بين السقوط المدوِّي لنظام بشار الأسد مع سيطرة فصائل المعارضة على دمشق الأسبوع الماضي، واجتماع العقبة الوزاري الذي انتهى السبت إلى صياغة موقف عربي من التطورات المتسارعة في سوريا، ستة أيام كاملة شابها الارتباك، وبعض البيانات الدبلوماسية.
وبينما تتوجه الأنظار اليوم، بعد إنهاء أكثر من خمسة عقود من حكم عائلة الأسد لسوريا بالحديد والنار ودخول البلاد إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل، إلى الدول العربية التي يتوقع منها أن تلعب أدوارًا في إنقاذ هذا البلد من الانزلاق إلى المزيد من الاقتتال الأهلي المسلح ومخاطر التقسيم، تبدو القوى الإقليمية والدولية غير العربية أكثر حضورًا وجاهزية.
فمع توالي أنباء سيطرة المعارضة السورية المسلحة على العاصمة دمشق، ثم هروب الأسد إلى روسيا، مرَّت عدة ساعات من الصمت العربي، قبل أن تتوالى بعض البيانات الدبلوماسية التي تمحورت حول ضرورة الحفاظ على أمن ووحدة سوريا، وإدانة الاعتداءات والتوغلات الإسرائيلية فيها.
نفس العبارات تضمنها البيان الختامي لاجتماع العقبة، الذي شارك فيه وزراء خارجية المجموعة العربية للتواصل من أجل سوريا (مصر والسعودية والعراق ولبنان والأردن) إلى جانب الإمارات وقطر والبحرين والأمين العام لجامعة الدول العربية. غير أن خبيرًا سياسيًا تحدثت إليه المنصة، استبعد أن ينجح العرب في لعب دور وازن في الملف السوري.
ارتباك وقلق
من الأردن صدر أول بيان عربي بعد هروب الأسد، يؤكد أهمية الحفاظ على أمن واستقرار سوريا، مع الإشارة للعمل على تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، قبل أن تلحقه به بيانات مصر والسعودية والإمارات وقطر.
القاهرة من جانبها، أكدت مساندة الدولة والشعب السوري، ودعم سيادة سوريا ووحدة وتكامل أراضيها، داعيةً الأطراف السورية بكافة توجهاتها إلى صون مقدرات الدولة ومؤسساتها الوطنية، وتغليب المصلحة العليا للبلاد، من خلال توحيد الأهداف والأولويات.
ثم أصدرت الخارجية المصرية بيانًا آخرَ يدين الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للبنية التحتية داخل الأراضي السورية، وتعمد قصف وتدمير العديد من المواقع والقواعد والأسلحة والمعدات والأنظمة العسكرية.
أما الخارجية السعودية، فأكدت في بيان دعم الشعب السوري وخياراته، ودعت لتضافر الجهود للحفاظ على وحدة سوريا وتلاحم شعبها لتجنب الانزلاق نحو الفوضى والانقسام.
لكنَّ أستاذ العلوم السياسية بجامعة السويس والخبير في العلاقات الدولية، الدكتور جمال سلامة، لا يتوقع أن تبادر الدول العربية بالتحرك نحو الحكومة السورية المؤقتة قبل أن ترسل الأخيرة رسائل طمأنة، مشيرًا إلى القلق المتزايد في القاهرة وأبو ظبي والرياض وغالبية العواصم العربية من صعود الجماعات التي تتبنى نهجًا دينيًا إلى الحكم في سوريا.
تواجه الدول العربية صعوبة في التعامل مع هيئة تحرير الشام
"سلطة الأمر الواقع الحالية في دمشق عليها أن تبعث برسائل طمأنينة للدول العربية، وتطلب المساندة والدعم"، يقول سلامة لـ المنصة مشددًا على "تعقيد" الوضع السوري في اللحظة الراهنة، في ظل انقسام المجتمع طائفيًا وعرقيًا.
يشير سلامة إلى سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة أمريكيًا والمناهضة لتركيا على شمال شرقي سوريا منذ سنوات، ودخول إسرائيل المنطقة العازلة، وهيمنة تركيا على المناطق الحدودية، ما يُصعب من تدخل مصر أو غيرها من الدول العربية في الداخل السوري.
الإمارات تراقب من بعيد
تقف الإمارات في موقف أكثر تعقيدًا من سوريا الجديدة بعد رحيل بشار، فمع بدء تقدم الفصائل المسلحة نحو دمشق نهاية الشهر الماضي، بادر الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان بالاتصال بالأسد ليؤكد تضامن بلاده مع سوريا ودعمها في محاربة "الإرهاب والتطرف".
وعقب هروب الأسد، أعرب أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي قلق بلاده بشأن الانتماءات الإسلامية للفصائل السورية المسلحة التي أسقطت الأسد وتولت السلطة في دمشق وعلى رأسها هيئة تحرير الشام.
من هنا، ينطلق سلامة مستبعدًا أن تلعب الإمارات دورًا في المرحلة الجديد، مشيرًا إلى أنها أول دولة خليجية تُعيد العلاقات مع دمشق خلال سنوات القطيعة بعد الحرب الأهلية السورية، ولعبت دورًا في تقريب وجهات النظر بين الأسد والدول العربية خلال السنوات الماضية.
"طالما اتخذت أبو ظبي موقفًا معاديًا للجماعات التي تعتمد النهج الديني في الحكم" يقول سلامة لافتًا إلى أنها قد تتخذ موقفًا متحفظًا من هيئة تحرير الشام.
عودة سوريا للحضن العربي مرهونة بتسليم السلطة لمدنيين
من جانبه، يتوقع الأمين العام للحركة الدبلوماسية الشعبية السورية، محمود الأفندي أن تقابل الدول العربية صعوبة في التعامل مع هيئة تحرير الشام "جبهة النصرة سابقا"، التي تتولى إدارة البلاد بعد سقوط النظام، كونها مُسجلة كمنظمة إرهابية لدى مجلس الأمن الدولي، وفقًا للقرار رقم 2170 لسنة 2013، الأمر الذي يُعيق تعاملها مع المجتمع الدولي والعربي.
يعتبر الأفندي، وهو مقيم في العاصمة الروسية موسكو منذ سنوات، أن تجميد عضوية سوريا بالجامعة العربية في 2011 كان "خطأً قاتلًا"، سمح لإيران وميليشياتها بملء الفراغ العربي في دمشق، وإبعادها عن العرب.
"عودة سوريا إلى الحضن العربي مُشترطة بتسليم هيئة تحرير الشام، الحكم لسلطة مدنية عقب تعديل الدستور وإجراء انتخابات تشريعية"، يربط الأفندي بين تفاعل سوريا الجديدة وانخراطها مع الدول العربية، وتسليم السلطة للمدنيين. ويتوقع أن تستغرق تلك العملية وقتًا طويلًا، رغم أنه يرجح في الوقت ذاته عدم تسليم هيئة تحرير الشام السُلطة.
قطر وأدوار المستقبل
على عكس الإمارات والدول العربية المتحفظة والقلقة، يلوح دور قطري في أفق سوريا الجديدة، مع إعلان الدوحة إعادة فتح سفارتها في دمشق خلال وقت قريب، وذلك بعد 13 عامًا من إغلاقها بسبب القطيعة مع بشار ونظامه.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري إن بلاده "ستعيد افتتاح سفارتها في الجمهورية العربية السورية الشقيقة قريبًا بعد إكمال الترتيبات اللازمة". وأكد أن هذه الخطوة لتعزيز العلاقات التاريخية الوثيقة بين البلدين والشعبين الشقيقين، ودعم قطر الثابت للشعب السوري. كما بادرت الدوحة بتسيير جسر جوي لتقديم المساعدات إلى سوريا، ووصول أول طائرة مساعدات إلى مدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا.
في سوريا الجديدة يظهر لاعبون إقليميون جدد
وهنا، يتوقع رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، محمد محسن أبو النور، أن تظل قطر الدولة العربية الوحيدة التي تمتلك قنوات اتصال مع القائمين الجدد على الحكم في سوريا.
ويتفق معه الدكتور جمال سلامة قائلًا "لن يقتصر الحضور القطري على المساعدات"، متوقعًا أن تلعب الدوحة دور وساطة، في ظل علاقتها القوية بالحكومة الحالية وتركيا، مشيرًا إلى أنها سارعت لفتح قنوات تواصل مع حكومة البشير المؤقتة.
وقبل أيام، وصل إلى دمشق وفد تركي-قطري رفيع المستوى، على رأسه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن، ورئيس جهاز أمن الدولة القطري خلفان الكعبي.
تركيا تحرك سوريا الجديدة
منذ اندلاع الثورة السورية قبل 13 عامًا، لعبت إيران دورًا فاعلًا في استمرار بشار الأسد في سدة الحكم رغم المطالب الواسعة بإسقاطه، حيث دعمت طهران النظام بإرسال مستشارين عسكريين وقوات خاصة من الحرس الثوري الإيراني، بالإضافة لتقديم مساعدات اقتصادية في مقدمتها إمداد دمشق بنفط يُقدر بمليارات الدولارات.
لكن في سوريا الجديدة يظهر لاعبون إقليميون جدد، يوضح الأمين العام لحركة الدبلوماسية الشعبية، مضيفًا تركيا اللاعب الأساسي حاليًا، مشيرًا إلى امتلاكها علاقات قوية مع فصائل المعارضة المسلحة التي تسيطر على الحكم وعلى رأسها الجيش الوطني السوري وهيئة تحرير الشام.
"سوريا اليوم أبعد من الأمس عن الجامعة العربية والبيت العربي، والأمر قد يستغرق سنوات تتجاوز العقد من الزمن حتى تعود سوريا العربية القوية التي لا تخضع لتأثيرات إقليمية ودولية"، يقول الأفندي.
وسط ترقب ومتابعة المشهد في سوريا، مع صعود أدوار قوى إقليمية ودولية وغموض الوضع في سوريا الجديدة، توضح الأيام المقبلة سبل تفاعل العرب مع الحكام الجدد والدول القادرة على إدارة علاقات مع منظومة المرحلة الانتقالية التي تديرها هيئة تحرير الشام.