي حوالي مليوني غزاوي أيامهم في العراء تغطيهم خيام اهترأت من كثرة الاستخدام، تمتد على طول الشريط الساحلي الغربي؛ ما يعرّضهم للمزيد من مخاطر موسم الأمطار وما يترتب عليه من زيادة الفيضانات الموسمية وارتفاع المد والجزر.
تحت وطأة النيران، والنداءات والتحذيرات المتكررة من الجيش الإسرائيلي التي تأمر النازحين بالنزوح مجددًا، يُساق الفلسطينيون حاملين خيامهم لا ملجأ لهم سوى الشاطئ.
من بينهم سامي عودة البالغ من العمر 54 سنة، يقول لـ المنصة "احنا خلال سنة تنقلنا خمس مرات لحد ما استقرينا بعد النزوح من شرق دير البلح لأقصى الغرب". نزح سامي وأسرته من شمال قطاع غزة إلى وسط القطاع.
تتكون أسرة سامي من 5 أبناء "اتنين منهم متزوجين وناصبين خيامهم جنبنا" يشير سامي إلى أن ثلاثة من أبنائه ما زالوا أطفالًا يقيمون معه في خيمته.
في مواجهة البحر
في المرة الأخيرة التي نزح فيها سامي لم يجد لخيمته مكانًا، من شدة الزحام في المنطقة، فهي الأكثر أمانًا من صواريخ الجيش الإسرائيلي، وليس من موج البحر.
تأتي رياح الخريف الباردة محملة بالمخاوف من أمراض البرد والإنفلونزا، فيما تمتد مياه البحر لتطول الخيام على الشاطئ، يقول سامي "مع تقلبات الجو، البحر صار بمد ناحية الخيمة وأوقات المد ما ببعد عنا أكتر من مترين وإحنا لسه في بداية الفصل".
"ممكن بأي وقت نلاقي البحر داخل لعنّا ع الخيمة وسحبها"، يخشى الرجل الخمسيني أن يخسر خيمته التي رافقته في رحلة نزوحه خلال السنة الماضية، واضطر إلى نصبها في عدة أماكن بالقطاع.
لا يقف سامي وحده في مواجهة البحر، توجد مئات الخيام متكدسة على الشاطئ الممتد من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، مرورًا ببلدة الزوايدة ومدينة دير البلح وخانيونس، وحتى الأطراف الشمالية الغربية لمدينة رفح جنوب القطاع.
وصلت سماهر عبد الواحد إلى الشاطئ بعد رحلة طويلة، نقلت خلالها خيمتها 7 مرات بسبب إجبار جيش الاحتلال على النزوح القسري من منطقة إلى أخرى خلال عمليات التوغل البرية.
سماهر، التي تبلغ 42 سنة، نزحت العام الماضي من شمال القطاع لتصل في نهاية رحلتها إلى غرب مدينة خانيونس بالقرب من شاطئ البحر.
غير أن خيمتها لم تتحمل أمطار سبتمبر، فغرقت مع موجة الهطول على مناطق غرب المدينة، التي تمتد على طرف منحدر من وسط خانيونس وحتى المنطقة الغربية على شاطئ البحر.
"لسه إحنا في بداية الشتا وكل الميه تجمعت في منطقة خيامنا، وغرقنا، فرشات النوم وأغراضنا كلها غرقت بالميه الملوثة، طيب احنا وين بدنا نروح وكل المناطق مليانة ناس"، تشكو سماهر لـ المنصة.
مساعدات لا تصل
الأوضاع في القطاع وما يشهده من تدهور بسبب حالة الخيام والأمطار دفعت جولييت توما، مديرة الاتصالات في وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (أونروا)، إلى المطالبة بمزيد من الملاجئ والإمدادات لمساعدة الناس على مواجهة الشتاء المقبل.
"مع هطول الأمطار وانخفاض درجات الحرارة من المرجح أن يصاب الناس بالمرض وخاصة الأطفال الأكثر عرضةً للإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا" وفق ما صرحت به توما لرويترز.
بات توفير مستلزمات فصل الشتاء واحدًا من الأولويات على جدول المنظمات الدولية في غزة، التي تشمل الأغطية البلاستيكية، الخيام، المراتب، الحُصر، البطانيات، وغيرها من المواد الأساسية. غير أنها تواجه صعوبات كبيرة في إدخال هذه المواد إلى القطاع، حسب الأونروا.
وعلى الرغم من أن المساعدات الإنسانية والشاحنات التجارية تواجه تضييقًا إسرائيليًا منذ إغلاق معبر رفح في مايو/أيار الماضي، ما يزيد من معاناة النازحين، فإن بيانًا للأمم المتحدة أشار إلى استعداد الشركاء الإنسانيين لفصل الشتاء، مُحددًا الأماكن الأكثر عرضة للخطر "يُعتقد أن 38 موقعًا مؤقتًا و13 موقعًا متفرقًا في محافظات خانيونس ودير البلح والشمال من المرجح أن تشهد فيضانات بدرجات متفاوتة من الشدة".
وأكد على أهمية تمكين المنظمات الإنسانية من الوصول إلى جميع أنحاء غزة، أينما كانت هناك حاجة إليها.
وحسبما رصدت المنصة لم يدخل جنوب ووسط قطاع غزة أي من الخيام منذ أسابيع، فيما وصلت بعض المساعدات الغذائية مثل الطحين وبعض المنظفات، ومعلبات أغذية "هناك عشرات الشاحنات المُحملة بالخيام والشوادر -قطع جلدية كبيرة- متواجدة على معبر كرم أبو سالم، ولم يسمح جيش الاحتلال بدخولها حتى الآن" حسب مصدر في إحدى المؤسسات الدولية العاملة في القطاع، طلب عدم نشر اسمه.
من ناحية أخرى، تخشى المؤسسات الإنسانية من احتمالية سرقة الشاحنات وعدم قدرتهم على توصيل الخيام للنازحين، إذ تشهد المنطقة وفي ظل قلة المساعدات التي تصل إلى غزة محاولات مستمرة لنهبها قبل أن تصل إلى مستحقيها، لتظهر البضائع بعدها في الأسواق تباع بأسعار مرتفعة.
لم يترك سامي وعائلته الكبيرة الشاطئ حتى الآن، لا تزال الخيام الثلاثة في مكانها في مواجهة البحر "ماعدش فيه مكان نعرف نروحه، ولو فيه مكان أمان مافيهوش حتة فاضية نحط فيها خيامنا". ليستقبل وغيره من النازحين شتاء 2025 كما استقبلوا الشتاء السابق، بلا مأوى.