مجلس النواب
وزيرة البيئة في الجلسة العامة بمجلس النواب 2 يونيو 2025 خلال مناقشة طلبات متعلقة بالبيئة والتغيرات المناخية.

يوميات صحفية برلمانية| عاصفة الإسكندرية لم توقظ نوابها

منشور الثلاثاء 3 يونيو 2025

العاصفة الرعدية التي باغتتْ الإسكندرية في غير موسم العواصف، فجر السبت الماضي، وسبَّبت حالة من الذعر وخسائر مادية منها 10 انهيارات جزئية في بعض المباني، وأجلَّت امتحانات الجامعات والمدارس، لم تكن كافية لإيقاظ نواب الإسكندرية في مجلس النواب، فلم يبادر أيٌّ منهم إلى استخدام أيٍّ من أدواتهم الرقابية لفهم ما جرى للمدينة وسبل مواجهة المخاطر المحتملة في المستقبل.

وفي مشهد يثير القلق بشأن جدية مؤسسات الدولة وممثلي الشعب في التعامل مع تداعيات التغيرات المناخية، لم يَصدر من الأعضاء سوى طلب إحاطة وحيد تقدم به النائب عن حزب الإصلاح والتنمية محمود عصام، الذي يمكن اعتباره الاستثناء الوحيد لنواب الإسكندرية والبحيرة، وسؤال برلماني تقدم به النائب الوفدي، أيمن محسب.

مناقشات بالصدفة

أما مجلس الشيوخ، فلعبت الصدفة دورًا في دخوله على خط أزمة وتداعيات التغيرات المناخية، فأجندة المجلس المحددة لهذا الأسبوع تضمنت عددًا من طلبات المناقشة العامة والتقارير المرتبطة بالبيئة، من بينها طلب المناقشة المقدم من عضو المجلس عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، محمود القط، بشأن خطط وزارة البيئة المتعلقة بالتكيف مع تداعيات التغيرات المناخية والتخفيف من مخاطرها في المناطق الساحلية.

جاء الجدول المحدَّد مسبقًا قبل العاصفة، فجر السبت، لصالح مجلس الشيوخ، فظهر متفاعلًا مع الظاهرة ومخاطرها وكأنه يواكب الترند.

وتيرة تغيّر المناخ في حوض البحر المتوسط أسرع من الاتجاهات العالمية

تحدَّث القط في كلمته بالجلسة العامة، الاثنين، عن العاصفة وغرابتها وتوقيتها، قائلًا إن "ما حدث في الإسكندرية قبل يومين أمرٌ غير معتاد في مثل هذا التوقيت من كل عام"، لافتًا إلى أنه بمرور الوقت تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تغيرات في أنماط الطقس واضطرابات في توازن الطبيعة المعتاد، وهو ما يشكل مخاطر عديدة على البشر وجميع أشكال الحياة على الأرض.

وأشار إلى أن وتيرة تغيُّر المناخ في حوض البحر المتوسط أسرع من الاتجاهات العالمية، وقال "تشير الدراسات إلى أن المعدل السنوي الحالي لدرجات الحرارة في البر والبحر في حوض المتوسط أعلى بمقدار 1.5 درجة مئوية مما كان عليه الحال في عصور ما قبل النهضة الصناعية، كما أن الزيادة السنوية في الاتجاه العام لدرجات الحرارة تتجاوز المعدلات العالمية، الأمر الذي يتطلب تضافر الجهود الإقليمية والدولية للمزيد من جهود التخفيف من حدة تغير المناخ".

تحذيرات الشيوخ

انطلقت التحذيرات من كلمات الأعضاء خلال المناقشات، ورغم صدقها لكنها بدتْ متأخرةً أو منفصلةً عما يجري في الواقع وعن عشرات الدراسات التي تحذر من غرق الإسكندرية عبر سنوات.

نبه وكيل مجلس الشيوخ بهاء أبو شقة لعواقب التأخر في مواجهة أزمة التغير المناخي، مؤكدًا أن غياب الإجراءات السريعة والفعالة سيؤدي إلى تصحر واسع، وفقدان محاصيل زراعية لن تتمكن من التأقلم مع التغيرات المناخية، كما حدث مؤخرًا في الإسكندرية من عواصف وسيول صدمت المواطنين في ظل غياب الاستعدادات اللازمة، كما توقف أبو شقة أمام صدمة المواطنين، وحذر من العواقب.

بينما وجَّه رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري إيهاب وهبة سؤالًا لوزيرة البيئة "هل ما حدث في الإسكندرية له علاقة مباشرة بالتغيرات المناخية؟".

دافعت الوزيرة عن أداء الحكومة مروجة لاستعدادها للتغيرات المناخية

يسأل وهبة ببراءة عن ارتباط ما جرى بالتغيرات المناخية وتداعياتها، فيما تحذر عشرات الدراسات التي صدرت خلال السنوات الماضية من غرق مدينة الإسكندرية، وتصنفها واحدةً من أكثر المدن الساحلية المهددة بالغرق بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر نتيجة للتغير المناخي.

ففي عام 2020، أشار تقرير صادر عن الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إلى أن دلتا النيل بأكملها، ومدينة الإسكندرية، تواجه خطرًا وجوديًا خلال العقود المقبلة، ما لم يتم اتخاذ إجراءات جذرية لحماية السواحل والبنية التحتية الحيوية.

ليست مفاجأة

اﻷمطار في الإسكندرية                                                                                                                                  

تقر وزيرة البيئة ياسمين فؤاد في كلمتها بجلسة مجلس الشيوخ، بأن ما جرى في الإسكندرية ليس مفاجأةً، ومع ذلك تستدرك "لكن اتخضينا كلنا".

ما جرى في الإسكندرية مقدمة وتحذير مرعب، مهما كان إدراكك لحقيقة خطورة التغير المناخي، ومدى وعيك وقراءاتك، خاصة عندما تدرك أنه ربما يكون مجرد مقدمة وناقوس خطر من الطبيعة التي سبق وباغتت جارتنا ليبيا قبل سنوات، بإعصار دانيال الذي أدى لخسائر بشرية ومادية مفزعة.

دافعت الوزيرة عن أداء الحكومة مروجةً للاستعداد للتغيرات المناخية وتداعياتها ووضع خطط خاصة لمدينة الإسكندرية، وتحدثت عن إجراءات منعت حدوث شلل تام، بينما البلد كانت مشلولة بالفعل وأنفاقها وشوارعها غارقة. تقول ياسمين فؤاد "اللي كان ممكن يحصل في إسكندرية لو ماكنتش الإجراءات المتخذة منذ 8 سنوات كان سيكون أسوأ بمراحل مما حدث ".

اختبار سياسي لمصر

تتباهى الحكومة بإطلاق الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، وهي وثيقة مهمة بالفعل تهدف إلى دمج البعد المناخي في السياسات الاقتصادية والتنموية للدولة، وتعزيز المرونة أمام الظواهر المناخية المتطرفة، خصوصًا في المناطق الساحلية، لكنّ الاستراتيجية وحدها لا تُترجم إلى قدرة على احتواء الكوارث، ولا تعني أن البنية التحتية قادرة على الصمود.

في شرم الشيخ خلال قمة المناخ، لعبت مصر دورًا محوريًا في التوصل إلى اتفاق تاريخي بإنشاء صندوق الخسائر والأضرار لصالح الدول النامية المتأثرة من تغير المناخ. لكنّ هذا الانتصار الدبلوماسي اهتز بانسحاب الولايات المتحدة من مجلس إدارة الصندوق واتفاق باريس نفسه، في خطوة كاشفة عن هشاشة الالتزامات الدولية في مواجهة أزمة عالمية تتطلب تضامنًا يتجاوز الحسابات السياسية.

ما حدث في الإسكندرية لم يكن مجرد عاصفة ثلجية ضربتْ في الصيف، بل اختبار سياسي وفني لقدرة الدولة على تطبيق ما تروّج له من خطط واستراتيجيات. إنَّ عجز البرلمان عن الرد، والصمت شبه التام من نواب المدينة، ثم التحرك "بالصدفة" من مجلس الشيوخ، كلها إشارات مقلقة عن جاهزية الدولة، وعن علاقتها الحقيقية بالمجتمع وبالتهديد المناخي.

في المقابل، تبدو فرصة مصر لتعزيز دورها الإقليمي والدولي في ملف المناخ مرهونةً بقدرتها على ربط الكارثة اليومية بالمعركة العالمية، وعلى استخدام صوتها، باعتبارها من أكثر الدول عرضة للخطر، للضغط على الممولين وعدم ترك الملف رهينة انسحابات الكبار أو تناقضاتهم.